الاثنين، 8 فبراير 2016

مكانة الصحابة في القرآن الكريم



مكانة الصحابة في القرآن الكريم
في الآونة الأخيرة ظهرت ظاهرة الطعن في صحابة رسول الله رضي الله عنهم الذين هم خير جيل عرفته البشرية، وهم خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ، فما أحوج الأمة الآن إلى معرفة فضائلهم ومناقبهم من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وبيان عقيدة أهل السنة والجماعة فيهم، فمن فضائلهم في القرآن الكريم أن تعالى أعلى شأنهم ورضي عنهم ورفع مكانتهم قال تعالى:(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).[الفتح: 29].قال ابن الجوزي -رحمه الله-: وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور، وقال مالك -رحمه الله-: من أصبح وفى قلبه غيظ على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد أصابته الآية. قال الإمام القرطبي -رحمه الله- معلقاً على كلام الإمام مالك -رحمه الله-: لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحداً منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين.
ثم قال -رحمه الله-: فالصحابة كلهم عدول، أولياء الله -تعالى- وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة.[تفسير القرطبي16/ 297- 299]، وقال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[ الحشر: 8- 10]
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذين جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفيء، ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فإنهم لم يستغفروا للسابقين الأولين، وفى قلوبهم غل عليهم، ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم، وإخراج الرافضة من ذلك، وهذا نقيض مذهب الرافضة"[منهاج السنة 2/18]، وقال الإمام ابن أبى العز الحنفي -رحمه الله-: "فمن أضل ممن يكون في قلبه غل على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله -تعالى- بعد النبيين؟ بل قد فضلهم اليهود والنصارى بخصلة قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة".[شرح الطحاوية: صـ47]، وبيّن ربنا جل وعلا أنه أعد للصحابة الأجر العظيم والثواب الجزيل والمغفرة في الآخرة فقال جل وعلا: (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد:: 10)]. وقد استدل الإمام ابن حزم -رحمه الله تعالى- بقوله -تعالى-: (وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) أن جميع الصحابة بدون استثناء من أهل الجنة مقطوع لهم بذلك [الفصل في الملل والنحل: جـ4صـ148)].
 ومن فضائلهم أنه سبحانه أخبرنا أنه رضي الله عنهم فيا لها من منزلة عظيمة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرضا من الله جل وعلا قال سبحانه: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[ الفتح: 18]، وقال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ - رضي الله عنهم - وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[ التوبة: 100] .
قال الإمام البغوي - رحمه الله -: قال أبو صخر حميد بن زيادة: أتيت محمداً بن كعب القرظى فقلت له: ما قولك في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجنة محسنهم ومسيئهم، فقلت: من أين تقول هذا؟ قال: اقرأ قول الله - تعالى -: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) إلى أن قال: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ)[تفسير البغوى 2/271]، وقال ابن حزم رحمه الله:"فمن أخبرنا الله -عز وجل- أنه علم ما في قلوبهم ورضي عنهم وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيه ألبتة "[الفصل في الملل والنحل: 4 / 148]، وبيّن ربنا جل وعلا أنهم خير أمة فقال عز وجل:(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[ آل عمران:: 110].
وقال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)[ البقرة: 143] فمن المخاطب وقت نزول الآيتين غير الصحابة؟ فهم المخاطبون بذلك خطاباً أولياً، فثبت خيريتهم رضى الله عنهم على كافة الناس غير الأنبياء، وجعلهم الله شهداء على الناس يوم القيامة لفضلهم وشرفهم وعلو منزلتهم، وقال تعالى:(يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[ التحريم:8].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وفى الجملة كل ما في القرآن من خطاب المؤمنين والمتقين والمحسنين ومدحهم والثناء عليهم، فهم -أي الصحابة- أول من دخل في ذلك من هذه الأمة، وأفضل من دخل في ذلك من هذه الأمة[منهاج السنة 2/49-50].
كانت هذه بعض فضائل الصحابة رضي الله تعالى في القرآن الكريم وكيف أن الله عز وجل رضي عنهم وأعلى شأنهم ورفع مكانتهم وبيّن أنهم خير أمة أخرجت للناس، وما أعده لهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل في الآخرة، فما أحوجنا إلى معرفة هذا الفضل لهم رضي الله عنهم كما أمرنا الله عز وجل.
د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق