الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

آداب الأضحية د/ أحمد عرفة

آداب الأضحية د/ أحمد عرفة
بموقع نافذة مصر البلد
تابعوا من خلال هذا الرابط
http://masrelbalad.com/home/single_artical/28218
والله الموفق

من فتاوي الأضحية د/ أحمد عرفة

هذه بعض فتاوى الأضحية التي أجبت عليها ونشرتها صحيفة الديار
والله الموفق
تابعوا من خلال هذا الرابط
https://eldyar.net/118423

آداب الأضحية د/ أحمد عرفة



آداب الأضحية
الأضحية اسم لما يٌذبح في يوم عيد الأضحى وأيام التشريق الثلاثة، وهي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}(الكوثر:3)، وأخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:«ضَحَّى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِكَبشَينِ أملحَينِ، فَرَأيتُهُ واضعاً قَدَمَهُ على صفَاحِهِما، يُسَمَّي ويُكَبَّرُ، فَذَبَحهُما بيَدهِ»، وأجمع العلماء على مشروعيتها.
وللأضحية العديد من الآداب التي ينبغي أن يلتزم بها المضحي منها ما يلي:
1- إحسان الذبح: وذلك لما أخرجه مسلم في صحيحه عن شدَّاد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحةَ، ولْيُحدَّ أحدكم شفرتَه، ولْيُرِحْ ذبيحتَه"، ولما أخرجه البيهقي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "مر النبيُّ عليه الصلاة والسلام على رجل واضعٍ رِجلَه على صفحة شاة، وهو يحد شفرتَه، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: "أفلا قبلَ هذا، أتريد أن تميتَها موتتَيْنِ؟!"
وقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (21/ 196) ما نصه: "يستحب في الذبح أمور منها:
أ- أن يكون بآلة حديد حادة كالسكين والسيف الحادين لا بغير الحديد، والتذفيف في القطع- وهو الإسراع- لأن فيه إراحة للذبيحة.
ب- أن يكون الذابح مستقبل القبلة، والذبيحة موجهة إلى القبلة بمذبحها لا بوجهها إذ هي جهة الرغبة إلى طاعة الله عز شأنه.
ج- إحداد الشفرة قبل إضجاع الشاة ونحوها، واتفق الفقهاء على كراهة أن يحد الذابح الشفرة بين يدي الذبيحة، وهي مهيأة للذبح لما أخرجه الحاكم عن ابن عباس - رضي الله عنهما- (أن رجلا أضجع شاة يريد أن يذبحها وهو يحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتريد أن تميتها موتات؟ هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها).
د- أن تضجع الذبيحة على شقها الأيسر برفق، وسوقها إلى المذبح برفق، وعرض الماء على الذبيحة قبل ذبحها، صرح بذلك الشافعية أيضاً.
ه- وإذا كانت الذبيحة قربة من القربات كالأضحية يكبر الذابح ثلاثاً قبل التسمية وثلاثاً بعدها، ثم يقول: اللهم هذا منك وإليك فتقبله مني، صرح بذلك الشافعية، وأن يذبح باليد اليمنى، صرح بذلك المالكية والشافعية.
و- عدم المبالغة في القطع حتى يبلغ الذابح النخاع أو يبين رأس الذبيحة حال ذبحها وكذا بعد الذبح قبل أن تبرد وكذا سلخها قبل أن تبرد لما في كل ذلك من زيادة إيلام لا حاجة إليها، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبيحة أن تفرس". قال ابن الأثير في" النهاية" معنى أن تفرس هو كسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد" .

2- أن يذبح الأضحية بنفسه إن استطاع وإلا فليشهد ذبحها، ومما يستأنس به أيضاً ما أخرجه البيهقي وإن كان في سنده ضعف عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه– أن رسول الله r  قال لفاطمة ـ رضي الله عنها:" قومي إلي أضحيتك فاشهديها فإنه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنبك", وذبح النبي صلى الله عليه وسلم أضحيته بنفسه، وكذا في حجة الوداع نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة، وإن لم يستطع ذبح الأضحية بنفسه وكل غيره في ذبحها، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم.
3- أن يضع قدمه على صفحة عنقها، وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – قال:  ضحي  رسول الله r بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمه علي صفاحهما، يُسمي ويكبر، فذبحهما بيده.
4- توجيه الأضحية إلي القبلة، ويكون التوجيه بمذبحها لا بوجهها.
5- يستحب إمرار السكين بقوة وتحامل ذهاباً وعوداً، فهذا أرجي في سرعة القطع ويكون أسهل وأسرع في إزهاق الروح وعدم تعذيب الذبيحة، وهذا كله لإراحة الذبيحة.
6- أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له، بعد التسمية والتكبير، ويسأل الله قبولها: فيقول: بسم الله والله أكبر، وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أنس – رضي الله عنه– "أن النبي r ضحي بكبشين ذبحهما بيده وسمي وكبر"، ويستحب أن يقول: اللهم هذا عن فلان وآل بيته "ويسمي نفسه أو من أوصاه".
7- أن يجتنب فعل ما يؤلم الأضحية بعد التذكية وقبل زهوق الروح، مثل أن يكسر عنقها أو يسلخها أو يقطع شيئاً من أعضائها قبل أن تموت فهذا كله ليس من الإحسان الذي أمرنا به الشرع بل فاعله يأثم.
كانت هذه بعض الآداب التي ينبغي على المضحي مراعاتها عند ذبح الأضحية، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com




السبت، 26 أغسطس 2017

الجمود الفقهي والحاجة للتجديد(4) د/ أحمد عرفة



الجمود الفقهي والحاجة للتجديد(4)
بينت في المقالات السابقة ما يأتي:
1- خطورة الجمود الفقهي على مجرد نقل النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، دون فهم لهذه النصوص.
2- ملامح التجديد الفقهي المنشود عند الأستاذ الدكتور/ جمال الدين عطية –رحمه الله-، وفي هذا المقال نستكمل ما بدأناه حول هذه الملامح فنقول:
 الملمح الثالث للتجديد الفقهي: ويتعلق بالتصور الذي نطرحه للتجديد الفقهي في ضرورة توثيق الآراء الفقهية ببيان مواضع هذه الآراء في مراجعها الأصلية، وبيان الأدلة الشرعية التي يستند إليها الفقيه.
الملمح الرابع للتجديد الفقهي: بث الروح في الكتابات الفقهية، وذلك ببيان الحكمة من التشريع حتى يقتنع به العقل, ويطمئن به القلب فإن الله تعالي لم يشرع شيئاً إلا لحكمة، وينبغي الاستفادة مما يكتبه الاختصاصيون في هذا العصر مما يفيدنا في بيان حكمة الشرع مثل ما يكتبه الأطباء في بيان مضار الخمر وأكل لحم الخنزير ونحو ذلك، وقد ذكر مؤلف الكتاب لتيسير ذلك أمرين:
أولهما: إنجاز تصنيف تمتزج فيه بمسائل الفقه ما يتصل بها من أمور العقيدة والأخلاق والمقاصد والآداب.
والثاني: أن يراعي في إعداد الفقهاء والمفتين والقضاة, وعند اختيارهم وجود استعداد الشخصي, والإمكان العملي لقيامهم بهذه المهمة.
الملمح الخامس في التجديد الفقهي: إجراء دراسات مقارنة بين المذاهب المختلفة الأربعة السنية, بل وآراء المجتهدين الذين اندثرت مواهبهم ومناقشة الأدلة التي يستند إليها كل مذهب.
الملمح السادس للتجديد الفقهي: مقارنة المذاهب الفقهية المختلفة بالقوانين الوضعية, وذلك لخدمة حركة تقنين الفقه الإسلامي.
الملمح السابع للتجديد الفقهي: ضرورة الاهتمام بالجانب التنظيري من الناحية الكلية كنظرية عامة للشريعة ومن الناحية الجزئية وذلك:
1- إذا كان ظاهر فقهنا التقليدي أنه يهتم بالفروع والجزئيات دون النظريات العامة, فإن حقيقة الأمر أن الفقهاء بذلوا محاولات رائدة في مجال التنظير تتمثل في كتاباتهم المنهجية في أصول الفقه, وفي كتاباتهم عن مقاصد الشريعة, وفي عنايتهم بالقواعد الفقهية, ومن واجب الأجيال الحاضرة من الفقهاء متابعة هذه المسيرة.
2- إننا بحاجة ماسة لاستكمال الجانب التنظيري في دراساتنا الفقهية المعاصرة وذلك للأسباب التالية:
1 - سبب علمي تعليمي في تيسير دراسة الأحكام الفرعية, يجمعها تحت قواعدها الفقهية وربط هذه القواعد بالقواعد الكلية الأعلى منها.
2 - سبب دعوي هو أننا مطالبون بتقديم الإسلام منظومة مترابطة المقدمات والنتائج تحكمها مقاصد محددة مبنية علي عقيدة واضحة.
3 - سبب اجتهادي قضائي هو تسهيل مهمة المجتهدين والقضاة في سد الفراغات التشريعية إذ أن نصوص الكتاب والسنة لا تغطي كامل مساحة النشاط الإنساني المتزايد دوماً فنكون بحاجة إلي تغطية هذه الفراغات بالاعتماد علي القواعد والنظريات المستنبطة أصلاً من الفروع والمقاصد.
الملمح الثامن للتجديد الفقهي: تصنيف المادة الفقهية تصنيفاً جديداً يراعي فيه:
1- وجود ربط الفقه بالعقيدة وإعادة الأخلاق والآداب والسياسة الشرعية إلي الفقه, والعناية بالضوابط الشرعية للعلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية .
2- الوزن النسبي لمختلف الأقسام والأبواب حسب أهميتها والحاجة إليها.
3- عدم الاقتصار علي التصنيف العام حتي يتضمن تخطيط كل باب من أبواب الفقه.
4- عمل فهارس بالمصطلحات التراثية والحديثة لتيسير الوصول إلي المعلومة، وإدخال المادة والإفادة منها، تغني عن الترتيب الهجائي الموسوعي، وتحفظ للمادة الفقهية وحدتها الموضوعية. وللحديث بقية إن شاء الله.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية




نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 15/ 8/ 2017م







الخميس، 10 أغسطس 2017

الجمود الفقهي والحاجة للتجديد (3) د/ أحمد عرفة



الجمود الفقهي والحاجة للتجديد (3)
استكمالاً لما نشرناه في العددين السابقين نقول... ولا يغني وجود كتب المجتهدين الذين سبقوا عن وجود هذا المجتهد, ومن هذا قولهم بعدم جواز خلو عصر من مجتهد, والاجتهاد طبيعته مطلقة غير مقيدة بالاختيار من بين آراء الأقدمين, ولم يتركوا للمتأخرين شيئاً.
العنصر الثاني: تقديم اجتهادات في المسائل المستحدثة; لأنه النتيجة الحتمية لقاعدة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان عن كونه الدين الخاتم, وكونه للناس كافة, ولقاعدة إن النصوص متناهية, والأحداث غير متناهية.
العنصر الثالث: يتمثل في أمرين: الأول: ربط الأحكام بعضها ببعض, وربط الأحكام الجزئية بالمقاصد الكلية العامة للشريعة وللرسالة الإسلامية , فإن الإسلام كل لا يتجزأ; لأن الأحكام ترتبط بعضها ببعض، والثاني: ضرورة التوسع في مفهوم (الفقه) بحيث تعود إلي المفهوم اللغوي له أو نقترب منه , ونعني بالمفهوم اللغوي للفقه الاستعمال القرآني لكلمة (الفقه), حيث تطلق علي مجموع العقائد والأخلاق إلي جانب العمل والمعاملات , وحيثما نشأت العلوم وانقسمت اقتصر إطلاق كلمة (فقه) علي ما يتعلق بالأحكام العملية, وفي مرحلة تالية انقسمت المادة الفقهية المتعلقة بالأحكام العملية بدورها إلي قسمين: قسم بقي تحت عنوان (الفقه), وقسم آخر استقل بعنوان (السياسة الشرعية), وكان معيار هذا التقسيم هو الأدلة الشرعية نفسها, فإذا كانت الأدلة تعتمد علي النصوص بصورة غير مباشرة , فإنها تندرج تحت (السياسة الشرعية) وتحت مفهوم (السياسة الشرعية), يندرج ما نسميه الآن ب(القانون العام) كنظام الحكم والمسائل المتعلقة بالنواحي الاقتصادية والمالية, والعلاقات الدولية.
 ويقترح المؤلف هنا أن نعيد هذه الفروع مرة أخري إلي حظيرة الفقه, والصورة المقترحة بالنسبة إلي العقيدة هي ربطها بالأحكام, وبيان أثرها فيها. أما الصورة المقترحة بالنسبة للأخلاق والآداب الشرعية والمقاصد فإدخالها ضمن الفقه بشكل كلي وجزئي حسب الأحوال, أما بالنسبة إلي السياسة الشرعية, فتدخل ضمن الفقه وفقاً للتقسيمات الحديثة في القانون العام والاقتصاد.
العنصر الرابع: أن نوضح الأحكام الشرعية الضابطة لكل علم من العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية المعاصرة, سعياً إلي ربط هذه العلوم بمظلة الفقه.
وأما عن الملمح الثاني للتجديد الفقهي: فهو ما يتعلق بمصادر المادة الفقهية، فهناك مجموعتان من المصادر ينبغي الرجوع إليهما المجموعة الأولي تراثية حيث توجد مجموعات من المؤلفات التي تحمل عناوين متعددة مثل النوازل والفتاوى والأقضية, نادراً ما يرجع إليها الباحثون, وترجع أهمية هذه المؤلفات إلي اتصالها بالواقع أكثر مما تتصل به الكتابات الفقهية التقليدية.
والمجموعة الثانية: حديثة تتمثل في: 1- الكتب الفقهية المعاصرة سواء كانت لكبار الكتاب المعاصرين أو للأجيال الجديدة من طلاب الماجستير والدكتوراه الذين اختاروا موضوعات فقهية لبحوثهم , ومع الأسف فإن كثيراً من هذه البحوث لم يتم نشرها, وهذه البحوث محفوظة في مكتبات الجامعات, وينبغي الرجوع إليها; لأنها تسد ثغرات كبيرة في هذا المجال, ولمكانتها كمصادر في جسم المادة الفقهية.
2 - نأتي بعد ذلك إلي البحوث العلمية التي قدمت إلي مؤتمرات ندوات علمية أو نشرت في مجلات علمية محكمة, وينبغي الاستفادة منها في مشروعات التجديد الفقهي.
3 - يضاف إلي ما سبق من مصادر للمادة الفقهية المجامع الفقهية التي تعرضت في الآونة الأخيرة للكثير من المسائل المستحدثة, تصلح لأن تكون مصدراً من مصادر المادة الفقهية, ويعدها البعض صورة من صور الاجتهاد الجماعي. وللحديث بقية إن شاء الله مع استكمال هذه الملامح المنشودة للتجديد الفقهي. والله المستعان.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
 Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 8/ 8/ 2017م

الجمود الفقهي والحاجة للتجديد (2) د/ أحمد عرفة

الجمود الفقهي والحاجة للتجديد (2)
في المقال السابق بينت خطورة الجمود الفقهي على مجرد النصوص الشرعية وإغفال جانب التعايش مع روح النص وفهمه فهماً صحيحاً في ضوء المقاصد الشرعية حسب مقتضيات العصر، ومراعاة تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، وفي هذا المقال نستكمل ما بدأناه فنقول: من الدراسات الحديثة التي تناولت معالم التجديد الفقهي دراسة للدكتور/ مسعود صبري بعنوان (معالم منهجية في تجديد خطاب الفقه وأصوله) وفيها بيّن أن التجديد الفقهي يمثل جزءاً من التجديد الديني، لأن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية، وهو أيضاً يمثل جزءاً من خطاب الله تعالى لعباده المكلفين، بما يشمل ذلك الخطاب الخاص للإنسان، أو الخطاب العام للجماعة المسلمة والمجتمع، والتجديد الفقهي عملية متشابكة، تشمل: المحتوى الفقهي، وطرق العرض، ومنهج التناول، وهي أيضاً تشمل التراث الفقهي بتنوعاته، كما يشمل أيضاً المنهج الأصولي المتعلق به.
ومن أبرز الفقهاء والمفكرين المعاصرين الذين تناولوا قضية التجديد الفقهي بالبحث والدراسة والتطبيق الأستاذ الدكتور/ جمال الدين عطية-رحمه الله- حيث بيّن في دراسته عن تجديد الفقه الإسلامي التي نشرتها دار الفكر بدمشق أن الدعوة لتجديد الفقه الإسلامي ليست جديدة فقد سبقه إلى ذلك كثير من العلماء والباحثين، وأشار إلى أن التجديد ينتاول أشكالاً مختلفة منها تجديد يتعلق بالشكل وتجديد يتعلق بالموضوع، ويمكن أن يقوم التجديد علي أساس منهجي, كما يمكن أن يكون غير قائم علي منهج، ويمكن أن نقسم التجديد الموضوعي القائم علي منهج معين إلي نوعين:
الأول: هو التجديد الذي يأتي من خارج النسق الإسلامي، الثاني: هو التجديد الذي يأتي من داخل النسق الإسلامي، ومن أمثلة النوع الأول: ما نقرؤه لبعض الكتاب الذين يحاولون إسقاط نظريات غربية حديثة علي الإسلام, ولكن التجديد يجب أن يأتي من داخل النسق الإسلامي، والتجديد مطلوب في موضوعين أساسيين وهما: الفقه, وأصول الفقه, وأن العلاقة بين التجديد في الفقه وبين التجديد في أصول الفقه علاقة وثيقة, فالتجديد في الفقه يقوم علي التجديد في أصول الفقه.
ثم ذكر –رحمه الله- أن للتجديد الفقهي المنشود العديد من الملامح التي ينبغي على المتخصصين في هذا المجال أن يسيروا عليها، وأن يتم تفعليها في الدراسات الفقهية والأصولية، وبيّن أن الملح الأول للتجديد المنشود يتمثل في أربعة عناصر:
العنصر الأول: تقديم اجتهادات جديدة في المسائل القديمة بما يتفق مع تغير الظروف الزمانية والمكانية, وهذا أحدث كثيراً في تاريخ الفقه الإسلامي, فالاجتهاد حركة دائمة مستمرة والآراء الاجتهادية أيا كانت منزلة أصحابها من الفقهاء لا يجوز إسباغ صفة الثبات عليها, فالثبات لنصوص الكتاب والسنة دون غيرهما, أما الاجتهاد فينبغي أن يساير الواقع المتغير دوماً حتى يحقق مقاصد الشريعة, فأما تجميده واقتصار الدراسات الفقهية علي نقل أقوال السابقين وحفظها وتكرارها, فهو من أهم أسباب توقف النمو في حياة الأمة الفكرية عموماً والفقهية خاصة, والاجتهاد من فروض الكفاية - أي من واجبات الأمة أن يكون فيها دائماً مجتهدون يقومون بهذه الفريضة .
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 1/8/2017م.

الجمود الفقهي والحاجة للتجديد د/ أحمد عرفة



الجمود الفقهي والحاجة للتجديد
إنَّ الناظرَ على الساحة الفقهية -اليوم بين المشتغلين بالفقه الإسلامي والمتصدرين للفتوى- يجدُ أنَّ حالَ الكثير من هؤلاء: إما الجمودُ على مجرد المنقول في الكتب وعلى النصوص الشرعية نقلاً حرفياً، دون إعمال للعقل في فهم النص، ومراعاة تغير الفتوى وتغير الاجتهاد حسب مقتضيات العصر، وقد سماهم بعضُ المعاصرين بالظاهرية الجدد؛ لأنهم يأخذون بظواهر النصوص دون التأمل في معانيها وعللها ومقاصدها، ويَتَّهَمُون الرأي، ولا يرَون استخدامَه في فَهْمِ النصوص وتعليلها، وقد حَذَّر من ذلك الإمامُ ابن القيم –رحمه الله- فقال: "لا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، وسله عن عرف بلده فأجره عليه وأفته به، دون عرف بلدك والمذكور في كتبك، قالوا: فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين"، وقال أيضاً: "ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان" (إعلام الموقعين 3/78).
وعلى الجانب الآخر تجدُ على النقيض من هؤلاء فريقًا آخرَ يزعم بدعوى التجديد والتيسير على الناس أنَّه يريدُ الأنفعَ والأصلحَ لهم فتجدُه يجتهد دون ضوابط وفَهْمٍ صحيح للنص الشرعي وآليات علمية؛ فيفسد من حيث يريد الإصلاح، ويحدث من جراء تسيب وانفلات في الفتوى وربما يخرج بعضهم بكثير من الفتوى الشاذة والنقول غير المعتمدة في المذاهب الفقهية، أو بفهم معوج للأدلة الشرعية، وهذا ما نرفضه ولا نؤيده؛ لأنه ربما ترتب عليه جناية على النص الشرعي والطعن في ثوابت الشرع.
 وما نريده هنا ونؤكد عليه هو: أننا في حاجة إلى اجتهادٍ فقهي يناسبُ العصر بالفهم المنضبط للأدلة الشرعية وكيفية التعامل معها حسب ما قرره الأئمة المجتهدون في علم أصول الفقه ومقاصد الشريعة يراعي مقاصد الشريعة والنظر في علل الأحكام، والخروج باجتهاد فقهي منضبط يناسب العصر والواقع فالفتوى تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والعرف والعادة، فيراعي عرف وعادة كل بلد، وأيضاً طبيعة السائل وأنَّ لكل سائل سؤاله وفتواه الخاصة به، وكذلك في الفتاوى المؤسسية كمؤسسات الزكاة مثلاً، وبين الفتاوى الفردية لفرد أو لشخص بعينه. وقد جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام المادة (39): "إن الأحكام التي تتغير بتغير الأزمان هي الأحكام المستندة على العرف والعادة; لأنه بتغير الأزمان تتغير احتياجات الناس، وبناء على هذا التغير يتبدل أيضا العرف والعادة وبتغير العرف والعادة تتغير الأحكام".
ومن روائع الكتابات المتخصصة التي تناولت هذا الجانب بالتفصيل والبيان كتاب العلامة ابن القيم –رحمه الله- إعلام الموقعين عن رب العالمين الذي يحتاج أن يقرأه ويتأمله جيداً كل متخصص في العلوم الشرعية بصفة عامة والفقيه والمتصدر للفتوى بصفة خاصة، وانظر وتأمل ما قاله-رحمه الله- بعد أن ذكر أن الفتوى تختلف باختلاف الزمان والمكان والعوائد والأحوال، ما نصه: "هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة، وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها". ثم يقول: " فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل فالشريعة عدل الله بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله ص - أتم دلالة وأصدقها وهي نوره الذي به أبصر المبصرون وهداه الذي به اهتدى المهتدون..."(إعلام الموقعين 3/3).
فما أحوجنا إلى فقهٍ يُكتبُ بلغةٍ تناسبُ العصر، يَفهمه العامي والمتعلم، لا أنْ نجمد على مجرد المنقول في الكتب من سنين، وهذه مسئولية كبرى على عاتق المتخصصين في الفقه الإسلامي فهناك مسائل كثيرة في أبواب الفقه تحتاج إلى اجتهاد جديد يناسب العصر. والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية

نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 18/7/2017م