الخميس، 21 سبتمبر 2017

إتيان المرأة في دبرها في ميزان الفقه الإسلامي



إتيان المرأة في دبرها في ميزان الفقه الإسلامي
يقول الله جل وعلا: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(سورة البقرة:223)، وأخرج الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: "وما أهلكك ؟ " قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قال: فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة"، وأخرج أبو داود في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأته في دبرها "، وأخرج ابن ماجة في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد".
قال الإمام القرطبي رحمه الله: هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحاً، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم. و"حرث" تشبيه، لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ "الحرث" يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع، وقوله تعالى:{أنى شئتم} معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة.(تفسير القرطبي:3/93).
وبناء على ما سبق: فإنّ إتيان الزوجة في دبرها ( في موضع خروج الغائط) كبيرة من الكبائر سواء في وقت الحيض أو غيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا، وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله الحكم في حرمة إتيان المرأة في دبرها فقال ما نصه:(وأما الدبر: فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء، وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحُشّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان، وأيضاً: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوّت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يُحصّل مقصودها، وأيضا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً، وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عُقلاء الأطباء، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي، وأيضاً: يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جداً لمخالفته للطبيعة، وأيضاً: فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه، ويلابسه، وأيضاً: فإنه يضر بالمرأة جداً، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع ، منافر لها غاية المنافرة، وأيضاً: فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكاد يُرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة، وأيضاً: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شر يأمنه، وكيف تكون حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه، وأيضاً: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب، استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده، وأيضاً: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركّب الله عليه شيئاً من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نُكس الطبع انتكس القلب، والعمل، والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات، وأيضاً : فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه .(زاد المعاد 4/262).
مما سبق يتبين لنا حرمة إتيان المرأة في دبرها، وأنه كبيرة من الكبائر، ولما فيه من لعن النبي صلى الله عليه وسلم لفاعله فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من أضرار جسيمة كما بيّن الإمام ابن القيم رحمه الله، ولمخالفته للفطرة السليمة التي جاء بها الإسلام فالإسلام دين الفطرة. والله أعلم.
                                                                      د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق