نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون
الوضعي
للأستاذ الدكتور/ وهبة الزحيلي –رحمه الله-
هذا الكتاب
من الدراسات الفقهية المعاصرة التي انفردت بهذه النظرية الفقهية حول الضرورة
الشرعية وضوابطها طبعة دار الفكر المعاصر- بيروت- لبنان- الطبعة الرابعة 1418هـ-
1997م يقع في 315 صفحة.
وعن أهمية
الكتاب يقول المؤلف: هذا بحث مقارن في عالم الفقه والأصول والقانون يحتاج إليه كل
مسلم في حياته العملية؛ لأن الناس عادة لا يسألون العلماء عن الأفكار الأصلية في
الشريعة؛ إذ إن الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وإنما يسألون في الغالب عن الأحكام
الاستثنائية بناء على معاذير مختلفة.
وموضوع هذا
البحث هو (نظرية الضرورة الشرعية) بينت فيه حالاتها وضوابطها وقواعد الفقهاء فيها،
على نحو جديد في الأسلوب والعرض والمضمون، حاولت استكمال نواحيه وجمع أشتاته من
مختلف كتب الشريعة الإسلامية، لأضع أمام القارئ الكريم نظرية متكاملة عن (الضرورة)
بالمعنى الأعم الذي يشمل الحاجة والمشقة، وكل ما يستدعي التخفيف والتيسير على
الناس، وفي علمي أني لم أسبق إلى بحث هذا الموضوع عن الضرورة بحثاً كاملاً مفصلاً،
ولم أعثر على أحد كتب فيه كتابة متميزة مستوفية.
ثم قال
مبيناً أهمية البحث في الضرورة وضوابطها فقال: وبحث الضرورة أمر لازم، لأنه قد كثر
الاحتجاج بالضرورة في مكانها الطبيعي وفي غير مكانها، لا سيما في عصرنا الحاضر
بقصد إباحة المحظور، وترك الواجب، تحت ستار مبدأ التخفيف والتيسير على الناس، الذي
قامت عليه شريعة الإسلام، ومن التقيد بضوابط الضرورة، أو للجهل بأحكامها،
وبالحالات التي يصح التمسك بها عند وجود مقتضياتها.
قسم المؤلف
الكتاب إلى ثمانية مباحث: في المبحث الأول بيّن مبادئ عامة حول ما يتعلق بمبدأ
التحريم والإباحة في الشريعة، ومفهوم الحرام والمباح وقواعد النظام العام والآداب،
وهل الأصل في الأشياء والأفعال هو الإباحة أم التحريم، وأن الإسلام دين التسامح
والعدالة.
وفي المبحث
الثاني تحدث عن مقاصد الشريعة الإسلامية وهي الأسرار التي وضعها الشارع الحكيم عند
كل حكم من أحكامها، وبذلك تهدف الشريعة إلى تحقيق مقصد عام ألا وهو إسعاد الفرد
والجماعة، وحفظ النظام، وتعمير الدنيا بكل ما يوصلها إلى مدارج الكمال والخير
والمدنية والحضارة.
وفي المبحث
الثالث بيّن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على مبدأ الضرورة الشرعية، وفي
المبحث الرابع تحدث عن مفهوم الضرورة وضوابطها، وأن الضرورة هي أن تطرأ على
الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو
بالعضو أو بالعرض، أو بالعقل أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب
الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته، دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود
الشرع.
وذكر من
ضوابط الضرورة أن تكون قائمة لا منتظرة، وأن يتعين على المضطر مخالفة الأوامر أو
النواهي الشرعية، وألا يخالف المضطر مبادئ الشريعة، وأن يقتصر فيما يباح تناوله
للضرورة في رأي جمهور الفقهاء بالحد الأدنى أو القدر اللازم لدفع الضرر.
وفي المبحث
الخامس بيّن حالات الضرورة، وذكر منها حالة الضرورة في الغذاء والدواء، والإكراه
الملجئ، والنسيان، والجهل، والنقص الطبيعي، والدفاع الشرعي، واستحسان الضرورة،
والمصلحة المرسلة للضرورة، وسد الذرائع وفتحها، والظفر بالحق.
وفي المبحث
السادس ذكر قواعد الضرورة وتطبيقاتها في مختلف أحوال الإنسان، ومنها: قاعدة:
المشقة تجلب التيسير، وقاعدة: إذا ضاق الأمر اتسع، وقاعدة: الضرورات تبيح
المحظورات، وقاعدة: الضرورة تقدر بقدرها، وقاعدة: ما جاز لعذر يبطل بزواله،
وقاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور، وقاعدة: الاضطرار لا يبطل حق الغير.
وفي المبحث
السابع بيّن حكم الضرورة، وهو الأثر المترتب على وجودها الذي يستدعي تقرير أحكام
استثنائية لها تناسبها، فتقتضي إباحة المحظور أو ترك الواجب أو تأخيره، خلافاً
للقواعد العامة المطردة المطبقة في الأحوال العادية، وبيّن فيه أثر الضرورة في
إباحة المحظور أو ترك الواجب، وأثر الاضطرار في الأحكام الشرعية، وأثر المشقة في
تيسير الأحكام، والموقف من اقتران حالة الضرورة بمعصية شرعية، ومقدار ما يتناول
المضطر من المحظور للحفاظ على النفس، وضمان الشيء المستهلك حال الضرورة.
وفي المبحث
الثامن تعرض لمفهوم الضرورة في القانون الوضعي ومقارنتها بأحكام الفقه الإسلامي.
وفي
الخاتمة بيّن أن نظرية الضرورة تشمل كل جوانب الأحكام الشرعية، سواء في العبادات
أو الالتزامات أو العقود والمعاملات، أو الجرائم والعقوبات (نظرية الشبهة في
الحدود، وامتناع العقاب على جريمة وقعت خطأ أو نسياناً أو بإكراه) أو في القرارات
الإدارية، والعلاقات الدولية في السلم والحرب.
فهذا
الكتاب يضيف إلى الإنسان دليلاً جديداً على أن الشريعة الخالدة شريعة الحياة
والواقع والفطرة، وأنها صالحة للتطبيق والعمل بها في كل زمان ومكان فلا يضيق بها
أحد، ولا يحسن امرؤ بها قيد على النفوس، أو قيد يمنع التطور والحضارة، أو مسايرة
ركب الحياة، أو الانطلاق بحرية كاملة في كل الشؤؤن الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية.
وختم
المؤلف الكتاب بقول الإمام الشاطبي رحمه الله:" لقد ثبت أن الشارع قد قصد
بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية، وذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا
بحسب الكل، ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات، أو الحاجيات،
أو التحسينيات".
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد
الصادر بتاريخ 22/3/2016م.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق