الجمعة، 17 يونيو 2016

رمضان شهر الجود ومدارسة القرآن (2)



رمضان شهر الجود ومدارسة القرآن (2)
في المقال السابق بينت أن من خصائص شهر رمضان الجود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، ومن خصائصه أنه شهر القرآن شرفه الله عز وجل بنزول القرآن الكريم فيه قال تعالى:( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة:185)، ففي هذه الآية يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء(تفسير ابن كثير1/268)، وعن واثلة بن الأسقع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين خلت من رمضان"(رواه أحمد).
وكان الأمين جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله فيدارسه القرآن في رمضان لتتأسي به أمته، فيكثروا فيه من قراءة القرآن، فيجتمع لهم فضل الصيام والتلاوة والقراءة والقيام، والحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس. والغنى سبب الجود والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة، وأيضاً فرمضان موسم الخيرات لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده، فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود والعلم عند الله.(فتح الباري 1/31)، وكانت المدارسة بينه وبين جبريل ليلاً يدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً، فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر.(لطائف المعارف صـ243).
وفي القرآن الهداية والنور والسعادة في الدنيا والآخرة لمن تمسك به، وعمل بأوامره، وانتهى عن نواهيه، قال تعالى:(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)(الإسراء:9)، وفي القرآن الشفاء قال تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا)(الإسراء:82).
وخيرية الأمة لا تكون إلا بالقرآن الكريم تعلماً وتعليماً فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه)(رواه البخاري)، والقرآن يشفع لصاحبه يوم القيامة، والصيام أيضاً فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته بالطعام والشهوة بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه. قيل: فيشفعان)(رواه أحمد).
وأجر قراءة القرآن مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، أما إني لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)(رواه الترمذي).
وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، وكانت لهم معه حال عجيبة فمنهم من كان يختم كل يوم وليلة مرة، ومنهم من كان يختم كل ليليتين مرة، ومنهم من كان يختم في كل ثلاث ليال مرة، وورد عن الإمام الشافعي رحمه الله أن كان يختم في رمضان ستين ختمة، وكذلك الإمام أبو حنيفة وغيرهم.
فما أحوج أمة القرآن اليوم للعودة للقرآن في شهر القرآن قراءة وفهماً وتدبراً وعملاً كي تسعد في الدنيا والآخرة فلا سعادة ولا نجاة إلا من خلال التمسك بالقرآن والعمل بسنة النبي عليه الصلاة والسلام.
د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yhoo.com

رمضان شهر الجود ومدارسة القرآن (1)



رمضان شهر الجود ومدارسة القرآن
اختص الله عز وجل شهر رمضان بفضائل كثيرة فهو شهر الصيام والقيام، وشهر الجهاد والانتصارات، وشهر الخيرات والبركات والنفحات، وشهر الجود ومدارسة القرآن أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ".
وفي تضاعف جوده  صلى الله عليه وسلم  في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:
منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، وفي الترمذي عن أنس مرفوعاً: (أفضل الصدقة صدقة رمضان).
ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقط غزا، وفي حديث زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء)
 ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما قال  صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل.
 ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في حديث علي رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة غرفاً يُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها قالوا: لمن هي يا رسول الله ؟ قال: لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام)
وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل.
ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وخصوصا إن ضم إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصيام جُنة)، وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوما شديداً حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير.(لطائف المعارف، 238، 239)
ومنها: أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه، وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمته كله، فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.(لطائف المعارف، 241)
ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها، ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر، لأن الطعام يكون محبوبا له حينئذ فيواسي منه حتى يكون من أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها، وسئل بعض السلف: لم شرع الصيام ؟ قال: ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل. وللحديث بقية إن شاء الله.
د/أحمد عرفة
باحث دكتواره بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com