الجمعة، 12 نوفمبر 2021

مفاتيح الفرج بعد الشدة

 

مفاتيح الفرج بعد الشدة

إن الناظر في حال كثير من الناس، يجد أنهم يفرحون في وقت العطاء، ويحزنون في وقت المنع، ولا يعلم هؤلاء أنه ربما كان العطاء منعًا، وربما كان المنع عطاءًا كما ورد في حكم ابن عطاء الله السكندري –رحمه الله- حيث قال: "ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، ومتى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء"، وقد جاء ذلك واضحًا جليًا في كثير من آيات القرآن الكريم، ومن ذلك قوله تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216)، وقوله سبحانه: "فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" (النساء: 19).

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أمر المؤمن كله خير، حال السراء والضراء، حال الصحة والمرض، حال الغنى والفقر، وأن ذلك ليس لأحد إلا للمؤمن، وقد جاء ذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيرًا له» (أخرجه مسلم)، ومن هذا الحديث أخذ الإمام ابن القيم-رحمه الله- قاعدة عظيمة في بيان حال المؤمن في السراء والضراء، حيث قال –رحمه الله: "محن من الله تعالى يبتليه بها ففرضه فيها (الصبر) والتسلي، ... فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوبًا، فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية الضراء، وله عبودية عليه فيما يكره، كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى" (الوابل الصيب: 11).

ومع ذلك فقد بيّن سبحانه وتعالى أن الشدة بعدها الفرج، وأن العسر بعده اليسر، وفي ذلك يقول سبحانه: "أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ" (الشرح: 1-8).

فهذه السورة كلها، مفصحة بإذكار اللّه عز وجل، رسوله عليه السلام، منته عليه، في شرح صدره بعد الغم والضيق، ووضع وزره عنه، وهو الإثم، بعد إنقاض الظهر، وهو الإثقال، أي أثقله فنقض العظام، كما ينتقض البيت إذا صوت للوقوع، ورفع -جل جلاله- ذكره، بعد أن لم يكن، بحيث جعله الله مذكوراً معه، والبشارة له، في نفسه عليه السلام، وفي أمته، بأن مع العسر الواحد يسرين، إذا رغبوا إلى الله تعالى ربهم، وأخلصوا له طاعاتهم ونياتهم. (الفرج بعد الشدة: للتنوخي، ص 1).

وقال تعالى: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا" (الطلاق: 7).

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الشدة بعدها الفرج، وأن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا، وقد جاء ذلك فيما أخرجه أحمد في مسنده أنه صلى الله عليه وسلم قال: "وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".

قال الإمام ابن رجب-رحمه الله-: " قوله - صلى الله عليه وسلم- : (( وإنَّ الفرج مع الكرب )) وهذا يشهد له قوله - عز وجل-:"وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ" (الشورى: 28)،  وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (( ضَحكَ ربنا من قُنوط عباده وقُربِ غيرِهِ )) (أخرجه أحمد)... وكم قصَّ سبحانه من قصص تفريجِ كُرُباتِ أنبيائه عند تناهي الكَرْب كإنجاء نوح ومَنْ معه في الفلك، وإنجاء إبراهيم من النار، وفدائه لولده الذي أمر بذبحه، وإنجاء موسى وقومه من اليمِّ، وإغراق عدوِّهم، وقصة أيوب ويونس، وقصص محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مع أعدائه، وإنجائه منهم، كقصته في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم الأحزاب، ويوم حنين، وغير ذلك" (جامع العلوم والحكم: 1/ 37- 38).

وهناك مفاتيح للفرج بعد الشدة ما أحوج المسلم إلى التعرف عليها، وحسن القيام بها؛ كي يحظى بالفرج بعد الشدة، وهذه المفاتيح كثيرة، ومن يتأمل في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام يجد ذلك واضحًا جليًا، ومن هذه المفاتيح:

1-تقوى الله عز وجل: فالتقوى هي جماع كل خير، وهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين قال تعالى: "وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ" (النساء: 131)، وقد بيّن المولى جل وعلا أن التقوى من مفاتيح الفرج، وتيسير الأمور فقال جل وعلا: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا" (الطلاق: 4).

2-كثرة الاستغفار: الاستغفار أمان أهل الأرض، وبه تنزل الخيرات من السماء، والبركات من الأرض، وهو سبب في تفريج الكروب، قال الله جل وعلا: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا" (نوح: 10- 12)،  وروي أن: "من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب".

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار، وهو أن يقول: ""اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ".(أخرجه البخاري)

3-الدعاء: من مفاتيح الفرج بعد الشدة الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن، ونور السماوات والأرض، ومن لم يسأل الله تعالى يغضب عليه، وفي ذلك يقول تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" (البقرة: 186)، وقال جل جلاله: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (غافر: 60)، فإذا أقبل العبد على الله تعالى بالدعاء والتضرع، فإن المولى سبحانه سيفرج عنه ما هو فيه من شدة، وتتحول هذه الشدة إلى فرج بالدعاء والإقبال على الله تعالى، وقد قال ابن عيينة: ما يكره العبد خير له مما يحب؛ لأن ما يكرهه يهيجه على الدعاء، وما يحب يلهيه عنه"، وعن المعتمر بن سليمان، قال: لقي يعقوب رجل، فقال له: يا يعقوب، مالي لا أراك كما كنت تكون ؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان قال: فلقيه لاق، فقال: قل: اللهم اجعل لي من كل ما أهمني وكربني من أمر دنياي وآخرتي فرجا ومخرجا، واغفر لي ذنوبي، وثبت رجاءك في قلبي، واقطعه ممن سواك، حتى لا يكون لي رجاء إلا إياك".

4-العمل الصالح: العمل الصالح به تكون الحياة الطيبة في الدنيا، وتفريج الهموم والكروب، وفي ذلك يقول سبحانه:"مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"(النحل: 97).

ولننظر إلى قصة أصحاب الغار كيف أن العمل الصالح كيف كان سببًا في تفريج كربهم وشدتهم بعد أن فقدوا أسباب الحياة، وكادت الصخرة أن تسد عليهم باب الغار، وقد جاء فيما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «انطلقَ ثلاثةُ نَفَر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيتُ إِلى غار، فدخلوه ، فانحدرتْ صَخرَة من الجبل، فسَدت عليهم الغارَ، فقالوا: إِنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إِلا أن تَدْعُوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخانِ كبيران، وكنتُ لا أَغْبُقُ قبلهما أهلا ولا مالا، فنأَى بي طلبُ شَجَر يوما، فلم أَرُحْ عليهما حتى ناما، فَحَلَبْتُ لها غَبوقَهُما، فوجدتهما نائمين، فكَرِهتُ أَن أَغْبُقَ قبلهما أهلا أو مالا، فَلَبِثْتُ والقَدَحُ على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى بَرَقَ الفَجْر- زاد بعض الرواة: والصِّبيَةُ يَتضاغَونَ عند قدَميَّ - فاستيقظا، فشرِبا غَبوقَهُما، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك ، ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرَجَتْ شيئا لا يستطيعون الخروج، وقال الآخر: اللهم كانت لي ابنةُ عمّ، كانت أحبَّ الناس إِليَّ، فأردُتُها على نفسها، وامتنعت مني، حتى أَلَمَّتَ بها سَنَة من السنين، فجاءتني، فأعطيتُها عشرين ومائةَ دينار، على أن تُخَلِّيَ بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إِذا قَدَرْتُ عليها، قالت: لا أُحِلُّ لَكَ أَن تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلا بِحقِّه، فتحَرَّجْتُ من الوقوع عليها، فانصرفتُ عنها وهي أحبُّ الناس إِليَّ، وتركتُ الذهب الذي أعطيتها، اللهم إِن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافْرُج عنا ما نحن فيه، فانفرَجَتِ الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، وقال الثالث: اللهم استأَجَرْتُ أُجَرَاءَ، وأعطيتُهم أجرَهم، غير رَجُل واحد، تَركَ الذي له وذهب، فَثَمَّرتُ أَجْرَهُ حتى كَثُرَتْ منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله، أَدِّ إِليَّ أجري، فقلت: كلُّ ما ترى من أَجْرِكَ، من الإِبل والبقر، والغنم، والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئُ بي، فقلتُ: إِني لا أستهزئُ بك ، فأخذه كلَّه، فاسْتاقه، فلم يتركْ منه شيئا، اللهم فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهك فافْرُج عنا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصخرة ، فخرجوا يمشون»، وفي هذا الحديث دليل واضح على أن الفرج بعد الشدة، وأن الدعاء بالعمل الصالح سبب في تفريج الهموم والكروب، فادخر لنفسك عملًا صالحًا تسأل ربك به إذا وقعت في كرب وضيق، فهذا من التوسل المشروع بالعمل الصالح.

5- كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم: فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بها تفرج الهموم وتزول الكروب ويدفع البلاء، وقد جاء فيما أخرجه الترمذي عن أبي كعب رضي الله عنه قال: " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: مَا شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ". يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة علي كفيت ما يهمك من أمور دنياك وآخرتك، أي أعطيت مرام الدنيا والآخرة، فاشتغال الرجل بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- يكفي في قضاء حوائجه ومهماته.(مرعاة المفاتيح: 3/ 279).

6-قضاء حوائج الناس، والسعي في مصالحهم وسد حاجاتهم: قضاء حوائج الناس وجبر خاطرهم عمل من الأعمال الجليلة، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "واللهُ في عَونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَونِ أَخيهِ» (أخرجه مسلم)، وقال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(أخرجه البخاري)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة حتى أقضيها له أحب إلي من أعتكف في المسجد شهراً".

فما أحوجنا اليوم إلى الفرج بعد الشدة، وهذا لا يكون إلا من خلال مفاتيح الفرج التي ذكرها ربنا جل وعلا في كتابه العزيز، وبينها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته، تفريج الهموم والكروب بالإكثار من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقضاء حوائج الناس والسعي في مصالحهم وحاجاتهم، والتضرع إلى الله سبحانه بالدعاء بكشف الهم والغم والكرب، والعمل الصالح الذي هو سبب الحياة الطيبة وتفريج الكروب كما في قصة أصحاب الغار.

فاللهم اغفر لنا ذنوبنا، وفرج كروبنا، ويسر أمورنا، واهدنا، ووفقنا لما يرضيك عنا يارب العالمين.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتبه

د: أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن

جامعة الأزهر الشريف

الخميس، 11 نوفمبر 2021

الإنسان بين الصحة والمرض (2)

 

الإنسان بين الصحة والمرض (2)
عندما نتأمل في الحكمة التي خلق الله تعالى العباد من أجلها، نجدها في عبوديته سبحانه وتعالى، حيث قال: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات: 56)، والإنسان في هذه الحياة ممتحن بالخير والشر، والصحة والمرض، والغنى والفقر، وغير ذلك، قال جل وعلا: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (الملك: 2).
وجعل الله عز وجل الابتلاء بشتى أنواعه وصوره؛ للاختبار والامتحان في هذه الدنيا، حيث قال سبحانه: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" (محمد:31).
اختبار وامتحان بالصحة والمرض، والغنى والفقر، والفرح والضيق، واليسر والعسر، وما ذاك إلا ليرى سبحانه وتعالى حال العباد في هذه الأحوال كلها، وكيف سيكون حالهم في وقت الرخاء، وحالهم في وقت الشدة.
فإذا كانت الصحة والعافية نعمة، فإن المرض أيضًا نعمة، ولعل الخير يكمن في الشر، الذي ربما يعده بعض الناس شرًا، في حين أنه هو الخير، لكن الإنسان ربما لا يدرك ذلك في بداية الأمر، ولو تأمل هؤلاء فضل المرض، لعلموا أن فيه الخير الكثير لصاحبه في الدنيا، وفي الآخرة، فالمسلم الحق عليه أن يؤمن بقضاء الله وقدره، ويعلم أن فيه الخير كل الخير، في الدنيا، وفي الآخرة، وقد جاء ذلك واضحًا في قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: « يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ ٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ، قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ» (أخرجه الترمذي). فالأمور تجري بمقادير الله تعالى، فالله عز وجل أعطى لحكمة، ومنع لحكمة، قال سبحانه: "إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ" (القمر: 45).
ولننظر إلى هذا الأثر العظيم من الحسن البصري رضي الله عنه، والذي يبين فيه أن بالابتلاء يتمايز الناس حيث قال: "استوى الناس في العافية، فإذا نزل البلاء تباينوا" أي أن حال الناس سواء في وقت العافية، وعند الابتلاء يكون الاختلاف، فمنهم من يصبر ويرضى، ومنهم من يسخط ويجزع.
وكما أن الصحة والعافية فضل، فكذلك المرض، والصبر عليه، والرضا والاحتساب، والتسليم بقضائه الله تعالى، له أجره وثوابه، فمن فضل المرض أنه يُذهب خطايا بني آدم، ويطهر صاحبه ويغسله من الذنوب والخطايا، ويرفعه في الدرجات عند الله تعالى، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ، وَالْمَؤْمِنَةِ، فِي نَفْسِهِ، وَمَالِهِ، وَفي وَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ» (أخرجه أحمد)، وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر-رضي الله عنه- أن رسولَ الله-صلى الله عليه وسلم- «دخل على أمِّ السائب- أو أمِّ المسيَّب- فقال: ما لَكِ تُزَفْزِفين ؟ قالت: الحُمَّى، لا بارك الله فيها، فقال: لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنها تُذْهِبُ خطايا بني آدم، كما يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحديد».
وقال: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» (أخرجه البخاري ومسلم).
وكذلك حال هذه المرأة التي كانت تصرع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري وغيره عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَلَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ، وَإِنِّي أَتكَشَّفُ، فَادْعُ الله لِي. قَالَ: «إِنْ شِئْتِ، صَبَرْتِ؛ وَلَكِ الجَنَّةُ. وَإِنْ شِئْتِ، دَعَوْتُ الله أَنْ يُعَافِيكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتكَشَّفُ: فَادْعُ الله أَنْ لاَ أَتكَشَّفَ. فَدَعَا لَهَا.
ومن فضل المرض أن يعلم المسلم أن أمر الله تعالى كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، كما جاء في الحديث: « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». فحال المؤمن يصبر عند البلاء، ويرضى بالقضاء، ويشكر عند النعماء، فهذا هو المؤمن حقًا كما أخبرنا بذلك صلى الله عليه وسلم.
كذلك المرض دليل على محبة الله تعالى، وأنه فيه الخير كل الخير لصاحبه، لكن عليه أن يتحلى بالصبر والرضا، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: « إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ». (أخرجه الترمذي)، وقوله: « إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ، أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَفَّى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». (أخرجه الترمذي)، فالابتلاء بالمرض إما أن يكون رفعة للدرجات، وإما أن يكون تكفيرًا للسيئات.
ومما يجعلنا ندرك فضل المرض، والابتلاء، أن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، وقد جاء فيما أخرجه أحمد في مسنده عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ قَالَ: الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الأَمْثَلُ، فَالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ"، وعَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَإِذَا هُوَ يُوعَكُ، فَمَسِسْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، قَالَ:« أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ». قَالَ: قُلْتُ: لأَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ. قَالَ: «نَعَمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يُصِيبُهُ أَذًى، مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ، إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». (أخرجه البخاري ومسلم).
وليعلم أصحاب الأمراض، أن من فضل المرض، تعظيم ثواب وجزاء أهل البلاء، وأن أهل العافية، يودون يوم القيامة، أن يكونوا مثل أهل البلاء، لما يرون من ثوابهم عند ربهم، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَنَّ جُلُودَهُمْ قُرِضَتْ بِالْمَقَارِيضِ؛ مِمَّا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلاَءِ».(أخرجه الترمذي)
قال وهب بن منبه: "لا يكون الرجل فقيهًا كامل الفقه، حتى يعد البلاء نعمة، ويعد الرخاء مصيبة، وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء، وصاحب الرخاء ينتظر البلاء". قال تعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" (الشرح: 5، 6).
وقال معروف الكرخي: "إن الله ليبتلي عبده المؤمن بالأسقام والأوجاع، فيشكو إلى أصحابه، فيقول الله تعالى: وعزتي وجلالي ما ابتليتك بهذه الأوجاع والأسقام إلا لأغلك من الذنوب فلا تشكني".
فعلى المريض أن يحسن الظن بربه، فإن حسن الظن من علامات الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: « لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ، إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» (متفق عليه)، فهما اشتد المرض، والبلاء، أحسن الظن بربك، وإياك أن تجزع وتسخط، في الشدة والمرض، واعلم أن أمر المؤمن كله خير، وأن مع العسر يسرا.
والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل
كتبه
د: أحمد عرفة
عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر

الإنسان بين الصحة والمرض (1)

 

الإنسان بين الصحة والمرض (1)
إن المتأمل في نعم الله تعالى على عباده، يجد أنه سبحانه قد أنعم علينا بنعم كثيرة، لا تعد، ولا تحصى، نعم ظاهرة، ونعم باطنة، قال تعالى: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم: 34)، وقال سبحانه: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" (النحل: 18).
وهو سبحانه المنعم المتفضل على عباده بهذه النعم وحده جل وعلا دون سواه، حيث قال: " وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" (النحل: 53).
ومن هذه النعم الجليلة التي لا تقدر بملايين الدنيا كلها نعمة الصحة والعافية، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، وحثنا على اغتنام أوقات الصحة قبل المرض، كما جاء في الحديث: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شَغْلِكَ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِكَ، وَشَبَابَك قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِك". (أخرجه الحاكم في المستدرك).
فنعمة الصحة والعافية نعمة عظيمة لا تعادلها كنوز الدنيا كلها، ولذا كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم، وقد جاء ذلك فيما أخرجه أبو داود في سننه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: «أَنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَكُن يَدَعُ هؤلاءِ الكلِمَاتِ حينَ يُمسي وحينَ يُصبِحُ: اللَّهمَّ إني أسألُكَ العَافِيَةَ في الدنيا والآخِرةِ، اللَّهمَّ إني أَسألُكَ العَفو والعَافِيَةَ في دِيني ودُنيايَ، وأهلي ومَالي، اللَّهمَّ استُر عَوْرَاتي، وآمِنْ رَوْعَاتي، اللَّهمَّ احفظني من بَينِ يَدَيَّ ومِن خَلْفي، وَعن يَميني، وعن شِمالي، ومِن فَوقي، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحتي» قال وكيعٌ: يعني الخَسْفَ.
وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة -رحمه الله-: قال: «قلتُ لأبي: يا أَبَتِ، أسمعُكَ تقولُ كلَّ غدَاة: اللَّهمَّ عافني في سمعي، اللَّهمَّ عافني في بصري، لا إِلهَ إلا أنت، تُكرِّرُها ثلاثًا حين تُصبح، وثلاثًا حين تُمسي، فقال: يا بُنيَّ، إني سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهنَّ، فأنا أُحِبُّ أن أَستَنَّ بِسُنَّتِهِ».(أخرجه أبو داود).
وأخرج ابن ماجه في سننه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». ثُمَّ أَتَاهُ في الْيَوْمِ الثَّاني فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ». ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالَ: يَا نَبيَّ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالَعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَقَدْ أَفْلَحْتَ».
فلو تأملنا في هذه الأحاديث وغيرها لتبين لنا بجلاء ووضوح أن نعمة الصحة والعافية هي خير ما أعطي الإنسان في هذه الدنيا، ولذلك قالوا: "الصحة تاج على رؤؤس الأصحاء لا يراه إلا المرضى".
وللحديث بقية إن شاء الله
كتبه
د/ أحمد عرفة
عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن
جامعة الأزهر الشريف

فكرة بحثية

 

أفكار بحثية

من الأمور المهمة التي ينبغي أن يحرص عليها كل باحث متابعة المؤتمرات العلمية والاستفادة منها في تكوين أفكار بحثية أو ابتكار فكرة جديدة، وذلك من خلال الحرص على حضور هذه المؤتمرات، والاطلاع على الأبحاث المنشورة بها، وكذلك طريقة الأبحاث ومناقشة السادة الأساتذة لها.

وفي المؤتمرات قد تقابل بعض الأساتذة الكبار فيفتح عليك موضوعا أو فكرة تستطيع من خلالها كتابة رسالة علمية في مجال تخصصك.

ومن ذلك أيضا النظر والتأمل في توصيات هذه المؤتمرات، وفي توصيات الباحثين في بحوثهم المقدمة في المؤتمر، فربما تحصل من وراء ذلك على العديد من الأفكار التي ربما تفيدك في البحث وابتكار أفكار بحثية جديدة.

وفق الله الجميع

والحمد لله رب العالمين

#للباحثين_وطلاب_الدراسات_العليا_

 

 

 

 

فكرة بحثية

مناهج استنباط الأحكام مورد خصب للبحوث والرسائل العلمية لطلاب الماجستير والدكتوراه.

وهذا قد يكون في دراسة مناهج الاستنباط في كتاب من كتب المذاهب الفقهية، أو دراسة مناهج الاستنباط عند أحد الأئمة دراسة تأصيلية تطبيقية.

وهناك كتاب قد يفيد في هذا الصدد، وهو كتاب مناهج الفقهاء في استنباط الأحكام، للدكتور، محمد عثمان شبير، وهو من مطبوعات دار النفائس بالأردن، وهو قيم جدا في هذا الباب، بالإضافة إلى كتب غيره من المعاصرين في مناهج الاستنباط.

وفق الله الجميع

والحمد لله رب العالمين

دعواتكم

#للباحثين_وطلاب_الدراسات_العليا_

 

 

فكرة بحثية

القواعد المتعلقة بالخلاف، دراسة فقهية تطبيقية مقارنة.

ويمكن دراسة هذه القواعد على كتاب من كتب الفقه، واشتراك بعض الباحثين فيها.

والله الموفق.

#للباحثين_وطلاب_الدراسات_العليا_

دعواتكم

فكرة بحثية

 

 

فكرة بحثية

مناهج استنباط الأحكام مورد خصب للبحوث والرسائل العلمية لطلاب الماجستير والدكتوراه.

وهذا قد يكون في دراسة مناهج الاستنباط في كتاب من كتب المذاهب الفقهية، أو دراسة مناهج الاستنباط عند أحد الأئمة دراسة تأصيلية تطبيقية.

وهناك كتاب قد يفيد في هذا الصدد، وهو كتاب مناهج الفقهاء في استنباط الأحكام، للدكتور، محمد عثمان شبير، وهو من مطبوعات دار النفائس بالأردن، وهو قيم جدا في هذا الباب، بالإضافة إلى كتب غيره من المعاصرين في مناهج الاستنباط.

وفق الله الجميع

والحمد لله رب العالمين

دعواتكم

#للباحثين_وطلاب_الدراسات_العليا_

أفكار بحثية

 

أفكار بحثية

من الأمور المهمة التي ينبغي أن يحرص عليها كل باحث متابعة المؤتمرات العلمية والاستفادة منها في تكوين أفكار بحثية أو ابتكار فكرة جديدة، وذلك من خلال الحرص على حضور هذه المؤتمرات، والاطلاع على الأبحاث المنشورة بها، وكذلك طريقة الأبحاث ومناقشة السادة الأساتذة لها.

وفي المؤتمرات قد تقابل بعض الأساتذة الكبار فيفتح عليك موضوعا أو فكرة تستطيع من خلالها كتابة رسالة علمية في مجال تخصصك.

ومن ذلك أيضا النظر والتأمل في توصيات هذه المؤتمرات، وفي توصيات الباحثين في بحوثهم المقدمة في المؤتمر، فربما تحصل من وراء ذلك على العديد من الأفكار التي ربما تفيدك في البحث وابتكار أفكار بحثية جديدة.

وفق الله الجميع

والحمد لله رب العالمين

#للباحثين_وطلاب_الدراسات_العليا_

الخميس، 7 أكتوبر 2021

برنامج كتابات إسلامية بإذاعة القرآن الكريم عن مكانة العمل التطوعي في الإسلام 28/ 8/ 2020م

 

برنامج كتابات إسلامية بإذاعة القرآن الكريم عن مكانة العمل التطوعي في الإسلام 28/ 8/ 2020م

https://www.youtube.com/watch?v=cs8lQgAXGF8 

كتابات إسلامية بإذاعة القرآن الكريم ، ومضات حول جبر الخواطر، د/ أحمد عرفة، 4/ 10/ 2021م

 

كتابات إسلامية بإذاعة القرآن الكريم ، ومضات حول جبر الخواطر، د/ أحمد عرفة، 4/ 10/ 2021م

https://www.youtube.com/watch?v=7hn142Q2urg&t=18s 

من صور المواساة في الإسلام د: أحمد عرفة

من صور المواساة في الإسلام

د: أحمد عرفة

من الأخلاق الحميدة التي دعانا إليها ديننا الإسلامي خُلق المواساة، وتتمثل حقيقة هذا الخُلق الإسلامي في وقوف الإنسان بجوار أخيه الإنسان يواسيه بالأقوال والأموال، يواسيه في أحزانه، وشدائده، يقف بجواره في وقت حاجته، فيعمل على قضاء مصالحه، وسد حاجاتهم، ولذلك أعلى الإسلام من قيمة المواساة، ولو بكلمة طيبة، أو ابتسامة حانية، أو قضاء مصلحة من المصالح، أو حاجة من الحاجات، فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، والمواساة كما قال الإمام ابن حجر –رحمه الله- هي: " أن صاحب المال يجعل يده، ويد صاحبه في ماله، سواء" (فتح الباري: 7/25)

وعندما نتأمل في القرآن الكريم نجد هذه الدعوة واضحة إلى خُلق المواساة، ولو بكلمة طيبة، ومن ذلك قوله سبحانه: "قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ" (البقرة: 263)، "أي: الذي أمرتم به قول معروف. والقول المعروف هو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله، خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة وفي باطنها لا شيء، لأن ذكر القول المعروف فيه أجر وهذه لا أجر فيها. قال صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الطيبة صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق" (أخرجه مسلم). فيتلقى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب، ليكون مشكورًا إن أعطى ومعذورًا إن منع، وقد قال بعض الحكماء: الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره. (تفسير القرطبي: 3/ 309).

وقال جل وعلا: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر: 9)، يعني: حاجة، أي: يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك، وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أفضلُ الصدقة جَهدُ المقلّ". وهذا المقام أعلى من حال الذين وَصَف اللهُ بقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}[الإنسان : 8]، وقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة : 177] فإن هؤلاء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه. ومن هذا المقام تصدق الصديق، رضي الله عنه، بجميع ماله..."(تفسير ابن كثير: 8/71).

إنه إيثار ومواساة في أعلى صورها، فقد يكون الإنسان في أشد الحاجة إلى المال، أو الوقت، وإذ به يبذل ماله ووقته لأخيه الإنسان، ويسعى في قضاء حاجاتهم، ومصالحهم.

ولننظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبين لنا فضل ومكانة خُلق المواساة، في أحاديث كثيرة في سنته المطهرة، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً، فَرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَر مُسْلِمًا، سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَة»، وقوله: " وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ" أي: من كان ساعيًا في قضاء حاجته، وفيه تنبيه نبيه على فضيلة عون الأخ على أموره، وإشارة إلى أن المكافأة عليها بجنسها من العناية الإلهية، سواء كان بقلبه، أو بدنه، أو بهما؛ لدفع المضار، أو جلب المنافع إذ الكل عون" (تحفة الأحوذي: 4/575).

كذلك بيّن أنه أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، في عون أخيه بالمواساة له والوقوف بجانبه في أفراحه، وأحزانه، يسعى إدخال السرور عليه، ونفعه بما يستطيع، وقد جاء ذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن نَفَّسَ عن مؤمن كُرْبة من كُرَب الدنيا نَفَّسَ اللهُ عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة، ومن يَسَّرَ على مُعْسِر، يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخِرَةِ ، وَمَن سَتَرَ مُسلِما سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرَةِ، واللهُ في عَونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَونِ أَخيهِ...». قال الإمام النووي –رحمه الله-: "وهو حديث عظيم جامع لأنواع من العلوم، والقواعد، والآداب، ... ومعنى نفس الكربة أزالها، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، وغير ذلك، وفضل الستر على المسلمين..."(شرح النووي على مسلم: 17/ 21).

وقال صلى الله عليه وسلم: "ومن أقال مسلماً أقال الله عثرتَه يومَ القيامة"(أخرجه أبو داود وابن ماجه).

وعندما نتأمل في صور الإيثار نجدها كثيرة لا تكاد أن تحصى في مقال مختصر كهذا، وقد جمعها الإمام ابن القيم –رحمه الله- بقوله: "المواساة للمؤمنين أنواع: مواساة بالمال, ومواساة بالجاه, ومواساة بالبدن والخدمة, ومواساة بالنصيحة والإرشاد, ومواساة بالدعاء والاستغفار لهم, ومواساة بالتوجع لهم، وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة, وكلما قوى قويت, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم مواساة لأصحابه بذلك كله, فلأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له"(الفوائد: ص 188).

وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - : أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال : «المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضا». وشَبَّكَ بين أصابعه.(أخرجه البخاري ومسلم).

قال الإمام ابن بطال-رحمه الله-: "تعاون المؤمنين بعضهم بعضًا في أمور الدنيا والآخرة مندوب إليه بهذا الحديث، وذلك من مكارم الأخلاق، وقد جاء في حديث آخر عن النبي (صلى الله عليه وسلم): ( الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) فينبغي للمؤمنين استعمال آداب نبيهم والاقتداء بما وصف المؤمنين بعضهم لبعض من الشفقة والنصيحة ، وتشبيكه بيه أصابعه تأكيدًا لقوله وتمثيلًا لهم كيف يكونون فيما خولهم من ذلك". (شرح صحيح البخاري: لابن بطال 9/277).

وقال الإمام ابن رجب –رحمه الله-: "ويفهم من تشبيكه: أن تعاضد المؤمنين بينهم كتشبيك الأصابع بعضها في بعض، فكما أن أصابع اليدين متعددة فهي ترجع إلى أصل واحد ورجل واحد، فكذلك المؤمنون وإن تعددت أشخاصهم فهم يرجعون إلى أصل واحد، وتجمعهم أخوة النسب إلى آدم ونوح، وأخوة الإيمان". (فتح الباري: لابن رجب 2/584).

وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى سَائِرُ الْجَسَدِ، بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (أخرجه البخاري ومسلم).

قال الإمام النووي-رحمه الله-: " هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين، بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد في غير إثم، ولا مكروه، وفيه جواز التشبيه، وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام قوله صلى الله عليه و سلم (تَدَاعَى سَائِرُ الْجَسَدِ) أي: دعا بعضه بعضًا إلى المشاركة في ذلك..."(شرح النووي على مسلم: 16/140).

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ». قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لاَ حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.

قال الإمام النووي -رحمه الله-: "في هذا الحديث الحث على الصدقة، والجود، والمواساة، والإحسان إلى الرفقة والأصحاب، والاعتناء بمصالح الأصحاب، وأمر كبير القوم أصحابه بمواساة المحتاج، وأنه يكتفي في حاجة المحتاج بتعرضه للعطاء، وتعريضه من غير سؤال، وهذا معنى قوله: "فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ: أي: متعرضًا لشيء يدفع به حاجته، وفيه مواساة ابن السبيل، والصدقة عليه، إذا كان محتاجًا، وإن كان له راحلة، وعليه ثياب، أو كان موسرًا في وطنه، ولهذا يعطي من الزكاة في هذه الحال، والله أعلم). (شرح النووي على مسلم: 12/ 33).

"ولما كانت المواساة لا تقتصر على مشاركة المسلم لأخيه في المال والجاه أو الخدمة والنّصيحة .. أو غير ذلك فإنّ من المواساة مشاركة المسلم في مشاعره خاصّة في أوقات حزنه، وعند تعرّضه لما يعكّر صفوه، وهنا فإنّ إدخال السّرور عليه وتطييب خاطره بالكلمة الطّيّبة، أو المساعدة الممكنة بالمال أو الجاه، أو المشاركة الوجدانيّة هو من أعظم المواساة وأجلّ أنواعها" (نضرة النعيم: 8/3460).

وعليه فإن للمواساة صورًا عديدة منها:

1-المواساة في المرض، وهذه صورة عظيمة من صور ثوابها، فضلها عظيم، وثوابها جزيل، ولكننا نجد الكثير منا اليوم قد غفل عنها، وهذا الأمر لو علمنا ثوابه، والأجر المترتب عليه، ما تخلفنا عنه لحظة، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَ» فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةِ الْجَنَّةِ؟ قَالَ:« جَنَاهَا» (أخرجه مسلم)، وقال: « مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ يُغْمَسُ فِيهَا» (أخرجه أحمد)، وقال: «مَنْ عاد مريضًا، أو زَارَ أخًا له في الله، ناداه مناد: أنْ طبتَ، وطابَ مَمْشاك، وتَبوَّأتَ من الجنة منزلا» (أخرجه الترمذي)، فما أحوجنا اليوم إلى مواساة المرضى في مرضهم، والدعاء لهم، وهذا فيه من التخفيف عنهم ما فيه، والموفق من وفقه الله تعالى.

2-المواساة بالمال، وذلك عن طريق القرض الحسن، والذي أصبح اليوم غائبًا عن مجمعاتنا الإسلامية إلا من رحم الله تعالى، ولو علم المسلم ثوابه ما تركه عند قدرته عليه، وفي ذلك يقول سبحانه: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" (البقرة: 245)،

 "مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (الحديد: 11)، وقال: "إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ" (الحديد: 18)، وقال: "إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ" (التغابن: 17).

3-المواساة بالعفو عن المعسر عند عدم قدرته على السداد، وهذا عمل من الأعمال الصالحة، والتي يتضاعف أجرها وثوابها، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ » (أخرجه مسلم)، وقال: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَإِنَّ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَهُ صَدَقَةً». قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةً ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: بِكُلِّ يَوْم مِثْلَهُ صَدَقَةً فَقَالَ لَهُ:«بِكُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ مَا لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَإِنْ أَنْظَرَهُ بَعْدَ الْحِلِّ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلَهُ صَدَقَةً» (أخرجه البيهقي).

4-المواساة في الأحزان عند الموت، فإذا مات لأخيك ميت ينبغي عليك أن تقف بجواره، وتواسيه بالعزاء، والكلمات التي تخفف عنه مصابه، وهذا من السنة كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ» (أخرجه البخاري ومسلم)، وقال: « مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» (أخرجه الترمذي)، والمصاب: هو الذي عرضت له المصيبة.

وتعزية أهل الميت في مصابهم مشروع بالإجماع، وإنما الخلاف في كيفيته، وعلى أي حال ينبغي علينا ألا نترك المشاركة والمواساة للناس في أحزانهم ومصائبهم، فأجرها عظيم، وثوابها جزيل، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم.

5-المواساة بالطعام والشراب؛ وسد حاجة الجوعى والمحتاجين، الذين ربما لا يجد أحدهم قوت يومه، أو ربما حسبه المرض، فلا يستطيع الخروج لقضاء حاجته من الطعام والشراب، لا سيما في وقت الوباء، منعًا لانتشار العدوى، فعلينا أن نواسيهم في شدتهم، وأن نكون معهم لسد حاجاتهم من الغذاء والدواء، وقد بيّن ربنا جل وعلا ثواب إطعام الطعام فقال: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (الإنسان: 8-12)، وقال صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا ثَوْبًا عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خَضِرِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ» (أخرجه أبو داود)، وقال: "أَحَبُّ الناس إلى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إلى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ على مُسْلِمٍ، أو تَكَشِفُ عنه كُرْبَةً، أو تَقْضِي عنه دَيْنًا، أو تَطْرُدُ عنه جُوعًا؛ وَلأَنْ أَمْشِيَ مع أَخِ في حَاجَةٍ، أَحَبُّ إلي من أَنْ أَعْتَكِفَ في هذا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يوم الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حَاجَةٍ حتى يَتَهَيَّأَ له ،أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يوم تَزُولُ الأَقْدَامِ" (أخرجه الطبراني).

ولننظر إلى هذه المواساة في أبهى وأجمل صورها في حديث الأشعريين حيث قال صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، وَقَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ، فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ» (أخرجه البخاري ومسلم).

قال الإمام ابن الجوزي –رحمه الله-: " فمدحهم بالإيثار والمواساة، وأضافهم إليه؛ لأنه غاية الكرم، فقال: "هم مني" يعني بأفعالهم، وإن لم يكونوا من أقاربه" (كشف المشكل من حديث الصحيحين: 1/267).

وقال الإمام ابن بطال-رحمه الله-: "للسلطان أن يأمر الناس بالمواساة ويجبرهم على ذلك ، ويشركهم فيما بقى من أزوادهم أحياء لإرماقهم وإبقاء لنفوسهم، وفيه أن للإمام أن يواسى بين الناس في لأقوات في الحضر بثمن وبغير ثمن، كما له فعل ذلك في السفر، وقد استدل بعض العلماء بهذا الحديث، وقال : إنه أصل في ألا يقطع سارق في مجاعة؛ لأن المواساة واجبة للمحتاجين" (شرح صحيح البخاري: 7/7).

ولننظر إلى سلفنا الصالح رضوان الله عليهم في مواساتهم للفقراء والمحتاجين، فها هو سيدنا علي بن الحسين رضي الله عنه: كان يحمل الخبز في الليل على ظهره، يتبع في المساكين، ويقول: إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب، ولما مات رضي الله عنه وجدوا في ظهره أثرًا مما كان ينقل الجرب (جراب الدقيق) بالليل إلى منازل الأرامل، والفقراء بالمدينة".(حلية الأولياء: 3/ 383).

 وعن محمّد بن إسحاق- رضي اللّه عنه- قال: كان ناس من أهل المدينة يعيشون، لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمّا مات عليّ بن الحسين، فقدوا ذلك الّذي كانوا يؤتون باللّيل". (سير أعلام النبلاء: 3/ 393).

  وقال إبراهيم بن أدهم –رحمه الله-: "المواساة من أخلاق المؤمنين" (حلية الأولياء: 7/ 370).

وقال ابن قتيبة -رحمه الله-: "لا حُصِّنت النعم بمثل المواساة" (عيون الأخبار: 1/388).

          وعندما نتأمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم نجد العديد من المواقف على مواساته لأصحابه رضي الله عنهم، ومن ذلك ما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ أَتَاهُ الْمُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ، وَلاَ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ حَتَّى خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ». (أخرجه الترمذي)

وعن عثمان بن عفّان- رضي اللّه عنه- أنّه قال وهو يخطب: «إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِمُونِي بِهِ عَسَى أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ» (أخرجه أحمد).

وللمواساة فوائد كثيرة منها:

(1) تورث حبّ اللّه- عزّ وجلّ- ثمّ حبّ الخلق.

(2) دليل حبّ الخير للآخرين.

(3) تشيع روح الأخوّة بين المسلمين.

(4) تقوّي العلاقات بين المسلمين.

(5) تساعد على قضاء حاجات المحتاجين وسدّ عوز المعوزين.

(6) تدخل السّرور على المسلم وترفع من معنويّاته فيقبل على الحياة مسرورا.

(7) المواساة تجعل صاحبها من المسرورين يوم القيامة.

(8) المواساة من أحبّ الأعمال إلى اللّه- عزّ وجلّ-.

(9) المواساة تدعو إلى الألفة وتؤكّد معنى الإخاء وتنشر المحبّة.

(10) المواساة تدفع الغيظ وتذهب الغلّ وتميت الأحقاد. ينظر: نضرة النعيم: (8/ 3469).

فما أحوجنا اليوم إلى تطبيق هذا الخُلق الإسلامي الرفيع، الذي دعانا إليه ديننا الإسلامي الحنيف، وعلمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم؛ كي نسعد في الدنيا والآخرة، فلا سعادة ولا نجاة إلا من خلال طاعة الله تعالى، وامتثال ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

وفقنا الله تعالى وإياكم لما يحبه الله ويرضاه، اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

حالهم وحالنا مع القرآن الكريم د: أحمد عرفة

حالهم وحالنا مع القرآن الكريم

القرآن الكريم دستور الأمة الخالد، أنزله الله عز وجل على حبيب قلوبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ليكون دستورا ومنهجا تسير عليه الأمة إلى أن تلقى ربها جل وعلا.

ولكن الناظر في حال كثير من المسلمين اليوم يجد أنهم أصبحوا بعيدين كل البعد عن القرآن الكريم، فمنهم من هجر القرآن الكريم تلاوة، ومنهم من هجر العمل به، ومنهم من هجر تدبره وتأمله، ومنهم من هجر تحكيمه والتحاكم إليه، ومنهم من هجر التداوي والاستشفاء به.

ولقد كان لسلف الأمة حال عجيبة مع كتاب الله تعالى من التأمل والتدبر والعمل به وتطبيقه، في الوقت الذي أصبح كثير من المسلمين اليوم مع القرآن الكريم لا قراءة، ولا استماع، ولا تدبر، ولا عمل، إلا من رحم الله تعالى.

ومن المحزن والمؤسف أن ترى في حفلات القرآن الكريم الصراخ والضحك وربما الحلف بغير الله وبالطلاق عند الاستماع لتلاوة القرآن الكريم، ويظن هؤلاء أن هذا من التأثر بالتلاوة أو بصوت القاريء، وهذا من الخطأ الكبير طبعا في التعامل مع القرآن الكريم، فتلاوة القرآن الكريم والاستماع إليه ليست مجالا للعبث والضحك والصراخ أثناء تلاوته، بل المستحب في هذه الحالة هو الاستماع والإنصات والتأمل والتدبر لكلام الحق سبحانه وتعالى، وعلى القارئ الذي يجلس للتلاوة أن يعلم المستمع هذه الآداب، وأن يزجرهم عن هذا العبث واللهو عن قراءة القرآن الكريم، فلن ينفع القارئ هؤلاء الذين يمدحون فيه في وجوه الناس، ولا الذين يصرخون برفع الصوت الله الله، وغير ذلك زعما منهم تشجيع القارئ، فلسنا في حفلة غناء أو رقص هدانا الله وإياكم.

فقد قيل لبعض السلف: ألا تنام؟ قال: إن عجائب القرآن أطرن نومي، وهذا من التأمل والتدبر لكلام الرحمن، وفي التنزيل قال الحق سبحانه: (لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الحشر: ٢١)

ومن خلال ما تقدم: أقول لنفسي ولأحبابي ينبغي أن نتأدب مع القرآن الكريم في التلاوة والاستماع، وأن نحرص على قراءته، والاستماع إليه، وتدبره، والعمل به، وقد ألف العلماء رسائل كثيرة في الأدب مع القرآن الكريم، ومن ذلك ما كتبه الإمام النووي رحمه الله في كتابه القيم: التبيان في آداب حملة القرآن، فينبغي علينا الرجوع إليه، والاستفادة منه، وتعليم هذه الآداب للصغار والكبار، كي نجل كتاب الله تعالى حق الإجلال؛ كي نسعد في الدنيا والآخرة.

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين.

والحمد لله رب العالمين

كتبه

د: أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن

جامعة الأزهر الشريف

 

علمني الابتلاء د: أحمد عرفة

 

علمني الابتـــــــــــــــــــــــــــــلاء

د/ أحمد عرفة

يقول الله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" (البقرة: 155-157).

إِنَّ المتأمل في أحوال الناس اليوم مع الابتلاءات والمحن والشدائد التي تمر بهم، يجد أن منهم من يستقبلها بالصبر والاحتساب، ومنهم من يستقبلها بالجزع والتسخط، وربما قال كلامًا يغضب الله تعالى، وقد تعلمت من البلاء الكثير والكثير، ومما علمني الابتلاء أن عظم الجزاء من عظم البلاء، وأن الله تعالى إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي الله فله الرضا، ومن سخط فله السخط، وقد جاء ذلك فيما أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ عِظَم الجزاءِ مع عِظَم البلاء، وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوما ابْتلاهُم، فَمَن رَضيَ فله الرِّضى، ومن سَخِطَ فله السَّخَطُ» وقوله: (إنَّ عِظَم الجزاءِ) أي: كثرته (مع عِظَم البلاء) فمن ابتلاؤه أعظم فجزاؤه أعظم (ابْتلاهُم) أي: اختبرهم بالمحن والرزايا (فَمَن رَضيَ) بما ابتلاه به (فله الرِّضى) منه تعالى وجزيل الثواب (ومن سَخِطَ) أي: كره بلاء الله، وفزع، ولم يرض بقضائه (فله السَّخَطُ) منه تعالى، وأليم العذاب، ومن يعمل سوءا يجز به، والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه، لا الترغيب في طلبه؛ للنهي عنه"(تحفة الأحوذي: 7/65-66).

كما علمني الابتلاء: أن قضاء الله عز وجل خير كله، ولعل الخير يكمن في الشر، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، قال تعالى: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (البقرة: 216)، وقال صلى الله عليه وسلم: «عَجَبا لأمر المؤمن! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيرًا له» (أخرجه مسلم)، ومن هذا الحديث أخذ الإمام ابن القيم-رحمه الله- قاعدة عظيمة في بيان حال المؤمن في السراء والضراء، وأن في كل منهما عبودية لله تعالى، ففي حال السراء تكون عبادة الشكر، وفي حال الضراء تكون عبادة الصبر حيث قال –رحمه الله-: "محن من الله تعالى يبتليه بها ففرضه فيها (الصبر) والتسلي، ... فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه منحة، واستحالت البلية عطية، وصار المكروه محبوبًا، فإن الله سبحانه وتعالى لم يبتله ليهلكه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فإن لله تعالى على العبد عبودية الضراء، وله عبودية عليه فيما يكره، كما له عبودية فيما يحب، وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون، والشأن في إعطاء العبودية في المكاره، ففيه تفاوت مراتب العباد، وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالى" (الوابل الصيب: 11).

وعلمني الابتلاء: الصبر والاحتساب في الشدائد والمصائب، وعدم الجزع والتسخط في حال الشدة والكرب، وإنما التحلي بالصبر والرضا، وذلك لما أعده الله عز وجل من جزاء عظيم، وثواب جزيل لأهل البلاء، وأن أهل العافية ربما تمنوا ذلك لما يرون من ثواب وجزاء أهل البلاء، وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيما أخرجه الترمذي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-« يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ».

وعلمني الابتلاء: أن هذه الابتلاءات والشدائد، إما أن تكون رفعة في الدرجات، وإما أن تكون تكفيرًا للسيئات، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْمُؤْمِنِ أَوِ الْمُؤْمِنَةِ، فِي جَسَدِهِ، وَفِي مَالِهِ، وَفِي وَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ"(أخرجه أحمد والترمذي). "قال القاري: أي: وليس عليه سيئة؛ لأنها زالت بسبب البلاء. وقال الباجي: يحتمل أن يريد أنه يحط لذلك عنه خطاياه حتى لا يبقى له خطيئة، ويحتمل أن يريد أنه يحصل له على ذلك من الأجر ما يزن جميع ذنوبه فيلقي الله تعالى وليس له ذنب يزيد على حسناته فهو بمنزلة من لا ذنب له وإنما هذا لمن صبر واحتسب، وأما من سخط ولم يرض بقدر الله تعالى فإنه أقرب إلى أن يأثم لتسخطه فيكثر بذلك سائر آثامه"(مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 5/ 261).

ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي كانت تبكي عند القبر قال لها: « اتَّقِى اللَّهَ وَاصْبِرِي». قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّى، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-: فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: « إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» (أخرجه البخاري). فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم جزاء الصبر والاحتساب عند الشدائد والمصائب في أول المصيبة والمحنة، وقال: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".

وعلمني الابتلاء أن الأمور تجري بمقادير الله تعالى، وأن ما يقدره الله تعالى هو الخير للعبد، فعليه أن يرضى ويسلم بكل ما يفعله الله تعالى به، وفي ذلك يقول سبحانه: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" (التغابن: 11)، قال الإمام الطبري-رحمه الله-: "يقول تعالى ذكره: لم يصب أحدًا من الخلق مصيبة إلا بإذن الله، يقول: إلا بقضاء الله وتقدير ذلك عليه( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) يقول: ومن يصدّق بالله فيعلم أنه لا أحد تصيبه مصيبة إلا بإذن الله بذلك يهد قلبه: يقول: يوفِّق الله قلبه بالتسليم لأمره والرضا بقضائه" (تفسير الطبري: 23/421).

وقال السعدي-رحمه الله:"هذا عام لجميع المصائب، في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم، فجميع ما أصاب العباد، فبقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علم الله تعالى، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته...فإذا آمن أنها من عند الله، فرضي بذلك، وسلم لأمره، هدى الله قلبه، فاطمأن ولم ينزعج عند المصائب، كما يجري لمن لم يهد الله قلبه، بل يرزقه الثبات عند ورودها، والقيام بموجب الصبر، فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدخر الله له يوم الجزاء من الثواب" (تفسير السعدي: 1/867).

 وقال جل وعلا: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (الحديد: 22، 23)، "وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر، فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم... ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم"(تفسير السعدي: 1/ 842).

كما علمني الابتلاء: أن النظر والتأمل في مصائب الغير وأحوالهم في الابتلاءات التي يمرون بها، مما يخفف أثر البلاء على الإنسان نفسه، فمن تأمل في مصيبة غيره هانت عليه مصيبته كما يقولون، وعلم بذلك أن مصيبته أهون بكثير من مصاب غيره، وهذا مما يخفف أثر البلاء على أهله.

وعلمني الابتلاء: أن الرجال معادن، وأن معدن الرجل الأصيل يظهر في وقت الشدائد والمحن، فكما قالوا: "ربما يكون لك أصدقاء بعدد شعر الرأس، لكن في وقت الشدة تجد نفسك أصلع"، وكما قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: "جزى الله الشدائد عني كل خيرًا...عرفت بها صديقي من عدوي"، ففي وقت البلاء والشدة تعرف مكانة الصديق الصدوق الذي يقف بجوارك، فهذا هو الصديق حقًا، وقد ظهر ذلك واضحًا جليًا في الهجرة النبوية من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فكان نعم الصديق والرفيق مع النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلمني الابتلاء: شكر النعم التي ربما يغفل كثير من الناس عنها، وربما لا يعرف أحدهم قيمة النعمة إلا إذا ذهبت منه، وأن ألف الإنسان للنعم ربما يكون سببًا في نسيان الشكر بل ربما جحود هذه النعم، ومعصية الله تعالى بها، لذلك قالوا: "الصحة تاج على رؤؤس الأصحاء لا يراه إلا المرضى"، فعلينا أن نشكر نعم الله تعالى، ولعل في الابتلاء تذكير بهذه النعم، والقيام بشكرها كما أمر الله عز وجل فقال: "لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" (إبراهيم: 7)، فبالشكر تحفظ النعم وتدوم.

كما علمني الابتلاء: أن التعرف إلى الله تعالى في الرخاء يكون سببًا في معرفة الله تعالى للعبد عند وقوعه في الشدائد والمحن والمصائب، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: " تَعَرَّف إِلى الله في الرَّخاء يَعْرِفْكَ في الشدة" (أخرجه الترمذي). قال المناوي-رحمه الله-:" بتفريجها عنك، وجعله لك من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، فإذا تعرفت إليه في الاختيار جازاك به عند الاضطرار بمدد توفيقه، وخفي لطفه" (التيسير بشرح أحاديث الجامع الصغير: 1/914).

وعلمني الابتلاء: أن من كرم الله تعالى للصالحين، أنهم إذا مرضوا يكتب الله تعالى لهم أجر ما كانوا يقومون به في حال صحتهم، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري في صحيحه: « إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا»، قال الإمام ابن بطال –رحمه الله-: "من كانت له عادة من عمل صالح ومنعه الله منه بالمرض أو السفر وكانت نيته لو كان صحيحًا أو مقيمًا أن يدوم عليه ولايقطعه، فإن الله تعالى يتفضل عليه بأن يكتب له ثوابه، فأما من لم له تنفل ولا عمل صالح فلا يدخل في معنى الحديث لأنه لم يكن يعمل في صحته أو لإقامته ما يكتب له في مرضه وسفره" (شرح صحيح البخاري: 9/ 372)، وهذا من عظيم فضل الله تعالى الكريم سبحانه لأهل البلاء في حال مرضهم، وفي هذا من الخير العظيم، والثواب الجزيل ما فيه من بشريات طيبة لأهل البلاء.

فاللهم اجعل هذه الابتلاءات رفعة لنا في الدرجات، وتكفيراً للسيئات، وارزقنا حسن الأدب في التعامل معها، ووفقنا للصبر والرضا والتسليم، وخفف عنا يا أرحم الراحمين، اللهم آمين.