الخميس، 25 سبتمبر 2014

إعلام الأمة بفضائل عشر ذي الحجة - موقع مشكاة

إعلام الأمة بفضائل عشر ذي الحجة - صيد الفوائد

إعلام الأمة بفضائل عشر ذي الحجة



إعلام الأمة بفضائل عشر ذي الحجة
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:
ورد في الأثر: (إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها فلعل أحدكم أن تصيبه نفحة منها فلا يشقى بعدها أبدا).
فالله جل وعلا أعطانا مواسم عظيمة للخير والطاعات فيها يتزود المسلم بطاعة ربه تبارك وتعالى ، وفيها تغفر الخطايا والزلات ، وفيها تضاعف أجور الأعمال الصالحة ، ومن هذه المواسم العظيمة وأبواب الخير التي ينبغي على كل مسلم أن يغتنمها في طاعة الله عز وجل والتزود من الخير ، أيام العشر الأول من ذي الحجة ، فتعالوا بنا في هذه المقالة المتواضعة نتعرف على فضائل هذه الأيام ، وما يستحب فيها من أعمال .
أولاً: فضائل العشر في القرآن الكريم:
1-أن الله عز وجل أقسم بها في كتابه العزيز:
قال تعالى: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)) سورة الفجر:1-2 .
عن عكرمة في قول الله تعالى (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2))قال: الفجر الصبح وليال عشر عشر الأضحى.
وعن قتادة في قوله عز وجل: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2))قال: كنا نحدث أنها عشر الأضحى.
وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قول الله عز وجل: (وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2))قال: عشر ذي الحجة.
وعن أبي الضحى قال: سئل مسروق عن قوله عز وجل: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2))قال: هي أفضل أيام السنة. (فضل عشر ذي الحجة:للطبراني صـ5).
2- أن هذه الأيام هي الأيام المعلومات التي أمر الله تعالى فيه بذكره:
قال تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (27)) سورة الحج:27-28 .
وقال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ) سورة البقرة:203 .
عن الحسن قال: الأيام المعلومات عشر ذي الحجة والمعدودات أيام التشريق.
وعن سعيد بن جبير قال: الأيام المعلومات أيام العشر.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: في أيام معلومات قال العشر.
وعن قتادة قال: الأيام المعلومات أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق.
وعن عطاء قال: الأيام المعلومات أيام العشر.(فضل عشر ذي الحجة:للطبراني صـ4).
3- أن هذه الأيام من جملة الأيام التي واعدها الله لموسي عليه السلام:
قال تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) سورة الأعراف: 142 .
عن مجاهد في قول الله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً) قال: ذو القعدة (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ من ذي الحجة). (فضل عشر ذي الحجة:للطبراني صـ5).
4- أن هذه الأيام خاتمة أشهر الحج:
قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ) سورة البقرة: 197 .
ثانياً: فضائل العشر في السنة المطهرة:
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا : يا رسول الله و لا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : و لا الجهاد في سبيل الله إلا رجلا خرج بنفسه و ماله لم رجع من ذلك بشيء).
قال الإمام ابن رجب رحمه الله: و قد دل هذا الحديث على أن العمل في أيامه أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها و إذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده ، و إذا كان العمل في أيام العشر أفضل و أحب إلى الله من العمل في غيره من أيام السنة كلها صار العمل فيه و إن كان مفضولاً أفضل من العمل في غيره و إن كان فاضلا.ً(لطائف المعارف:صـ365).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق .
ثانيها: أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه وبقيه أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته فصارت مشتركة معها في أصل الفضل ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها .
ثالثها: أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد ، وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق فمهما ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيه أيام التشريق ؛ لأن يوم العيد بعض كل منها بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه وهو يوم الحج الأكبر.
ثم قال رحمه الله: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره. (فتح الباري:2/460 وما بعدها).
قال الإمام ابن رجب رحمه الله:
فإن قيل : قوله صلى الله عليه و سلم :(ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام) هل يقتضي تفضيل كل عمل صالح وقع في شيء من أيام العشر على جميع ما يقع في غيرها و إن طالت مدته أم لا ؟ قيل : الظاهر و الله أعلم أن المراد أن العمل في هذه الأيام العشر أفضل من العمل في أيام عشر غيرها فكل عمل صالح يقع في هذا العشر فهو أفضل من عمل في عشرة فهو أفضل من عمل في عشرة أيام سواها من أي شهر كان فيكون تفضيلاً للعمل في كل يوم منه على العمل في كل يوم من أيام السنة غيره.
 و قد قيل : إنما يفضل العمل فيها على الجهاد إذا كان العمل فيها مستغرقاً لأيام العشر فيفضل على جهاد في عدد تلك الأيام من غير العشر و إن كان العمل مستغرقا لبعض أيام العشر فهو أفضل من جهاد في نظير ذلك الزمان من غير العشر و استدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه و سلم جعل العمل الدائم الذي لا يفتر من صيام و صلاة معادلا للجهاد في أي وقت كان فإذا وقع ذلك العمل الدائم في العشر كان أفضل من الجهاد في مثل أيامه لفضل العشر و شرفه.
 ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : دلني على عمل يعدل الجهاد ؟ قال : أجده قال لا هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم و لا تفتر و تصوم و لا تفطر . قال : و من يستطيع ذلك) و لفظه للبخاري و لمسلم معناه و زاد ثم قال : (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله الذي لا يفتر من صلاة و لا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) و للبخاري : (مثل المجاهد في سبيل الله و الله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم)
 وللنسائي :(كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد) ، و يدل على أن المراد تفضيله على جهاد في مثل أيامه خاصة : ما في صحيح ابن حبان عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة فقال رجل : يا رسول الله هو أفضل أم عدتهن جهاد في سبيل الله ؟ قال : هو أفضل من عدتهن جهادا في سبيل الله) فلم يفضل العمل في العشر إلا على الجهاد في عدة أيام العشر لا مطلقاً . (لطائف المعارف:صـ370 وما بعدها).
وأخرج البزار و غيره عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :( أفضل أيام الدنيا أيام العشر قالوا : يا رسول الله و لا مثلهن في سبيل الله ؟ قال : و لا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه بالتراب).
وكان سعيد بن جبير- رحمه الله-:"إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه " رواه الدارمي بإسناد حسن.
وروي عنه أنه قال: "لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر" كناية عن القراءة والقيام.
وقال الإمام ابن رجب- رحمه الله-: "لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرا على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين ".
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟
فأجاب: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة".
قال المحققون من أهل العلم: أيام عشر ذي الحجة أفضل الأيام، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل الليالي.
وقد اختلف العلماء في أيهما أفضل : ليالي العشر من رمضان أو أيام عشر ذي الحجة ؟ وهو مما يؤكد أهمية هذه الأيام وغفلة الناس عنها ، وقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد تحت ( التفضيل بين الأزمنة):
" قلت : أما السؤال الأول فالصواب فيه أن يقال ليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة وأيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام عشر رمضان وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويدل عليه أن ليالي العشر من رمضان إنما فضلت باعتبار ليلة القدر وهي من الليالي وعشر ذي الحجة إنما فضل باعتبار أيامه إذ فيه يوم النحر ويوم عرفة ويوم التروية"(زاد المعاد:1/57).
ومن فضائل هذه العشر: أن فيها يوم عرفة ، هذا اليوم العظيم الذي هو أفضل أيام العام ، وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم فضله في أحاديث كثيرة منها:
1- صيام هذا اليوم لغير الحاج: وذلك لما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية".
2-الإكثار من الدعاء في هذا اليوم: وذلك لما أخرجه الترمذي في سننه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".
3- العتق من النار: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء»؟ قال الإمام النووي رحمه الله:«هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة ,وهو كذلك ».
4-أنه اليوم الذي أكمل الله عز وجل فيه الدين وأتم علينا فيه النعمة:
وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه عن طارق بن شهاب قال : قال رجل من اليهود لعمر : يا أمير المؤمنين , لو أن علينا أنزلت هذه الآية ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) لأتخذنا ذلك اليوم عيداً , فقال عمر : "إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية , نزلت يوم عرفة , في يوم الجمعة ".
ففي هذا اليوم أكمل الله دينه وأتم نعمته , فمن الواجب علينا أن نشكر الله على إتمام نعمته علينا والتقرب إليه بالفرائض والنوافل على ضوء ما جاء بالكتاب والسنة .
5- أنه يوم الحج الأكبر: فالوقوف بعرفة في هذا اليوم العظيم هو ركن الحج الأعظم ، ولا تصح هذه الفريضة العظيمة بدونه ، وذلك لما أخرجه ابن ماجة في سننه بسند صحيح عن بكير بن عطاء قال : سمعت عبد الرحمن بن يعمر ، قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو واقف بعرفة ، وأتاه ناس من أهل نجد ، فقالوا : يا رسول الله كيف الحج ؟ قال : " الحج عرفة ، فمن جاء قبل صلاة الفجر ، ليلة جمع ، فقد تم حجه ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين ، فلا إثم عليه ، ومن تأخر ، فلا إثم عليه ، ثم أردف رجلا خلفه ، فجعل ينادي بهن ".
ومن فضائل هذه العشر: أن فيها يوم النحر:
 وهو يوم عيد الأضحي المبارك ، وهو يوم عظيم بين لنا النبي صلي الله عليه وسلم وما فيه من الخير ومنها: ما أخرجه البيقهي في السنن الكبري عن عبد الله بن قرط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر وهو الذي يليه".
وأخرج الترمذي في سننه عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً ».
ثالثاً: من الأعمال المستحبة في هذه الأيام العشر:
يستحب في هذه الأيام الإكثار من الأعمال الصالحة ومنها لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر".
ومن الأعمال الصالحة التي غفل عنها بعض الناس: قراءة القرآن وكثرة الصدقة، والإنفاق على المساكين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها.
1- الصلاة:
يستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات ، وذلك لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ثوبان- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة".
 وهذا الحديث عام في كل وقت لا سيما في هذه الأوقات والأزمنة الفاضلة التي يضاعف فيها أجر وثواب العمل الصالح .
وأخرج مسلم في صحيحه عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه ، قال : كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي : " سل " فقلت : أسألك مرافقتك في الجنة . قال : " أو غير ذلك " قلت : هو ذاك . قال : " فأعني على نفسك بكثرة السجود ".

2- الصيام :
 لدخوله في الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر" رواه الإمام احمد و أبو داود والنسائي .
قال الإمام النووي رحمه الله عن صوم أيام العشر: "انه مستحب استحبابا شديداً ".
وقال رحمه الله: وثبت في صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه " - يعني : العشر الأوائل من ذي الحجة - . فيتأول قولها : لم يصم العشر ، أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما ، أو أنها لم تره صائما فيه ، ولا يلزم عن ذلك عدم صيامه في نفس الأمر ، ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ، ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر : الاثنين من الشهر والخميس) ورواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي .(شرح النووي على مسلم:8/71 وما بعدها).
والصيام عبادة عظيمة دلنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة وبين أن صيام اليوم في سبيل الله ثوابه عظيم ، فما بالنا بالصيام والتقرب إلى الله بهذه العبادة في هذه الأيام المباركة ، ومن هذه الأحاديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفاً ".(أخرجه ابن ماجة في سننه وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم (1743) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض ".( أخرجه الترمذي في سننه وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (1624).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من صام يوماً في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام "( أخرجه النسائي في سننه وحسنه الألباني في صحيح سنن النسائي حديث رقم (2253).
3- أداء الحج والعمرة:
أخرج الإمام الترمذي في سننه عن عبد الله بن مسعود , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تابعوا بين الحج والعمرة , فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة , وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة ).
قال الإمام المناوي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (تابعوا بين الحج والعمرة) أي ائتوا بكل منهما عقب الآخر بحيث يظهر الاهتمام بهما وإن تخلل بينهما زمن قليل (فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ) لخاصية علمها الشارع أو لان الغنى الأعظم هو الغني بطاعة الله (كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ) مثل بذلك تحقيقاً للانتفاء (وليس للحجة المبرورة) أي المقبولة أو التي لا يشوبها إثم (ثواب إلا الجنة) أي لا يقتصر لصاحبها من الجزاء على تكفير بعض ذنوبه بل لا بد من دخوله الجنة.(التيسير بشرح أحاديث الجامع الصغير:1/798).
وأخرج البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق خرج كيوم ولدته أمه ".
4- التكبير والتهليل والتحميد :
وذلك لما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (ما من أيام أعظم و لا أحب إليه العمل فيهن عند الله من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل و التكبير و التحميد).
قال الإمام البخاري- رحمه الله-: " كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما".
وقال أيضاً: " وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل السوق حتى ترتج منى تكبيرا ".
وكان ابن عمر- رضي الله عنهما-: يكبر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعا.
والمستحب: الجهر بالتكبير للرجال لفعل عمر وابنه وأبي هريرة رضي الله عنهما ، والنساء يكبرن ولكن تخفض الصوت، لما جاء" عن أم عطية رضي الله عنها قالت : " كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى نخرج البكر من خدرها ، حتى نخرج الحيض ، فيكن خلف الناس ، فيكبرن بتكبيرهم ، ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته "رواه البخاري ومسلم .
قال المباركفوري رحمه الله: وفيه أن الحائض لا تهجر ذكر الله ولا مواطن الخير كمجالس العلم والذكر سوى المساجد، قال الخطابي رحمه الله: أمر جميع النساء بحضور المصلى يوم العيد لتصلي من ليس لها عذر وتصل بركة الدعاء إلى من لها عذر، وفيه ترغيب الناس في حضور الصلوات ومجالس الذكر ومقاربة الصلحاء لينالهم بركتهم.(مرعاة المفاتيح:5/31).
فحري بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي هجرت في هذه الأيام ، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير لخلاف ما كان عليه السلف الصالح.
والتكبير نوعان مطلق ومقيد:
 جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء:" يشرع في عيد الأضحى التكبير المطلق، والمقيد، فالتكبير المطلق في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق ، وأما التكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات المفروضة من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع، وفعل الصحابة رضي الله عنهم ".(فتاوى اللجنة الدائمة:8/312).
صيغة التكبير:
أ- الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر كبيراً.
ب- الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
ج - الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
5- الأضحية:
والأضحية من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المسلم في يوم النحر ، وأيام التشريق الثلاث ، وذلك لما أخرجه الترمذي في سننه عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً ».
والأضحية سنة مؤكدة فعلها رسول الله عليه وسلم وحث على فعلها ، وهي شعيرة عظيمة من شعائر الدين الإسلامي الحنيف قال تعالى:( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) سورة الحج:37 .
وقال تعالى:(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ (3))سورة النحر:1-3 .
وأخرج البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ ضَحَّى النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا).
ولكي تكون الأضحية صحيحة لا بد لها من توافر أربعة شروط:
الشرط الأول: أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام:
 وذلك لقوله تعالى:(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) سورة الحج:27 .
وبهيمة الأنعام هي: الإبل ، والبقر ، والأغنام ، والماعز ، فلا تجزئ الأضحية بغير هذه الأصناف.
قال الإمام النووي رحمه الله: أجمع العلماء على أنه لا تجزى الضحية بغير الإبل والبقر والغنم . (شرح النووي على مسلم:13/117).
الشرط الثاني: أن تكون الأضحية قد بلغت السن المعتبرة شرعاً:
 وذلك لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن".
قال الإمام النووي رحمه الله: قال العلماء: المسنة هي الثنية من كل شئ من الإبل والبقر والغنم فما فوقها ، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال وهذا مجمع عليه .
ثم قال رحمه الله: قال الجمهور: هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن ، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزى بحال ، وقد أجمعت الأمة أنه ليس على ظاهره ؛ لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه .(شرح النووي على مسلم:13/117).
الشرط الثالث: أن تكون الأضحية خالية من العيوب:
وذلك لما أخرجه أبو داود والنسائي عن عبيد بن فيروز -رحمه اللَّه- قال : «سألنا البراء عمَّا لا يجوزُ في الأَضاحي ؟ فقال : قام فينا رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وأصَابعي أقْصَرُ من أصابعه ، وأناملي أقصرُ مِنْ أنَامِلِه - فقال : أَربعٌ - وأشار بأربع أصابعه- لا تجوزُ في الأضاحي: العَوْرَاءُ البَيَّنٌ عَوَرُهَا ، والمريضةُ البَيَّنُ مَرضُها ، والْعَرْجاءُ البَيَّنُ ظَلَعُها ، والكسيرُ التي لا تنُقي قال : قلت: فإني أكرهُ أن يكونَ في السَّنِّ نَقْصٌ ؟ قال ما كرهتَ فدَعْهُ ، ولا تُحَرَّمهُ على أحَدٍ».
الشرط الرابع: أن تكون الأضحية في الذبح:
ووقت الذبح من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق الثلاث ، وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب قال : خرج إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أضحى إلى البقيع فقام فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال :« إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ، ثم نرجع فننحر ، فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شىء ». فقام خالى فقال : يا رسول الله أنا ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة قال :« اذبحها ثم لا توفى جذعة
بعدك ».
ويستحب لمن أراد أن يضحى أن ألا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً إذا دخلت العشر الأول من ذي الحجة حتى يضحى ، وذلك لما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخلت العشر ، وأراد أحدكم أن يضحي ، فلا يمس من شعره وبشره شيئا ".
قال الإمام النووي رحمه الله: والمراد بالنهى عن أخذ الظفر والشعر النهى عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك وسواء شعر الإبط والشارب والعانة والرأس وغير ذلك من شعور بدنه .(شرح النووي على مسلم:13/138 وما بعدها).
ثم قال رحمه الله: والحكمة في النهى أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار ، وقيل: التشبه بالمحرم قال أصحابنا: هذا غلط ؛ لأنه لا يعتزل النساء ، ولا يترك الطيب واللباس ، وغير ذلك مما يتركه المحرم . (شرح النووي على مسلم:13/139).
كانت هذه بعض فضائل هذه الأيام العشر الأول من ذي الحجة ، وما يستحب في هذه الأيام المباركة من أعمال صالحة يتزود بها المسلم من طاعة ربه تبارك وتعالى .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لاغتنام هذه الأيام المباركة في طاعته ، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال اللهم آمين .
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
                                                                                      
                                                                                      

                                                                                       

                                                                                       كتبه
                                                                             أحمد عرفة
معيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
عضو الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com





الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

فضل الصبر وجزاء الصابرين عند رب العالمين



فضل الصبر وجزاء الصابرين عند رب العالمين
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ .
أولاً: حقيقة الصبر:
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله فى بيان حقيقة الصبر:
(هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل وهو قوة من قوى النفس التى بها صلاح شأنها وقوام أمرها.
 وسئل عنه الجنيد بن محمد فقال: تجرع المرارة من غير تعبس وقال ذو النون هو التباعد عن المخالفات والسكون عند تجرع غصصى البلية وإظهار الغني مع حلول الفقر بساحات المعيشة ، وقيل: الصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب ، وقيل: هو الغنى في البلوى بلا ظهور شكوى .
وقال أبو عثمان الصبار: هو الذي عود نفسه الهجوم على المكاره.
وقيل: الصبر المقام على البلاء بحسن الصحبة كالمقام مع العافية.
ومعنى هذا أن لله على العبد عبودية في عافيته وفي بلائه فعليه أن يحسن صحبة العافية بالشكر وصحبة البلاء بالصبر.(عدة الصابرين:صـ8 وما بعدها).
ثانياً: الصبر فى القرآن الكريم:
إن المتأمل والمتدبر فى آيات القرآن الكريم  يجد أن المولى سبحانه وتعالى  قد أمرنا بالصبر وبين جزاء الصابرين فى آيات كثيرة منها:
قوله تعالى :(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(سورة البقرة :الآيات : 156 -157).
قال الإمام أبو حيان الأندلسي رحمه الله:
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّـابِرِينَ}: خطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم ، أو لكل من تتأتى منه البشارة ، أي على الجهاد بالنصر ، أو على الطاعة بالجزاء ، أو على المصائب بالثواب ، أقوال : والأحسن عدم التقييد ، أي كل من صبر صبراً محموداً شرعاً ، فهو مندرج في الصابرين.
قالوا : والصبر من خواص الإنسان ، لأنه يتعارض فيه العقل والشهوة ، وهو بدني وهو : إما فعلي ، كتعاطي الأعمال الشاقة ، وإما احتمال ، كالصبر على الضرب الشديد ، ونفسي ، وهو قمع النفس عن مشتهيات الطبع ، فإن كان من شهوة الفرج والبطن ، سمي عفة. وإن كان من احتمال مكروه ، اختلفت أسامية باختلاف المكروه. ففي المصيبة يقتصر عليه باسم الصبر ، ويضاده الجزع .(تفسير البحر المحيط : جـ1صـ392 وما بعدها).
وقال تعالى:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (سورة الزمر : الآية: 10).
قال مالك بن أنس في قوله:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } قال :هو الصبر على فجائع الدنيا وأحزانها.
وقال قتادة : لا والله ما هناك مكيال ولا ميزان ، حدثني أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تنصب الموازين فيؤتى بأهل الصدقة فيوفون أجورهم بالموازين وكذلك الصلاة والحج ويؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب عليهم الأجر صبا" ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم:(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)( تفسير القرطبي جـ15صـ241 وما بعدها).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
قوله تعالى:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه، وأنه معين على كل الأمور.(تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان صـ847).
وقال عز وجل: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(سورة آل عمران : الآية: 146).
وقال سبحانه:(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)( سورة السجدة : الآية: 24).
ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.
ثالثاً: الصبر فى السنة النبوية:
إن المتأمل فى السنة النبوية المطهرة يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصبر وحثنا على التحلي به فى مواضع كثيرة منها:
ما أخرجه البخارى فى صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يصب منه).
وعن أبي هريرة رضي الله أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).(رواه مسلم).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه  خطيئة).(أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم 992).
قال الإمام المناوى رحمه الله:
(أشد الناس بلاء الأنبياء) قالوا ثم من يا رسول الله ؟ قال (ثم الصالحون) لأن أعظم البلاء سلب المحبوب وحمل المكروه والمحبوبات مسكون إليها ، ومن أحب شيئا شغل به ، والمكروه مهروب منه ومن هرب من شئ أدبر عنه ، والأمثلون أحباء الله فيسلبهم محبوبهم في العاجل ليرفع درجتهم في الآجل.(فيض القدير: جـ1صـ664 ).

 وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط).( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم 2396).
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء): أي عظمة الأجر وكثرة الثواب (مع عظم البلاء) بكسر العين المهملة وفتح الظاء فيهما، ويجوز ضمها مع سكون الظاء فمن كان ابتلاءه أعظم فجزاءه أعظم (ابتلاهم) أي اختبرهم بالمحن والرزايا (فمن رضي) أي بما ابتلاه الله به (فله الرضا) منه تعالى وجزيل الثواب.
قال السندى: قوله: فمن رضي فله الرضا أي رضا الله تعالى عنه جزاء لرضاه أو فله جزاء رضاه، وكذا قوله فله السخط، ثم الظاهر أنه تفصيل لمطلق المبتلين لا لمن أحبهم فابتلاهم إذا الظاهر أنه تعالى يوفقهم للرضا فلا يسخط منهم أحد-(ومن سخط) بكسر الخاء أي كره بلاء الله وفزع ولم يرض بقضاءه (فله السخط) منه تعالى وأليم العذاب {ومن يعمل سوء يجز به}، والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه.(مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح جـ5صـ260).
وأخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر ، فقال :" اتقي الله واصبري " قالت : إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ، ولم تعرفه ، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : لم أعرفك ، فقال : " إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
وقوله: (الصبر عند الصدمة الأولى) مثل قوله:( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذى يملك نفسه وقت الغضب) فإن مفاجئات المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأيضا فإن المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه وهى الصدمة الأولى ، وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطن لها وعلم انه لا بد له منها فيصير صبره شبيه الاضطرار وهذه المرأة لما علمت أن جزعها لا يجدى عليها شيئا جاءت تعتذر إلى النبي كأنها تقول له قد صبرت فأخبرها أن الصبر إنما هو عند الصدمة الأولى.(عدة الصابرين:صـ61).
وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراًَ له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).(روه مسلم).
وعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر).( أخرجه البخارى فى صحيحه).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً).( أخرجه البخارى فى صحيحه).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها)(رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).(أخرجه البخارى فى صحيحه).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة).( أخرجه البخارى فى صحيحه).
قال يونس بن زيد: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن: ما منتهى الصبر؟ قال: أن يكون يوم أن تصيبه المصيبة مثل قبل أن تصيبه.
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: (سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)(سورة الرعد : الآية: 24) قال: صبروا عما أمروا به، وصبروا عما نهوا عنه.
وقال علقمة في قوله تعالى:(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).( سورة التغابن : الآية: 11) هي المصيبة تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضى.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أخلف الله خيراً منها، فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسوله صلى الله عليه وسلم).(رواه مسلم)
رابعاً: من آثار السلف فى الصبر ومنزلته:
جاءت آثار كثيرة عن السلف الصالح رضى الله عنهم تبين لنا فضل الصبر وجزاء الصابرين ومنها:
ما وجد في رسالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: عليك بالصبر واعلم أن الصبر صبران: أحدهما: أفضل من الآخر الصبر في المصيبات حسن ، وأفضل منه الصبر عما حرم الله تعالى واعلم أن الصبر ملاك الإيمان وذلك بأن التقوى أفضل البر والتقوى بالصبر.
وقال على رضى الله عنه: بني الإيمان على أربع دعائم اليقين والصبر والجهاد والعدل.
وقال أيضاً: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له.
وكان عمر رضي الله عنه يقول: نعم العدلان ونعمت العلاوة للصابرين يعني بالعدلين الصلاة والرحمة وبالعلاوة الهدى والعلاوة ما يحمل فوق العدلين على البعير وأشار به إلى قوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وكان حبيب بن أبي حبيب إذا قرأ هذه الآية: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) بكى وقال: واعجباه أعطى وأثنى أي هو المعطي للصبر وهو المثنى.
وقال أبو الدرداء: ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر. (إحياء علوم الدين جـ4صـ62).
خامساً:درجات الصبر (أقسام الصبر):
ينقسم الصبر إلى ثلاثة أقسام:
1- صبر على المأمور: هو الصبر على الطاعة.
2- صبر عن المحظور: أي صبر على المعصية.
3- صبر على المقدور: أي صبر على ما قدره الله تبارك وتعالى من المحن والمصائب والابتلاءات.
القسم الأول: الصبر على المأمور :
وهو الصبر على طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وهذا أجل أنواع الصبر، من أجل ذلك أمر الله عز وجل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل فقال سبحانه وتعالى:(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ).(سورة الأحقاف : الآية: 35).
 فالصبر على الطاعة هو أعلى درجات الصبر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه)(أخرجه البخارى فى صحيحه).
هذا هو الصبر على الطاعة التقرب إلى الله عز وجل (وما تقرب إلىّ عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه).
فالدرجة الأولى والعالية من درجات الصبر أن تصبر نفسك على طاعة الله عز وجل.
القسم الثانى: الصبر عن المحظور:
 أي صبر عن المعصية وهذا هو صبر المحبين لرب العالمين سبحانه وتعالى فالعبد المحب لله يصبر عن المعصية إجلالاً لسيده ومولاه لأنه لا يحب أن يراه الله على معصية.
قيل لحاتم الأصم: بم حققت التوكل على الله؟ قال: بأربعة أشياء:
علمت بأن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي، وعلمت بأن عملي لا يتقنه غير فاشتغلت به، وعلمت بأن الموت ينتظرني فأعددت الزاد للقاء الله، وعلمت بأن الله مطلع عليّ فاستحييت أن يراني على معصية.
فالمعصية شؤم في الدنيا والآخرة ، أما عن شؤم المعصية في الدنيا:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المهاجرين، خمس إن ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الأوجاع والأسقام التي لم تكن في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد).( أخرجه ابن ماجة فى سننه وحسنه الألباني فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 4091).
والمعصية سبب الهلاك في الآخرة:قال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)( سورة طه : الآيات : 124- 127).
القسم الثالث: الصبر على المقدور:
 أي ما قضاه الله عز وجل وقدره ربك عليك من المحن والمصائب والبلايا وهذا صبر الصديقين، فالصبر على البلاء هو التطبيق العملي الذي يبين حب العبد لربه، والإيمان بالقدر خيره وشره من أركان الإيمان التي لا يصح إيمانك إلا به، كما جاء في حديث عمر بن الخطاب وفيه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)(رواه مسلم).
قال يعقوب عليه السلام:(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)( سورة يوسف :الآية: 18).
فالصبر الجميل على البلاء هو: الصبر الذي لا شكوى معه، الصبر الذي لا هلع فيه ولا شكوى فيه من الخالق إلى المخلوقين فاشك إلى الله لا حرج فإلى من تشكو إن لم تشكو حالك إلى أرحم الراحمين سبحانه وتعالى.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: والصبر على ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله .
خامساً:
سادساًً: مواقف إيمانية فى الصبر وجزاء الصابرين:
-   مع نبي الله أيوب عليه السلام:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أيوب نبي الله لبث في بلائه ثمان عشرة سنة حتى رفضه القريب والبعيد إلا رجلين كانا من خواص رجاله كانا يغدوان عليه ويروحان حتى قال أحدهما لصاحبه يوماً: والله لقد أذنب أيوب ذنباً ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ فقال له: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به) عند ذلك تضرع أيوب عليه السلام إلى ربه عز وجل قال تعالى:(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(سورة الأنبياء : الآية: 83( تفسير الطبري – سورة ص – القول فى تأويل قوله تعالى : (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم ) حديث رقم 27537).
انظر إلى الإجابة بفاء الترتيب والتعقيب: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)( سورة الأنبياء : 84).
وقال تعالى:(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).( سورة ص : الآيات : 41- 44).
- مع أبو الأنبياء الخليل إبراهيم عليه السلام:
قدم بدنه النيران وقدم ولده للقربان، صبر فريد في تاريخ البشرية أن يصبر أب حنون حرم من الولد سنوات طويلة ورزقه الله عز وجل الولد على كبر ومع ذلك يؤمر بذبح ولده فيصبر، قال تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)( سورة الصافات : الآيات : 102- 105).
- أم سليم رضي الله عنها وصبرها على موت ولدها:
أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه قال: اشتكى ابن لأبي طلحة قال: فمات وأبوه طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئاً، وجعلت ابنها في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة قال: فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما) فقال رجل من الأنصار: فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قد حفظوا القرآن).
- قصة المرأة التي كانت تصرع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف فادع الله لي. قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها).(رواه البخاري ومسلم).
- حلاوة أجرها أنستنى مرارة قطعها:
هذه زوجة فتح الموصلى، انقطعت إصبعها، فضحكت، فقال لها بعض من معها: أتضحكين وقد انقطع إصبعك؟ فقالت: أخاطبك على قدر عقلك، حلاوة أجرها أنستني مرارة قطعها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إشارة إلى أن عقله لا يحتمل ما فوق هذا المقام، من ملاحظة المبتلى ومشاهدة حسن اختياره لها في ذلك البلاء، وتلذذها بالشكر له والرضا عنه، ومقابلة ما جاء من قبله بالحمد والشكر كما قيل:
لئن ساءني أن نلتني بمساءة               فقد سرني أني خطرت ببالكا

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل                                        
                                                                                              كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367