السبت، 18 يناير 2014

أخطاء في القراءة



هناك العديد من الأخطاء التي يقع فيها بعض القراء، سنوضحها لاحقًا، ومن هذه الأخطاء:
1- القراءة لتمضية الوقت، دون أن يكون هناك هدف أو غاية، والصواب: أن يكون للقارئ هدف وغاية يسعى إلى تحقيقها.
2- التقليد الأعمى لكل شيء مكتوب، وقبوله دون تمحيص أو نقد، وعلى القارئ بناء ثقافة عالية له تؤهله لإدراك ما حوله، ومناقشة ما هو مكتوب مناقشة فكرية.
3- التضخيم والدعاية لبعض الكتب أكبر من قيمتها الحقيقية، وإعطاؤها منزلة فوق حجمها، وقد يكون الدافع إلى ذلك محبة المؤلف والارتياح له، أو تضمنها فكرة تروق للقارئ بغض النظر عن صحتها أو خطئها.
4- تغير القناعة الفكرية لأدنى شيء يقرأه، والواجب على القارئ: عدم التسليم بالصحة لأي شيء يقرأه، فلا يخضع للكاتب خضوعًا تامًا، إنما يجب أن يكون رائده في القراءة: وزن الحقائق، وتقدير الأمور، تقديرًا يدفع إلى إظهار الحق وإبطال الباطل.
5- القراءة بغرض كشف أخطاء المؤلف وعيوبه – على حد زعمه – فهو يقرأ للنقد دون طلب للفائدة.
6- استعجال الثمرة والنتائج، وعدم الصبر على القراءة والاطلاع.
7- سرعة القراءة في غير محلها، وإنهاء الكتاب في فترة زمنية محدودة، وإن لم يستفد من الكتاب، وينبغي أن يعلم القارئ أن العبرة بالفهم والاستيعاب، لا بكثرة الصفحات المقروءة وإنهاء المجلدات.
8- الامتناع عن قراءة كتب بعض الكُتّاب، إما لوجود خلفية سابقة عن الكاتب أقنعته بأن كتاباته سيئة، أو لبعض كتابات سابقة له.
9- الثقة بكل شيء مطبوع من غير تثبُّت ولا مراجعة، حتى لو كان مصادمًا للشريعة، فينبغي على القارئ الاستعانة بأهل الخبرة في هذا الشأن.
10- عدم الانتباه لبعض الكتاب المضلين الذين ينشرون السم في العسل، أو يأخذون ما يناسب أهواءهم ويتركون ما لا يوافق أهواءهم.
11- عدم الانتباه لبعض التناقضات التي يقع فيها بعض الكُتّاب، فقد يقول الكاتب في بداية مؤلفه فكرة ثم يناقضها في آخر الكتاب.
12- اعتقاد أن القراءة مجرد هواية وتسلية، تمارس في أي وقت ومكان، والصحيح أن للقراءة قواعد وشروطًا قد ذكرناها سابقًا، كما أنها ليست مجرد هواية، بل هي غذاء للروح، فعلى القارئ أن يعطيها حقها من التقدير.
ينظر: الإضاءة فى أهمية الكتاب والقراءة: خالد بن عبد العزيز النصار صـ82

خصائص القراءة



تتمتع القراءة بمزايا وخصائص عديدة، لا يمكن حصرها، ولكننا نلخص منها ما يلي:
1- القراءة هي نافذة الإنسان على الدنيا، يطل منها على كل شيء، ويرى منها الحياة والأحياء، ويطلع على الكون.
2- أنها ظاهرة إنسانية من خواص الإنسان وحده، ولازمة لرقيه، وما يبذله الإنسان فيها يعتبر جهدًا نافعًا وضروريًا؛ لكي يتمتع بإنسانيته، ويحقق غاية الخلق فيه.
3- أنها عملية حيوية كاملة، تشترك فيها قوى إنسانية متعددة، وتحتاج لجهود بدنية وعقلية ونفسية؛ لكي تصل إلى الدرجة المطلوبة.
4- أنها مع قرينتها (الكتابة) يعتبران حجر الأساس في التعليم، ولا يمكن لوسيلة أخرى أن تغني عنهما.
5- أنها لا تعترف بالفواصل الزمنية، والفوارق الاجتماعية، والحدود الجغرافية، فالقارئ يستطيع أن يعيش كل العصور، وفي كل الممالك والأقطار.
6- أنها لا تقيد الإنسان بزمان ولا مكان، فالقارئ يستطيع القراءة متى شاء وأين شاء.
7- أنها تسمح للكاتب أن يتحدث في كل الأوقات، وإلى كل الطبقات والهيئات- دون استثناء- فيزول بذلك كثير من الفوارق الفكرية بين طبقات المجتمع.
8- أنها تنقل القارئ من عالمه الضيق إلى عالم أوسع أفقًا، فهي من أهم الوسائل التي تعالج ضيق الأفق، إذ تجعل من الرجل محدود التفكير رجلاً واسع الأفق بعيد النظر.
9- أنها توجه البحث العلمي، وتربط الباحثين في شتى أنحاء العالم برباط قوي، وبذلك يسير موكب العلم والمعرفة نحو أهدافه السامية التي يبغيها بخطوات سريعة موفقة.
10- أنها تعطي القارئ أكثر من حياة واحدة في مدى عمر الإنسان الواحد؛ لأنها تزيد من هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب.
11- أنها وسيلة للتنمية أو للهدم، فهي تؤثر في اتجاهات الإنسان ومستواه الخلقي ومعتقداته وتصرفاته، على حسب ما يقرأ يكون التأثر، إن صالحًا أو طالحًا.
12- تتميز بحرية الاختيار دون تقييد.
13- أنها متعة عظيمة بسعر رخيص، بالمقارنة مع تكاليف الهوايات الأخرى.
14- تتميز بالبقاء ودوام الاقتناء.
15- تتميز بسهولة المراجعة، وسلامة اللغة، وسهولة التثبيت في الذاكرة، وقد جاء في المثل الصيني: «أسمع فأنسى، أقرأ فأتذكّر».
16- أنها وسيلة أساسية للاتصال بين الأفراد والمجتمعات، والربط بين أفراد المجتمع.
17- أنها سبيل الفهم، وهي بداية التعامل مع النص، فالمرء لكي يعي النص يبدأ بقراءته، وحين يكون النص عميقًا في بنائه، يحتاج المرء إلى معالجة أخرى، هي في حد ذاتها قراءة ثانية أو ثالثة يستعين معها بالقلم والورق.
ينظر: الإضاءة فى أهمية الكتاب والقراءة: خالد بن عبد العزيز النصار صـ39

الجمعة، 17 يناير 2014

فائدة عن شراء الكتب




" فإن شراء الكتـب وحده عبـادة يُؤجر عليها فاعلهـا, لوجـوه منهـا:
أنها مما لا ينقطع العمل به بعد الـموت, حيث تبقى فيُنتفع بها مِـن بعده.
ثم إن تكوين المكتبة العامرة يُشبه طلب العلـم من جهتين:
الأولى:
كما أن طلب العلم لا يكون جملة في أيام وليال, كذلك تكوين المكتبة,
لا يُمكن أن يَتمّ إلا من خلال متابعة للجديد من الكتب في عالم المطبوعات؛
حيث إن الكتب كثيرة جداً, وهناك كتب نادرة, وكتب سرعان ما تنفـد من الأسواق,
فمن لم يبادر بشرائها فاتــتـه.
الثانية:
أن طلب العلم يلجئ طالب العلم إلى دراسة مسائل ما كان يظن قبل ذلك أنه سيحتاج إلى دراستها, وكذلك تكوين المكتبة؛
فإن شراءك الكتاب ومعرفتك لما فيه يدُلك على كتاب آخر, ربما لم تسمع به,
وربما سمعت به, ولم تظن أنك محتاج إليه,
فالحـاجـة للكـــتـب تنمو مع نـموِّ طلبـك للعـلـــم" ! "
الشيخ حاتم العونى

الخميس، 16 يناير 2014

اقرأ لتستفيد

اقرأ لتستفيد
والناس في حال القراءة أصناف ثلاثة:
أ - فمنهم من يقرأ أيَّ كتاب على أنه قرآن أو أحد الصحيحين فلا تثبُّت ولا مراجعة لِما يمرُّ به، بل كلُّ ما يمرُّ به صواب، وهذا مجانب للصواب.
ب- ومنهم من يقرأ أي كتاب لكشف أخطاء المؤلف وكشف عوارة - على حد زعمه - فهو يقرأ للنقد فقط، وهذا كسابقه مجانب للصواب.
ج- القراءة الناجحة، وهي فيما أعلم لا بدَّ فيها من أمرين:
- طلب الفائدة.
- النقد لما تقرأ مما يقبل النقد.
وليكن معلومًا أنَّ القراءة للاستفادة لا للاستكثار، فليست العبرة بعدة صفحات ننهيها أو فصل أو باب نختمه في كتاب، بل العبرة بما استفدت من هذا الكتاب.

الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله

العز بن عبد السلام
قال الذهبي رحمه الله:
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكان أحد المجتهدين: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل «المحلي» لابن حزم وكتاب «المغني» للشيخ موفَّق الدين.
قلت: لقد صدق الشيخ عز الدين وثالثهما: «السُنن الكبير» للبيهقي ورابعها: «التمهيد» لابن عبد البرِّ، فمن حصل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقًّا

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله

قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله :
عليك بالكتُب المنسوجة على طريقة الاستدلال، والتفقُّه في علل الأحكام والغوص على أسرار المسائل، ومن أجلِّها كتُب الشيخين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتلميذه ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى:
وعلى الجادة في ذلك من قبل ومن بعد كتب:
1- الحافظ ابن عبد البر (م سنة 463هـ) رحمه الله تعالى، وأجل كتبه «التمهيد».
2- الحافظ ابن قدامة (م سنة 620هـ) رحمه الله تعالى وأرأس كتبه «المغنى».
3- الحافظ ابن الذهبي (م سنه 748هـ) رحمه الله تعالى.
4- الحافظ ابن كثير (م سنة 774هـ) رحمه الله تعالى.
5- الحافظ ابن رجب (م سنة 795هـ) رحمه الله تعالى.
6- الحافظ ابن حجر (م سنة 852هـ) رحمه الله تعالى.
7- الحافظ الشوكاني (م سنة 1250هـ) رحمه الله تعالى.
8- الإمام محمد بن عبد الوهاب (م سنة 1206هـ) رحمه الله تعالى.
9- كتب علماء الدعوة ومن أجمعها «الدُّرر السنية».
10- العلامة الصنعاني (م سنة 1182هـ) رحمه الله تعالى، لاسيما كتابه النافع «سُبل السلام».
11- العلامة صديق حسن خان القنوجي (م سنة 1307هـ) رحمه الله تعالى.
12- العلامة محمد الأمين الشنقيطي (م سنة 1393هـ) رحمه الله تعالى لاسيما كتابه «أضواء البيان»

الإضاءة في أهمية الكتاب والقراءة

القراءة البدء والاستمرار

الأحد، 12 يناير 2014

حقوق النبي صلي الله عليه وسلم على أمته



حقوق الحبيب صلى الله عليه وسلم على أمته
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فإن من أوجب الحقوق على كل مسلم فى هذه الحياة الدنيا بعد حق الله عز وجل حق النبي صلى الله عليه وسلم البشير النذير والسراج المنير والرحمة المهداة صلوات الله عليه وسلامه ، وهذه الحقوق بينها ربنا تبارك وتعالى فى القرآن الكريم والمصطفى صلى الله عليه وسلم فما هى هذه الحقوق الواجبة على الأمة الإسلامية للنبي صلى الله عليه وسلم تعالوا بنا نتعرف على هذه الحقوق فى هذه المقالة المتواضعة.
أولاً: الإيمان به صلى الله عليه وسلم:
  فمن أولى حقوق النبي صلى الله عليه وسلم وأوجبها على مسلم هى الإيمان به صلى الله عليه وسلم قال تعالى:( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف:158].
قوله : ( فآمنوا بالله ورسوله النبي الأُمي) والمقصود طلب الإيمان بالنبي الأمي ؛ لأنه الذي سِيق الكلام لأجله ، ولكن لما صُدّر الأمر بخطاب جميع البشر وكان فيهم من لا يؤمن بالله ، وفيهم من يؤمن بالله ولا يؤمن بالنبي الأمّي ، جُمع بين الإيمان بالله والإيمان بالنبي الأمي في طلب واحد ، ليكون هذا الطلب متوجهاً للفرَق كلهم ، ليجمعوا في إيمانهم بين الإيمان بالله والنبي الأمي ، مع قضاء حق التأدب مع الله بجعل الإيمان به مقدماً على طلب الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم للإشارة إلى أن الإيمان بالرسول إنما هو لأجل الإيمان بالله ، والإيمان بالله الإيمانُ بأعظم صفاته وهي الإلهية المتضمن إياها اسم الذات ، والإيمان بالرسول الإيمانُ بأخص صفاته وهو الرسالة ، وذلك معلوم من إناطة الإيمان بوصف الرسول دون اسمه العلم. (التحرير والتنوير:لابن عاشورجـ9صـ140وما بعدها).
 وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء:136].
وقال تعالى: (وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا) [الفتح:13].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:"والإيمان هو حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علماً والتصديق به عقداً والإقرار به نطقاً والانقياد به محبة وخضوعاً والعمل به باطناً وظاهراً وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان"( الفوائد:صـ107).
وقال القاضى عياض رحمه الله :والإيمان به صلى الله عليه وسلم هو تصديق نبوته ورسالة الله له وتصديقه في جميع ما جاء به وما قاله ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اجتمع التصديق به بالقلب والنطق بالشهادة بذلك باللسان تم الإيمان به والتصديق له(الشفا بتعريف حقوق المصطفى: جـ2صـ3 ).
ثانياً: محبة النبي صلى الله عليه وسلم:
إن محبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الإيمان وإذا استقرت شجرة المحبة الصادقة في القلب أتت أكلها كل حين وأثمرت كل أنواع الإتباع والاقتفاء للمحبوب صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].
يقول القاضي عياض رحمه الله مستدلا بهذه الآية :فكفى بهذا حضا وتنبها ودلالة وحجة على إلزام محبته ، ووجوب فرضها وعظم خطرها واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم ، إذ قرع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله ، وتوعدهم بقوله تعالى : ( فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) ثم فسقهم بتمام الآية وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله (الشفا: جـ2 صـ18).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فو الذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده"(رواه البخاري).
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
قال الإمام الخطابي رحمه الله :أراد به حب الاختيار لا حب الطبع لأن حب الإنسان نفسه وأهله طبع ولا سبيل إلى قلبه قال: فمعناه لا يصدق في إيمانه حتى يفنى في طاعتي نفسه ويؤثر رضاي على هواه وإن كان فيه هلاكه0
وقال القاضى عياض وغيره: المحبة ثلاثة أقسام:
1 - محبة إجلال وإعظام كمحبة الوالد0
2 - محبة شفقة ورحمة كمحبة الولد0
3- محبة مشاكلة واستحسان كمحبة سائر الناس فجمع صلى الله عليه وسلم أقسام المحبة في محبته0
وقال الإمام ابن بطال رحمه الله: معنى الحديث أن من استكمل الإيمان علم أن حقه صلى الله عليه وسلم عليه آكد من حق أبيه وابنه والناس أجمعين لأنه صلى الله عليه وسلم استنقذنا من النار وهدانا من الضلال(الديباج على مسلم :جـ1صـ60).
وأخرج البخاري فى صحيحه عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".
قال الإمام الخطابي رحمه الله :حب الإنسان نفسه طبع وحب غيره اختيار بتوسط الأسباب وإنما أراد عليه الصلاة و السلام حب الاختيار إذ لا سبيل إلى قلب الطباع وتغييرها عما جبلت عليه قلت: فعلى هذا فجواب عمر أولا كان بحسب الطبع ثم تأمل فعرف بالاستدلال أن النبي صلى الله عليه و سلم أحب إليه من نفسه لكونه السبب في نجاتها من المهلكات في الدنيا والأخرى فأخبر بما اقتضاه الاختيار ولذلك حصل الجواب بقوله: الآن يا عمر أي الآن عرفت فنطقت بما يجب(فتح البارى : جـ11صـ528).
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار"(رواه البخاري ومسلم).
قال سهل بن عبد الله: من لم يرى ولاية الرسول صلى الله عليه وسلم عليه في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه صلى الله عليه وسلم لا يذوق حلاوة سنته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه".
قال الإمام القاضى عياض رحمه الله :وحقيقة المحبة: الميل إلى ما يوافق الإنسان وتكون موافقته له إما لاستلذاذه بإدراكه كحب الصور الجميلة والأصوات الحسنة والأطعمة والأشربة اللذيذة وأشباهها مما كل طبع سليم مائل إليها لموافقتها له، أو لاستلذاذه بإدراكه بحاسة عقله وقلبه معاني باطنة شريفة كحب الصالحين والعلماء وأهل المعروف المأثور عنهم السير الجميلة والأفعال الحسنة فإن طبع الإنسان مائل إلى الشغف بأمثال هؤلاء حتى يبلغ التعصب بقوم لقوم والتشيع من أمة في آخرين ما يؤدى إلى الجلاء عن الأوطان وهتك الحرم واحترام النفوس أو يكون حبه إياه لموافقته له من جهة إحسانه له وإنعامه عليه فقد جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، فإذا تقرر لك هذا نظرت هذه الأسباب كلها في حقه صلى الله عليه وسلم فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم جامع لهذه المعاني الثلاثة الموجبة للمحبة(الشفا:جـ2صـ30).
ثالثاً: طاعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر:
قال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)[النساء:80].
قال الإمام الطبرى رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية: هذا إعذارٌ من الله إلى خلقه في نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى ذكره لهم: من يطع منكم، أيها الناس، محمدًا فقد أطاعني بطاعته إياه، فاسمعوا قوله وأطيعوا أمرَه، فإنه مهما يأمركم به من شيء فمن أمري يأمركم، وما نهاكم عنه من شيء فمن نهيي، فلا يقولنَّ أحدكم:"إنما محمد بشر مثلنا يريد أن يتفضَّل علينا"!
ثم قال جل ثناؤه لنبيه: ومن تولى عن طاعتك، يا محمد، فأعرض عنك، فإنا لم نرسلك عليهم"حفيظًا"، يعني: حافظًا لما يعملون محاسبًا، بل إنما أرسلناك لتبين لهم ما نزل إليهم، وكفى بنا حافظين لأعمالهم ولهم عليها محاسبين(تفسير الطبري: جـ8صـ561 وما بعدها).
 وقال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء:65]. وقال تعالى:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا )[النساء:الآيتان:69 ، 70].
 قال القاضى عياض رحمه الله:فجعل تعالى طاعة رسوله طاعته وقرن طاعته بطاعته ووعد على ذلك بجزيل الثواب وأوعد على مخالفته بسوء العقاب وأوجب امتثال أمره واجتناب نهيه0
 قال المفسرون والأئمة: طاعة الرسول في التزام سنته والتسليم لما جاء به وقالوا: ما أرسل الله من رسول إلا فرض طاعته على من أرسله إليه وقالوا من يطع الرسول في سنته يطع الله في فرائضه0
وسئل سهل بن عبد الله عن شرائع الإسلام فقال:(وما آتاكم الرسول فخذوه)0
وقال السمرقندى يقال: أطيعوا الله في فرائضه والرسول في سنته0
 وقيل: أطيعوا الله فيما حرم عليكم والرسول فيما بلغكم 0
ويقال: أطيعوا الله بالشهادة له بالربوبية، والنبي بالشهادة له بالنبوة(الشفا:جـ2صـ6).
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ،ومن أطاع أميري فقد أطاعني،ومن عصى أميري فقد عصاني »(رواه البخاري ومسلم).
وعن العرباض بن سارية قال : « صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ، فقال : أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا ، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة »( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألبانى فى  صحيح الجامع حديث رقم 2549).
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: "ما أعددت لها؟" قال: ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال: "أنت مع من أحببت".
وقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً!.
وقال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [سورة آل عمران:31].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله(تفسير ابن كثير: جـ2صـ440).
وقال الشنقيطى رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:صرح تعالى في هذه الآية الكريمة: أن إتباع نبيه موجب لمحبته جل وعلا ذلك المتبع، وذلك يدل على أن طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هي عين طاعته تعالى، وصرح بهذا المدلول في قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) ، وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي اتباعه صلى الله عليه وسلم، فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر؛ إذ لو كان محبا له لأطاعه، ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة(أضواء البيان: للشنقيطي جـ1صـ199).
وقال سهل بن عبد الله : علامة حب الله حب القرآن ، وعلامة حب القرآن حب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب السنة ؛ وعلامة حب الله وحب القرآن وحب النبي وحب السنة حب الآخرة ، وعلامة حب الآخرة أن يحب نفسه ، وعلامة حب نفسه أن يبغض الدنيا ، وعلامة بغض الدنيا ألا يأخذ منها إلا الزاد والبلغة(تفسير القرطبى: جـ4 صـ60 وما بعدها).
 ولقد أحسن من قال:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه            هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته             إن المحب لمن يحب مطيع
انظر معي أخي الحبيب..
أين نحن من حب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من سنته صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من أوامره صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من نواهيه صلى الله عليه وسلم ؟ أين نحن من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
وسئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ.
وقال الحسن البصري رحمه الله : ادعى أناس محبة الله عز وجل فابتلاهم الله بهذه الآية: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) فعلامة محبة الله عز وجل  الحقيقية حب النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته وإتباع سنته.
رابعاً: الانتهاء عن كل ما نهى عنه وزجر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم"( رواه البخاري).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: استدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه صلى الله عليه وسلم أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاعة والاستطاعة.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) [البقرة:219]. فدعي عمر فقرئت عليه قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في النساء:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى) [النساء:43] فدعي عمر فقرئت عليه ثم قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء فنزلت التي في المائدة:(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:91] فدعي عمر فقرئت عليه فقال: "انتهينا – انتهينا"(أخرجه النسائي وصححه الألباني فى صحيح سنن النسائي رقم (5555).
خامساً: إتباع النبي صلى الله عليه وسلم:
فإتباع النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به والسير على نهجه والتمسك بسنته واقتفاء آثاره وإتباع أقواله وأفعاله وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه والتأدب بآدابه في العسر واليسر والمنشط والمكره، هو أول علامات محبته صلى الله عليه وسلم، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم هو من تظهر عليه هذه العلامة فيكون متبعاً للرسول صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً ومؤثراً لموافقته في مراده بحيث يكون فعله وقوله تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ )[الأعراف:158].
وقال تعالى:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المائدة:16].
وقال صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(رواه مسلم).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً بيده ثم قال: "هذا سبيل الله مستقيماً وخط عن يمينه وشماله ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه" ثم قرأ:( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].(أخرجه ابن حبان فى صحيحه).
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى:( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) قال: أخلصه وأصوبه قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام الجنيد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة إلا طريق من اقتفي آثار النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل يقول: وعزتي وجلالي لو آتوني من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك".
وعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: عليكم بالسبيل والسنة فإنه ليس من عبد على سبيل وسنة ذكر الرحمن ففاضت عيناه من خشية الله فتمسه النار أبداً وإن اقتصاراً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة.
وهذا هو فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتي إلى الحجر الأسود فيقبله ثم قال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك"( أخرجه البخاري فى صحيحه).
ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار0

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف  
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com

قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه

قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
1- فإن شأن رسول الله r عند الله لعظيم وإن قدره لكريم فلقد اختاره الله تعالى واصطفاه على جميع البشر وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين وشرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وأعلى له قدره وزكاه في كل شيء.
زكاه في عقله فقال سبحانه: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (سورة النجم: ٢)0
وزكاه في صدقه فقال سبحانه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) (سورة النجم: ٣).
وزكاه في بصره فقال سبحانه: ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (سورة النجم: ١٧).
وزكاه في فؤاده فقال سبحانه: ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (سورة النجم: ١١).
وزكاه في صدره فقال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (سورة الشرح: ١).
والمراد بالصدر هنا: القلب ، وقال ابن عباس رضى الله عنهما: شرحه بنور الإسلام0
وقال سهل: بنور الرسالة،وقال الحسن: ملأه حكما وعلما، وقيل معناه: ألم يطهر قلبك حتى لا يقبل الوسواس ؟( الشفا بتعريف حقوق المصطفى: جـ1صـ18).
وزكاه في ذكره فقال سبحانه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (سورة الشرح: ٤)0
قال القاضى عياض رحمه الله: هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه وشريف منزلته عنده وكرامته عليه بأن شرح قلبه للإيمان والهداية ووسعه لوعى العلم وحمل الحكمة ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه وبغضه لسيرها وما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم وتنويهه بعظيم مكانه وجليل رتبته ورفعة ذكره وقرانه مع اسمه اسمه0
وقال قتادة رحمه الله : رفع الله تعالى ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله(الشفا: جـ1صـ19).
وزكاه في طُهره فقال سبحانه: (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ )(سورة الشرح: ٢)0
وزكاه في حلمه فقال سبحانه: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (سورة التوبة: 128).
وزكاه في علمه فقال سبحانه: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (سورة النجم: ٥)0
وزكاه في خلقه فقال سبحانه:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سورة القلم: ٤) 0
2- أخبر الله عز وجل عن منزلته  في الملأ الأعلى عند رب العالمين وعند الملائكة المقربين فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) [الأحزاب:56] ثم أمر أهل الأرض من المؤمنين بالصلاة والسلام عليه ليجتمع له الثناء من أهل السماء وأهل الأرض فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"(رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون"( رواه مسلم).
3- أخذ الله الميثاق على جميع النبيين والمرسلين إن بعث فيهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وينصروه قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )[آل عمران:81].
قال أبو الحسن القابسى رحمه الله :اختص لله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم بفضل لم يؤته غيره أبانه به وهو ما ذكره في هذه الآية0
قال المفسرون: أخذ الله الميثاق بالوحى فلم يبعث نبيا إلا ذكر له محمدا ونعته وأخذ عليه ميثاقه إن أدركه لا يؤمنن به وقيل أن يبينه لقومه ويأخذ ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم، وقوله ثم جاءكم: الخطاب لأهل الكتاب المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم0
 قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: لم يبعث الله نبياً من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذن العهد بذلك على قومه(الشفا :جـ1صـ44).
4-ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل وقره في ندائه فناداه بأحب أسمائه وأسنى أوصافه حيث نادى على الأنبياء بأسمائهم الأعلام فقال جل وعلا: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأعراف:19] ،
وقال: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات:104،105] ، وقال: (يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا) [هود:48].
وقال: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم:12].
وما خاطب الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم إلا بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) أو بقوله:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) ، وقوله :( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) ، وقوله:( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ).
وجمع الله عز وجل فى الذكر بين خليله إبراهيم وخليله محمد صلى الله عليه وسلم فذكر خليله إبراهيم باسمه وخليله محمد بكنية النبوة فقال جل وعلا: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:68].
ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم فقال: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحجر:72].
أخرج ابن جرير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ما خلق الله وما برأ وما ذرأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحجر:72]. (تفسير الطبرى - سورة الحجر- القول في تأويل قوله تعالى : قال هؤلاء بناتي إن كنتم -  وقوله : لعمرك - حديث:‏19337‏).
5-ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم إيثاره أمته على نفسه بدعوته: إذ جعل الله عز وجل لكل نبي دعوة مستجابة فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا واختبأ هو صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً"(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله:(فى هذا الحديث بيان كمال شفقة النبى صلى الله عليه و سلم على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر فى مصالحهم المهمة فأخر النبى صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم ، وأما قوله صلى الله عليه و سلم: (فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا): ففيه دلالة لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد فى النار وإن كان مصراً على الكبائر). (شرح النووي على مسلم : جـ3 صـ75 ).
6-ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم أنه ساد صلى الله عليه وسلم الكل:كما في حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع بيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه"(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله:( قال العلماء: وقوله صلى الله عليه و سلم:( أنا سيد ولد آدم) لم يقله فخراً بل صرح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور أنا سيد ولد أدم ولا فخر وإنما قاله لوجهين أحدهما: امتثال قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(سورة الضحى:11) والثاني: أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه صلى الله عليه و سلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى ، وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه و سلم على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة وهو صلى الله عليه و سلم أفضل الآدميين وغيرهم). (شرح النووي على مسلم:جـ15صـ37).
ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أن معجزة كل نبي تصرمت وانقضت ومعجزته صلى الله عليه وسلم وهي القرآن المبين باقية إلى يوم الدين؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة"(رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام ابن بطال رحمه الله:أى : (صدق بتلك الآيات لإعجازها لمن شهدها ، كقلب العصا حية ، وفلق البحر لموسى وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى ، وكان الذى أعطيت أنا وحيًا أوحاه الله إلىّ فكان آية باقية دعى إلى الإتيان بمثله أهل التعاطى له ، ومن نزل بلسانهم ، فعجزوا عنه ثم بقى آية ماثلة للعقول إلى من يأتى إلى يوم القيامة ، يرون إعجاز الناس عنه رأى العين ، والآيات التى أوتيها غيره من الأنبياء قبله رئى إعجازها فى زمانهم ، ثم لم تصحبهم إلا مدة حياتهم ، وانقطعت بوفاتهم ، وكان القرآن باقيًا بعد النبى صلى الله عليه وسلم يتحدى الناس إلى الإتيان بمثله ، ويعجزهم على مرور الأعصار فكان آية باقية لكل من أتى ، فلذلك رجا أن يكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة).(شرح صحيح البخارى: لابن بطال جـ10 صـ330 )0
7-ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أنه أحلت له الغنائم: ففي الصحيحين عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"(رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسا" تعديد للفضائل التي خص بها دون سائر الأنبياء عليهم السلام وظاهره: يقتضي أن كل واحدة من هذه الخمس لم تكن لأحد قبله ، ولا يعترض على هذا بأن نوحا عليه السلام - بعد خروجه من الفلك - كان مبعوثاً إلى أهل الأرض لأنه لم يبق إلا من كان مؤمناً معه وقد كان مرسلاً إليهم لأن هذا العموم في الرسالة لم يكن في أصل البعثة ، وإنما وقع لأجل الحادث الذي حدث وهو انحصار الناس في الموجودين لهلاك سائر الناس ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم: فعموم رسالته في أصل بعثته ، وأيضا فعموم الرسالة: يوجب قبولها عموما في الأصل والفروع ، وأما التوحيد وتمحيص العبادة لله عز وجل: فيجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شرعه ليس عاما, فإن من الأنبياء المتقدمين عليهم السلام من قاتل غير قومه على الشرك وعبادة غير الله تعالى فلو لم يكن التوحيد لازما لهم بشرعه أو شرع غيره: لم يقاتلوا ولم يقتلوا إلا على طريقة المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليين ، ويجوز أن تكون الدعوة على التوحيد عامة لكن على ألسنة أنبياء متعددة فثبت التكليف به لسائر الخلق وإن لم تعم الدعوة به بالنسبة إلى نبي واحد).(إحكام الأحكام:جـ1صـ81).
8-ومن فضله صلى الله عليه وسلم وشرفه عند ربه عز وجل أنه تعالى تكفل بحفظ كتابه الذى أنزله عليه قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
وقال عن الكتب السابقة:(بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ) [المائدة:44] فجعل حفظه إليهم فضاع.
ومن شرفه صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي أعطاه الله عز وجل إياه وهو نهر في الجنة وحوض في الموقف:عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً قلنا ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: لقد أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم:(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ(3)) [الكوثر:1- 3] ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء فيختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقول: إنك لا تدري ما أحدث بعدك"(روه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله:( في هذا الحديث فوائد منها: أن البسملة في أوائل السور من القرآن ، وفيه جواز النوم في المسجد ، وجواز نوم الإنسان بحضرة أصحابه ، وأنه إذا رأى التابع من متبوعه تبسماً أو غيره مما يقتضى حدوث أمر يستحب له أن يسأل عن سببه ، وفيه إثبات الحوض والإيمان به واجب).(شرح النووي على مسلم:جـ4صـ113).
9-ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم أنه صاحب الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وهي له صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة"(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله: (وفيه استحباب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من متابعة المؤذن واستحباب سؤال الوسيلة له ، وفيه أنه يستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن منها ولا ينتظر فراغه من كل الأذان ، وفيه أنه يستحب أن يقول بعد قوله وأنا أشهد أن محمدا رسول الله رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً ، وفيه أنه يستحب لمن رغب غيره في خير أن يذكر له شيئا من دلائله لينشطه لقوله صلى الله عليه و سلم فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا ومن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة، وفيه أن الأعمال يشترط لها القصد والإخلاص). (شرح النووي على مسلم:جـ4صـ88).
ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم عند ربه تبارك وتعالى وصفه بالشهادة والثناء عليه قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)(سورة الأحزاب: 45-46)0
قوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً}:قال قتادة:على أمتك بالبلاغ ، وقيل: شاهدا عليهم بأعمالهم من طاعة أو معصية. وقيل : مبينا لهم ما أرسلناك به إليهم ، وقيل: شاهدا عليهم يوم القيامة. فهو شاهد أفعالهم اليوم ، والشهيد عليهم يوم القيامة ، {وَمُبَشِّراً} لمن أطاعه بالجنة،{وَنَذِيراً} من النار لمن عصى ، قاله قتادة وغيره(تفسير القرطبي: جـ16صـ266).
وقال القاضى عياض رحمه الله:جمع الله تعالى له في هذه الآية ضروبا من رتب لأثرة، وجملة أوصاف من المدحة، فجعله شاهدا على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة، وهى من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ومبشرا لأهل طاعته، ونذيرا لأهل معصيته، وداعيا إلى توحيده وعبادته، وسراجاً منيراً يهتدى به للحق(الشفا:جـ1صـ24).
وعن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدى ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء: بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا)( أخرجه البخاري فى صحيحه).                
          
                         والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل                                                          

                                                                    كتبه                  
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف 
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com