السبت، 9 مايو 2020

النظافة في الشريعة الإسلامية (2) د/ أحمد عرفة

النظافة في الشريعة الإسلامية (2)

د/ أحمد عرفة

من عناية الشريعة الإسلامية بالنظافة أنها جعلت الوضوء شرطاً من شروط صحة الصلاة التي هي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وأنها لا تقُبل بغير طهور، وفي ذلك يقول سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"(سورة المائدة: الآية: 6).

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَقْبَلُ الله صَلاَةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ"، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُقْبَلُ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ، إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ"(رواه البخاري ومسلم)، والمقصود بهذا الحديث: الاستدلال على اشتراط الطهارة من الحدث في صحة الصلاة، ولا يتم ذلك إلا بأن يكون انتفاء القبول دليلًا على انتفاء الصحة (إحكام الأحكام 1/ 14).

وللوضوء فضائل كثيرة منها:

1- أنه يرفع درجات العبد في الجنة، وقد جاء فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ». قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:« إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».

2- أنه نصف الإيمان، وقد جاء ذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي مالكٍ الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ»

3- أن الله عز وجل يمحو به الخطايا والذنوب، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ»، وعن عثمانَ بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن توضَّأ فأحسَنَ الوضوءَ، خرجتْ خطاياه من جَسَدِه، حتَّى تخرُجَ من تحت أظفارِه»(رواه مسلم)، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:« أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شيء؟ ». أَظُنُّهُ قَالَ قَالُوا: لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شيء. قَالَ:« فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا»(رواه مسلم).

4- أن المحافظة عليه من علامات أهل الإيمان، وذلك لما أخرجه ابن ماجه في سننه عن ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «استقيموا ولن تُحصُوا، واعلموا أنَّ خيرَ أعمالِكم الصَّلاة، ولا يحافِظُ على الوضوءِ إلَّا مؤمِنٌ».

5- أنه نور للمسلم يوم القيامة، ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً مُحَجَّلِين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل»، وعنه رضي الله عنه قال: سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء».(رواه مسلم).

وأما عن الإعجاز العلمي في الوضوء فقد نقل الدكتور/ عبد الدائم كحيل في موقعه أسرار الإعجاز العلمي أن هناك دراسة علمية جديدة أجريت في ولاية ميشيغان الأمريكية تبين للباحثين أن 95 % من الناس لا يغسلون أيديهم إلا نادراً أو يغسلونها ولكن بطريقة غير صحيحة، وتقول الدراسة إن الطريقة الصحيحة لغسل الأيدي والتي تضمن القضاء على الجراثيم يجب أ، تستمر لمدة 20 ثانية على الأقل مع استعمال الصابون. ولكن معظم الناس هناك بعد فحص أيديهم تبين أنها تحوي كميات من الجراثيم ولدى سؤالهم تبين أنهم نادراً ما يفكرون بغسل أيديهم، حتى إن معظمهم بعد الخروج من دورات المياه لا يفكرون بغسل الأيدي.أما بالنسبة للمسلم فهو يغسل يديه خمس مرات كل يوم، فالوضوء هو عبادة رائعة يستمر المؤمن بغسل يديه أثناء الوضوء (الدين والوجه والرجلين .. جميع هذه الأجزاء تستخدم الأيدي في غسلها) لمدة لا تقل عن 20 ثانية، أي بما يتفق مع ما يقرره العلماء، وبالتالي فإن الوضوء يعتبر الطريقة المثالية للنظافة واتقاء شر الفيروسات والبكتريا التي من الممكن أن تنتقل لدى مصافحة الآخرين، وبهذا ندرك أن الله تعالى عندما أمرنا بالوضوء بهذه الكيفية ليس عبثاً إنما ليضمن لنا أيدي نظيفة خالية من البكتريا.( http://www.kaheel7.com).

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل

النظافة في الشريعة الإسلامية (1) د/ أحمد عرفة

النظافة في الشريعة الإسلامية (1)

د/ أحمد عرفة

أخرج البخاري ومسلم عن أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قالَ: ((إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لِيَنتَثِر وَمَن اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِن نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلاَثًا، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَينَ بَاتَتْ يَدُهُ))، وفي لفظٍ لِمسلمٍ: ((فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخَرَيْهِ مِن المَاءِ))، وفي لفظٍ: ((مَن تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ)).

قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم ( 3/ 179- 182): "وفي هذا الحديث دلالة لمسائل كثيرة في مذهبنا ومذهب الجمهور منها:

1- أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسة نجسته وإن قلت ولم تغيره فإنها تنجسه؛ لأن الذي تعلق باليد ولا يرى قليل جدًا.

2- ومنها: الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه نجسته وإذا ورد عليها أزالها.

3-  ومنها: أن الغسل سبعًا ليس عامًا في جميع النجاسات وإنما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة.

4-  ومنها: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالأحجار بل يبقي نجسًا معفوًا عنه في حق الصلاة.

5-  ومنها: استحباب غسل النجاسة ثلاثًا؛ لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المحققة أولى.

6-  ومنها: استحباب الغسل ثلاثًا في المتوهمة.

7-  ومنها: أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش فإنه صلى الله عليه وسلم قال: "حتى يغسلها"، ولم يقل حتى يغسلها أو يرشها.

8-  ومنها: استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة.

9- ومنها: استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به فإنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدري أين باتت يده" ولم يقل: "فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك، وإن كان هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز والأحاديث الصحيحة، وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب، وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحًا به، والله أعلم.

10-       النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس".

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الأربعاء، 6 مايو 2020

عن كتابي مواسم الخيرات فضائل وآداب

عن كتابي مواسم الخيرات فضائل وآداب
صدر مؤخراً عن دار التعليم الجامعي بالإسكندرية كتابي مواسم الخيرات فضائل وآداب
ومما جاء في مقدمته: "إن المتأمل في الحكمة من خلق الشهور والأيام والليالي يجد أنَّ الله – تعالى- فضل بعض الأزمان على بعض، كما فضل بعض الأماكن على بعض، فخلق الله الشهور واصطفى منها شهر رمضان، وخلق الأيام واصطفى منها يوم الجمعة، ويوم عرفة، وخلق الليالي واصطفى منها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
ولما كان الأمر كذلك كان على كلِّ عاقل أن يغتنم هذه الشهور المباركة والأيام والليالي الفاضلة في طاعة الله - تبارك وتعالى-، وفيما يعود عليه بالخير والنفع في الدنيا والآخرة، فقد جاء في الحديث: "إنِّ لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا"، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "التمسوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم".
وكان من توفيق الله – تعالى- لي عبر خمس سنوات مضت المشاركة بالكتابة في الصحف الأسبوعية كجريدة عقيدتي، واللواء الإسلامي، والمجلات الشهرية، كمجلة المجاهد، ومجلة التصوف الإسلامي، والعديد من المواقع عبر شبكة الإنترنت، ما بين مقالات موسمية، ومقالات فقهية، ومقالات في العقيدة، ومقالات في الزهد والآداب والأخلاق، فاستخرت الله – تعالى- وفكرت في جمع هذه المقالات وتبوبيها في أبواب مستقلة، واجتهدت في العمل على نشرها في مجموعة كتب كي يسهل على القارئ الاطلاع عليها، والاستفادة منها، ولعلَّ الله – تعالى- أن ينفع بها يومًا ما.
وأما عن موضوعات الكتاب: فقد جاء هذا الكتاب لبيان فضائل وآداب هذه المواسم، وقد أسميته: "مواسم الخيرات فضائل وآداب"، بينت فيه فضائل شهر الله المحرم، وفضائل شهر رجب، وفضائل شهر شعبان، وفضائل شهر رمضان، وفضائل الصيام وآدابه، وحال السلف مع القرآن الكريم في رمضان، وآداب الدعاء وشروط قبوله، وفضائل العشر الأواخر من رمضان، وليلة القدر، وأحكام الاعتكاف، وفضائل العشر الأول من ذي الحجة، ويوم عرفة، والأعمال المستحبة فيه، والأحكام الفقهية المتعلقة بالأضحية، وفضائل الحج في السنة النبوية المطهرة، وختم الكتاب ببيان أهمية الوقت، وبيان العبرة بانقضاء الأيام والليالي والشهور والسنين.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.