قال الإمام
ابن الجوزى رحمه الله :
ما يتناهى في طلب العلم إلا عاشق العلم، والعاشق ينبغي أن يصبر على المكاره،
ومن ضرورة المتشاغل به البعد عن الكسب. ومذ فقد التفقد لهم من الأمراء ومن الإخوان،
لازمهم الفقر ضرورة، والفضائل تنادي: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ
الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا) فكلما
خافت من ابتلاء، قالت:
لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرَا
ولما آثر أحمد بن حنبل رضي الله عنه طلب العلم، وكان فقيرًا؛ بقي أربعين سنة
يتشاغل به، ولا يتزوج.
فينبغي للفقير أن يصابر فقره كما فعل أحمد، ومن يطيق ما أطاق؟! فقد رد من المال
خمسين ألفًا، وكان يأكل الكامخ([1])،
ويتأدم بالملح، فما شاع له الذكر الجميل جزافًا، ولا ترددت الأقدام إلى قبره إلا لمعنى
عجيب، فيا له ثناء ملأ الآفاق، وجمالًا زين الوجود، وعزًّا نسخ كل ذلك! هذا في العاجل،
وثواب الآجل لا يوصف.
وتلمح قبور أكثر العلماء، لا تعرف ولا تزار، ترخصوا، وتأولوا، وخالطوا السلاطين،
فذهبت بركة العلم، ومحي الجاه، ووردوا عند الموت حياض الندم! فيا لها حسرات لا تتلافى،
وخسرانًا لا ينجبر! وكانت صحبة اللذات طرفة عين، ولازم الأسف دائمًا.
فالصبر الصبر أيها الطالب للفضائل؛ فإن لذة الراحة بالهوى أو بالبطانة تذهب،
ويبقى الأسى([2])0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق