الأحد، 12 أبريل 2015

أهداف التشريع الإسلامي - د. محمد حسن أبو يحيى

التيسير الفقهي (مشروعيته وضوابطه وعوائده)

السياسة النقدية والمصرفية في الإسلام

الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي - قيمتها وأحكامها

المضاربة في الشريعة الإسلامية - دراسة مقارنة بين المذاهب الأربعة

مدخل لتكوين طالب العلم في العلوم الإنسانية

سياسة النبي (صلى الله وعليه وسلم ) في تعامله مع المنافقين

نوازل الزكاة دراسة فقهية تأصيلية لمستجدات الزكاة

عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية - دراسة تأصيلية تطبيقية

مفهوم تجديد الدين

مقصد العدل عند ابن تيمية

التمذهب - دراسة نظرية نقدية

الأقوال المخرجة في الفقه الشافعي وأثرها

نظرية التخريج في الفقه الإسلامي

"مفهوم الدولة الإسلامية: أزمة الأسس وحتمية الحداثة"

المجموع في الاقتصاد الإسلامي

أصول الاقتصاد الإسلامي - للدكتور/ رفيق المصري

حرمة الدماء في شريعة الإسلام - طريق الإسلام

حرمة الدماء فى شريعة الإسلام - صيد الفوائد

الخميس، 2 أبريل 2015

تكريم الإسلام لليتيم



تكريم الإسلام لليتيم
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
أولاً: من هو اليتيم؟
اليتيم في الناس: من فقد أباه، واليتيم في الحيوانات والطيور من فقد أمه، فأصل اليتيم في اللغة: الغفلة وبه سمي اليتيم يتيماً لأنه يتغافل عن بره بعد موت أبيه.
وأصل اليتيم في اللغة أيضاً: الانفراد في كل شيء مفرد لا نظير له ولا مثيل له يقال له: يتيم، تقول: درة يتيمة أي: درة مفردة لا نظير لها ولا مثيل.
واللطيم: هو الذي ماتت أمه. والمنقطع: هو الذي فقد أباه وأمه.
قال الإمام ابن منظور رحمه الله : اليتم: الانفراد، واليتيم الفرد، واليتم واليتم فقدان الأب، ولا يقال لمن فقد الأمّ من النّاس يتيم ولكن منقطع، وقيل يسمّى عجيّ، والّذي فقد أبويه هو اللّطيم، وقال ابن خالويه: ينبغي أن يكون اليتم في الطّير من قبل الأب والأمّ معا لأنّهما كليهما يزقّان فراخهما، وقال المفضّل: أصل اليتم الغفلة، وبه سمّي اليتيم يتيما لأنّه يتغافل عن برّه. وقال أبو عمرو: اليتم: الإبطاء ومنه أخذ اليتيم لأنّ البرّ يبطىء عنه، ويقال للمرأة يتيمة، ولا يزول عنها اسم اليتم أبدا، وقال أبو عبيدة: تدعى يتيمة ما لم تتزوّج فإذا تزوّجت زال عنها اسم اليتم.(لسان العرب:جـ12صـ645).
مع النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتيماً تشريفاً لكل يتيم:
فلقد شاء عز وجل ولا راد لمشيئته أن ينشأ المصطفى صلى الله عليه وسلم يتيماً مات أبوه وأمه تحمله جنيناً في أحشائها على الراجح من أقوال المؤرخين، ومنهم من قال: بل مات أبوه عبد الله قبل مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم بشهرين فكفله جده عبد المطلب الذي تعلق به المصطفى تعلقاً شديداً، ثم مات جده عبد المطلب وهو في الثامنة من عمره بعدما فارق أمه وهو في السادسة من عمره فكفله عمه أبو طالب فخصه بمزيد من العناية والتقدير والرعاية وأحاطه بالحماية حتى مات أبو طالب قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بثلاث سنوات على الراجح من أقوال أهل التاريخ والسيرة شاء الله سبحانه وتعالى أن ينشأ المصطفى صلى الله عليه وسلم يتيماً فقد أباه ثم فقد أمه ثم فقد جده وليس هذا من قبيل المصادفة العمياء فلا يوجد شيء في كون الله إلا بقدر؛ قال تعالى:(إنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)( سورة القمر: الآية: 49).
شاء الله أن ينشأ المصطفى يتيماً ليتولاه الله وحده بالعناية والرعاية حتى لا ينشأ المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: أبي أبي وإنما يقول: ربي ربي.
نشأ المصطفى صلى الله عليه وسلم يتيماً ليتولاه الله عز وجل بالرعاية ومن تولاه الله برعايته أحسن الله بدايته وأكرم الله نهايته وزاد الله بين البداية والنهاية كرامته، في ظنك إذا كان المتولي بالرعاية هو الله عز وجل ، ثم والله ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً هي أكرم عليه من نفس محمد صلى الله عليه وسلم وإنه لمكتوب عند الله خاتم النبيين وإن آدم لمجندل في طينته، فوالله ما أحب الله مخلوقاً كما أحب رسولنا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فلقد خلق الله الخلق واصطفى من الخلق الأنبياء واصطفى من الأنبياء الرسل واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة: نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً، واصطفى من أولي العزم الخمسة: الخليلين إبراهيم ومحمداً ثم اصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فكرمه على جميع خلقه فرفع له ذكره وشرح له صدره وأعلى قدره ووضع عنه وزره وزكاه مكله فقال سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(سورة القلم : الآية:4).
قال تعالى: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)( سورة الضحى : الآيات : 6- 11).
قال الإمام القرطبي رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:
عدد سبحانه مننه على نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم فقال : {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً} لا أب لك قد مات أبوك. {فَآوَى} أي جعل لك مأوى تأوي إليه عند عمك أبي طالب ، فكفلك.
وقيل لجعفر بن محمد الصادق رحمه الله: لم أوتم النبي صلى اللّه عليه وسلم من أبويه ؟ فقال : لئلا يكون لمخلوق عليه حق.
وعن مجاهد رحمه الله: هو من قول العرب : درة يتيمة ؛ إذا لم يكن لها مثل. فمجاز الآية : ألم يجدك واحدا في شرفك لا نظير لك ، فآواك اللّه بأصحاب يحفظونك ويحوطونك.(تفسير القرطبي : جـ20 صـ96).
من هذا المنطلق تتضح لنا مكانة اليتيم في القرآن الكريم وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم فكان يتمه تشريفاً لكل يتيم.
ثانياً: مكانة اليتيم في القرآن الكريم:
1- من أعظم الآيات التي يكرم الله عز وجل فيها اليتامى هذه الآية الكريمة التي يربط الله سبحانه وتعالى فيها بين الأمر بتوحيده وعبادته وبين الأمر بالإحسان إلى اليتامى يقول سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) (سورة النساء : الآية: 36).
يأمر الله عز وجل بتوحيده وعبادته(وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) وبعد ذلك يأمر بالإحسان إلى الوالدين ثم ذوي القربى ثم اليتامى إنها مكانة عظيمة أن يربط الله بين الأمر بعبادته وبين الأمر بالإحسان إلى اليتيم.
2- الأمر بالإحسان إلى اليتامى ليس خاصاً بأمه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أمر الله عز وجل بالإحسان إلى اليتيم جميع الأمم السابقة بل وجعل الإحسان إلى اليتامى ميثاقاً جامعاً من المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل تدبر معي قول الله تعالى:(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ)( سورة البقرة : الآية :83).
3- يأمر الله عز وجل أولياء اليتامى أن يتقوا الله في أموال اليتامى وألا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي أحسن وحذرهم من تبديدها وتبديلها بالخبيث أو المتاجرة بها في الحرام فقال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (سورة الإسراء : الآية: 34).
وقال سبحانه:(وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)(سورة النساء : الآية: 2) أى كان إثماً عظيماً وظلماً بيناً.
4- أوجب الله عز وجل على ولي اليتامى ألا يسرف في الإنفاق من أموالهم وإذا بلغ اليتامى الرشد وسن النكاح وصاروا قادرين على تدبير شئونهم والمحافظة على أموالهم أوجب الله على ولي اليتامى أن يردوا أموالهم إليهم كاملة غير منقوصة يقول سبحانه: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)( سورة النساء : الآية: 6).
5- ثم يأتي هذا التحذير الرهيب والوعيد الشديد لمن يأكلون أموال اليتامى تدبر معي قوله سبحانه وتعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)(سورة النساء : الآية: 10).
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: يحشر آكل مال اليتيم ظلماً يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه كل من رآه يعرفه أنه أكل مال اليتيم.
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: لما أنزل الله(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ)( سورة البقرة : الآية: 220 ) فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم.
قال الله عز وجل لداود عليه السلام: (يا داود كن لليتيم كالأب الرحيم، وكن للأرملة كالزوج الشفيق، واعلم أنك كما تزرع تحصد، ما أقبح الفقر بعد الغنى، وأكثر من ذلك وأقبح الضلالة بعد الهدى، وإذا وعدت صاحبك فأنجز ما وعدته).
6- ومن اهتمام القرآن الكريم باليتامى الحث على الإنفاق عليهم قال تعالى:
(يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)( سورة البقرة : الآية: 215).
7- إهانة اليتيم من صفات المكذبين وليست من خصائص المسلمين:
قال تعالى:(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)( سورة الماعون : الآيتان : 1 ، 2).
قال الإمام القرطبي رحمه الله : (يدعُ) أي يدفع.
وقال الضحاك: أى يدفعه عن حقه، وقال قتادة: يقهره ويظلمه.
وقال قتادة رحمه الله: كن لليتيم كالأب الرحيم.
8- نهى الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عن قهر اليتيم:
 قال تعالى:(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)  (سورة الضحى : الآية : 9).
قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره:
قوله:(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أي لا تسلط عليه بالظلم ادفع إليه حقه واذكر يتمك، وعن مجاهد قال: "فلا تقهر" أي فلا تحتقر.
9- إكرام اليتيم والاهتمام بالنفقة عليه من أعظم ألوان البر:
قال تعالى:(لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (سورة البقرة: الآية : 177).
هذه دلائل الإيمان وتلك معالم التقوى وهذه صفات الثبات والصدق تلك شيم الأصفياء البررة لمن أراد أن يغترف فالبحر دونه وخصال الخير أمامه وجسر الفلاح تلقاء وجهه وطوق النجاة قد عثر عليه كل هذا في آية واحدة.
ثالثاً: مكانة اليتيم فى السنة النبوية:
أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئاً"( أخرجه البخاري فى صحيحه).
قال الإمام المناوي رحمه الله:
(أنا وكافل اليتيم) أي القيم بأمره ومصالحه هبة من مال نفسه أو من مال اليتيم
(في الجنة هكذا) وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي الكافل في الجنة مع النبي لا أنه في درجته أو المراد في سرعة الدخول أو هو إشارة إلى الانضمام والاقتراب.(التيسير بشرح الجامع الصغير:جـ1صـ767).
وقال أيضاً رحمه الله:
وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما أي أن الكافل في الجنة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن درجته لا تبلغ بل تقارب درجته وفي الإشارة إشارة إلى أن بين درجته والكافل قدر تفاوت ما بين المشار به ، ويحتمل أن المراد قرب المنزلة حال دخول الجنة أو المراد في سرعة الدخول ، وذلك لما فيه من حسن الخلافة للأبوين ورحمة الصغير ، وذلك مقصود عظيم في الشريعة ومناسبة التشبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم شأنه أن يبعث لقوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا ومرشداً لهم ومعلماً وكافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل فيرشده ويعقله ،وهذا تنويه عظيم بفضل قبول وصية من يوصى إليه ومحل كراهة الدخول في الوصايا أن يخاف تهمة أو ضعفا عن القيام بحقها.(فيض القدير :جـ3صـ64).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال: "إن أردت أن يلين قلبك فامسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين"(رواه البيهقي).
وعن عائشة- رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله"(رواه مسلم).
وكفالة اليتيم هي القيام بأموره، والسعي  في مصالحه، من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له أنفق عليه وكساه من ماله ابتغاء رضى الله عز وجل وسواء كان اليتيم للشخص أو لغيره فهو مأجور بكل حال إن شاء الله فلو كان اليتيم أجنبياً فالأجر باق وإن كان ذا قرابة فأجر وبر وصلة إن شاء الله تعالى.
وعن أبي شريح بن خويلد بن عمر الخزاعي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة"( أخرجه ابن ماجة فى سننه وحسنه الألباني فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 3745).
 أحرج: أي أحرم على ضيع حق اليتيم وآكل مالهما.
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وكالذى يصوم النهار ويقوم الليل"(رواه البخاري ومسلم).
وتدبر معي هذا الحديث: الذي رواه أبو يعلى بسند قال فيه الحافظ ابن حجر: إسناده لا بأس به من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أول من يفتح باب الجنة فأرى امرأة تبادرني – تسابقني – فأقول لها: مالك من أنت؟ فتقول هذه المرأة: أنا امرأة قعدت على أيتام لي"( أخرجه أبو يعلى فى مسنده حديث رقم 6512 وضعفه الألباني فى ضعيف الترغيب والترهيب حديث رقم 1512).
وعن أبي عمران الجوني قال: قال رجل يارسول الله أشكو إليك قسوة قلبي !! قال : " أدن منك اليتيم وامسح رأسه وأجلسه على خوانك يلين قلبك وتقدر على حاجتك "(أخرجه الخرائطي فى مكارم الأخلاق حديث رقم 195).
رابعاً: التحذير من ظلم اليتيم:
قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)(سورة النساء:الآية:10).
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اجتنبوا السّبع الموبقات». قالوا: يا رسول اللّه، وما هنّ؟ قال: «الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات ، المؤمنات الغافلات).
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، ما رأيت ليلة أسري بك ؟ قال "انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير. رجال كل رجل منهم له مشفران كمشفري البعير، وهو موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في فيّ أحدهم حتى يخرج من أسفله، ولهم جوار وصراخ، قلت: يا جبريل، من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً، إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً".
وقال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأنفه وعينيه، يعرفه كل من رآه بأكل مال اليتيم.(تفسير ابن كثير:جـ1صـ563).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
                   والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل                                       
                                                                                             كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف
معيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367