مكانة الصحابة في السنة النبوية
السنة
النبوية المطهرة هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، والذين قاموا بحفظ السنة
ونشرها والمحافظة عليها هم الصحابة رضي الله عنهم، وقد بينت لنا السنة النبوية
الصحيحة فضلهم وعلو منزلتهم، ومن ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي بردة
عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:((النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم
أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي
أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)، وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن
مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((خير الناس قرني ثم الذين
يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته))، وأخرج الإمام مسلم في
صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خير أمتي القرن
الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم))[والله أعلم] أذكر الثالث أم لا، قال: "
ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا ".
قال الإمام
الحافظ ابن حجر- رحمه الله: والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل
لمشاهدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه
بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقي عنه وتبليغه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن
يأتي بعده؛ لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل
بها من بعده فظهر فضلهم.[فتح الباري 7/7].
وفي
الصحيحين عن علي رضي الله عنه في قصة كتاب حاطب مع الظعينة – وفيه – فقال عمر:
إِنَّه قد خانَ اللهَ ورسوله فدعني فلأَضْرِبْ عنقه، فقال ((أَلَيْس مِنْ أهل
بدر)) فقال صلى الله عليه وسلم:((لعلَّ الله اطَّلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما
شئتم فقد وجبت لكم الجنة)) أو ((فقد غفرت لكم)) فدمعتْ عينا عمر رضي الله عنه
وقال: الله ورسولُهُ أعلم، وأخرج البخاري في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه
قال: حدَّثني أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ممَّن شهد بدراً أَنَّهم كانوا
عدَّة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر: بضعة عشر وثلاثمائة، قال البراء: لا
والله ما جاوز معه النهر إلاّ مؤمن، وأخرج البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح:1] قال الحديبية، قال أصحابه
هنيئاً مريئاً فما لنا. فأنزل الله تعالى لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [الفتح:5]، وأخرج
الترمذي في سننه بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله صلى الله
عليه وسلم ((لا يدخل النار أحدٌ ممن بايع تحت الشجرة)).
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من سبهم والتعرض
لهم بسوء في أحاديث كثيرة منها ما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري - رضي الله
عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم
أنفق مثل أحد، ذهبا ما بلغ مد أحدهم، ولا نصيفه)).
قال الإمام
النووي - رحمه الله -: ومعناه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ ثوابه في ذلك
ثواب نفقة أحد أصحابي مداً ولا نصف مد (شرح النووي على مسلم 16/93)، وقال الإمام
البيضاوي -رحمه الله-: معنى الحديث لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهباً من الفضل
والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد طعام أو نصيفه، وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من
مزيد الإخلاص وصدق النية، قلت: وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك لشدة
الاحتياج إليه وأشار بالأفضلية بسبب الإنفاق إلى الأفضلية بسبب القتال كما وقع في
الآية من أنفق من قبل الفتح وقاتل فإن فيها إشارة إلى موقع السبب الذي ذكرته وذلك
أن الإنفاق والقتال كان قبل فتح مكة عظيما لشدة الحاجة إليه وقلة المعتني به بخلاف
ما وقع بعد ذلك لأن المسلمين كثروا بعد الفتح، ودخل الناس في دين الله أفواجاً
فإنه لا يقع ذلك الموقع المتقدم والله أعلم.[فتح الباري 7/34].
قال الإمام
الآجري -رحمه الله-: "ومن سبهم فقد سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن
سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استحق اللعنة من الله - عز وجل -، ومن
الملائكة ومن الناس أجمعين)[الشريعة: صـ712)]، وقال أيضاً: " لقد خاب وخسر من
سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه خالف الله ورسوله ولحقته اللعنة
من الله - عز وجل - ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين ولا يقبل الله منه
صرفاً ولا عدلاً، لا فريضة ولا تطوعاً، وهو ذليل في الدنيا وضيع القدر، كثر الله
بهم القبور، وأخلى منهم الدور.[الشريعة: صـ716].
وأخرج ابن
أبي شيبة في مصنفه عن واثلة بن الأسقع -رضى الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه
وسلم - قال: ((لا تزالون بخير مادام فيكم من رآنى وصاحبني، والله لا تزالون بخير
ما دام فيكم من رأى من رآنى وصاحب من صاحبنى والله لا تزالون بخير مادام فيكم من
رأى من رأى من رآنى وصاحب من صاحب من صاحبنى"، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن
عائشة -رضى الله عنها- قالت: ((أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي -صلى الله عليه -
فسبوهم)).
قال الإمام
البيهقي -رحمه الله-: "وإذا ظهر أن حب الصحابة من الإيمان فحبهم أن يعتقد
فضائلهم ويعترف لهم بها ويعرف لكل ذي حق منهم حقه، ولكل ذي عنا في الإسلام عناه
ولكل ذي منزلة عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - منزلته، وينشر محاسنهم ويدعو
بالخير لهم ويقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم ولا يتتبع زلاتهم وهفواتهم ولا
يتعمد تهجين أحد منهم ببث ما لا يحسن عنه، ويسكت عما لا يقع ضرورة إلى الخوض فيه
فيما كان بينهم وبالله التوفيق".[شعب الإيمان: جـ2صـ191].
كانت هذه
بعض فضائل الصحابة رضي الله عنهم في السنة النبوية المطهرة تبين لنا من خلالها كيف
أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن أنهم خير القرون، وأنهم أمان للأمة كما أن
النجوم أمنة للسماء، فما أحوجنا إلى معرفة هذا الفضل لصحابة نبينا صلى الله عليه
وسلم والدفاع عنهم والتحذير من التعرض لهم بسوء.
د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق