الجمعة، 30 سبتمبر 2016

كتاب قرأناه لك -الشيخ علي الخفيف الفقيه المجدد للأستاذ الدكتور/ محمد عثمان شبير. إعداد/ د/ أحمد عرفة



الشيخ علي الخفيف
الفقيه المجدد
هذا الكتاب ضمن سلسلة علماء ومفكرون معاصرون التي تصدرها دار القلم بدمشق، الإصدار رقم (16) يتناول هذا الكتاب السيرة العلمية لعالم كبير من علماء مصر والعالم الإسلامي إنه فضيلة الشيخ/ علي الخفيف الفقيه المجدد. تأليف الأستاذ الدكتور/ محمد عثمان شبير، ويقع الكتاب في 198 صفحة من القطع المتوسط، طبعة دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1423هـ-2002م.
وقد قسَّم المؤلف الكتاب إلى مقدمة وفصلين وخاتمة:
أما الفصل الأول: فقد تناول فيه لمحات من حياته، وقد اشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: لمحات من حياة الشيخ علي الخفيف، وقسمه إلى ستة مطالب:
المطلب الأول: تحدث فيه عن لمحات من حياة الشيخ من حيث ملامح عصره من الناحية السياسية والاجتماعية والعلمية.
وفي المطلب الثاني: تحدث عن نشأته وتكوينه العلمي وأنه ولد في قرية الشهداء بمحافظة المنوفية وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ثم التحق بالأزهر الشريف سنة 1904م، والتحاقه بمعهد الإسكندرية الديني، ولما علم بإنشاء مدرسة القضاء الشرعي سنة 1907م انتقل إليها، وترك معهد الإسكندرية، لأن هذه المدرسة بمثابة جامعة راقية سامقة في حينها، تفوق في مناهجها ونظامها معهد الإسكندرية الديني، وقد بقي فيها مدة ثماني سنوات، حتى نال الشهادة العالية فيها التي تؤهله لتولي مناصب عديدة، ومن أقرانه الذين درسوا معه في هذه المدرسة الشيخ عبد الوهاب خلاف، والدكتور أمين الخولي، والشيخ محمد فرج السنهوري. ثم انتقل للحديث عن شيوخه وذكر منهم الشيخ أحمد إبراهيم بك، والشيخ محمد الخضري، والشيخ محمد عبد المطلب واصل.
وفي المطلب الثالث: تحدث المؤلف عن الوظائف التي تولاها الشيخ ومنها التدريس الجامعي في مدرسة القضاء الشرعي، وكلية الحقوق بجامعة القاهرة، ومعهد الدراسات العربية العليا بالقاهرة، وعمل أيضاً محامياً لدى وزارة الأوقاف ثم مديراً لشؤون المساجد ومشرفاً عليها.
وفي المطلب الرابع: تحدث عن مكانة الشيخ العلمية من حيث الملكة الفقهية وتمكنه من الفقه وأصوله حتى قال عنه الدكتور إبراهيم مدكور"" تمكن من الفقه تمكناً لا يجاريه فيه كثير من معاصريه، حذقه في بصر وبصيرة، ومارسه علماً وعملاً وضم إليه قدراً غير قليل من علوم القانون، فتوافرت له أسباب الاجتهاد"، وبيّن مكانته في الأوساط العلمية والرسمية فقد اختير عضواً بموسوعة الفقه الإسلامي بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في سنة 1961م، وفي سنة 1961م شارك في أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان ابن تيمية الذي عقد في دمشق، واختير عضواً بمجمع البحوث الإسلامية سنة 1962م، وفي سنة 1967م اختير عضواً بالمجلس الأعلى للأزهر، وغير ذلك.
ومما يدل على مكانته العلمية دعوته لتجديد الفقه الإسلامي وأنه لا يعني التخلص من القديم أو محاولة هدمه، بل الاحتفاظ به، وترميم ما بلى منه، وإدخال التحسين عليه. ثم تحدث عن تلاميذه وذكر منهم، الشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور عبد الوهاب عزام، والدكتور إبراهيم مدكور.
وفي المطلب الخامس: تحدث عن شخصيته وأخلاقه وذكر منها التواضع، والشعور بالمسؤولية، والصدق وكراهية الكذب، وفي المطلب السادس: تحدث عن وفاته وثناء العلماء عليه حيث توفي الشيخ في القاهرة يوم 11/7/ 1978م بعد أن صلى المغرب والعشاء جمع تقديم بسبب المرض الذي نزل به، وأقام له مجمع اللغة العربية بالقاهرة حفل تأبين يوم الأربعاء 7 من ذي الحجة 1398هـ الموافق 8/11/1978م. جاء في كلمته التي ألقاها في حفل تأبين الشيخ علي الخفيف- رحمه الله-:
"كان من نعم الله عليه أنه كان جليلاً في كل مكان عمل به، فهو في مجمع البحوث الإسلامية ينبوع دفاق، وفي موسوعة الفقه الإسلامي سحاب غيداق، وفي مدرسة القضاء الشرعي وكليات الشريعة والحقوق علم خفاق، وفي مجمع اللغة العربية عالم مرموق، وفي تطوير التشريع الإسلامي وتيسيره رائد سباق".
وفي المبحث الثاني: تناول المؤلف آراء الشيخ في المعاملات المالية المعاصرة مثل الوقف الأهلي، والوصية الواجبة، وتحديد الملكية الفردية، والتأمين، وشهادات الاستثمار، ومنح الشخصية الاعتبارية للشركات.
وأما الفصل الثاني: فقد تناول فيه التعريف بمؤلفات الشيخ، وقسَّمه مبحثين:
المبحث الأول: سرد عام للمؤلفات المطبوعة وأماكن طباعتها.
وفي المبحث الثاني: تعريف بأهم مؤلفات الشيخ وذكر منها: الوقف الأهلي، وتأثير الموت في حقوق الإنسان والتزاماته، ومدى تعلق الحقوق بالتركة، وأحكام المعاملات الشرعية، والحق والذمة، والمنافع، وأسباب اختلاف الفقهاء، والشركات في الفقه الإسلامي، وغيرها من المؤلفات والبحوث التي نشرت في مجلات متخصصة كمجلة القانون والاقتصاد بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وبحوث منشورة بالعديد من المؤتمرات. رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.اللهم آمين.


د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 27/9/2016م

كتاب قرأناه لك أيتام غيروا مجرى التاريخ . إعداد/د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
أيتام غيروا مجرى التاريخ
هذا الكتاب من الكتب المعاصرة الفريدة في بابها، تأليف: عبد الله بن صالح الجمعة –طبعة مكتبة العبيكان –الطبعة الثانية سنة 1429هـ-2008م، يقع الكتاب في 212 صفحة، في هذا الكتاب جمع لسير من المفكرين والفقهاء والمخترعين والأدباء ورجال الأعمال والعلماء ممن اشتركوا في خصلة واحدة وارتبطوا فيما بينهم برابطة مشتركة ألا وهي اليتم، وفي النهاية حققوا ما لم يحققه غيرهم، وأنجزوا ما عجز عنه الآخرون؛ ليسجلوا أسماءهم على نجوم الإبداع وصفحات التاريخ إنها العظمة بحق.
يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله:(الحكايات عن العلماء ومحاسنهم أحب إلي من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم)، ومن هذا المنطلق يقول المؤلف في سبب تأليفه: تشربت قصص العلماء والعظماء وآنست سيرهم، فتولدت عندي مفاهيم حول تجاوزهم العقبات الصعبة والمصائب الهائلة، حتى إنك لا تجد من وصل إلى المجد بطريق مُلئ ورداً وزهوراً، ومن هذه العقبات، اليتم، الذي يحرم الإنسان من حنين الأب ورحمة العائل، فينشأ اليتيم وحيداً يجابه مصاعب الدنيا ومشاقها. وقليل منهم من يتجاوز ذلك...وهؤلاء العظماء الذين عظمت آمالهم فخلدت آثارهم.
يقول المؤلف: وقد رأيت أن يطلع الأيتام وغيرهم على تجارب هؤلاء تأسياً بهم واقتداء بتجاربهم، إلا أنهم بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، وباطلاعهم على سيرته أحق وأحرى، فهو سيد البشر وخير خلق الله وأعظم من وطأت قدماه وجه البسيطة.
ثم يوضح معيار اختيار أسماء اختياره للعظماء في هذا الكتاب فيقول:المعيار الأول: أن يكون صاحب الاسم يتيماً أو في حكمه، بمعنى أنه فقد أباه قبل بلوغه، أو كان لقيطاً، والثاني: أن يكون للشخص شهرة واسعة أو آثار باقية أو أموال طائلة أكسبته تلك العظمة، بشرط أن يكون قد بنى تلك العظمة بنفسه، دون تدخل عوامل خارجية كالنسب والوراثة.
ومن العظماء في هذا الكتاب حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي المتوفى505هـ فقد أباه صبياً فرباه وصي صوفي مدة من الزمن، ثم وضعه في مدرسة خيرية يعيش ويتعلم، يعد الغزالي من كبار المفكرين المسلمين بعامة ومن كبار المفكرين بمجال الأخلاق بخاصة، ومنهم الإمام ابن الجوزي المتوفى 597هـ توفي والده علي بن محمد وله من العمر ثلاث سنين، ولكن ذلك لم يؤثر في نشأته نشأة صالحة، قال رحمه الله عن نفسه: كتبت بأصبعي ألفي مجلد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفاً، وكان كثير الاطلاع، شغوفاً بالقراءة، فقد حكى عن نفسه أنه طالع عشرين ألف مجلد أو أكثر، وهو ما يزال طالباً، ومنهم أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري المتوفى 256هـ نشأ يتيماً، فقد توفي أبوه مبكراً، فلم يهنأ بمولوده الصغير، لكن زوجته تعهدت وليدها بالرعاية والتعليم، حتى صار شيخ المحدثين وصاحب أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو صحيح البخاري، قال عنه الإمام ابن خزيمة رحمه الله: لم أر تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله ولا أحفظ من البخاري.
ومن العظماء المعاصرين الوارد ذكرهم في هذا الكتاب الفقيه القانون المصري العلامة عبد الرزاق السنهوري المتوفي 1971م من أكبر علماء القانون المدني في عصره، عاش طفولته يتيماً إذ توفي والده وعمره خمس سنوات، له العديد من المؤلفات والموسوعات التي ينهل منها الباحثين إلى يومنا هذا ومنها شرح القانون المدني في العقود، والوسيط في شرح القانون المدني ، ونظرية العقد في الفقه الإسلامي، ومنهم الإمام العلامة عبد العزيز بن باز المفتى العام السابق للملكة العربية السعودية المتوفى 1420هـ، ومنهم الإمام العلامة الفقيه المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي المتوفى 1376هـ صاحب التفسير المشهور المعروف بـ(تفسير السعدي)، ومنهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين المتوفى 2005م، ومنهم أبو الحسن الندوي المتوفى1420هـ من أشهر مؤلفاته (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، والرئيس ياسر عرفات الرئيس السابق لدولة فلسطين، وبيل كلينتون الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، ونلسون مانديلا (الرجل الأسود الذي نشر السلام الأبيض) ، وجنكيز خان، ومن الشعراء الأيتام حافظ إبراهيم ، والمتنبي.
فالكتاب موسوعة علمية قيمة لتراجم هؤلاء العظماء الذين لم تؤثر فيهم هذه العقبات والمصائب والمحن التي تعرضوا لها، فما أحوج شباب المسلمين اليوم إلى الاقتداء بهؤلاء العظماء والسير على دربهم من أجل تحقيق العظمة لهم في الحياة والذكر الحسن بعد الممات.
د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 1/3/2016م.

كتاب قرأناه لك تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم . إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم
هذا الكتاب للإمام العلامة بدر الدين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الشافعي المتوفى سنة 733هـ، طبعة مكتبة ابن عباس بالمنصورة، الطبعة الأولى 1425هـ-2005م، يقع في 317 صفحة.
هذا الكتاب ثروة من ثروات المكتبة الإسلامية في عطائها، والتي تمد المجمتعات الإسلامية بذخائر ما تحويه من علوم وآداب، وهذا السفر قطرة من بحر فيضها، تظهر أهميته من جوانب متعددة:
من الجانب الشرعي، وذلك لما فيه من بيان لبعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالطالب والشيخ، وكذا ما يحويه من ذكر لبعض القواعد الشرعية، على ما فيه من تفسير للآي، وشروح، ونكت تتعلق ببعض الأحاديث والآثار.
ومن الجانب الأدبي والتربوي، وذلك لما فيه من آداب، ومناهج تربوية لا تخص الطالب والشيخ فقط، بل إنها تعتبر نواة لمنهج تربوي قائم على أسس شرعية، تدل على أن شريعتنا مع صلاحيتها لكل زمان ومكان مراعية لمقاصد العباد على اختلاف درجاتهم، وأنها حكيمة في أحكامها، لا تقوم على العبث، ويرسم للشيخ الخطى لتدريب نفسه وتلميذه على حسن الأدب، وجميل الخصال، ويرسم للطالب الطريق السويّ لطلب العلم من خلال إرشاده إلى رأس ماله وذلك بتنظيم وقته، وتعاهد محفوظه، والاقتصاد في طلبه.
ومن الجانب التاريخي والاجتماعي، يطلعنا الكتاب على صور من الحياة التعليمية في عصر المؤلف من حيث الحياة في المدارس، وكيفية ترتيب الأوقات والطلبة فيها، وكذا كيفية تعاهد الكتب وترصيصها، وطرق كتابة الكتب وتصحيحها، وكذا تدل على نضج الفكر الاجتماعي في ذلك العصر لما ترى في الكتاب من عجيب مراعاة المصنف لنفسية كل أحد حسب مرتبته العلمية، ومكانته الاجتماعية.
وعن منهج المؤلف في الكتاب تحدث قائلاً:" وجمعت ذلك مما اتفق في المسموعات، أو سمعته من المشايخ السادات، أو مررت به في المطالعات، أو استفدته في المذاكرات، وذكرته محذوف الأسانيد والأدلة؛ كيلا يطول على مطالعه أو يمله، وقد جمعت فيه بحمد الله من تفاريق آداب هذه الأبواب ما لم أره مجموعاً في كتاب، وقدمت على ذلك باباً مختصراً في فضل العلم والعلماء...".
قال في المقدمة:" إن أهم ما يبادر به اللبيب شرخ شبابه، ويدئب نفسه في تحصيله واكتسابه حسن الأدب الذي شهد الشرع والعقل بفضله، واتفقت الآراء والألسنة على شكر أهله وإن أحق الناس بهذه الخصلة الجميلة وأولاهم بحيازة هذه المرتبة الجميلة أهل العلم الذين حلّوا به ذروة المجد والثناء، وأحرزوا به قصبات السبق إلى وراثة الأنبياء، لعلمهم بمكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه وحسن سير الأئمة الأطهار من أهل بيته وأصحابه وبما كان عليه أئمة علماء السلف، واقتدى بهديهم فيه مشايخ الخلف".
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى عدة أبواب:
في الباب الأول تحدث عن فضل العلم والعلماء وفضل تعليمه وتعلمه من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكلام السلف الصالح في بيان عظيم شرف العلم وأهله.
ثم انتقل في الباب الثاني للحديث عن أدب العالم في نفسه ومراعاة طالبه ودرسه، وقسمه إلى ثلاثة فصول. في الفصل الأول بيّن آدابه في نفسه، وفي الفصل الثاني بيّن آدابه في درسه، وفي الفصل الثالث بيّن أدبه مع طلبته مطلقاً وفي حلقته.
وفي الباب الثالث تحدث المؤلف عن آداب المتعلم، وقسمه إلى ثلاثة فصول. في الفصل الأول بيّن آدابه في نفسه، وفي الفصل الثاني بيّن آدابه مع شيخه وقدوته وما يجب عليه من عظيم حرمته، وفي الفصل الثالث بيّن آدابه في دروسه وقراءته في الحلقة وما يعتمده فيها مع الشيخ والرفقة.
ثم انتقل المؤلف في الباب الرابع للحديث عن الأدب مع الكتب التي هي آلة العلم، وما يتعلق بتصحيحها وضبطها وحملها ووضعها وشرائها وعاريتها ونسخها وغير ذلك.

د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 24/5/2016م.

كتاب قرأناه لك - دفاع عن السنة وردّ شُبه المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين - للشيخ الدكتور/ محمد بن محمد أبو شهبة . إعداد/ د/ أحمد عرفة



دفاع عن السنة
وردّ شُبه المستشرقين والكُتَّاب المعاصرين
للشيخ الدكتور/ محمد بن محمد أبو شهبة
يُعد هذا الكتاب من الكتب القيمة في بيان حجية السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، وبيان الشبهات المثارة حول حجية السنة والأحاديث النبوية من الكُتاب والمفكرين المعاصرين والرد على هذا الشُبه ردا ًعلمياً متقناً يحتاج إليه المتخصص وغيره، طبع الكتاب عدة طبعات منها طبعة مكتبة السنة بالقاهرة – الطبعة الثانية سنة 1428هـ-2007م ، وقد جاء هذا الكتاب في ثلاثة أقسام:القسم الأول: (دفاع عن السنة ورد شبهات المستشرقين والكتاب المعاصرين)، القسم الثاني: (بعض الشبه الواردة على السنة قديماً وحديثاً، وردها رداً علمياً صحيحاً)، ويدل على قيمة هذا الكتاب ما قاله مؤلفه –رحمه الله- حيث قال:(هذا الكتاب الذي يعتبر عصارة ذهني ، وعقلي، وقلبي، وخلاصة عمر طويل في دراسة السنة النبوية المطهرة، والردود على ما يثار حولها من شُبه، وتجنيات وأباطيل، ما يزيد عن ثلث قرن من الزمان-ولله الحمد والمنة)، القسم الثالث: (بيان الشبه التي أوردها بعض من ينكر حجية السنة والرد عليها) للدكتور/ عبد الغني عبد الخالق –رحمه الله- وألحقت هذه الرسالة بالكتاب، تلبية لرغبة كثير من أهل العلم وطلابه، وبه يصير الكتاب موسوعة إسلامية هامة لأهل الحق.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: فمرجع الشريعة الإسلامية إلى أصلين شريفين: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والسنة: بيان للقرآن، وشرح لأحكامه، وبسط لأصوله، وتمام لتشريعاته. والسنة متى ثبت عن المعصوم صلوات الله عليه وسلامه فهي تشريع وهداية، وواجبة الاتباع ولا محالة.
تحدث المؤلف في القسم الأول عن منزلة السنة من الدين وأنها بيان للقرآن، وأن السنة تستقل بالتشريع ، ثم عرض لأدلة حجية السنة ورد شبه المنكرين لها، وبيّن مراحل تدوين السنة وعناية الصحابة بالأحاديث والسنن، والأطوار التي مر بها تدوين الحديث النبوي، وكيف كانت عناية المحدثين بالنقد والرواية ونقد الأسانيد والمتون، وعنايتهم أيضاً بفقه الأحاديث ومعانيها.
ثم انتقل إلى نقد وتحليل الشبهات الواردة في كتاب (أضواء على السنة المحمدية) لمحمود أبو رية، وذلك بعرض هذه الشبهات والرد عليها رداً علمياً صحيحاً تعرض من خلال الرد عليه إلى بيان منزلة الصحابة رضي الله عنهم وبيان عدالة الصحابة والشبهات المثارة حول بعض رواة الحديث كأبي هريرة رضي الله عنه وغيره والرد عليها، وتعرض أيضاً للرد على ما أثير حول صحيح البخاري من شبهات والتطاول على الأئمة كابن حجر وأحمد وأبو حنيفة وغيرهم والرد عليها.
ثم جاء القسم الثاني: في بيان بعض الشٌّبه الواردة على السنة قديماً وحديثاً والرد عليها رداً علمياً صحيحاً ومنها: هل أدخل أهل الكتاب أقوالاً من الإنجيل على أنها أحاديث، ورميهم للمحدثين والطعن فيهم بالجُبن والخوف، وقولهم أن المحدثين لم يتوسعوا في نقد المتن، ودعواهم أن عمر رضي الله عنه اتجه إلى تقليل رواية الحديث والرجوع إلى القرآن وحده، وشبهات المستشرقين حول الوضع في الحديث، وحديث الذبابة، وأحاديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الشبهات ورد عليها رداً علمياً نحن أحوج ما نكون إليه في هذه الأيام في هذه الهجمات الشرسة على الإسلام والسنة النبوية المطهرة.
وختم المؤلف كتابه ببيان أن الإسلام تعرض لعداوات كثيرة، وما لبثت أن خبت جذورها، وأن أعداء الإسلام حاولوا الطعن في القرآن ولم يستطيعوا، فحاولوا الطعن في السنة وحملة الأحاديث والآثار بقصد نفي الثقة عنهم، ولكن الله سبحانه أقام للدفاع عن دينه في كل عصر علماء للأمة في كل قُطر، ولا يزالون قائمين بهذا الواجب، ولا يزال كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالصلابة والقوة التي تكسرت عليها شُبّه وأباطيل وتأويلات الأعداء، كما كانا منذ أربعة عشر قرناً.
ومن التوصيات التي أوصى بها المؤلف تعاون المشتغلين بالسنة فيما بينهم على خدمة السنة النبوية والدفاع عنها ورد الشبهات المثارة حولها في كل عصر، والاهتمام بقراءة كتب الأحاديث والسُّنن كما كان يفعل العلماء والمحدثين في القرون الأولى ابتغاء وجه الله، لا رغبة في مال ولا في وظيفة، وأن خدمة كتاب الله، وخدمة سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، من أوجب الواجبات على الدول الإسلامية والجامعات الإسلامية.

د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 3 ذو القعدة 1436هـ، 18/8/2015م.

كتاب قرأناه لك عصر العلم للعالم الكبير الأستاذ الدكتور/ أحمد زويل –رحمه الله- إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
عصر العلم
للعالم الكبير الأستاذ الدكتور/ أحمد زويل –رحمه الله-
الدكتور/ أحمد زويل عالم كيميائي مصري حاصل على جائزة نوبل في الكيمياء لسنة 1999م لأبحاثه في مجال الفيمتو ثانية، نشر أكثر من 350 بحثاً علمياً في المجلات العلمية العالمية المتخصصة، ومن مؤلفاته هذا الكتاب القيم (عصر العلم)، وهو محاولة لفهم طبيعة هذا العصر، من العلم إلى ما وراء العلم من إيرادات سياسية وطاقات اجتماعية وثقافات للشعوب، وعليه فإن هذا الكتاب يجمع بين تجربة المؤلف الذاتية في "عصر من العلم" ورؤيته الشخصية للعالم في "عصر العلم".
وفي بداية الكتاب يتساءل المؤلف –رحمه الله- قائلاً: " إن ما يجرى يتطلب منا وقفة تاريخية، كيف وصلنا إلى هذه الدرجة من التطور؟ وما هي طريقة الوصول إليها؟ وما الذي يحمله المستقبل من جديد للناجحين والخاملين؟ ثم يقول: إنني واحد ممن ينشغلون كثيراً بهذه التساؤلات وبالبحث في طرق الإجابة عليها، وحين حصلت على جائزة نوبل في عام 1999م، والتي جاءت في عام له دلالته الرمزية، حيث يختتم القرن العشرين فتوحاته العلمية، ليستكمل "عصر العلم" فتوحات أخرى في قرن جديد منذ ذلك الحين وأنا ألتقي بكثير من الزعماء والقادة السياسيين، وبالعديد من الفلاسفة والمفكرين ورجال الاقتصاد والإدارة، فضلاً عن الاحتكاك الدائم مع أعظم علماء العصر.
وقسم المؤلف الكتاب إلى خمسة فصول:
أما عن الفصل الأول فقد جعله تحت عنوان (بين النيل والمتوسط.. البــداية) تحدث فيه عن حياته والتي كانت عام 1946م في مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيــرة، وارتباطه بوالديه وأهمية المسجد ودوره في تشكيل محور حياته وحياة أهل المدينة كلها، وأنه بمثابة القوة الجاذبة لنا جميعاً، وأنه اكتسب من والده خبرات عملية كثيرة منها ركوب الدراجات، والتي لم أزل أستمتع بها حتى اليوم.
ثم يقول: وكان اهتمامي منصب دائماً على الموضوعات التحليلية، مع الرغبة في السؤال: لماذا؟ وكيف؟ وقد يتعجب البعض إذا ما عرف أن أكثر هواياتي الممتعة هي قراءة التاريخ، ولدي مكتبة تضم العديد من كتب التاريخ المتنوعة والتي أستمتع بقراءة موضوعاتها استمتاعاً كبيراً.
وكانت والدتي تقول أني شغوف بالتعلم متلهف لأن أتعلم شياً جديداً، وربما تنبأت العائلة بمستقبلي من اللافتة التي علقتها على باب غرفتي باسم"الدكتور أحمد"، وكنت وقتذاك في المدرسة الإعدادية كنت شغوفاً ومهتماً بالماهية التي تعمل بها الأشياء، ولكم ساءلت نفسي: كيف تعمل الأشياء؟ ولماذا تتحول بعض المواد الصلبة كالخشب إلى غاز عند احتراقها؟ فتحول المواد من صورة لأخرى كان يثير فضولي بدرجة كبيرة.
وأما الفصل الثــاني فقد جعله تحت عنوان(إلى بلاد الأحلام .. الطــريــق): يبدأ في حكاية وصوله إلى فيلادلفيا، ويحكي عن جامعة بنسلفانيا، وعن أولى ليــاليه هو وزوجته هنــاك، والتي باتها في بناء يشبه الكنيسة يتبع للجامعة؛ لعدم امتلاكه مكاناً للمبيت فيه، ثم في شقة خاصة بزميـل له، وبدأ زويل دراسته وأبـحاثـه، وواجه عقبات فكرية وثقافية كثيرة – باختلاف أنواعها، إلا أنه استطاع التغلب عليها كلها بمرور الوقت، حتى أكمل دراسته لدرجة الدكتــوراه.
ومن كلماته عن رحلته لأمريكا "حينما وصلت إلى الولايات المتحدة وعلموا أنني قد تعلمت في جامعة الإسكندرية بادروني بالسؤال التالي: من الذي أحرق مكتبة الإسكندرية؟ وهل لمصر أن تقيم مكتبة الإسكندرية من جديد، وأن تعيد أمجادها مرة أخرى؟، وهل لكم أيها المصريون أن تعيدوا أمجاد أسلافكم من علماء مكتبة الإسكندرية القدامى"، وقال: لم أشغل فكري وبالي بالثروة والمال أو اقتناء سيارة فاخرة أو ما إلى ذلك من متع الحياة المعهودة، ولكن الذي شغل فكري واستولى على خيالي، هو أن أحصل على العلم وأن أتبوأ مركزاً في دنياه، والمرء حيث يضع نفسه.
وأما الفصل الثــالث فقد جاء تحت عنوان(الأيــام الذهبية في كاليـفورنيـا .. الانطلاق): في بيركلي في كاليفورنيا انطلق في تجارب لأبحاث أكبـر، وبدأ في السفر وإلقاء النـدوات والمحاضرات هنا وهنــاك. ثم بدأ في مصيره هل يرجع إلى مصر أم يبقى في أمريـكا ؟ وحسم أمره بالتقدم إلى صفوة جامعات أمريكا وأكثرها تقدّما فإن تلقى عرضاً استمر، وإن لم يتلَقَّ عروضاً رجع، وبــالفعل تلقى عرضا بعد فترة من جامعة تعد أفضل جامعات العالم جامعة كالتك، والتي كانت تضم قائمة طويـلة من العلمـاء البــارزين في الكيــميــاء والبيـولوجيـا والفلك والجيـولوجيا والهنـدسة، وأكمــل على نطاق أوسع في كالتك، وقد خصصت له ميزانية أبـحاث جيدة، ومع الوقت زاد عدد أعضاء مجموعة دكتور زويل العلميــة، وخصصت لهم الجامعة مزيـداً من المختبرات، وأصبح أكثر وأكثر انشغالاً بالطبع، فبجانب مسئولياته الأكاديمية انشغل بإلقاء المحاضرات أكثر فأكثر.
وأما الفصل الرابـع فقد جاء تحت عنوان( الطريق إلى نـوبـل .. الوصـول): كان عمله كما يقول في قلب الذرات حيث التحام أو انفصال الجزيـئات، كما كان يقع زمـانـاً في داخل الثـانية حيث تصبح الثـانية زمنـاً عملاقـاً، وبعد أحد عشر عاماً في الخـارج، عاد زويــل إلى وطنـه إلى مصر في زيـارة، وزار أهله ومعـــالم أيام طفولته وأيـام صبــاه. ثم في مرّة أخرى نظم مؤتمراً علميــاً عقد في مديــنة الإسكندرية، وقد نجح هذا المؤتمر نجاحاً مدويـّا، ثم عاد بعد ذلك إلى كــالتــك، وعمَد في أبـحاثه إلى استخدام أفضل للزمن، ليصل إلى وحدة قياس زمني أصغر من البيكو ثانية  وهي التي كانت أصغر وحدة لقيـاس الزمن في ذلك الوقت.
وأما الفصل الخــامس فقد جعله تحت عنوان (أيــام من الخيــال.. التـكريـم): جاءت المكالمة من ستوكهولم للدكتور زويل تعلمه بأنه قد فـاز بجائزة نوبــل، واشتهرت (الفيمتو ثانية) ونشر عنها في المجلات العالمية الأكثر شهرة، وانطلقت إلى حيِّز الوجـود، ومعها انطلق صاحبـها الدكتـور أحمد زويــل، وانطلق إلى ستوكهولم ليتسلم الجــائزة، وجــاء الإعلان الرسمي بفوز الدكتور زويل بجائزة نوبل في الكيميـاء لعام 1999، ويحكي زويـل عن تجربة احتفالات جائزة نوبـل – والتي استمرت أسبـوعاً كــاملاً – وصفه الدكتـور زويـل بأنه كان” أسبوعاً من الاحتفالات الأسطورية ”.” … وأدعوك لأن تتقدم إلى الأمــام لتتسلم جائزة نوبل في الكيــميـاء لعام 1999م من يدي جلالــة الملــك ”، وقد صاحبت جائزة نوبـل – قبلها وبعدها – احتفالات وجوائز أخرى كثيرة، منها ما كان في مصر، منها ما كان احتفالاً بالجائزة، ومنها ما كان احتفالاً بالفتح العلمي الذي فتحه الله عليه. رحمه الله تعالى وغفر لنا وله وجزاه خيراً على ما قدم من علم ونفع للإنسانية.

د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية

نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 9/8/2016م.

كتاب قرأناه لك قيمة الزمن عند العلماء للشيخ العلامة/ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله . إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
قيمة الزمن عند العلماء
للشيخ العلامة/ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله
كتاب قيمة الزمن عند العلماء للشيخ العلامة/ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، يُعد هذا الكتاب من أنفس الكتب المعاصرة التي عُنيت بالحديث عن أهمية الوقت ومنزلته مع ذكر نماذج من سير العلماء القدامى والمعاصرين في محافظتهم على الوقت وإدراك قيمته، طُبع هذا الكتاب طبعات كثيرة منها طبعة دار السلام للنشر والتوزيع بالقاهرة – الطبعة الأولى سنة 1431هـ،2010م.
يقول المؤلف رحمه الله في مقدمة كتابه:(وكتابي (قيمة الزمن عند العلماء) –على ما فيه من قصور- حصيلة نحو عشرين سنة، من مطالعاتي ومراجعاتي في كتب العلم: التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، والرجال، والتراجم، والبلدان، واللغة، والنحو، والأدب، والأخلاق، وسواها، في جمع مادته، وانتخابها، وضبطها، وعزوها إلى مصادرها ومراجعها، والمقابلة بينها، وتمحيصها، وسبكها، وتحقيقها، وإخراجها بأبهى حُلَّة).
 ويُبيّن المؤلف في المقدمة قيمة الوقت وأنه أغلى ما يملك الإنسان فيقول:(يجب على المسلم أن ينتبه إلى الوقت في حياته، وإلى تنفيذ كل عمل من أعماله في توقيته المناسب، فالوقت من حيث هو معيار زمني: من أغلى ما وهب الله تعالى للإنسان، وهو في حياة العالم وطالب العلم رأس المال والربح جميعاً، فلا يسوغ للعاقل أن يُضيعه سُدى، ويعيش فيه هملاً سبهللاً، ومن أجل هذا دونت هذه الصفحات حافزاً لنفسي ولأبناء جنسي، رجاء الانتفاع بما فيها من أخبار آبائنا وسلفنا الماضين).
 افتتح الكتاب ببيان قيمة الزمن ثم تحدث عن النعم وبيّن أنها أصول وفروع، وأن من أجلٍّ أصولها وأغلاها نعمة الزمن، ثم بيان قيمة الوقت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وبيّن أن جميع المصالح تنشأ من الوقت فمن أضاعه لم يستدركه أبداً، ونقل قول الإمام الشافعي رحمه الله: صحبت الصوفية، فلم أستفد منهم سوى حرفين، أحدهما قولهم: الوقت سيف، فإن لم تقطعه قطعك، وذكر الكلمة الأخرى: نفسك اشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، ثم تحدث عن حرص السلف على كسب الوقت وملئه بالخير قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي، ومن ذلك علو همتهم في طلب العلم والسهر في تحصيله حتى أن منهم من مات ابنه فوكل من قام بتجهيزه ودفنه ليحضر الدرس كالقاضي أبو يوسف، ومنهم من كانت أخته تُلقمه العشاء ليكتب الحديث ثلاثين سنة وهو الحافظ المحدث عُبيد بن يعيش، والإمام ثعلب النحوي يقرأ كتاباً وهو في الطريق وهو ابن تسعين سنة فيتردى في حفرة فتكون وفاته، ومن ذلك الإمام أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي كان لا يُضيع ساعة من عمره وكان يقول: إني لا يحل لي أن أُضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة، ومن أجل معرفته بقيمة الوقت واستثمارها كان حصيلة ذلك كتابه (الفنون) في ثماني مئة مجلدة وهو أحد كتبه يقول عنه الإمام الذهبي رحمه الله: لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب، حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة. قال ابن رجب: وقال بعضهم: هو ثماني مئة مجلدة)، وذكر عن الإمام الحافظ المنذري رحمه الله أنه كتب بيده 90مجلدة و700 جزء من غير تصانيفه، وأن الإمام النووي رحمه الله في بداية طلبه للعلم لم يضع جنبه على الأرض نحو سنتين، وكان يحضر في اليوم اثني عشر درساً مع الضبط والتعليق، وما ذلك منه رحمه الله إلا لمعرفته بشرف ما يطلب وتقدير لقيمة الوقت وشرف الزمان.
 وذكر المؤلف أيضاً أن من علو همة السلف في حفظ الوقت كثرة مؤلفاتهم وانشغالهم بالتأليف الساعات الطويلة بل والسنوات، وذكر من هؤلاء المكثرين من التأليف الإمام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين أعظم مؤلف في الإسلام في كثرة التأليف وحسن التصنيف، يقول عنه المؤلف: (أحرز الإمام ابن جرير الطبري قصب السبق في التصنيف، كثرة في إتقان، مع عموم النفع، وقد خلف في مصنفاته ما يقرب من ثلاث مئة ألف ورقة وخمسين ألف ورقة. وهذه أغنى التركات العلمية فيما بلغنا، فتبارك الله أحسن الخالقين)، ومن هؤلاء أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والإمام البيقهي يقول عنهم المؤلف: وألف تقي الدين ابن تيمية ثلاث مئة مؤلف، في فنون مختلفة، ضمن نحو خمس مئة مجلد. وتلميذه ابن قيم الجوزية نحو الخمسين مجلداً بين ضخم ولطيف. وألف الإمام البيهقي ألف جزء، كلها تآليف محررة نادرة المثال، كثيرة الفوائد، وأقام يصوم ثلاثين سنة.
ومما ذكره المؤلف في حرص السلف على قيمة الوقت أن منهم من قرأ كتاباً مرات كثيرة، يقول رحمه الله: (ومن نتائج محافظة العلماء السابقين على الأوقات، ومراعاتهم للحظات، أن تمكنوا من قراءة كتاب واحد مرات كثيرة تدهش الناظر في أخبارهم وسيرهم، ولا يتأتي النبوغ في العلم والرسوخ فيه إلا بإدامة النظر وتكرار المطالعة، لا بتلقي دروس محدودة في دقائق وساعات معدودة محددة) وذكر أن الإمام النووي رحمه الله طالع (الوسيط) للغزالي 400 مرة، وذكر عن الإمام العلامة شيخ المالكية أبو بكر الأبهري قوله:(قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمس مئة مرة، والأسدية سبعين مرة، والموطأ خمساً وأربعين مرة، ومختصر البرقي سبعين مرة). ثم يُعلق المؤلف على هذا الكلام فيقول:(وإذا وازنت حال متخرجي اليوم بحال العلماء المتقدمين رأيت العجب يقرأ أحدهم أحاديث مختارة من (سبل السلام) نحو الخمسين حديثاً مرة واحدة في السنة، ثم يُوصف بأنه قرأ الحديث، ويقرأ من النحو عدة أبواب مختارة فيوصف بأنه درس النحو، وهكذا في الفقه والتفسير وغيرها، فإنا لله.
ومما ذكره المؤلف حُسن توزيع كل عمل على ما يناسبه من الأوقات فيقول: (ومما يحسن لفت النظر إليه في شأن الزمن: أن العمل العلمي يُنزل منزلته من الوقت الملائم له، فمن الأعمال العلمية ما يصلح له كل وقت وذهن، لخفته ويُسر القيام به، مثل النسخ والمطالعة الخفيفة والقراءة العابرة ونحوها، مما لا يحتاج إلى ذهن صاف ويقظة تامة وتفكير دقيق عميق، ومن الأعمال العلمية ما لا يكتمل حصوله على وجهه الأتم، إلا في الأوقات التي تصفو فيها الأذهان، وتنشط فيها القرائح والأفهام، وتكثر فيها البركات والنفحات، كساعات الأسحار والفجر والصباح، وساعات هدأة الليل والفراغ التام والسكون الكامل للمكان).
ثم يختم المؤلف كتابه بوصية للإمام الغزالي ينبه فيها إلى تنظيم الأوقات حيث يقول رحمه الله:( ولا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة، فتشتغل في كل وقت بما اتفق كيف اتفق، بل ينبغي أن تحاسب نفسك، وترتب وظائفك في ليلك ونهارك، وتُعين لكل وقت شُغلاً لا يتعداه ولا تؤثر فيه سواه، فيه تظهر بركة الأوقات. فأما من ترك نفسه مهملاً سُدى، إهمال البهائم، لا يدري بم يستقبل كل وقت، فتنقضي أكثر أوقاته ضائعة).
وفي النهاية يقول أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله:
دقات قلب المرء قائلة له:                  إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها              فالذكر للإنسان عُمرُ ثاني

د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 8/3/2016م.

كتاب قرأناه لك مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي للأستاذ الدكتور/ محمود محمد الطناحي -رحمه الله- إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي
للأستاذ الدكتور/ محمود محمد الطناحي -رحمه الله-
هذا الكتاب من الكتب القيمة والفريدة في بابها تحدث فيه مؤلفه عن تاريخ نشر التراث العربي والمراحل التي مر بها وأشهر المطابع والمؤلفين في كل مرحلة، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة- الطبعة الأولى سنة 1405ه- 1984م، يقع في 408 صفحة.
يقول المؤلف في المقدمة عن سبب تأليفه للكتاب وأهميته:" هذا موضوعان يتصلان بتحقيق النصوص ونشرها، وكنت على أفرد كلاً منهما ببحث جامع محيط-إذ كان مجال القول فيهما واسعاً، والحاجة إلى إشباع الحديث عنهما ماسة- لولا رغبة كريمة من بعض إخواني، لأن أعمل وأخرج ما بيدي منهما الآن، وقد استجبت لتحقيق تلك الرغبة، والموضوعان اللذان يعالجهما الكتاب هذا البحث المتواضع، هما: مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، وقضية التصحيف والتحريف، وقد يبدو الجمع بينهما قلقاً متباعداً، ولكني أردت بهما تلبية حاجة لطلبة الدراسات العليا العربية".
ثم ذكر المؤلف فائدة تاريخ نشر التراث العربي فقال: "ويفيدنا تاريخ نشر التراث العربي فائدتين: الأولى: معرفة تاريخ العلماء والرجال الذين مهدوا الطريق لنا، وسلكوا دروباً مضنية، واحتملوا عناءً باهظاً، وأظهروا على مداخل هذا التراث ومساربه، حين قاموا على نشره وإذاعته،والثانية: معرفة فروق ما بين الطبعات، فإن كثيراً من كتب التراث قد طبع أكثر من طبعة، وتتفاوت هذه الطبعات كمالاً ونقصاً، وصحة وسقماً".
وبيّن في المقدمة أن التراث الإنساني ليس ملكاً لأحد، والتقاء الحضارات وتبادل الثقافات معروف مشهور، والتأثير والتأثر بين الشعوب حتم لازم، ثم تحدث بعد ذلك عن تاريخ الطباعة العربية مبيناً أنه كان إنجازاً حضارياً كبيراً ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي على يد جوتنبرج الألماني (1397-1468م).
ثم تحدث بعد ذلك عن مراحل نشر التراث العربي، وأجملها في أربعة مراحل، وذكر مميزات وعيوب كل مرحلة وذلك كالآتي:
المرحلة الأولى: مرحلة مطبعة بولاق والمطابع الأهلية: وتتميز بنشر الكتب دون مقدمة أو دراسة أو ترجمة للمؤلف، أو ذكر مخطوطات الكتاب، ودون فهرسة، واتَّسمت بالدقة المتناهية. يقول المؤلف عن هذه المرحلة:"لقد كان إنشاء هذه المطبعة في مصر صيحة مدوية، أيقظت الغافلين، ومركز ضوء باهر هدى الحائرين، وقد تدافعت مطبوعاتها من الكتاب العربي الإسلامي، كأنها السيل، واستمرت في عملها أكثر من تسعين سنة، لم تركد في أثنائها إلا بضع سنوات، في الفترة التي انقضت بين عهد محمد علي وإسماعيل، ولا تزال هذه المطبعة العتيدة باقية إلى يومنا هذا"، وذكر من المطابع الأهلية المطبعة القبطية، ومطبعة جمعية المعارف، والمطبعة الخيرية بالجمالية، والمطبعة العثمانية، والمطبعة الأزهرية المصرية، والمطبعة الشرفية، والمطبعة الرحمانية، ومطبعة كردستان.
والمرحلة الثانية: مرحلة الناشرين النابهين: أمين الخانجي، ومحب الدين الخطيب، ومحمد منير الدمشقي، وحسام الدين القدسي، وعُنيت هذه المرحلة إلى حدٍّ ما بجمع النسخ المخطوطة للكتاب المراد نشرُه، وذكر ترجمة المؤلف، وبعض الفهارس. يقول عن هذه المرحلة:"ومن عجائب الاتفاق أنهم كلهم من أهل الشام، اجتذبهم مصر إليها، واعتدت لهم متكأ، فنشروا علماً، وأذاعوا تراثاً، ثم كان لهم من وراء ذلك أثر بارز، في جمع المخطوطات وتيسيرها للعلماء".
والمرحلة الثالثة: مرحلة دار الكتب المصرية: وفيها أخذ النشر يتَّجه نحو الكمال، من حيثُ جمعُ النسخ المخطوطة للكتاب من مكتبات العالم، وإضاءة النصوص ببعض التعليقات والشروح، وصنع الفهارس التحليلية الكاشفة لكنوز الكتاب، والتقديم للكتاب، وبيان مكانته في المكتبة العربية. يقول عن هذه المرحلة:"وكان صاحب الفضل في مد الجسور - بين مصر وأوربا فيما يتصل بنشر التراث- أحمد زكي باشا، الذي اتصل بعلماء الاستشراق، ومثّل مصر في مؤتمراتهم، وكان من كبار الكُتّاب، والخطباء في مصر".
المرحلة الرابعة: مرحلة الأفذاذ من الرجال: وهي مرحلة الأعلام أحمد محمد شاكر، ومحمود محمد شاكر، وعبد السلام هارون، والسيد أحمد صقر، وتتَّسم بشدة الإتقان. يقول عن هذه المرحلة: "وقد دخل هؤلاء الرجال ميدان التحقيق والنشر، مزودين بزاد قوي، من علم الأوائل وتجاربهم، ومستفيدين من جميع المراحل السابقة في نشر التراث، ومدفوعين بروح عربية إسلامية عارمة، استهدفت فيما استهدفت إذاعة النصوص الدالة على عظمة التراث، الكاشفة عن نواحي الجلال والكمال فيه".
ثم تحدث بعد ذلك عن نشاط الهيئات العلمية في مصر، ومنها إنشاء جامعة القاهرة، ودار المعارف، ومعهد المخطوطات العربية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ومجمع اللغة العربية، والهيئة المصرية العامة للكتاب، والمجلس الأعلى للفنون والآداب.
وانتقل بعدها للحديث عن نشر التراث العربي خارج مصر، وذكر أشهر المطابع المشهورة فيها، ثم الكلام عن المستشرقين وجهودهم في نشر التراث العربي.
ثم قال في النهاية:"إن غياب النصوص آفة علمية خطيرة، تقود إلى دراسات مبتسرة وشائهة، ودع عنك ما يقال، من أن كتب التراث تتشابه فيما تعالجه من علوم وفنون، فهذا كلام من لم يعرف الكتب، ويسلك دروبها ويقف على طرائقها".
ثم انتقل بعد ذلك لقضية من قضايا تحقيق النصوص، وهي قضية التصحيف والتحريف حيث قال:" إن قضية التصحيف والتحريف من أخطر قضايا تحقيق النصوص، لأنها تتصل بسلامة النص، وتأديته على الوجه الذي تركه عليه مؤلفه، وهي الغاية التي ليس وراءها غاية، من تحقيق النصوص وإذاعتها، وقد يُتسامح في بعض جوانب التحقيق الأخرى، مع أهميتها، كتوثيق النقول، وتخريج الشواهد، وصنع الفهارس الفنية، ولكن أن يُترك اللفظ مصحفاً أو مزالاً عن جهته، فهذا مما لا يُتسامح فيه، ولا يُعفى عنه، ويعظم الخطب حين يُبنى على اللفظ المصحف رأي في العقيدة أو الأدب أو اللغة".

د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 12/4/2016م.

نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي للأستاذ الدكتور/ وهبة الزحيلي –رحمه الله- إعداد/د/ أحمد عرفة



نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي
للأستاذ الدكتور/ وهبة الزحيلي –رحمه الله-
هذا الكتاب من الدراسات الفقهية المعاصرة التي انفردت بهذه النظرية الفقهية حول الضرورة الشرعية وضوابطها طبعة دار الفكر المعاصر- بيروت- لبنان- الطبعة الرابعة 1418هـ- 1997م يقع في 315 صفحة.
وعن أهمية الكتاب يقول المؤلف: هذا بحث مقارن في عالم الفقه والأصول والقانون يحتاج إليه كل مسلم في حياته العملية؛ لأن الناس عادة لا يسألون العلماء عن الأفكار الأصلية في الشريعة؛ إذ إن الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وإنما يسألون في الغالب عن الأحكام الاستثنائية بناء على معاذير مختلفة.
وموضوع هذا البحث هو (نظرية الضرورة الشرعية) بينت فيه حالاتها وضوابطها وقواعد الفقهاء فيها، على نحو جديد في الأسلوب والعرض والمضمون، حاولت استكمال نواحيه وجمع أشتاته من مختلف كتب الشريعة الإسلامية، لأضع أمام القارئ الكريم نظرية متكاملة عن (الضرورة) بالمعنى الأعم الذي يشمل الحاجة والمشقة، وكل ما يستدعي التخفيف والتيسير على الناس، وفي علمي أني لم أسبق إلى بحث هذا الموضوع عن الضرورة بحثاً كاملاً مفصلاً، ولم أعثر على أحد كتب فيه كتابة متميزة مستوفية.
ثم قال مبيناً أهمية البحث في الضرورة وضوابطها فقال: وبحث الضرورة أمر لازم، لأنه قد كثر الاحتجاج بالضرورة في مكانها الطبيعي وفي غير مكانها، لا سيما في عصرنا الحاضر بقصد إباحة المحظور، وترك الواجب، تحت ستار مبدأ التخفيف والتيسير على الناس، الذي قامت عليه شريعة الإسلام، ومن التقيد بضوابط الضرورة، أو للجهل بأحكامها، وبالحالات التي يصح التمسك بها عند وجود مقتضياتها.
قسم المؤلف الكتاب إلى ثمانية مباحث: في المبحث الأول بيّن مبادئ عامة حول ما يتعلق بمبدأ التحريم والإباحة في الشريعة، ومفهوم الحرام والمباح وقواعد النظام العام والآداب، وهل الأصل في الأشياء والأفعال هو الإباحة أم التحريم، وأن الإسلام دين التسامح والعدالة.
وفي المبحث الثاني تحدث عن مقاصد الشريعة الإسلامية وهي الأسرار التي وضعها الشارع الحكيم عند كل حكم من أحكامها، وبذلك تهدف الشريعة إلى تحقيق مقصد عام ألا وهو إسعاد الفرد والجماعة، وحفظ النظام، وتعمير الدنيا بكل ما يوصلها إلى مدارج الكمال والخير والمدنية والحضارة.
وفي المبحث الثالث بيّن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على مبدأ الضرورة الشرعية، وفي المبحث الرابع تحدث عن مفهوم الضرورة وضوابطها، وأن الضرورة هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض، أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته، دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع.
وذكر من ضوابط الضرورة أن تكون قائمة لا منتظرة، وأن يتعين على المضطر مخالفة الأوامر أو النواهي الشرعية، وألا يخالف المضطر مبادئ الشريعة، وأن يقتصر فيما يباح تناوله للضرورة في رأي جمهور الفقهاء بالحد الأدنى أو القدر اللازم لدفع الضرر.
وفي المبحث الخامس بيّن حالات الضرورة، وذكر منها حالة الضرورة في الغذاء والدواء، والإكراه الملجئ، والنسيان، والجهل، والنقص الطبيعي، والدفاع الشرعي، واستحسان الضرورة، والمصلحة المرسلة للضرورة، وسد الذرائع وفتحها، والظفر بالحق.
وفي المبحث السادس ذكر قواعد الضرورة وتطبيقاتها في مختلف أحوال الإنسان، ومنها: قاعدة: المشقة تجلب التيسير، وقاعدة: إذا ضاق الأمر اتسع، وقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وقاعدة: الضرورة تقدر بقدرها، وقاعدة: ما جاز لعذر يبطل بزواله، وقاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور، وقاعدة: الاضطرار لا يبطل حق الغير.
وفي المبحث السابع بيّن حكم الضرورة، وهو الأثر المترتب على وجودها الذي يستدعي تقرير أحكام استثنائية لها تناسبها، فتقتضي إباحة المحظور أو ترك الواجب أو تأخيره، خلافاً للقواعد العامة المطردة المطبقة في الأحوال العادية، وبيّن فيه أثر الضرورة في إباحة المحظور أو ترك الواجب، وأثر الاضطرار في الأحكام الشرعية، وأثر المشقة في تيسير الأحكام، والموقف من اقتران حالة الضرورة بمعصية شرعية، ومقدار ما يتناول المضطر من المحظور للحفاظ على النفس، وضمان الشيء المستهلك حال الضرورة.
وفي المبحث الثامن تعرض لمفهوم الضرورة في القانون الوضعي ومقارنتها بأحكام الفقه الإسلامي.
وفي الخاتمة بيّن أن نظرية الضرورة تشمل كل جوانب الأحكام الشرعية، سواء في العبادات أو الالتزامات أو العقود والمعاملات، أو الجرائم والعقوبات (نظرية الشبهة في الحدود، وامتناع العقاب على جريمة وقعت خطأ أو نسياناً أو بإكراه) أو في القرارات الإدارية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب.
فهذا الكتاب يضيف إلى الإنسان دليلاً جديداً على أن الشريعة الخالدة شريعة الحياة والواقع والفطرة، وأنها صالحة للتطبيق والعمل بها في كل زمان ومكان فلا يضيق بها أحد، ولا يحسن امرؤ بها قيد على النفوس، أو قيد يمنع التطور والحضارة، أو مسايرة ركب الحياة، أو الانطلاق بحرية كاملة في كل الشؤؤن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وختم المؤلف الكتاب بقول الإمام الشاطبي رحمه الله:" لقد ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية، وذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا بحسب الكل، ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات، أو الحاجيات، أو التحسينيات".
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 22/3/2016م.

كتاب قرأناه لك المذهب الاقتصادي في الإسلام للأستاذ الدكتور/ محمد شوقي الفنجري –رحمه الله- إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
المذهب الاقتصادي في الإسلام
للأستاذ الدكتور/ محمد شوقي الفنجري –رحمه الله-
هذا الكتاب أحد كتب سلسلة بحوث الاقتصاد الإسلامي التي عالج فيها المؤلف جانباً من جوانبه الهامة، إدراكاً ويقيناً بأن معركة الإسلام مع خصومه اليوم، هي معركة فكرية من الدرجة الأولى، وأن أخطر أنواع الاستعمار الحديث هو الغزو الفكري، إذ هو استعمار لا يحتل الأرض بل يحتل العقل، ولا يستخدم المدفع بل يستخدم الكلمة، ولا يقول للمسلمين اعزلوا الإسلام عن الحياة بل يربي أبناء المسلمين على أفكاره ليقولوا هم ذلك بألسنتهم وسلوكهم.
يقول المؤلف: "وهذا الكتاب محاولة منا للكشف عن المذهب الاقتصادي في الإسلام، وعرضه بلغة اليوم في ضوء مشكلات العصر، وهو في نفس الوقت رد على تساؤال المهتمين بالدراسات الإسلامية عامة والاقتصادية خاصة، سواء أكانوا مسلمين أم مستشرقين أجانب، وهو هل للإسلام مذهب اقتصادي معين؟ وإذا كان الرد بالإيجاب فما هي أصول هذا المذهب ومعالمه؟
وهو محاولة أيضاً لاستخلاص أهم المبادئ والأصول الاقتصادية التي جاء بها الإسلام منذ أربعة عشر قرناً في مواجهة مشكلات اليوم وتحديات العصر، وذلك بهدف الكشف عن المذهب الاقتصادي الإسلامي في دراسة مقارنة مع الاقتصادية الوضعية السائدة اليوم ممثلة في "المذهب الاقتصادي الفردي" وتطبيقاته من مختلف النظم الوضعية الرأسمالية، و"المذهب الاقتصادي الجماعي" وتطبيقاته من مختلف النظم الاقتصادية الاشتراكية، مؤمنين بكلمة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لا يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية"، وقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه "إنما يعرف الحق بالمقايسة عند ذوي الألباب"، وما اصطلح عليه علماء أصول الفقه الإسلامي بقولهم:" وبضدها تتبين الأشياء".
وأما عن خطة المؤلف في هذا الكتاب فقد عرض للموضوع في فصلين رئيسين عالج في أولها طبيعة وتطور الدراسات الاقتصادية الإسلامية وأهم مراجعها القديمة والحديثة، وعالج في ثانيها أهم المبادئ والأصول الاقتصادية التي جاء بها الإسلام منذ أربعة عشر قرناً في مواجهة مشكلات اليوم، وسبقهما بفصل تمهيدي عن منشأ ومفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي.
وبذلك ينقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في بيان منشأ، ومفهوم، ومنهج الاقتصاد الإسلامي، وأن الإسلام عقيدة وشريعة، وأن الاقتصاد الإسلامي قديم قدم الإسلام. ثم بيّن بعد ذلك ماهية الاقتصاد الإسلامي، ومنهجه من حيث طابع الدراسات الاقتصادية الإسلامية، ودور الباحث في الاقتصاد الإسلامي، وأزمة الاقتصاد الإسلامي والسبيل إلى إحيائه.
وأما الفصل الثاني فقد جعله تحت عنوان (تطور الدراسات الاقتصادية الإسلامية) تحدث في المطلب الأول منه عن تطور الدراسات الاقتصادية من حيث الاقتصاد كفكر، والاقتصاد كعلم، والاقتصاد كمذهب، والاقتصاد كنظام تطبيقي لأحد المذاهب، وانتقل بعد ذلك في المطلب الثاني للحديث عن تطور دراسة الاقتصاد الإسلامي وأهم مراجعة القديمة والحديثة، وفي المطلب الثالث تحدث عن التمييز بين كل من علم الاقتصاد، والاقتصاد الإسلامي، والاقتصاديات الأخرى.
وأما الفصل الثالث فقد جاء تحت عنوان (أهم الأصول الاقتصادية الإسلامية) في خمسة مطالب، في المطلب الأول تحدث عن الإسلام والمشكلة الاقتصادية، والصيغة الإسلامية للتنمية الاقتصادية، والأسلوب الإسلامي لتحقيق التنمية الاقتصادية، والضمانات الإسلامية لنجاح التنمية الاقتصادية واستمرارها، وأن المفكرون المسلمون أول من عالج قضايا التنمية الاقتصادية، وبيّن ضرورة التنسيق في خطط التنمية على المستويين العربي والإسلامي، ثم انتقل في المطلب الثاني للحديث عن الملكية الخاصة والعامة.
 وفي المطلب الثالث تحدث عن الضمان الاجتماعي أو ضمان حد الكفاية لا الكفاف لكل فرد، وضرورة التفرقة بين التأمين الاجتماعي، والضمان الاجتماعي، والتكافل الاجتماعي، وأن الإسلام هو دين الضمان الاجتماعي من حيث التزام الدولة ودين التكافل الاجتماعي من حيث التزام الأفراد، وبيّن معيار تقدم الدولة في نظر الاقتصاد الإسلامي، ثم انتقل للحديث عن الضمان الاجتماعي في الإسلام مبيناً أن الزكاة هي مؤسسة الضمان الاجتماعي في الإسلام، وحداثة نظام الضمان الاجتماعي في العالم وقدمه في الإسلام، وختمه بالحديث عن الزكاة بلغة العصر.
ثم انتقل للمطلب الرابع وخصصه للحديث عن عدالة التوزيع أو حفظ التوازن الاقتصادي بين أفراد المجتمع ودول العالم، تحدث فيه عن التوزيع النظري في الاقتصاد الرأسمالي، والاشتراكي، والشيوعي، والإسلامي، ثم التوزيع العملي، والعلاقة بين شكل الإنتاج وكيفية التوزيع، وكيفية حفظ التوازن الاقتصادي وأساليبه، ثم ختمه بالحديث عن الإسلام والطبقات الاجتماعية.
وفي المطلب الخامس والأخير تحدث عن الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، وأن الحرية الاقتصادية والتدخل كل منهما مقيد وليس مطلقاً، والخلاف حول مدى تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي، ثم ختم الكتاب بالحديث عن التخطيط الاقتصادي مبيناً أنه أياً كانت صورته، وأياً كان مداه بحسب ظروف الزمان والمكان هو مطلب شرعي اقتضته المصلحة.

د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 23/8/2016م.

كتاب قرأناه لك الشفا بتعريف حقوق المصطفى (صلى الله عليه وسلم) للإمام القاضي عياض –رحمه الله- إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
الشفا بتعريف حقوق المصطفى (صلى الله عليه وسلم)
للإمام القاضي عياض –رحمه الله-
يُعد هذا الكتاب موسوعة علمية جليلة القدر عظيمة النفع فيما يتعلق بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم وما يجب له من التوقير والإجلال والإكرام، وبيان الحقوق الواجبة على الأمة تجاه نبيها.
ذكر المؤلف –رحمه الله- في المقدمة سبب تأليفه للكتاب فقال: " فإنك كررت على السؤال في مجموع يتضمن التعريف بقدر المصطفى عليه الصلاة والسلام، وما يجب له من توقير وإكرام، وما حكم من لم يوف واجب عظيم ذلك القدر، أو قصر في حق منصبه الجليل قلامة ظفر، وأن أجمع لك ما لأسلافنا وأئمتنا في ذلك من مقال، وأبينه بتنزيل صور وأمثال، فاعلم أكرمك الله أنك حملتني من ذلك أمراً إمراً، وأرهقتني فيما ندبتنى إليه عسراً، وأرقيتني بما كلفتني مرتقي صعباً، ملأ قلبي رعباً، فإن الكلام في ذلك يستدعى تقدير أصول، وتحرير فصول، والكشف عن غوامض ودقائق، من علم الحقائق، مما يجب للنبي ويضاف إليه، أو يمتنع أو يجوز عليه، ومعرفة النبي والرسول والرسالة والنبوة، والمحبة والخلة وخصائص هذه الدرجة العلية، وههنا مهامه فيح تحار فيها القطا، وتقصر بها الخطا، ومجاهل تضل فيها الأحلام إن لم تهتد بعلم علم ونظر سديد، ومداحض تزل بها الأقدام إن لم تعتمد على توفيق من الله وتأييد، لكنى لما رجوته لي ولك في هذا السؤال والجواب، من نوال وثواب، بتعريف قدره الجسيم، وخلقه العظيم، وبيان خصائصه التي لم تجتمع قبل في مخلوق، وما يدان الله تعالى به من حقه الذي هو أرفع الحقوق.
وحصر المؤلف الكلام فيه في أربعة أقسام:
القسم الأول: في تعظيم العلي الأعلى، لقدر هذا النبي قولاً وفعلاً، وتوجه الكلام فيه في أربعة أبواب: الباب الأول: في ثنائه تعالى عليه وإظهاره عظيم قدره لديه، وفيه عشرة فصول، والباب الثاني: في تكميله تعالى له المحاسن خلقا وخلقا وقرانه جميع الفضائل الدينية والدنيوية فيه نسقاً، وفيه سبعة وعشرين فصلاً، والباب الثالث: فيما ورد من صحيح الأخبار ومشهورها بعظيم قدره عند ربه ومنزلته وما خصه الله به في الدارين من كرامته ، وفيه اثنا عشر فصلاً، والباب الرابع: فيما أظهره الله تعالى على يديه من الآيات والمعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات، وفيه ثلاثون فصلاً.
القسم الثاني: فيما يجب على الأنام من حقوقه عليه الصلاة والسلام، ويترتب القول فيه في أربعة أبواب: الباب الأول: في فرض الإيمان به ووجوب طاعته وإتباع سنته، وفيه خمسة فصول، والباب الثاني: في لزوم محبته ومناصحته، وفيه ستة فصول، والباب الثالث: في تعظيم أمره ولزوم توقيره وبره، وفيه سبعة فصول، والباب الرابع: في حكم الصلاة عليه والتسليم وفرض ذلك وفضيلته، وفيه عشرة فصول.
القسم الثالث: فيما يستحيل في حقه صلى الله عليه وسلم وما يجوز عليه وما يمتنع ويصح من الأمور البشرية أن يضاف إليه، وهذا القسم هو سر الكتاب، ولباب ثمرة هذه الأبواب، وما قبله له كالقواعد والتمهيدات، والدلائل على ما نورده فيه من النكت البينات، وهو الحاكم على ما بعده، والمنجز من غرض هذا التأليف وعده، وعند التقصي لموعدته، والتفصي عن عهدته، يشرق صدر العدو اللعين، ويشرق قلب المؤمن باليقين، وتملأ أنواره جوانح صدره، ويقدر العاقل النبي حق قدره، ويتحرر الكلام فيه في بابين:الباب الأول: فيما يختص بالأمور الدينية ويتشبث به القول في العصمة وفيه ستة عشر فصلاً، والباب الثاني: في أحواله الدنيوية وما يجوز طروه عليه من الأعراض البشرية، وفيه تسعة فصول.
القسم الرابع: في تصرف وجوه الأحكام على من تنقصه أو سبه صلى الله عليه وسلم، وينقسم الكلام فيه في بابين: الباب الأول: في بيان ما هو في حقه سب ونقص من تعريض أو نص وفيه عشرة فصول، والباب الثاني: في حكم شانئه ومؤذيه ومنتقصه وعقوبته وذكر استتابته والصلاة عليه ووراثته، وفيه عشرة فصول، وختمه المؤلف بباب ثالث جعله تكملة لهذه المسألة ووصلة للبابين اللذين قبله في حكم من سب الله تعالى ورسله وملائكته وكتبه وآل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، واختصر الكلام فيه في خمسة فصول.
فما أحوج الأمة اليوم لقراءة هذا الكتاب، والتعرف على ما يجب عليها تجاه نبيها صلى الله عليه وسلم من طاعته فيما أمر، والانتهاء عن ما نهى عنه وزجر، وألا يُعبد الله إلا بما أمر، وتوقيره وإجلاله وإكرامه، ومحبته أصحابه رضي الله عنهم وآل بيته الكرام، والحذر من سبهم والتعرض لهم بسوء، وغير ذلك من الحقوق والآداب التي ذكرها المؤلف –رحمه الله- في هذه الموسوعة القيمة.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedaraf11@yahoo.com
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 2/8/2016م.