الحديث الأول
عن أمير المؤمنين أبي حفص
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
قال: سمعت رسول الله صلى
الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى
، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها
أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
رواه إماما المحدثين : أبو
عبد الله محمد ابن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري ، وأبو الحسين
مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة
.
أولاً: ترجمة الراوي :
هو عمر بن الخطاب بن نفيل ، أبو حفص الفاروق . صاحب رسول الله صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأمير المؤمنين ، ثاني الخلفاء الراشدين . كان النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو الله أن يعز الإسلام بأحد العمرين ، فأسلم
هو . وكان إسلامه قبل الهجرة بخمس سنين ، فأظهر المسلمون دينهم . ولازم النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكان أحد وزيريه ، وشهد معه المشاهد . بايعه
المسلمون خليفة بعد أبي بكر ، ففتح الله في عهده الفتوح ، ونشر الإسلام حتى قيل
إنه انتصب في عهده اثنا عشر ألف منبر . وضع التاريخ الهجري . ودون الدواوين . قتله
أبو لؤلؤة المجوسي وهو يصلي الصبح .
انظر ترجمته فى :[ الأعلام للزركلي 5 / 204 ، وسيرة عمر بن الخطاب للشيخ
علي الطنطاوي وأخيه ناجي ، و " الفاروق عمر " لمحمد حسين هيكل ]0
ثانياً: إعراب الحديث
« إنما » : كافة ومكفوفة
(الكافة هي ما ، والمكفوفة هي إنّ كُفت عن العمل وهنا لا تختص بالدخول على الجمل الاسمية
. بل يجوز دخولها على الجمل الفعلية كقوله تعالى : "إنما يخشى الله من عباده العلماء"
[فاطر:28] فهي في هذه الآية دخلت على جملة فعلية) .
« الأعمال » : مبتدأ مرفوع
وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره .
« بالنيات » : « الباء
» : حرف جر .
« النيات » : اسم مجرور
بالباء وعلامة جره الكسرة ، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ تقديره كائنة
أو مستقرة. ويجوز إعراب الجار والمجرور في محل رفع خبر المبتدأ .
« وإنما » : « الواو »
: حرف عطف « إنما » : سبق إعرابها .
« لكل » : « اللام » :
حرف جر .
« كل » : اسم مجرور وعلامة
جره الكسرة ، وهو مضاف . والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم .
« امرئ » : مضاف إليه مجرور
وعلامة جره الكسرة .
« ما » : اسم موصول بمعنى
الذي ، مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر .
« نوى » : فعل ماضٍ مبني
على الفتح المقدر منع من ظهوره التعذر . والفاعل ضمير مستتر جوازاً تقديره هو . والجملة
صلة الموصول لا محل لها من الإعراب .
« فمن » : « الفاء » :
استئنافية .
« من » : اسم شرط جازم
مبني على السكون في محل رفع مبتدأ ، خبره جملة فعل الشرط وجوابه .
« كانت » : فعل ماضٍ ناقص
يرفع المبتدأ وينصب الخبر ، مبني على الفتح ، و « التاء » : للتأنيث . والفعل الناقص
في محل جزم فعل الشرط .
« هجرته » : « هجرة »
: اسم كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخر ه ، وهو مضاف .
« الهاء » : ضمير متصل
مبني على الضم في محل جر بالإضافة . « إلى » : حرف جر .
« الله » : اسم مجرور علامة جره الكسرة . والجار
والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كان . ويجوز إعراب الجار والمجرور في محل نصب خبر كان
.
« ورسوله » : « الواو »
: حرف عطف .
«رسول» : اسم معطوف على
«الله» ، مجرور علامة جره الكسرة ، وهو مضاف . « الهاء » : ضمير متصل مبني على الكسر
في محل جر مضاف إليه .
« فهجرته » : « الفاء »
: واقعة في جواب الشرط .
« هجرة » : مبتدأ مرفوع
علامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره ، وهو مضاف « الهاء » : ضمير متصل مبني على الضم
في محل جر بالإضافة .والجملة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط .
« إلى الله ورسوله » :
سبق إعرابها . ويُكتفى في كونها في محل رفع خبر المبتدأ «هجرته» .
« ومن » : « الواو » :
استئنافية .
« من كانت هجرته » : سبق
إعرابها .
« لدنيا » : « اللام »
: حرف جر . « دنيا » : اسم مجرور باللام وعلامة جره فتحة مقدرة منع من ظهورها التعذر
.
« يصيبها » : يصيب فعل
مضارع مرفوع وعلامة ر فعه الضمة الظاهرة على آخره ، والفاعل مستتر جوازاً تقديره هو
.
« الهاء » : ضمير متصل
مبني على السكون في محل نصب مفعول به . والجملة الفعلية في محل جر صفة لدنيا .
« أو امرأة » : « أو »
: حر عطف ، وهي هنا تفيد التقسيم . « امرأة » : اسم معطوف ، وهو مجرور وعلامة جره الكسرة
.
« ينكحها » : « ينكح »
: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره ، والفاعل مستتر جوازاً تقديره
هو .
« والهاء » : ضمير متصل
مبني على السكون في محل نصب مفعول به . والجملة الفعلية في محل جر صفة لامرأة .
« فهجرته » : سبق إعرابها
. « إلى » : حرف جر .
«ما هاجر» : « ما » : اسم
موصول مبني على السكون في محل جر . «هاجر»: فعل ماضٍ مبني على الفتح ، والفاعل مستتر
جوازاً تقديره هو . والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب .
« إليه » : « إلى » : حرف
جر . « الهاء » : ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر ، والجار والمجرور متعلقان بهاجر([1]) .
ثانياً : مفردات الحديث :
إنما : للحصر ، وهو إثبات الحكم
في المذكور ونفيه عما عداه .
الأعمال : الشرعية المفتقرة إلى
النية .
بالنيات : بتشديد الياء وتخفيفها
جمع نية وهي عزم القلب.
وإنما لكل امريء ما نوى
:
فمن نوى شيئا لم يحصل له غيره .
فمن كانت هجرته : انتقاله من دار الشرك
إلى دار الإسلام .
إلى الله ورسوله : بأن يكون قصده بالهجرة
طاعة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فهجرته إلى الله ورسوله
:
ثوابا وأجرا .
لدنيا : بضم الدال وكسرها من الدنو،
أي القرب سميت بذلك لسبقها للأخرى ، أو لدنوها إلى الزوال ، وهي ما على الأرض مع الهواء
والجو مما قبل قيام الساعة . وقيل : المراد بها هنا المال بقرينة عطف المرأة عليها
.
يصيبها : يحصيها .
ينكحها : يتزوجها .
رابعاً: ما يستفاد من الحديث :
1- الحث على الإخلاص ، فإن الله لا
يقبل من العمل إلا ما كان صوابا وابتغي به وجهه ولهذا استحب العلماء استفتاح المصنفات
بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية.
2- أن الأفعال التي يتقرب بها إلى الله
عز وجل إذا فعلها المكلف على سبيل العادة لم يترتب الثواب على مجرد ذلك الفعل وإن كان
صحيحا ، حتى يقصد بها التقرب إلى الله0
3- فضل الهجرة إلى الله ورسوله . وقد
وقعت الهجرة في الإسلام على وجهين : الأول
الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن ، كما في هجرتي الحبشة ، وابتداء الهجرة
من مكة إلى المدينة ، الثاني _ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وذلك بعد أن
استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهاجر إليه من أمكنه ذلك من المسلمين . وكانت
الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة ، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص . وبقي
عموم الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام لمن قدر عليه واجب([3])0
4-إن مدار الأعمال
على النيات، صحة، وفَساداً، وكمالا، ونقصا، وطاعة ومعصية فمن قصد بعمله الرياء أثم،
ومن قصد بالجهاد مثلا إعلاء كلمة الله فقط كمل ثوابه. ومن قصد ذلك والغنيمة معه نقص
من ثوابه. ومن قصد الغنيمة وحدها لم يأثم ولكنه لا يعطى أجر المجاهد. فالحديث مسوق
لبيان أن كل عمل، طاعة كان في الصورة أو معصية يختلف باختلاف النيات.
5- أن النية شرط
أساسي في العمل، ولكن بلا غُلُوّ في استحضارها يفسد على المتعبد عبادته. فإن مجرد قصد
العمل يكون نِيًة له بدون تكلف استحضارها وتحقيقها.
6- أن النية مَحلُّها
القلب، واللفظ بها بدعة.
7- وجوب الحذر من الرياء والسمعة والعمل
لأجل الدنيا، مادام أن شيئاً من ذلك يفسد العبادة.
8- وجوب الاعتناء
بأعمال القلوب ومراقبتها([4]).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق