الخميس، 22 ديسمبر 2022

التجديد الفقهي ضرورة عصرية

 

التجديد الفقهي ضرورة عصرية

لقد أصبح التجديد الفقهي ضرورة عصرية، فمع تقدم العصر، وظهور الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي، كان من الواجب على الباحثين والفقهاء أن يسعوا للتجديد الفقهي من خلال بحوثهم ودراساتهم، وأن تكون المادة الفقهية بأسلوب علمي ميسر يناسب العصر الذي نعيشه.

لذلك بات التجديد في الكتابات الفقهية من ضروريات العصر إذ لا يعقل أن يؤلف أحدهم كتابًا فقهيًا ويذكر الأوزان والمقادير بالأسلوب الفقهي القديم الذي نص عليه الفقهاء في كتبهم، كالصاع مثلا في الزكاة، والدينار من الذهب، والدراهم من الفضة في مقادير الديات، بل يجب عليه أن يبين ويوضح هذه الأمور بالأوزان المعاصرة من باب التيسير على الناس، وتسهيل العلم ووسائله للطلاب، ولأن هذا أيضا ضرورة عصرية.

ومن ذلك أيضا الإغراق في تعريف المصطلحات الفقهية من كتب المذاهب الفقهية دون أن يبين ويوضح التعريف المختار أو الراجح منها، وشرحه وبيانه.

كذلك أيضًا أن يسعى الفقهاء إلى حسن الصياغة العلمية للمادة الفقهية بأسلوب سهل ميسر يتناسب مع العصر الذي نعيشه، بعيدًا عن الاختلافات الفقهية والآراء الكثيرة والأدلة والاعتراضات والمناقشات الواردة على الأدلة، والتي محلها قاعات الدرس، والتأليف الفقهي المتخصص لفئة معينة من الدارسين للفقه المقارن، وأما عامة الناس وطلاب العلم فهم  بحاجة إلى الفقه المصفى الذي يناسبه ويناسب العصر الذي يعيش فيه، والذي إن قرأ فيه تبين له الحكم الفقهي بكل سهولة ويسر.

هذا وغيره خطوة على طريق التجديد الفقهي الذي أصبح ضرورة عصرية.

وفق الله الجميع، والحمد لله رب العالمين

كتبه

د: أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن

كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالديدامون- شرقية

جامعة الأزهر الشريف


مراعاة الزمان ومتغيراته في التدريس والتأليف

 

مراعاة الزمان ومتغيراته في التدريس والتأليف

إن الناظر في حال المناهج والمؤلفات التي تدرس في مراحل التعليم المختلفة يجد أنها تختلف عما كان في السابق، وذلك من حيث أسلوب الكتابة والعرض، وكذلك المادة والمحتوى العلمي، وطريقة التدريس وأساليبه واستراتجياته المختلفة. فما يؤلف للطالب المبتدئ لا بد أن يختلف عما يؤلف للطالب المتوسط، وكذلك الطالب في مراحل التعليم المتقدمة.

ولذلك كان فقهاء السلف يراعون هذا الأمر في مصنفاتهم، ومن ذلك ما فعله العلامة الفقيه ابن قدامة المقدسي رحمه الله حيث كتب العدة للمبتدئين . ثم المقنع لمن ارتقى عن درجة المبتدئين، ولم يصل إلى درجة المتوسطين. ثم الكافي للمتوسطين. ثم ألف المغني لمن ارتقى عن درجة المتوسطين، وهو في فقه الخلاف العالي، وما يعرف بالفقه المقارن كما في جامعة الأزهر الشريف والجامعات الإسلامية الأخرى.

وهكذا كان دأب علماء السلف في سائر العلوم والفنون، حيث كانت هناك المتون ثم المتون والحواشي والشروح وهكذا حسب طبيعة كل عصر.

وقد جاء عن بعض السلف: أن العالم الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، وقيل: إن طعام الكبار سم الصغار، ولذلك لا بد من مراعاة هذا الأمر في مناهج التعليم في مراحله المختلفة، فما يناسب مرحلة قد لا يناسب أخرى، وما يكتب في زمان قد لا يناسب حال العصر الذي نعيش فيه، وما يناسب طلاب الزمن الماضي، غير ما يناسب طلاب الزمن الحاضر والمستقبل، وهكذا...

فالواجب علينا هو أن تكون المعرفة بوسائلها المختلفة مناسبة لحال العصر ومتغيراته.

وفق الله الجميع، والحمد لله رب العالمين.

كتبه

د: أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن

كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالديدامون- شرقية

 جامعة الأزهر الشريف

#كتاب_ قرأناه_ لك_ في نور القرآن الكريم، للأستاذ الدكتور/ محمد نبيل غنايم

 

#كتاب_ قرأناه_ لك_

في نور القرآن الكريم، للأستاذ الدكتور/ محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة

سعدت بالأمس بزيارة شيخي وأستاذي العالم الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور/ محمد أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة حفظه الله تعالى ونفع به الإسلام والمسلمين اللهم آمين، ومما زاد سعادتي أن أخبرني شيخي بانتهائه من طباعة هذا التفسير القيم للقرآن الكريم، والذي ظل يعمل فيه طوال خمس سنوات حتى يسر الله تعالى خروجه للنور منذ أيام، وقد سعدت أكثر بإهداء شيخي حفظه الله تعالى- نسخة من هذا الكتاب.

ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب يقع في ثلاثة مجلدات من القطع الكبير، وهو من مطبوعات دار الهداية للنشر والتوزيع بالقاهرة، الطبعة الأولى 1444هـ- 2022م.

وقد جاء هذا الكتاب والتفسير القيم لكتاب الله تعالى في ثلاثة أجزاء، حيث اشتمل الجزء الأول على مقدمة بيّن فيها المؤلف أهمية الكتاب والباعث على تأليفه، ومنهجه فيه، ثم تناول التفسير في هذا الجزء من بداية سورة الفاتحة وحتى آخر سورة هود، ويقع هذا الجزء 496 صفحة، وفي الجزء الثاني تناول من سورة يوسف وحتى آخر سورة الصافات، ويقع هذا الجزء 496 صفحة، وفي الجزء الثالث تناول من سورة ص إلى آخر سورة الناس، وفي نهاية هذا الجزء تناول بعض الأمور المتعلقة بعلوم القرآن الكريم، ويقع هذا الجزء في 487 صفحة.

وأما عن مكانة هذا الكتاب والباعث على تأليفه فيقول أستاذنا الدكتور/ محمد نبيل غنايم حفظه الله- في مقدمته: "كنت قد قمت بكثير من الأحاديث الإذاعية في بيان معاني بعض آيات القرآن الكريم، وقمت بسلسلة من الأحاديث الإذاعية في بيان فقه النداء في القرآن الكريم تربو على خمسمائة حديث وأصدرتُ بعض الكتب الدراسية لطلاب الجامعة في تفسير بعض سور وبعض آيات القرآن منها: سورة الأحزاب، وآيات اليتامى، وآيات الميراث والوصية.

ثم يقول: "وصدر من ذلك: دراسات في التفسير، من فقه القرآن الكريم في اليتامى والوصية والميراث، وبحوث ونماذج من التفسير الموضوعي لعشرة موضوعات منوعة من موضوعات القرآن الكريم، إلا أنني أحسست أن هذه الجهود مبعثرة ولا تخدم القرآن الكريم وأهله الخدمة المناسبة، لذلك استخرت الله تعالى ورجوته أن يعينني على إعداد وإصدار عمل كامل في خدمة القرآن الكريم كله وأهله المتخصصين والعامة؛ وقد أعانني الله تعالى على ذلك ووفقني في إنجازه في أحب البلاد إلى الله وأفضلها في الأرض: مكة المكرمة؛ حيث البيت الحرام والكعبة المشرفة، وذلك حين أكرمني بالإعارة إليها والعمل في جامعة أم القرى في الفترة من 1417ه- 1997م إلى 1422هـ- 2002م في قسم الدراسات العليا الشرعية في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وعلى مدار السنوات الخمس كان التواصل مع هذا العمل الطيب حتى تم إنجازه بحمد الله تعالى وتوفيقه على هذه الصورة التي اعتقد أنها جيدة؛ لأنها تحافظ على النص القرآني برسمه العثماني؛ لمن يريد قراءة القرآن فحسب ونرفق به بيانًا موجزًا لمعاني المفردات لمن يصعب عليه فهم بعض الألفاظ، ثم تردف ذلك بالمعنى العام الإجمالي الموجز لمجموعة من الآيات؛ وذلك كله تحت عنوان عام يفصح عن المضمون العام دون قراءته".

ثم قال حفظه الله-: "واستكمالًا للفائدة اتبعت ذلك بأسباب النزول لبعض الآيات التي ذكرت كتب التفاسير الكثير منها، وخدمة أخرى للقرآن الكريم وأهله أضفت ملخصًا لبيان بعض علوم القرآن لتعريف القارئ الكريم بأهم هذه العلوم: كالمكي والمدني، والمحكم والمتشابه، والخاص والمطلق والمقيد...إلى غير ذلك".

وأما عن منهجه في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في هذا الكتاب فقد نص عليه في المقدمة أيضًا، وذلك كما يلي:

1.التقيد بلفظ الخبر. فلربما أعزو لفظ الحديث لما هو دون الصحيحين في الرتبة، مع وجود معنى الحديث أو أصله في أحدهما.

2. عدم التوسع في ذكر مصادر التخريج، فأكتفي بذكر مصدر واحد من مصادر التخريج، ولا أعدوه إلى غيره إلا قليلًا، ويكون هذا المصدر هو الذي تطابق لفظه مع لفظ الخبر الوارد.

3. إن كان لفظ الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت بعزو الحديث لهما.

4. وإن لم أجده في الصحيحين، بحثت في باقي مصادر التخريج الحديثية من كتب السنن والمسانيد والمستدركات والمعاجم...إلخ.

5. فإن عجزت عن الوقوف على لفظ الحديث فيما سبق، بحثت عن الحديث في كتب التفاسير المسندة فإن لم أجد فتشت عنه في كتابي الإمام السيوطي رحمه الله- "لباب النقول"، و"الدر المنثور في التفسير بالمأثور".

وأما عن الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين ومن بعدهم فقد كان منهجه فيها كما بينه في المقدمة كما يلي:

1.    أقصد مباشرة كتب التفاسير المسندة، وإلا فكتابي السيوطي رحمه الله- السابقة الذكر.

2.    كان الهدف هو توثيق المادة الحديثية عن طريق تخريج الأخبار.

3.    ولربما أشفع تخريج الحديث بذكر درجته، وذلك في حالة ورود الحديث عن السنن والمستدركات والمعاجم.

4.  فأتبع تخريج الحديث في مستدرك الحاكم بذكر حكم الإمام الحاكم رحمه الله- عليه، وتعليق الإمام الذهبي-رحمه الله- على ذلك الحكم.

5.    وأتبع ذكر الحديث في سنن الترمذي، بذكر حكم الإمام الترمذي رحمه الله- على إسناده.

6.    وأتبع ذكر الحديث في معجم الطبراني، بذكر حكم الإمام الهيثمي رحمه الله- عليه في كتابه "مجمع الزوائد".

ومما يمتاز به هذا التفسير أن أستاذنا الدكتور/ محمد نبيل غنايم حفظه الله- ختمه ببعض الأمور الهامة المتعلقة بعلوم القرآن الكريم، ومن ذلك بيان فضل القرآن الكريم، وأسماؤه وأسماء سوره، وعدد سوره وكلماته وحروفه، وكيفية نزوله، والكلام عن أول ما نزل من القرآن الكريم، وآخر ما نزل منه، والمكي والمدني، والنزول في الظروف المتعددة، وما تكرر نزوله من القرآن، وأسباب نزوله، وفواتح سور القرآن الكريم وخواتيمها، وجمعه وترتيبه، وُحفاظه ورواته، وآداب تلاوته، والوقف والابتداء، والمد والقصر، وتجويد القرآن الكريم، وكتابته وخطه، وخواص القرآن، وإعجازه، والعلوم المستنبطة منه، وأقسامه، وتفسيره وتأويله، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والعام والخاص، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، وترجمة القرآن الكريم.

ومن خلال ما تقدم من هذا العرض الموجز لهذا الكتاب القيم لأستاذنا الدكتور/ محمد نبيل غنايم حفظه الله- حول تفسير القرآن الكريم يتبين لنا مدى أهميته للمتخصصين والعامة؛ وذلك لما يتميز به من أسلوب علمي رصين، وسهولة ويسر في العرض والتقديم، وكذلك أيضًا اللغة العلمية الميسرة التي كُتب بها هذا التفسير القيم، مع توثيق الأحاديث والآثار وأسباب النزول الواردة في تفسير آيات القرآن الكريم، ولعله يكون فاتحة خير على الباحثين وطلاب الدراسات العليا للاستفادة منه في خدمة علم التفسير، وتقديم دراسات مفيدة لطلاب العلم في كل مكان في التفسير واتجاهاته.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتبه

د: أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن

كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالديدامون- شرقية

جامعة الأزهر الشريف.

 

 

 

علم أصول الفقه والتدريس المنشود

 

خاطرة سريعة

علم أصول الفقه والتدريس المنشود

يشتكي الطلاب من صعوبة مادة أصول الفقه، حتى قال بعضهم:  إنها مادة عقيمة وجافة، وفي الحقيقة أن هذا الكلام ربما ليس على إطلاقه، لكن ربما يحتاج إلى إعادة نظر وتدقيق ونظرة فاحصة ووقفة تأملية مع هذا العلم المبارك علم أصول الفقه، والذي يعد من علوم الآلة، والتي يلزم على الفقيه الإلمام بها ودراستها دراسة جيدة؛ حتى يحسن التعامل مع الأدلة والنصوص الشرعية.

ومن وجهة نظري المتواضعة ربما يكون حل صعوبة هذه المادة بعدة أمور منها:

١. أن يحرص المعلم على عرض المادة العلمية أولا بطريقة إجمالية سهلة مبسطة بعيدا عن الخلاف الأصولي المذكور في كتب التراث القديم.

٢. بعد أن يتدرج الطالب في فهم وإتقان أساسيات العلم يبدأ بعد ذكر بعرض الخلاف الأصولي في المسائل وبيان ثمرتها والفائدة المرجوة منها.

٣.العناية بكثرة الأمثلة التوضيحية في التأليف الأصولي المعاصر، وكذلك أثناء التدريس، وأن تكون هذه الأمثلة بطريقة واضحة ومفهومة، ولا سيما إذا كانت من القضايا والنوازل المعاصرة، فكما قالوا: بالمثال يتضح المقال.

٤.الاستعانة في التدريس بالكتب الأصولية المعاصرة الذي كتبها العلماء الأفذاذ في هذا التخصص، ثم بعد ذلك يكون التدرج في كتب التراث، لا أن يبدأ الطالب بكتب التراث فربما حصل الملل والخمول ثم بعد ذلك ربما ترك هذا العلم ونفر منه.

٥.الاستعانة بالوسائل الحديثة في التدريس، وابتكار الطرق والمناهج المعاصرة في تدريس هذا العلم، ومن ذلك الخرائط الذهنية، والرسوم التوضيحية، واتباع استراتيجيات التدريس والتعلم من العصف الذهني، والحوار، والمناقشة، وغيرها.

كانت هذه إشارات سريعة نأمل أن تجد صدى عند المتخصصين في هذا العلم المبارك، وأن يجد الطلاب الأسلوب السهل الميسر في دراسة علم أصول الفقه الإسلامي الذي لا غنى عنه لطلاب الشريعة والدراسات الإسلامية بصفة عامة، و الباحثين والفقهاء والمتشغلين بالفتوى بصفة خاصة.

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل

والحمد لله رب العالمين

كتبه

د: أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن

كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالديدامون شرقية

جامعة الأزهر الشريف

#كتاب_قرأناه_ لك_ المدخل لدراسة الفقه الإسلامي

 #كتاب_قرأناه_ لك_
المدخل لدراسة الفقه الإسلامي
هذا الكتاب من تأليف العلامة الفقيه الفيلسوف الأستاذ الدكتور/ محمد يوسف موسى- رحمه الله-، وهو من مطبوعات دار الفكر العربي بالقاهرة، 1430هـ- 200م، ويقع هذا الكتاب في 235 صفحة من القطع الكبير.
يقول المؤلف في مقدمته للطبعة الأولى لهذا الكتاب: "وبعد: فقد اشتد الاهتمام في هذه السنوات بالفقه الإسلامي، وتزيد، من وقت إلى آخر، العناية بدراسته في الأوساط الجامعية؛ ومن آيات ذلك تقرير دراسة كثير من أقسامه وأبوابه لطلاب القانون، وإقبال عدد غير قليل من طلاب الدكتوراه في القانون على كتابة رسائلهم في موضوعات فقهية إسلامية، أصالة أو بطريق المقارنة. كما قويت الدعوة إلى أن تقوم نهضتنا في التشريع والقانون، في مصر وفي غير مصر، على أسس قوية من الفقه الإسلامي، وبخاصة فقه كتاب الله المحكم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة".
ثم يبين المؤلف –رحمه الله- بعد ذلك في مقدمته مدى الحاجة إلى دراسة مدخل للفقه الإسلامي فيقول: "ونعتقد أنه لا سبيل لذلك إلا بدراسة هذا الفقه الخالد دراسة الفقه الخالد دراسة صحيحة على أسس علمية سليمة، وحسب منهج علمي قوم يصل بنا إلى ما نريد. ومن ثم، رؤي أنه لا بد من "مدخل" لهذا الفقه يعرُّف به ويبين خصائصه وما امتاز به على ضروب الفقه الأخرى، كما يبين أسسه وأصوله التي يقوم عليها، وتاريخه الذي اتخذه في نشأته وتطوره خلال العصور، وأهمَّ قواعده التي يقوم عليها ما نسميه "المعاملات"، هذه المعاملات التي يدرس أكثر نواحيها "القانون المدني" هذه الأيام، وهكذا إلى آخر البحوث والموضوعات التي يجب أن يشملها المدخل...".
وقد اشتمل هذا الكتاب على خمسة فصول:
 حيث تناول في الفصل الأول: التعريف بالشريعة والفقه، ونشأة الفقه وتدرجه، حيث بيّن:"أن الفقه الإسلامي مثله مثل كل كائن حي مادي أو معنوي، لا ينشأ من لا شيء، ولا يبلغ كماله طفرة واحدة، بل ينشأ من شيء موجود سابق عليه، ويأخذ في السير متدرجًا في مراتب الحياة والوجود، حتى يبلغ أقصى ما يقدر له من نضج وكمال، ثم ينال منه الزمن وأحداثه حتى يدركه الهرم"، ثم تحدث بعد ذلك عن الأدوار التي مر بها  الفقه الإسلامي، حيث بيّن أنها أربعة أدوار:  الأول: دور النشأة والتأسيس في أيام حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني: دور الشباب أيام الصحابة وكبار التابعين، والثالث: دور النضح والكمال، وقد انتهى في منتصف القرن الرابع الهجري، وفيه كان التدوين وظهور الأئمة المجتهدين الكبار، والرابع: دور الشيخوخة والهرم، وهو عهد التقليد الذي لا يزال مع الأسف الشديد، مستمراً حتى اليوم.
 ثم بيّن بعد ذلك طبيعة الفقه الإسلامي وخصائصه، والفرق بين الفقه الإسلامي والقانون الروماني، وأقسام الفقه وفروعه، وأسس التشريع الإسلامي العامة، حيث بيّن عموم الشريعة الإسلامية، وعدم الحرج ورفع المشقة، ورعاية مصالح الناس جميعًا، وتحقيق العدل والعدالة الشاملة.  
وتحدث في الفصل الثاني: عن أهم المذاهب الفقهية وخصائصها، حيث تناول المذاهب السنية الخالدة إلى اليوم وهي: المذهب الحنفي، حيث عرف بصاحب المذهب، وبيّن أصوله، وتلامذة أبي حنيفة، وتدوين المذهب، ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن المذهب الشافعي، حيث عرف بصاحب المذهب، وأصوله، وتدوينه ونشره، ثم تناول بعد ذلك المذهب المالكي، حيث عرف بمؤسس المذهب، وبيّن أصوله، ورواته، كما تحدث بعد ذلك عن المذهب الحنبلي، حيث عرف بصاحب المذهب، وأصوله، وتدوينه ونشره.
ثم انتقل بعد ذلك إلى المذاهب الشيعية حيث تناول فقه الشيعة الزيدية، ومذهب الإمامية. كما تناول في هذا الفصل أيضًا المذاهب التي اندثرت، ومنها: مذهب الأوزاعي، ومذهب الثوري، ومذهب الليث بن سعد، والمذهب الظاهري، ومذهب الطبري.
وفي الفصل الثالث: تناول مصادر الفقه الإسلامي، حيث عنون لهذا الفصل بأصول الفقه أو مصادره تعدادها وتداخلها، وقد تحدث فيه عن ستة أصول: الأصل الأول: الكتاب، والثاني: السنة، والثالث: الإجماع، والرابع: القياس، والخامس: الاستحسان، والسادس: المصالح المرسلة.
وتناول في الفصل الرابع: نظام الحكم في الإسلام، حيث بيّن هل يوجب الإسلام إقامة دولة؟ والشروط في الخليفة أو الحاكم الأعلى، وطريق تولية الخليفة، وواجبات الإمام وحقوقه، وغاية الحكم في الإسلام ودعائمه. وبيّن المؤلف في مقدمة هذا الفصل "أنه لا يريد أن يبحث فيه الموضوع بتفصيل من كل جوانبه، فهذا له كتاب خاص، ولكن الغرض الذي نرمي إليه في هذا الفصل هو أن نتناول بعض الجوانب المهمة لهذا الموضوع بإجمال، على أن نشير إلى المراجع الأصلية فيه، ليرجع إليها الباحث الذي يريد المزيد...".
وفي الفصل الخامس: تحدث عن حاضر الفقه الإسلامي ومستقبله، حيث بيّن ماذا نريد من الفقه؟، وحال الفقه بالأمس القريب، وحاله اليوم، وكيف نصل إلى ما نريد؟، وأنه لا بد من الاجتهاد، حيث بيّن أنه لا بد من فتح باب الاجتهاد في الفقه للقادر عليه، فما تخلّف الفقه الإسلامي عن القافلة إلا بسبب سدّ هذا الباب منذ قرون. ثم قال: "ونحن نعلم أن الاعتزاز بتراث الماضين من الأسلاف أمر طبيعي وغرزي في الإنسان، وأنه من العبث والحمق أن نحاول التنكر لهذا التراث والاستغناء عنه، وأنه من المستحيل أن نقيم علمًا من العلوم دون أن نفيد من جهود الماضين وثمار تفكيرهم في دائرة هذا العلم".
كما بيّن –رحمه الله-: "أن الزمن يتغير، والمعاملات تجد وتتطور، فكان أن من وجد منها اليوم ما لم يكن موجودًا بالأمس، فليس لنا أن نمسك عن بيان حكم الفقه في كل منها متعللين بأن الفقهاء الماضين لم يتكلموا فيها؛ بل علينا أن نجتهد في ذلك مستفيدين من جهود الماضين، ومعتمدين قبل كل شيء على كتاب الله المحكم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة".
ثم قال –رحمه الله-: "إننا حين نفعل ذلك الذي تكلمنا عنه، من دراسة الفقه الإسلامي دراسة علمية صحيحة متعاونين مع رجال القانون، وحين نجتهد في بيان حكم هذا الفقه في المعاملات التي تجري بيننا، وفي القواعد العامة التي تقوم عليها سياسة الحكم ونظم الأمة والدولة، نصل بالفقه الإسلامي إلى أن يكون هو الأساس الأول لتشريعاتنا وقوانينا".
ومن خلال هذا العرض الموجز لهذا الكتاب القيم عن المدخل لدراسة الفقه الإسلامي يتبين لنا مدى حاجة طلاب العلم والباحثين في الفقه الإسلامي لدراسته والعناية به، حتى نحقق الفائدة المرجوة من الفقه الإسلامي كما أرداها المؤلف، وذلك من خلال تفعيل الاجتهاد الفقهي المنضبط للنوازل والقضايا المستجدة، وهو ما ينفذ الآن في كليات الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر والكليات المناظرة لها في مصر والعالم الإسلامي من تدريس القضايا الفقهية المعاصرة كمقرر دراسي للطلاب، وكذلك أيضًا دراسة المسائل والنوازل المعاصرة في رسائل الماجستير والدكتوراه، كل هذا وغيره بفضل الله تعالى هو ما قصده المؤلف –رحمه الله- في هذا الكتاب القيم من كلامه عن حاضر الفقه الإسلامي ومستقبله، وحال الفقه الإسلامي بين الأمس واليوم.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
والحمد لله رب العالمين
كتبه
د: أحمد عرفة
عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر الشريف