الجمود الفقهي والحاجة للتجديد (2)
في المقال
السابق بينت خطورة الجمود الفقهي على مجرد النصوص الشرعية وإغفال جانب التعايش مع
روح النص وفهمه فهماً صحيحاً في ضوء المقاصد الشرعية حسب مقتضيات العصر، ومراعاة
تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وفي هذا المقال نستكمل ما بدأناه فنقول: من
الدراسات الحديثة التي تناولت معالم التجديد الفقهي دراسة للدكتور/ مسعود صبري
بعنوان (معالم منهجية في تجديد خطاب الفقه وأصوله) وفيها بيّن أن التجديد الفقهي
يمثل جزءاً من التجديد الديني، لأن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية
المكتسبة من الأدلة التفصيلية، وهو أيضاً يمثل جزءاً من خطاب الله تعالى لعباده
المكلفين، بما يشمل ذلك الخطاب الخاص للإنسان، أو الخطاب العام للجماعة المسلمة
والمجتمع، والتجديد الفقهي عملية متشابكة، تشمل: المحتوى الفقهي، وطرق العرض،
ومنهج التناول، وهي أيضاً تشمل التراث الفقهي بتنوعاته، كما يشمل أيضاً المنهج
الأصولي المتعلق به.
ومن
أبرز الفقهاء والمفكرين المعاصرين الذين تناولوا قضية التجديد الفقهي بالبحث
والدراسة والتطبيق الأستاذ الدكتور/ جمال الدين عطية-رحمه الله- حيث بيّن في دراسته عن تجديد الفقه الإسلامي التي نشرتها
دار الفكر بدمشق أن الدعوة لتجديد الفقه الإسلامي ليست جديدة فقد سبقه إلى ذلك
كثير من العلماء والباحثين، وأشار إلى أن التجديد ينتاول أشكالاً مختلفة منها تجديد
يتعلق بالشكل وتجديد يتعلق بالموضوع، ويمكن أن يقوم التجديد علي أساس منهجي, كما
يمكن أن يكون غير قائم علي منهج، ويمكن أن نقسم التجديد الموضوعي القائم علي
منهج معين إلي نوعين:
الأول: هو
التجديد الذي يأتي من خارج النسق الإسلامي، الثاني: هو التجديد الذي يأتي من داخل
النسق الإسلامي، ومن أمثلة النوع الأول: ما نقرؤه لبعض الكتاب الذين يحاولون إسقاط
نظريات غربية حديثة علي الإسلام, ولكن التجديد يجب أن يأتي من داخل النسق الإسلامي،
والتجديد مطلوب في موضوعين أساسيين وهما: الفقه, وأصول الفقه, وأن العلاقة بين
التجديد في الفقه وبين التجديد في أصول الفقه علاقة وثيقة, فالتجديد في الفقه يقوم
علي التجديد في أصول الفقه.
ثم ذكر –رحمه
الله- أن للتجديد الفقهي المنشود العديد من الملامح التي ينبغي على المتخصصين في
هذا المجال أن يسيروا عليها، وأن يتم تفعليها في الدراسات الفقهية والأصولية،
وبيّن أن الملح الأول للتجديد المنشود يتمثل في أربعة عناصر:
العنصر
الأول: تقديم اجتهادات جديدة في المسائل القديمة
بما يتفق مع تغير الظروف الزمانية والمكانية, وهذا أحدث كثيراً في تاريخ الفقه
الإسلامي, فالاجتهاد حركة دائمة مستمرة والآراء الاجتهادية أيا كانت منزلة أصحابها
من الفقهاء لا يجوز إسباغ صفة الثبات عليها, فالثبات لنصوص الكتاب والسنة دون غيرهما,
أما الاجتهاد فينبغي أن يساير الواقع المتغير دوماً حتى يحقق مقاصد الشريعة, فأما
تجميده واقتصار الدراسات الفقهية علي نقل أقوال السابقين وحفظها وتكرارها, فهو من
أهم أسباب توقف النمو في حياة الأمة الفكرية عموماً والفقهية خاصة, والاجتهاد من
فروض الكفاية - أي من واجبات الأمة أن يكون فيها دائماً مجتهدون يقومون بهذه
الفريضة .
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 1/8/2017م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق