الجمعة، 23 ديسمبر 2011

وقفات مع مصدر العزة والكرامة


 وقفات مع مصدر العزة والكرامة
(القرآن الكريم)
د / أحمد عرفة
عناصر الخطبة:
1-    فضل القرآن في الكتاب والسنة.
2-    ما ورد عن سلفنا الصالح في فضل القرآن وأهله.
3-    الأدب مع القرآن الكريم.
4-    التحذير من هجر القرآن.
5-    حال سلفنا الصالح مع القرآن الكريم قراءة وتدبراً وفهماً وعملاً.
الموضوع وأدلته
أولاً: فضل القرآن في الكتاب والسنة:
إن المتأمل في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه وتعالى سماه نوراً لأن القلوب لا تضيء ولا تشرق إلا بالقرآن قال تعالى:
(وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) [الشورى: 52].
وقال عز وجل: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) [المائدة: 15، 16].
القرآن الكريم شفاء قال ربنا تبارك وتعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً) [الإسراء: 82].
في القرآن شفاء، وفي القرآن رحمة، لمن خالطت قلوبهم بشاشة الإيمان فأشرقت، وتفتحت لتلقى ما في القرآن من روح وطمأنينة وأمان.
في القرآن شفاء من الوسوسة والقلق والحيرة، فهو يصل القلب بالله، فيرضى ويستروح الرضا من الله والرضا عن الحياة، والقلق مرض، والحيرة نصب، والوسوسة داء، ومن ثم هو رحمة للمؤمنين.
وفي القرآن شفاء من الهوى والدنس والطمع والحسد ونزغات الشيطان.
وفي القرآن شفاء من الاتجاهات المختلة في الشعور والتفكير فهو يعصم العقل من الشطط.
وفي القرآن شفاء من العلل الاجتماعية التي تخلخل بناء المجتمعات.
(ري الظمآن ص166)
القرآن هداية قال المولى جل جلاله: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً) [الإسراء: 9].

وأخرج الإمام الترمذي والدارمي وغيرهما بسند فيه مقال عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستكون فتن، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تعالى؛ فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل! من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم).
وأخرج ابن حبان بسند صحيح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أوصني قال: (عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران، تحاجان عن صاحبهما).
وأخرج البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).
وأخرج الإمام الترمذي في سننه، والحاكم في المستدرك بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).
صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (6469)
وأخرج الإمام الترمذي في سننه، والحاكم في المستدرك بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقول: اقرأ وارق، ويزداد بكل آية حسنة).
حسنه الألباني في صحيح الجامع (8030)
وأخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة بسند صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله تعالى أهلين من الناس، أهل القرآن هم أهل الله وخاصته).
صححه الألباني في صحيح الجامع (2165)
وأخرج أبو داود والترمذي بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها).
وأخرج أبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يحب الله ورسوله فلينظر في المصحف).
حسنه الألباني في صحيح الجامع (6289)
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أ] رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قيل: فيشفعان).
صححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (3882)
ثانياً: آثار عن سلفنا الصالح في فضل القرآن وأهله:
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم سبحانه وتعالى).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (من أراد أن يعلم أنه يحب الله فليعرض نفسه على القرآن فإن أحب القرآن فهو يحب الله فإنما القرآن كلام الله جل جلاله).
وقال خباب بن الأرت رضي الله عنه: (تقرب إلى الله ما استطعت فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه).
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: (كفى بالله محباً، وبالقرآن مؤنساً، وبالموت واعظاً، اتخذ الله صاحباً، ودع الناس جانباً، وقال: من لم يستأنس بالقرآن فلا آنس الله وحشته).
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (ضمن الله عز وجل لمن قرأ القرآن، واتبع ما فيه، هداه الله من الضلالة، ووقاه سوء الحساب، ذلك بأن الله تعالى يقول: "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى") [طه: 123-124]. (الوصايا المنبرية: ص2، ص180 وما بعدها)
وقال كعب الأحبار: (عليكم بالقرآن، فإنه فهم العقل، ونور الحكمة، وينابيع العلم، وأحدث الكتب عهداً بالرحمن).
وقال محمد بن واسع رحمه الله: (القرآن بستان العارفين، فأينما حلو منه، حلوا في نزهة).
وقال أحد الصالحين لتلميذه: (أتحفظ القرآن؟ قال: لا. فقال: واغوثاه، يا الله لمريد لا يحفظ القرآن، فبم يتنعم، فبم يترنم؟ فبم يناجي مولاه؟.
(الوصايا المنبرية: ج2، ص88)
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن البيت ليتسع على أهله، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويكثر خيره أن يقرأ فيه القرآن، وإن البيت ليضيق على أهله، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين، ويقل خيره أن لا يقرأ فيه القرآن).
وقال عبدالله بن عمير: (كان يقال أنقى الناس عقولاً قراء القرآن).
وقال قتادة: (لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام بزيادة أو نقصان، قضاء الله الذي قضى "شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً).
وقال أحمد بن أبي الحواري- رحمه الله-: (سمعت ابن عينية يقول: "لا تبلغون ذروة هذا الأمر حتى لا يكون شيء أحب إليكم من الله عز وجل، فمن أحب القرآن فقد أحب الله عز وجل).
وقال مالك بن دينار- رحمه الله-: (يا حملة القرآن ماذا غرس القرآن في قلوبكم، فإن القرآن ربيع المؤمن، كما أن الغيث ربيع الأرض، وقد ينزل الغيث من السماء إلى الأرض، فيصيب الحش فيكون فيه الحبة فلا يمنعها نتن موضعها أن تهتز وتخضر وتحسن، فيا حملة القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ أين أصحاب سورة، أين أصحاب سورتين، ماذا عملتم فيها؟؟).
ثالثاً: الأدب مع القرآن الكريم
1- الإخلاص لله عز وجل:
لأن الإخلاص هو روح الأعمال، وهو كمالها، وسبب قبولها، ولما سئل أحد الصالحين: ما غاية الإخلاص؟ قال: ألا تحب محمدة الناس.
وفي الحديث: (إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة يقضي بين خلقه، فكل أمة جاثية، فأول من يدعى به رجل قد جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله تعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فيقول: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل والنهار، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة كذبت، بل أردت أن يقال: فلان قارئ فقد قيل ذلك، فيؤمر به إلى النار). رواه الترمذي والحاكم وصححه.
2- أن يكون القارئ على طهارة:
فالطهارة من لوازم الأدب لقراءة القرآن الكريم قال تعالى: (إنه لقرآن كريم، في كتاب مكنون، لا يمسه إلا المطهرون) [الواقعة: 77-79].
3- أن يلبس القارئ أفضل الثياب:
قال تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) [الأعراف: 31]. والمراد بالمسجد هنا قيل: كل صلاة، وقيل: المراد عند كل عبادة.. ولا شك أن قراءة القرآن من أعظم وأكرم العبادات وأفضلها.
4- أن يستعيذ القارئ بالله من الشيطان الرجيم:
قال سبحانه: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) [النحل: 98].
أي إذا أردت قراءة القرآن والأمر هنا محمول على الندب وهو الأصح.
5- البسملة:
فيجب على القارئ أن يحافظ على قراءة البسملة عند ابتداء القراءة من أول السورة عدا سورة "براءة".
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف انقضاء السورة، والشروع في غيرها بالبسملة، إلا في هذه السورة بالذات.
والسنة أن يقطع البسملة عما بعدها أي يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يتوقف ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يتوقف، ثم يبدأ بقراءة السورة التي يريد قراءتها، فإذا أردت أن تقرأ من وسط السورة مثلاً فيكتفي بالاستعاذة.
6- ترتيل القرآن:
قال تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) [المزمل: 4]، والترتيل هو قراءته على مهل مع تدبر وتفهم لحروفه، بحيث يتمكن السامع من عدها.
وقال تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته) [البقرة: 121].
قال الإمام الغزالي- رحمه الله-: (تلاوة القرآن حق تلاوته: أن يشترك فيها اللسان بتصحيح الحروف، والعقل بتفسير المعاني، والقلب بالاتعاظ، فاللسان يرتل، والعقل ينزمر، والقلب يتعظ).
7- تحسين الصوت عند تلاوة القرآن:
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به).
وقال صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) رواه أحمد في مسنده وابن ماجة في سننه وصححه الألباني في صحيح الجامع (3580).
وأخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فسمع قراءة رجل فقال: "من هذا؟ فقيل: عبدالله بن قيس، فقال: لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود").
8- أن يعتني بالسور التي ورد لها فضل فيكثر من قراءتها:
كسورة الإخلاص مثلاً فقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها:
ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (أيعجز أحدكم أن يقر ثلث القرآن في ليلة؟ فشق ذلك عليهم وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله؟ فقال: من قرأ قل هو الله أحد في ليلته فقد قرأ ثلث القرآن).
قال بعض العلماء: إن القرآن أنزل أثلاثاً: ثلثاً منه وعد ووعيد، وثلثاً منه أسماء وصفات، وقد جمع قل هو الله أحد ثلثاً وهو الأسماء والصفات.
ومثل سورة الكهف: فقد ورد في فضلها أحاديث منها ما رواه مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من الدجال) وفي بعض طرقه من آخر سورة الكهف.
ومثل آية الكرسي: كما أخرج مسلم في صحيحه عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا المنذر أتدري أي آية في القرآن أعظم؟ قال: قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" [البقرة: 255] قال: فضرب في صدري وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر).
ومثل سورة الفاتحة: كما أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، ما أنزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها، إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته).
9- استحباب طلب القراءة من حسن الصوت:
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (اقرأ عليّ القرآن) فقلت: يا رسول الله، أقرأ وعليك أنزل؟ قال: (إني أحب أن أسمعه من غيري) قال: فقرأت عليه سورة النساء حتى قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) [النساء: 41] فقال: (حسبك الآن) فالتفت، فإذا عيناه تذرفان.
10- ومن آداب التلاوة: أن يمسك عن القراءة إذا تثاءب:
فإذا تثاءب أمسك عن القراءة حتى ينقضي التثاؤب ثم يقرأ.. قال مجاهد: وهو حسن ويدل عليه ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل).

11- ومن آداب التلاوة: أن يختار الأوقات المفضلة:
يقول الإمام النووي- رحمه الله-:
اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة.. ومذهب الشافعي وغيره، أن تطويل القيام أفضل في الصلاة من تطويل السجود وغيره.
وأما القراءة في غير الصلاة: فأفضلها قراءة الليل.. والنصف الأخير من الليل أفضل من النصف الأول.
والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.. وأما القراءة في النهار، فأفضلها بعد صلاة الصبح.. ولا كراهية في القراءة في وقت من الأوقات لمعنى فيه.
ويختار من الأيام: الجمعة والاثنين والخميس، ويوم عرفة، ومن الأعشار: العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، ومن الشهور رمضان.
12- ومن آداب التلاوة: أنه إذا مر بآية سجد سجدة:
جمهور العلماء على أن سجود التلاوة سنة وليس بواجب لما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قرأ على المنبر يوم الجمعة بسورة (النحل) حتى إذا جاءت السجدة قال: يا أيها الناس، إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر. وهو المجمع عليه.
وثبت في الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنه قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم (النجم) فلم يسجد. وثبت في الصحيحين أيضاً أنه سجد في النجم، فدل على أنه ليس بواجب.
13- أن يتدبر القارئ في قراءته:
قيل لبعض السلف: إذا قرأت القرآن تحدث نفسك بأي شيء؟
فقال: أهناك شيء أحب إليَّ من كلام ربي حتى أحدث به نفسي.
(باختصار من كتاب: منهاج الصالحين في الآداب الإسلامية: ص64-79)
رابعاً: التحذير من هجر القرآن
قال تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً. وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً) [الفرقان: 30-31].
قال الإمام ابن القيم- رحمه الله-:
هجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه، والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وأحسن به، والثالث: هجر تحكيمه، والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم، والرابع: هجر تدبره، وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب، وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) [الفرقان: 30] وإن كان بعض الهجر أهون من بعض.
(الفوائد لابن القيم ص94)
هجر سماع القرآن الكريم:
ورد في الأثر: (من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نوراً يوم القيامة).
فأين نحن من سماع القرآن الكريم؟ انظر إلى المسلمين في هذه الأيام ما الذي يسمعونه؟ يسمعون الغناء الماجن الذي حرمه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين. وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم) [سورة لقمان: 6، 7).
قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتسع بأهله، وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين، ويكثر خيره، وإن البيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يضيق بأهله، وتهجره الملائكة، وتحضر الشياطين، ويقل خيره).
ومن هجر القرآن الكريم هجر تلاوته حق التلاوة وإتباع أحكامه قال الله عز وجل: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) [البقرة: 131].
هجر تدبر القرآن الكريم:
قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) [محمد: 24].
وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) [النساء: 82].
وقال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) [ص: 29].
قال الحسن البصري- رحمه الله-: (والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل).
وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: (كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن).
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: (تعلم عمر رضي الله عنه البقرة في اثني عشرة سنة فلما ختمها نحر جزوراً لله، وطول هذه المدة ليس عجزاً من عمر ولا انشغالاً عن القرآن؛ فما بقي إلا أنه التدبر).
وعن مسروق قال: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري صلى ليلة حتى أصبح أو كاد يقرأ آية يرددها ويبكي: (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) [الجاثية: 20].
وقال أبو سليمان الداري- رحمه الله-: (كان علي بن الفضيل لا يستطيع أن يقرأ سورة القارعة ولا تقرأ عليه).
وكان علي بن الفضيل بن عياض- رحمه الله- يقرأ في سورة الأنعام حتى بلغ قول الله عز وجل: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) [الأنعام: 27]، وظل يرددها حتى مات فبكى عليه والده الفضيل وقال: أي ابناه والله ما قتل ابني إلا الخوف من عذاب الله وسمي قتيل القرآن.
هجر تحكيم القرآن الكريم والتحاكم إليه:
قال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك...) [المائدة: 49].
وقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر...) [النساء: 59].
هجر التداوي بالقرآن الكريم:
فالقرآن الكريم شفاء للقلوب وحياة للأبدان. قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [الرعد: 28].
وقال تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً) [الإسراء: 82].
قال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: (لا خير في عبادة لا فقه فيها، ولا قراءة لا تدبر فيها) [الإحياء: 1/462 وما بعدها].
وقال الحسن البصري- رحمه الله-: (والله ما دون القرآن من غنى ولا بعد القرآن من فاقة) [الأحياء: 1/451].
خامساً: حال سلفنا الصالح- رضي الله عنهم- مع القرآن الكريم قراءة وتدبراً وفهماً:
عثمان بن عفان- رضي الله عنه-: أخرج ابن المبارك في الزهد وابن سعد في الطبقات وابن عساكر في تاريخه بسند صحيح عن سليمان بن يسار- رضي الله عنه- قال: قام عثمان بن عفان- رضي الله عنه- بعد العشاء فقرأ القرآن كله في ركعة لم يصل قبلها ولا بعدها.
أبو هريرة- رضي الله عنه-: عن عكرمة رضي الله عنه أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يسبح كل يوم اثنتي عشر ألف تسبيحة.
الإمام حمزة بن حبيب الزيات- رحمه الله- يقول: نظرت في المصحف حتى خشيت أن يذهب بصري.
الإمام أبو جعفر القارئ يزيد ابن القعقاع أحد القراء العشرة: عن نافع قال: لما غسل أبو جعفر القارئ، نظروا ما بين نحره إلى فؤاده مثل ورقة المصحف فما شك من حضره أنه نور القرآن.
شيخ الإسلام أبو بكر بن عياش يختم القرآن ثمانية عشر ألف ختمة:
قال الإمام الذهبي رحمه الله في كتابه "سير أعلام النبلاء": قد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحواً من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة.
قال يحيى اليماني: لما حضرت أبا بكر الوفاة بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.
قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (1/79):
روينا عنه أنه قال لابنته عند موته، وقد بكت، يا بنيه، لا تبكي أتخافين أن يعذبني الله عز وجل وقد ختمت القرآن في هذه الزاوية أربعة وعشرين ألف ختمة.
ناصر السنة الإمام الشافعي رضي الله عنه يختم كل يوم ختمة، وفي رمضان ستين ختمة.
قال الإمام الذهبي رحمه الله: قال الربيع بن سليمان من طريقين عنه، بل أكثر، كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة.
وقال الحميدي: كان الشافعي يختم القرآن كل يوم ختمة.
الإمام عبدالرحمن ابن القاسم إمام مصر وصاحب الإمام مالك:
قال عنه أسد بن الفرات: كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين، قال: فنزل بي حين جئت إليه عن ختمة؛ رغبة في إحياء العلم.
تميم الداري يقرأ القرآن في ركعة:
عن ابن سيرين: أن تميماً الداري كان يقرأ القرآن في ركعة.
وعن أبي المهلب: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع.
وعن مسروق: قال لي رجل مسن أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، صلى ليلة حتى أصبح، أو كاد- يقرأ آية، يرددها ويبكي (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) [الجاثية: 21].
(انظر:  من يظلهم الله: للدكتور سيد حسين العفاني ج2، ص121- ص133)
والله من وراء القصد
وهو حسبنا ونعم الوكيل
للتواصل مع الكاتب
0119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق