هديَّةُ
الله لنبيِّه في رحلة الإسراء والمعراج
في رحلة
الإسراء والمعراج بالهادي البشير صلى الله عليه وسلم كانت المنح والهدايا من المولى
سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومِنْ أعظم هذه الهدايا في هذه الرحلة
المباركة: فريضة الصلاة، وقد كانت الصلاة معروفة قبل ليلة الإسراء، وكانت ركعتين
أول النهار وركعتين آخره، وقد ثبت ذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله
عنها قالت: «فُرِضَت الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ،
ففُرِضت أربعا، وتُركت صلاة السفر على الفريضة الأولى»، وأما الصلوات الخمس
المعروفة اليوم فقد فُرضت ليلة الإسراء (خمسين صلاة) ثم خُفِّفَتْ حتى جُعِلَتْ (خمسًا)
في اليوم والليلة، وذلك كما جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ
صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ
اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ فَارْجِعْ
إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعَنِي فَوَضَعَ
شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا؛ فَقَالَ: رَاجِعْ
رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا،
فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ
تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لاَ
يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ،
فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي
إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ ثُمَّ
أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا
الْمِسْكُ".
وقد صلى
نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بالأنبياءِ عليهم السلام في هذه الرحلة، وقد جاء بيانُ
ذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسولُ اللّه صلى
الله عليه وسلم: «لَقَد رَأيتُني في الحِجْرِ ، وَقُرَيشٌ تَسألُني عن مَسْرَايَ؟
فَسألَتْني عن أشياءَ من بَيتِ المقدس لم أُثبِتْهَا، فكُرِبْت كُرْبَة ما كُرِب
مثلها قطُّ، قال: فَرَفَعهُ الله لي، أنْظرُ إليه، ما يَسألُوني عن شيءٍ إِلا
أَنْبَأتُهم بِهِ، ولقد رَأيتُني في جماعةٍ من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي،
فإذا رجل ضَرْبٌ جَعْدٌ كأنَّه من رجال شَنُوءةَ، وإذا عيسى بنُ مريمَ قائم
يُصلِّي، أقرب الناسِ به شَبها عُروَةُ بنُ مسعودٍ الثقفيُّ، وإذا إبراهيم عليه
السلام قائم يُصلِّي، أَشْبهُ النَّاسِ به: صَاحِبُكم- يعني نَفسَهُ- فَحَانَتِ
الصلاةُ فَأَمَمتُهُم، فَلمَّا فَرَغْتُ من الصلاةِ قال قائلٌ: يا مُحَمَّدُ هذا
مالكٌ خَازِنُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عليه، فَالتَفَتُّ إليه، فَبَدَأني بالسلام».
والمُتأملُ
في فرائض الإسلام يجدُ أنَّ فريضةَ الصلاةِ هي الفَريْضَةُ الوحيدةُ التي فَرَضَهَا
اللهُ تعالى في ليلة الإسراء والمعراج من فوق سَبْعِ سماوات، مما يدلُّ على أنَّ
لها مكانَةً عَظيمَةً وخاصةً عند المولى سبحانه وتعالى، فهي الركنُ الثاني من
أركانِ الإسلامِ بعد الشهادتين، وذلك كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ
أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ
وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ "(رواه البخاري).
وهي أَوَّلُ ما يُحَاسَبُ عليه العَبْدُ يومَ
القيامَةِ، فَإِنْ صَلُحَتْ؛ صَلحَ سائرُ عمله، وإنْ فَسَدَتْ؛ فَسَدَ سَائرُ
عمله، وذلك لما أخرجه الترمذي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ
مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ
صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ
فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا
هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ
ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ".
كما أنَّ آخر
ما يُفقدُ من الدين: (الصلاة)، فإنْ ضَاعَتْ؛ ضَاعَ الدِّينُ كُلُّهُ، وذلك لما
أخرجه أحمدُ في مسنده بسندٍ صحيحٍ، عن أبي أمامةَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " لَيَنْتَقِضَنَّ عُرَى الإِسْلامِ عُرْوَةٌ عُرْوَةٌ
فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ الناس بِالَّتِي تَلِيهَا
فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاةُ" ومن أجل ذلك كانت
قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر أو أحزنه شيء فزع
إلى الصلاة، وكان يقول: "أرحنا بالصلاة يا بلال"(رواه أبو داود). أي أذن
بالصلاة نسترح بأدائها من شغل القلب بها. وقيل: كان اشتغاله بالصلاة راحة له؛ فإنه
كان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً، وكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة
الله تعالى؛ ولهذا قال: "وقرة عيني في الصلاة" وما أقرب الراحة من قرة
العين.(شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 10/ 3291).
ولِعِظَمِ
أَهَمِّيَتِهَا وَمَكَانَتِهَا نَجِدُ أنَّها كانتْ آخرَ وَصَايَا النبيُّ صلى
الله عليه وسلم، وذلك لما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، قال : كان
آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغرغر بها في صدره، وما كان يفيض بها
لسانه: " الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم"، وهي الفارق بين
المسلم وغيره، وذلك لما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
وللصلاة
فضائل كثيرة منها مغفرة الخطايا والذنوب وتكثير الحسنات والرفعة في الدرجات، وقد
بيّن صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديث كثيرة منها ما أخرجه
البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا
بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذلِكَ
يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ: فَذلِكَ
مِثْلُ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا"، وقال صلى
الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن"(رواه
مسلم).
فينبغي
علينا أنْ نُحَافِظَ على هذه الصَّلاةِ، وأنْ نُقَدِّرَهَا حَقَّ قَدْرِهَا، كما
أمرنا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا وَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم؛ حتى نَسْعَدَ في
الدنيا والآخرةِ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: "إن حظهم من الإسلام على
قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم من الصلاة" فأين نحن
من الإسلام؟ وأين نحن من الصلاة؟ وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والله من
وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/ أحمد عرفة
باحث
دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق