حماية غير المسلمين واجب ديني ووطني
إن ما
نشاهده بين الحين والآخر من تفجيرات وأعمال إجرامية من الاعتداء على غير المسلمين
المقيمين داخل الدولة الإسلامية والاعتداء على كنائسهم هذا أمر لا يقره الإسلام بل
عده جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أول
ما يقضى فيه بين الناس بالدماء، وبيّن صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهداً لم
يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً"(رواه البخاري).
وغير
المسلمين ينقسمون باعتبار ما لهم من احترام وصيانة لأنفسهم وأموالهم وما ليس لهم
إلى حربيين وذميين ومستأمنين.
فالحربيون:
هم غير المسلمين من النصارى واليهود والمشركين الذي يقيمون في دار الحرب وينتمون
إليها، ولا يوجد بينهم وبين المسلمين عقد ذمة ولا أمان، يعادون المسلمين معاداة
ظاهرة، فلا يستحقون الاحترام والصيانة لأنفسهم وأموالهم.
والذميون:
هم غير المسلمين من أهل الكتاب ونحوهم الذين يقيمون إقامة دائمة في دار الإسلام،
ويتمتعون بالحماية الكافية لأنفسهم وأموالهم في مقابل أدائهم لضريبة محددة تسمى
الجزية، والتزامهم بأحكام الإسلام المتعلقة بالأمن والنظام في دار الإسلام
كالمعاملات والعقوبات.
والمستأمنون:
هم الحربيون الذين دخلوا دار الإسلام بعقد أمان مؤقت لا يزيد عن سنة، بغرض الزيارة
أو التجارة أو المرور، فلهم ما للذميين من حماية وصيانة لأنفسهم وأموالهم، في
مقابل التزامهم بأحكام الإسلام المتعلقة بالأمن والنظام في دار الإسلام.
وقد كفلت
الشريعة الإسلامية لغير المسلمين المقيمين بالدولة الإسلامية سائر الحقوق
والواجبات، ومن أعظم هذه الحقوق هي حمايتهم من العدوان الخارجي والعدوان الداخلي،
وفي ذلك يقول الإمام القرافي المالكي في كتابه "الفروق" قول الإمام
الظاهري ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع": "إن من كان في الذمة،
وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع (اسم يجمع للخيل والسلاح) والسلاح، ونموت دون
ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسولهr، فإن تسليمه دون ذلك
إهمال لعقد الذمة"، والمتأمل في كلامه –رحمه الله- يدرك جيداً أن هذا الحق
العظيم لغير المسلمين في حمايتهم من أي عدوان خارجي عليهم داخل الدولة الإسلامية،
وفي حالة الاعتداء يجب على المسلمين حمايتهم، والتصدي لهذا العدوان بكل قوة.
وذكر
الإمام الرحيباني من فقهاء الحنابلة في كتابه " مطالب أولى النهي" أنه:
"يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع مَن يؤذيهم، وفك أسرهم، ودفع مَن قصدهم
بأذى إن لم يكونوا بدار حرب، بل كانوا بدارنا، ولو كانوا منفردين ببلد"، وعلل
ذلك بأنهم: "جرت عليهم أحكام الإسلام وتأبد عقدهم، فلزمه ذلك كما يلزمه
للمسلمين".
ومن
المواقف التطبيقية لهذا المبدأ الإسلامي، موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله،
حينما تغلب التتار على الشام، وذهب الشيخ ليكلم "قطلوشاه" في إطلاق
الأسرى، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق
أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى
من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الذمة، ولا من أهل
الملة، فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له"، ومنها أيضاً ما كتبه خالد بن
الوليد t في خلافة أبي بكر الصديق t في السنة الثانية
عشرة للهجرة لبعض أهالي المدن المجاورة للحيرة في العراق، وكانوا من النصارى, إذ
جاء فيه: «... فلك الذمَّة والمنعة؛ فإن منعناكم فلنا الجزية؛ وإلا فلا حتَّى
نمنعكم».
وأما عن
حمايتهم من العدوان الداخلي، فهو أمر يوجبه الإسلام ويشدد في وجوبه، ويحذر
المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان، فالله تعالى لا
يحب الظالمين ولا يهديهم، بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا، أو يؤخر لهم العقاب
مضاعفاً في الآخرة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في أحاديث كثيرة منها
قوله صلى الله عليه وسلم: " من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته
أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة" (أخرجه أبو داود
وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم (3052).
وقد أوصى
النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأهل مصر خيراً، حيث قال r : «إنكم ستفتحون مصر
فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمة ورحِماً» (رواه مسلم). قال الإمام
النووي رحمه الله: "وأما الذمة فهي الحرمة والحق , وهي هنا بمعنى الذمام ،
وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم".
وقد تنبَّه الخلفــــاء المسلمون
لهذه التوجيهات وأكَّدوا عليها في توصياتهم لولاتهم حرصًا على تطبيق شرع الله
تعالى, فيما يخص أهل الذمَّة بديار الإسلام, فاشتدَّت عنايتهم بدفع الظلم عن أهل
الذمَّة، وكفّ الأذى عنهم، والتحقيق في كل شكوى تأتي من قِبَلِهم. حيث كان الخليفـــة
عمر بن الخطاب t يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن
حال أهـــــل الذمَّة، خشــــية أن يكــــون أحدٌ من المسلمين قـــــد أفضى إليهم
بأذى، فيقولون له: «ما نعلم إلا وفاءً», أي بمقتضى العهد والعقد الذي بينهم وبين
المسلمين، وهذا يقتضي أن كلاً من الطرفين وفَّى بما عليـــه.
وأصيب عُمر t بضربة رجل من أهل الذمَّة أبي
لؤلؤة المجوسي فلم يمنعه ذلك أن يوصي الخليفةَ من بعده, وهو على فراش الموت,
فيقول: «وأوصيه بذمَّة الله وذمَّة رسول الله e أن يوفي لهم بعهدهم
وأن يقاتل من ورائهم, ولا يكلَّفوا إلا طاقتهم».
مما سبق يتبين لنا أن الإسلام قد كلف لغير المسلمين المقيمين بالدولة
الإسلامية حق الحماية من العدوان الخارجي والعدوان الداخلي، وأن على المسلمين أن
يقوموا بهذا الواجب الذي أمر به الإسلام، وبينه نبينا عليه الصلاة والسلام كما
ينبغي من أجل حماية الوطن وحماية النفس البشرية والدماء المعصومة من أن تسفك بغير
حق. والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق