الاثنين، 16 نوفمبر 2015

ميراث الأنبيـــــــــــــــاء



ميراث الأنبياء
بينما الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يمر ذات يوم بسوق المدينة، فوقف عليها، فقال: "يا أهل السوق، ما أعجزكم" قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال: " ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم، وأنتم هاهنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه " قالوا : وأين هو؟ قال: " في المسجد" فخرجوا سراعاً إلى المسجد، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: "ما لكم؟ " قالوا : يا أبا هريرة فقد أتينا المسجد ، فدخلنا، فلم نر فيه شيئا يقسم. فقال لهم أبو هريرة: " أما رأيتم في المسجد أحدا؟ " قالوا: بلى ، رأينا قوماً يصلون، وقوما يقرءون القرآن ، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام ، فقال لهم أبو هريرة:" ويحكم، فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم "أخرجه الطبراني بسند حسن.
فالعلم ميراث الأنبياء كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي بسند صحيح عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:((من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هذا من أعظم المناقب لأهل العلم فإن الأنبياء خير خلق الله فورثتهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده ولم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا أحق الناس بميراثهم.(مفتاح دار السعادة صـ73).
 فما أحوج الأمة الآن لمعرفة منزلة العلم ومكانته في الإسلام، فالعلم هو سبيل الرقي والتقدم، وبه تنهض الأمم، وتبنى الحضارات، فالعلم شرف، ومن ذاق عرف، ومن عرف اغترف، ومن فضله وشرفه أن الله عز وجل نفي التسوية بين أهله وبين غيرهم كما نفى التسوية بين أصحاب النار وأصحاب الجنة فقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [الزمر: 9]، وقال سبحانه:( لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر: 20]، وهذا يدل على غاية فضلهم وشرفهم.
والعلم حياة ونور والجهل موت وظلمة، والشر كله سببه عدم الحياة، والنور والخير كله سببه النور والحياة فإن النور يكشف عن حقائق الأشياء ويبين مراتبها. قال تعالى:(أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) [الأنعام: 122]. كان ميتاً بالجهل قلبه فأحياه بالعلم وجعل له من الإيمان نوراً يمشي به في الناس، وذم الله تعالى أهل الجهل في مواضع كثيرة من كتابه فقال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام: 111] وقال: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأنعام: 37]. وقال - تعالى-: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) [الفرقان: 44]، وما ذاك إلا دليل على عظم وشرف العلم وأهله.
وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد من العلم فقال تعالى:(فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه: 114]. قال الإمام القرطبي رحمه الله: فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله المزيد منه كما أمر أن يستزيده من العلم.(تفسير القرطبي 4/40).
ولأهمية العلم ومنزلته دعا ربنا تبارك وتعالى للنفرة في سبيل تعلمه وتعليمه فقال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)]التوبة: 122]، وأخرج البخاري ومسلم عن معاوية - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)).
وأخرج البخاري ومسلم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه -: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم))، وهذا يدل على فضل العلم والتعليم ومنزلة أهله بحيث إذا اهتدى رجل واحد بالعلم كان ذلك خيراً له من حمر النعم وهي خيارها وأشرفها عند أهلها فما الظن بمن يهتدي به كل يوم طوائف من الناس، وأخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عالم والآخر عابد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم))، ثم قال رسول الله: ((إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في حجرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير)).
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض يصلون على معلم الناس الخير)): لما كان تعليمه للناس الخير سبباً لنجاتهم وسعادتهم وزكاة نفوسهم جازاه الله من جنس عمله بأن جعل عليه من صلاته وصلاة ملائكته وأهل الأرض ما يكون سبباً لنجاته وسعادته وفلاحه، وأيضاً فإن معلم الناس الخير لما كان مظهراً لدين الرب وأحكامه ومعرفاً لهم بأسمائه وصفاته جعل الله من صلاة أهل سمواته عليه ما يكون تنويهاً به وتشريفاً له وإظهاراً للثناء عليه بين وصلاة أهل السموات والأرض.(مفتاح دار السعادة صـ72).
والعلم هو الصدقة الجارية التي تنفع صاحبها بعد الموت، ويظل ثوابها له في قبره بعد موته، وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))، وأخرج البزار في مسنده بسند حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته :من عَلّم علماً, أو أجرى نهراً, أو حفر بئراً, أو غرس نخلاً, أو بنى مسجداً , أو ورّث مصحفاً , أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته).
وما أعظم وصايا لقمان الحكيم لابنه يحثه على طلب العلم وتوقير أهله في وصية عظيمة نحتاج أن نتعلمها ونعلمها أبنائنا اليوم يقول رحمه الله: " يا بني لا تعلم العلم لتباهي به العلماء أو لتماري به السفهاء أو ترائي به في المجالس، ولا تترك العلم زهداً فيه ورغبة في الجهالة، يا بني اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فإنك إن تكن عالماً ينفعك علمك، وإن تكن جاهلاً يعلموك، ولعل الله أن يطلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تكن عالماً لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلاً زادوك غياً أو عياً، ولعل الله يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم".
وما أروع ما سطره الإمام أبو هلال العسكري رحمه الله في عبارات جميلة ما أحوجنا لتدبرها وفهمها والعمل بها إذ يقول: (ولعمري أن شيئاً ينزل المملوك منزلة الملوك، ويحل التابع محل المتبوع، ويحكم به السوقة على الملك العظيم ، لحقيق أن ينافس فيه، ويحسد صاحبه عليه، ويجتهد في طلبه أشد الاجتهاد ، وأمراً يخدم فيه عبد الله بن عمر مجاهداً، ومجاهد هو ابن جبر، أحد مماليك مكة ، وعبد الله عبد الله في فضله وزهده وورعه وشهرة اسمه، أبوه في شرفه ومكانه من الصحية ، ثم من رتبة الخلافة، وملكه الأرض شرفا وغربا ، وطاعة أهل الإسلام والكفر له طوعاً وكرهاً ، لحري أن يرغب فيه العاقل ويحافظ عليه اللبيب).(الحث على طلب العلم صـ53).
فمن أحوجنا جميعاً ونحن على أعتاب بداية عام دراسي جديد أن نقدر قيمة العلم وأهله، وأن يضرب كل منا بسهم في خدمة وطنه في نشر العلم وتعليمه والإخلاص في العمل لله تعالى في التوعية الدينية الصحيحة، ويعلم كل منا أن عليه مسئولية تجاه وطنه، وأن الإصلاح والتغيير الحقيقي لا يكون إلا بالعلم عن طريق النهضة بالمعلم والطلاب والمؤسسات التعليمية والمراكز البحثية، وأن يعلم كل منا أنه مسئول أمام الله عز وجل غداً عن عمله وعلمه فماذا نحن قائلون لربنا غداً.
هدانا الله وإياكم ووفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال اللهم آمين. 

د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

ما حكم رفع الصوت بذكر الله أثناء الجنازة؟



وصلني سؤال يقول:
ما حكم رفع الصوت بذكر الله أثناء الجنازة؟
الجواب:
يكره رفع الصوت بالذكر والتهليل خلف الجنازة، وقد سئل شيخ الإسلام عن رفع الصوت في الجنازة فأجاب: الحمد لله لا يستحب رفع الصوت مع الجنازة لا بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك هذا مذهب الأئمة الأربعة وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين ولا أعلم فيه مخالفا ; بل قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم{ أنه نهى أن يتبع بصوت أو نار} رواه أبو داود، وسمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلا يقول في جنازة: استغفروا لأخيكم، فقال ابن عمر: لا غفر الله بعد، وقال قيس بن عباد - وهو من أكابر التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه - : كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز وعند الذكر وعند القتال، وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أن هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة ، وأما قول السائل : إن هذا قد صار إجماعا من الناس فليس كذلك بل ما زال في المسلمين من يكره ذلك وما زالت جنائز كثيرة تخرج بغير هذا في عدة أمصار من أمصار المسلمين، وأما كون أهل بلد أو بلدين أو عشر تعودوا ذلك فليس هذا بإجماع ; بل أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم التي نزل فيها القرآن والسنة وهي دار الهجرة والنصرة ; والإيمان والعلم لم يكونوا يفعلون ذلك; بل لو اتفقوا في مثل زمن مالك وشيوخه على شيء ولم ينقلوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو خلفائه لم يكن إجماعهم حجة عند جمهور المسلمين وبعد زمن مالك وأصحابه ليس إجماعهم حجة باتفاق المسلمين فكيف بغيرهم من أهل الأمصار ، وأما قول القائل: إن هذا يشبه بجنائز اليهود والنصارى فليس كذلك بل أهل الكتاب عادتهم رفع الأصوات مع الجنائز وقد شرط عليهم في شروط أهل الذمة أن لا يفعلوا ذلك ثم إنما نهينا عن التشبه بهم فيما ليس هو من طريق سلفنا الأول وأما إذا اتبعنا طريق سلفنا الأول كنا مصيبين وإن شاركنا في بعض ذلك من شاركنا كما أنهم يشاركوننا في الدفن في الأرض وفي غير ذلك .(مجموع الفتاوى 24/294-295).
وقال الإمام النووي رحمه الله:[ يستحب له - أي الماشي مع الجنازة - أن يكون مشتغلاً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما كان فيه ، وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها ، وليحذر كل الحذر من الحديث بما لا فائدة فيه، فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ ، فإن الكلام بما لا فائدة فيه منهيٌ عنه في جميع الأحوال فكيف هذا الحال .
واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوتاً بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك ، والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال ، فهذا هو الحق ولا تغترنّ بكثرة من يخالفه ، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض ما معناه: الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين ].(الأذكار136).
وبناء على ما سبق فلا يجوز رفع الصوت أثناء الجنازة بذكر الله تعالى ولا بغيره، وإنما الأولى للمسلم في مثل هذا الموقف هو التأمل والعظة والعبرة بالموت. والله أعلم.

هل يجوز تعجيل الزكاة وإخراجها قبل الحول؟



يجوز تعجيل الزكاة قبل وقتها
وصلني سؤال يقول:
هل يجوز تعجيل الزكاة وإخراجها قبل الحول؟
الجواب:
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا بلغ المال نصاباً مما يشترط له الحول، فإنه يجوز تعجيل الزكاة فيه قبل تمام الحول، واستدلوا على ذلك بأدلة منها ما أخرجه أبو داود في سننه وغيره عن عليّ رضي الله عنه: أن العباس سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك)، وبما أخرجه أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعمر: "إنَّا كنا تعجلنا صدقة مال العباس عام الأول)، وقالوا أيضاً: بأن هذا تعجيل لمال وُجِد سبب وجوبه قبل وجوبه، وذلك جائز، كتعجيل قضاء الدين قبل حلول أجله، وكأداء كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح قبل زهوق الروح، وهو مسلم وجائز عند مالك (المغني: 2/630).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (يجوز تعجيل الزكاة قبل وجوبها بعد وجود سبب الوجوب عند جمهور العلماء منهم الأئمة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد، فيجوز تعجيل زكاة الماشية، والنقدين، وعروض التجارة، إذا ملك النصاب).(الفتاوى 25/85).
ويقول الدكتور/ يوسف القرضاوي: هذا وترك التعجيل وإخراج الزكاة في حينها أولى وأفضل، خروجًا من الخلاف، وضبطًا للموارد المالية السنوية للدولة، إلا إذا عرضت حاجة تقتضي ذلك، كحاجة بيت المال إلى زيادة في الموارد لجهاد مفروض، أو لكفاية الفقراء، فله أن يستسلف أرباب المال أو بعضهم، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع عمه العباس، وينبغي ألا يزيد التعجيل ولا الاستسلاف على حولين، اقتصارًا على ما ورد به النص.(فقه الزكاة 2/ 307).
وبناء على ما سبق فإن الراجح من أقوال جمهور أهل العلم أنه يجوز تقديم الزكاة قبل عام الحول ـ للمصلحة ـ إذا وجد سبب الوجوب وهو ملك نصاب كامل نام أو فاضل عن الحاجة الأصلية لحصول الغنى به، وتأخير الأداء إلى تمام الحول هو من باب التيسير ، فلو أخرجها قبل الحول صح، وعلى ذلك فإن كان السائل قد نوى أداء الزكاة عند إخراجه لهذا المال صحت زكاته وأجزأت عنه.والله أعلم.


هل يجوز تأخير إخراج الزكاة ؟



يجوز تأخير إخراج الزكاة لمصلحة معتبرة
وصلني سؤال يقول:
هل يجوز تأخير إخراج الزكاة ؟
الجواب:
الأصل في إخراج الزكاة أن تكون في وقتها المحدد لها شرعاً عند بلوغ النصاب ومرور الحول، ولكن إذا جاز تعجيل الزكاة قبل وقتها فإنه لا يجوز تأخيرها عن وقت إخراجها الواجب إلا لحاجة داعية، أو مصلحة معتبرة تقتضي ذلك. مثل أن يؤخرها ليدفعها إلى فقير غائب هو أشد حاجة من غيره من الفقراء الحاضرين، ومثل ذلك تأخيرها إلى قريب ذي حاجة؛ لما له من الحق المؤكد، وما فيها من الجر المضاعف.
وله أن يؤخرها لعذر مالي حلَ به، فأحوجه إلى مال الزكاة، فلا بأس أن ينفقه ويبقى دينًا في عنقه، وعليه الأداء في أول فرصة تسنح له.
قال الإمام شمس الدين الرملي رحمه الله: (وله تأخيرها لانتظار أحوج أو أصلح أو قريب أو جار؛ لأنه تأخير لغرض ظاهر وهو حيازة الفضيلة، وكذلك ليتروى حيث تردد في استحقاق الحاضرين، ويضمن إن تلف المال في مدة التأخير. لحصول الإمكان، وإنما أخر لغرض نفسه، فيتقيد جوازه بشرط سلامة العاقبة، ولو تضرر الحاضر بالجزع حرم التأخير مطلقًا؛ إذ دفع ضرره فرض، فلا يجوز تركه لحيازة فضيلة (نهاية المحتاج: 2/134).
واشترط الإمام ابن قدامة رحمه الله في جواز التأخير لحاجة أن يكون شيئًا يسيرًا، فأما إن كان كثيرًا فلا يجوز، ونقل عن أحمد قوله: لا يجرى على أقاربه من الزكاة في كل شهر. يعني لا يؤخر إخراجها حتى يدفعها إليهم متفرقة في كل شهر شيئًا، فأما إن عجلها فدفعها إليهم، أو إلى غيرهم، متفرقة أو مجموعة جاز؛ لأنه لم يؤخرها عن وقتها، وكذلك إن كان عنده مالان أو أموال زكاتها واحدة، وتختلف أحوالها، مثل أن يكون عنده نصاب، وقد استفاد في أثناء الحول من جنسه دون النصاب، لم يجز تأخير الزكاة ليجمعها كلها؛ لأنه يمكنه جمعها، بتعجيلها في أول واجب منها (المغني: 2/685).
وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إلا لعذر، أو ضرورة ومصلحة تقتضي ذلك، ويأثم إذا أخرها لغير حاجة داعية لذلك. والله أعلم.

الأحد، 15 نوفمبر 2015

اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم



اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم
وصلني سؤال يقول:
هل يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطايا والهبات؟
الجواب:
اتفق العلماء على مشروعية العدل بين الأولاد في العطية فلا يخص أحدهم أو بعضهم بشيء دون الآخر، وأنه لا يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري ومسلم عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْجِعْهُ "، وفي لفظ لمسلم  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"، ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهر على وجوب العدل بين الأولاد ، وأن تفضيل بعضهم دون الآخر ظلم وجور، إضافة إلى امتناعه صلى الله عليه وسلم عن الشهادة عليه وأمره برده، وهذا كله يدل على تحريم التفضيل، ولما في تفضيل بعضهم على بعض من وقوع للعداوة والبغضاء فيما بينهم، وقطيعة الرحم وغير ذلك.والله أعلم.


الموسوعة الطبية الفقهية (موسوعة جامعة للأحكام الفقهية في الصحة والمرض والممارسات الطبية) ، د. أحمد محمد كنعان ، تقديم د. محمد هيثم الخياط

فقه القضايا الطبية المعاصرة دراسة فقهية طبية مقارنة مزودة بقرارات المجامع الفقهية والندوات العلمية ، أ.د. علي القره داغي و أ.د. علي المحمدي