منع الوارث من نصيبه في الميراث كبيرة الكبائر
إن الناظر والمتأمل في تشريع
الميراث يدرك بجلاء أن الذي تولى توزيع هذه الحقوق هو المولى سبحانه وتعالى وبيّن
ذلك في كتابه العزيز في آيات المواريث في سورة النساء في قوله تعالى:"
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ..."(النساء:
11)، وهذه الآية ركن من أركان الدين، وعمدة من عمد الأحكام، وأم من أمهات الآيات ؛
فإن الفرائض عظيمة القدر حتى أنها ثلث العلم، وروي نصف العلم. وهو أول علم ينزع من
الناس وينسى.(تفسير القرطبي 5/56).
وقوله: "وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ
إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ
مِمَّا تَرَكْنَ..."(النساء: 12)، وقوله: " يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ
اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ..."(النساء:176).
إلا أننا مع هذا نجد الكثير من
الناس اليوم يمنع بعض الورثة من نصيبه وحقه الذي أعطاه الله إياه وبينه وذكره في
كتابه، وليعلم من يفعل هذا الأمر أنه بهذا قد ارتكب كبيرة من الكبائر ووقع في ذنب
عظيم، وقد بيّن ربنا جل وعلا ذلك في قوله:" مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى
بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
حَلِيمٌ"(النساء: 12). وقد استدل الإمام ابن حجر الهيتمي –رحمه الله- بهذه
الآية على أن الإضرار في الوصية من الكبائر، ونص عليه في كتابه الزواجر عن اقتراف
الكبائر (1/509) حيث قال: الكبيرة السابعة والثلاثون بعد المائتين الإضرار في
الوصية ثم ساق الأدلة على ذلك.
وقال تعالى بعد آيات المواريث:
"تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ (13) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ
يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ"(النساء: 13،
14).
و"تلك" بمعنى هذه، أي
هذه أحكام الله قد بينها لكم لتعرفوها وتعملوا بها. "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ" في قسمة المواريث فيقر بها ويعمل بها كما أمره الله تعالى "يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ" جملة في موضع نصب على النعت
لجنات. وقوله "وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" يريد في قسمة
المواريث فلم يقسمها ولم يعمل بها "وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ" أي يخالف
أمره "يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا". والعصيان إن أريد به الكفر
فالخلود على بابه ، وإن أريد به الكبائر وتجاوز أوامر الله تعالى فالخلود مستعار
لمدة ما.(تفسير القرطبي 5/81- 82).
وعليه فينبغي على كل مسلم أن
يتقي في حقوق العباد وأن يؤدي الحقوق كما شرع الله تعالى، وأن يحذر من عدم أداء
الحقوق لأصحابها وإضاعتها، وأن يبادر ويسارع في تقسيم التركة إذا مات له ميت، وأن
يكون ذلك وفق شرع الله تعالى كما فرض سبحانه، وليعلم أن أكل الميراث وحرمان أحد
الورثة من نصيبه الذي فرضه الله له كبيرة من الكبائر، وأنه سبحانه توعد بالعذاب
المهين على من يفعل ذلك.
فيجب على من وقع في ذلك أن يسارع بالتوبة النصوح وأن يرد
الحقوق لأصحابها، وأن يعزم على عدم العودة إليه، وأن يندم على ما فعله.
وفقنا الله تعالى وإياكم لما
يحبه ويرضاه اللهم آمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق