داعش
وأفكارها في ميزان الشريعة الإسلامية
إن ما تقوم
به داعش وغيرها من الفرق والجماعات المنحرفة عن الفهم الصحيح للإسلام من أفكار
التطرف والإرهاب التي تفسد في الأرض وتهلك الحرث والنسل، ليست من الإسلام في شىء،
وأن المسلمين هم أول ضحاياها، وأن الإسلام برئ من هذه الأفكار المنحرفة التي أسأت
فهمه على الوجه الصحيح، وهذه الأفكار تعتبر امتداداً لـفكر"الخوارج"،
الذين هم أول فرقة مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب، وللأسف الشديد نجد
كثير من شبابنا ساروا خلف هذه الأفكار وفهموا النصوص الشرعية فهماً خاطئاً، مخالفاً
لفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، فشوهوا صورة الإسلام بصفائه ونقائه
وإنسانيته، وانحرفوا بأفكارهم عن سماحته ووسطيته، يفعلون ذلك باسم الدين،
وينشُرونَه على مرأى ومسمعٍ من العالمين، وكل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظنُّ
أن ما يصدُرُ عن هؤلاء هو الإسلام، والإسلامُ منهم براء.
وقد حذرنا النبي
صلى الله عليه وسلم من هذه الأفكار المنحرفة في أحاديث كثيرة منها: ما أخرجه مسلم
في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من ضئضئ هذا قوماً يقرءون
القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون، أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام
كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ". قال الخطابي رحمه
الله: (الضئضئي) الأصل يريد أنه يخرج من نسله الذين هو أصلهم أو يخرج من أصحابه
وأتباعه الذين يقتدون به ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قوله، وقوله صلى الله عليه وسلم:" لئن
أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد":أي قتلاً عاماً مستأصلاً، وقال صلى الله عليه وسلم
يقول: "يخرج قوم يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق
السهم من الرمية"(رواه أحمد)، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم كيفية
معاملة أصحاب هذه الأفكار المنحرفة، وذلك فيما أخرجه أبو داود في سننه بسند صحيح أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« سيكونُ في أُمَّتي اختلافٌ وفُرْقَةٌ ، قومٌ
يُحْسِنونَ القِيلَ ، ويُسِيئونَ الفِعْلَ ، يقْرؤونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ
تراقِيَهم ، يَمْرُقونَ مِنَ الدِّينِ مُروقَ السَّهمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، لَا
يَرْجِعونَ حتى يَرْتَدَّ علَى فُوقِهِ ، هم شِرَارُ الخلْقِ والخلِيقَةِ ، طُوبَى
لِمَنْ قتَلَهم وقتَلوهُ ، يُدْعَوْنَ إلى كتابِ اللهِ وليسوا منه فِي شيءٍ ، مَنْ
قاتَلَهم كان أَوْلَى باللهِ منهم ».
فهذه الصفات التي ذكرها النبي صلى الله عليه
وسلم في هذه الأحاديث وغيرها ينطبق الكثير منها على ما يسمى بتنظيم الدولة
الإسلامية (داعش) وغيره من الأفكار المنحرفة.
وما تقوم
به هذه الجماعات المنحرفة من القتل والعمليات الإجرامية لا يقره الإسلام، والإسلام
بريء منه فقد حرم ربنا جل وعلا قتل النفس إلا بالحق وبيّن عقوبة من يفعل ذلك بقوله
سبحانه:( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا
فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)(سورة
النساء:93)، وقال صلى الله عليه وسلم: " لن يزال
المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دماً حراماً"(رواه البخاري)، ولا يقتصر الأمر على هذا بل حرمت الشريعة الإسلامية
أيضاً التعرض لغير المسلم الذمي أو المعاهد والمستأمن بشتى أنواع الاعتداءات ومن
ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " من
قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" (رواه
البخاري).
وفي
النهاية يجب على علماء الأمة أن يبينوا للناس خطر هذه الأفكار على الإسلام
والمسلمين، وأن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، ولا يعترف بهذه الأفكار الضالة
والاتجاهات المنحرفة عن الفهم الصحيح للإسلام، وعليهم توضيح صورة الإسلام الوسطي
للعالم كما قال ربنا جل وعلا:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(سورة
البقرة:143)، وترجم البخاري في صحيحه، أحب الدين إلى اللَّه الحنيفية السمحة، وعن
ابن عباس رضي الله عنهما: قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:أي الأديان أحب
إلى اللَّه ؟ قال : الحنيفية السمحة.
فما أحوج المسلمين الآن لنشر قيم التسامح التي
دعا الإسلام، والتسلح بالعلم الشرعي والفهم الصحيح للتصدي لهذه الأفكار المنحرفة
وتوضيح صورة الإسلام الوسطي للعالم كما قام بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
وسلف هذه الأمة.
والله
ولي التوفيق.
د/
أحمد عرفة
باحث
دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو
الجمعية الفقهية السعودية
عضو
الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي
Ahmedarafa11@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق