وصلني سؤال يقول:
هل يجوز إجهاض الحمل قبل نفخ الروح بدون
حاجة أو ضرورة طبية؟
الجواب:
إجهاض الحمل هو
إخراج الجنين قبل مدته المحددة شرعاً، وقد يكون هذا الإجهاض عمداً، وقد يكون
خطئاً، وقد يكون من المرأة نفسها، وقد يكون من غيرها.
وقبل بيان حكم
الإجهاض قبل نفخ الروح بدون حاجة أو ضرورة طبية كما جاء في السؤال ينبغي أن نعلم
أن الأصل في حكم الإجهاض الحظر والمنع؛ لأن الإسلام اعتبر النفس البشرية معصومة،
وحافظ عليها، وجعلها إحدى الضرورات الخمس، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الأنعام: 151]. والجنين
داخل في ذلك.
أما عن حكم
إجهاض الحمل (الجنين) قبل نفخ الروح حكم الإجهاض قبل نفخ الروح فقد اختلف فيه
الفقهاء على أربعة أقوال: حيث ذهب الجمهور إلى أن الإجهاض قبل نفخ الروح أمر محرم
شرعاً لا يجوز للزوجين أو لأحدهما أو غيرهما فعل ذلك وهذه الحرمة ثابتة منذ بدء
الحمل.
وقال بعضهم: أن
الإجهاض قبل نفخ الروح أمر مكروه كراهة تنزيه، وذلك إذا كان في مرحلة النطفة، أما
بعد مرحلة النطفة فإنه يكون محرماً وإسقاط المرأة للنطفة مقيد برضا الزوج فإن لم
يرض الزوج كان الإجهاض محرماً، وقال آخرون: بجواز الإجهاض مطلقاً قبل نفخ الروح.
والراجح: هو
القول بحرمة إجهاض الجنين قبل نفخ الروح في جميع مراحله وأطواره، ما لم تكن هناك
حاجة أو ضرورة طبية تدعو إليه، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي –رحمه الله-: "
وأول مراتب الوجود، أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول
الحياة وإفساد ذلك جناية، فإن صارت مضغة وعلقة، كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه
الروح واستوت الخلقة، ازدادت الجناية تفاحُشاً، ومنتهى التفاحش في الجناية بعد
الانفصال حيا"(إحياء علوم الدين 2/ 51).
وقد جاء في
قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة
ما نصه: "إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا، فلا يجوز إسقاطه،: ولو كان
التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة، إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية، من الأطباء
الثقات المختصين، أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم، فعندئذ يجوز إسقاطه،
سواء أكان مشوهًا أم لا، دفعًا لأعظم الضررين.
-قبل مرور مائة
وعشرين يومًا على الحمل، إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين
الثقات-وبناء على الفحوص الفنية، بالأجهزة والوسائل المختبرية- أن الجنين مشوه
تشويهًا خطيرًا، غير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي وولد في موعده، ستكون حياته سيئة،
وآلامًا عليه وعلى أهله، فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين. والمجلس إذ
يقرر ذلك: يوصي الأطباء والوالدين، بتقوى الله، والتثبت في هذا الأمر".
وجاء في فتاوى
دار الإفتاء المصرية: "والراجح المختار للفتوى في ذلك أنه يَحرُمُ الإجهاضُ
مطلقًا؛ سواء قبل نفخ الروح أو بعده، إلَّا لضرورةٍ شرعية؛ بأن يقرر الطبيبُ
العدلُ الثقةُ أن بقاء الجنين في بطن أمه فيه خطرٌ على حياتها أو صحتها، فحينئذٍ
يجوز إسقاطه؛ مراعاةً لحياة الأم وصحتها المستقرة، وتغليبًا لها على حياة الجنين
غير المستقرة".
وجاء في قرار
مجلس هيئة كبار العلماء بالسعودية:"1- لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله
إلا لمبرر شرعي وفي حدود ضيقة جداً.2- إذا كان الحمل في الطور الأول ، وهي مدة
الأربعين يوماً وكان في إسقاطه مصلحة شرعية أو دفع ضرر جاز إسقاطه. أما إسقاطه في
هذه المدة خشية المشقّة في تربية الأولاد، أو خوفاً من العجز عن تكاليف معيشتهم
وتعليمهم أو من أجل مستقبلهم، أو اكتفاء بما لدى الزوجين من الأولاد فغير
جائز".
وبناء على ذلك
لا يجوز إجهاض الحمل قبل نفخ الروح أي قبل مرور مائة وعشرين يوماً بدون حاجة أو
ضرورة تدعو إليه، إلا إذا تعين الإجهاض إنقاذاً لحياة الأم، ويكون هذا بناء على
تقرير الطبيب الثقة أن بقاء الجنين يعرض حياة الأم للخطر الذي ربما قد يؤدي إلى
الموت ففي هذه الحالة يجوز الإجهاض قبل المائة وعشرين يوماً، أما إذا تعارضت حياة
الأم مع حياة الجنين جاز الإجهاض ولو بعد مرور المائة وعشرين يوماً، كما أفتى بذلك
علماء المجامع الفقهية، لأن حياة الأم محققة، وحياة الجنين غير محققة.والله أعلم.