الكتاب خير جليس (2)
وفي وصف
الكتاب وأهميته ومكانته يقول الجاحظ –رحمه الله-: " والكتاب وعاءٌ مُلِئَ
علماً، وَظَرْفٌ حُشِي ظَرْفاً، وإناءٌ شُحِن مُزَاحاً وجِدّاً؛ إن شئت كان أعيا
من باقِل، وإِنْ شئتَ كان أبيَنَ من سَحْبانِ وائل، وإن شئتَ ضَحِكْتَ مِنْ نوادِرِهِ،
وإن شئتَ عَجِبتَ من غرائبِ فرائِده، وإن شئتَ ألهتْك طرائفُه، وإن شئتَ أشجَتْك
مواعِظُه".(الحيوان1/38).
ثم يقول:
"ولا أعلَمُ جاراً أبرَّ، ولا خَليطاً أنصفَ، ولا رفيقاً أطوعَ، ولا معلِّماً
أخضعَ، ولا صاحباً أظهرَ كفايةً، ولا أقلَّ جِنَايَةً، ولا أقلَّ إمْلالاً
وإبراماً، ولا أحفَلَ أخلاقاً، ولا أقلَّ خِلافاً وإجراماً، ولا أقلَّ غِيبةً، ولا
أبعدَ من عَضِيهة، ولا أكثرَ أعجوبةً وتصرُّفاً، ولا أقلَّ تصلُّفاً وتكلُّفاً،
ولا أبعَدَ مِن مِراءٍ، ولا أتْرَك لشَغَب، ولا أزهَدَ في جدالٍ، ولا أكفَّ عن
قتالٍ، من كتاب.
والكتاب هو
الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوَّد بيانك، وفخَّم
ألفاظك، وعمَّر صدرك، وحباك تعظيم الأقوام، ومنحك صداقة الملوك، يطيعك فـي الليل
طاعته بالنهار، وفي السفر طاعته فـي الحضر، وهو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم
يحقرك، وإن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة، وإن عزلت لم يدع طاعتك، وإن
هبَّت عليك ريحُ أعدائك لم ينقلب عليك..."
ثم
يقول-رحمه الله-: "والكتابُ هو الذي يؤدِّي إلى الناس كتبَ الدين، وحسابَ
الدواوين مع خفَّة نقلِه، وصِغَر حجمه؛ صامتٌ ما أسكتَّه، وبليغ ما استنطقته، ومَن
لك بمسامر لا يبتديك في حالِ شُغْلك، ويدعُوك في أوقاتِ نشاطِك، ولا يُحوِجك إلى
التجمُّل له والتذمُّم منه، ومَن لكَ بزائرٍ إن شئتَ جعل زيارتَه غِبّاً، وورُوده
خِمْساً، وإن شئت لَزِمَك لزومَ ظلِّك، وكان منك مكانَ بعضِك".(الحيوان1/50).
وكانوا
يقولون: "خير ميراثٍ ما أكسبك الأركان الأَربعة وأحاط بأصول المنفعة وعجَّل
لك حلاوة المحبة وبقّى لك الأحدوثة الحسنة وأعطاك عاجل الخير وآجله وظاهره وباطنه،
وليس يجمع ذلك إلاّ كرامُ الكتب النفيسة المشتملة على ينابيع العلم والجامعة لكنوز
الأَدب ومعرفِة الصناعات وفوائدِ الأَرفاق وحجج الدين الذي بصحته وعند وضوح برهانه
تسكن النفوس وتثلج الصدور ويعود القلب معموراً والعزُّ راسخاً والأَصل فسيحاً.
وهذه الكتب هي التي تزيد في العقل
وتشحذه وتداويه وتصلحه وتهذبه وتنفي الخَبَث عنه وتفيدك العلم وتصادق بينك وبين
الحجَّة وتعوّدك الأَخذ بالثقة وتجلب الحالَ وتكسب المال".(الحيوان1/99).
فما أحوجنا
الآن إلى أن نقدر
الكتاب حق قدره، وأن نقوم بواجبنا في نهضة أمتنا الإسلامية، فعنوان النهضة والتقدم
هو العلم، ولا يكون ذلك إلا بمعرفة قيمة الكتاب وقراءة، فأمة اقرأ لا بد أن تقرأ.
وفقنا الله وإياكم، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ
30/1/2017م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق