الخميس، 10 أغسطس 2017

الجمود الفقهي والحاجة للتجديد (3) د/ أحمد عرفة



الجمود الفقهي والحاجة للتجديد (3)
استكمالاً لما نشرناه في العددين السابقين نقول... ولا يغني وجود كتب المجتهدين الذين سبقوا عن وجود هذا المجتهد, ومن هذا قولهم بعدم جواز خلو عصر من مجتهد, والاجتهاد طبيعته مطلقة غير مقيدة بالاختيار من بين آراء الأقدمين, ولم يتركوا للمتأخرين شيئاً.
العنصر الثاني: تقديم اجتهادات في المسائل المستحدثة; لأنه النتيجة الحتمية لقاعدة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان عن كونه الدين الخاتم, وكونه للناس كافة, ولقاعدة إن النصوص متناهية, والأحداث غير متناهية.
العنصر الثالث: يتمثل في أمرين: الأول: ربط الأحكام بعضها ببعض, وربط الأحكام الجزئية بالمقاصد الكلية العامة للشريعة وللرسالة الإسلامية , فإن الإسلام كل لا يتجزأ; لأن الأحكام ترتبط بعضها ببعض، والثاني: ضرورة التوسع في مفهوم (الفقه) بحيث تعود إلي المفهوم اللغوي له أو نقترب منه , ونعني بالمفهوم اللغوي للفقه الاستعمال القرآني لكلمة (الفقه), حيث تطلق علي مجموع العقائد والأخلاق إلي جانب العمل والمعاملات , وحيثما نشأت العلوم وانقسمت اقتصر إطلاق كلمة (فقه) علي ما يتعلق بالأحكام العملية, وفي مرحلة تالية انقسمت المادة الفقهية المتعلقة بالأحكام العملية بدورها إلي قسمين: قسم بقي تحت عنوان (الفقه), وقسم آخر استقل بعنوان (السياسة الشرعية), وكان معيار هذا التقسيم هو الأدلة الشرعية نفسها, فإذا كانت الأدلة تعتمد علي النصوص بصورة غير مباشرة , فإنها تندرج تحت (السياسة الشرعية) وتحت مفهوم (السياسة الشرعية), يندرج ما نسميه الآن ب(القانون العام) كنظام الحكم والمسائل المتعلقة بالنواحي الاقتصادية والمالية, والعلاقات الدولية.
 ويقترح المؤلف هنا أن نعيد هذه الفروع مرة أخري إلي حظيرة الفقه, والصورة المقترحة بالنسبة إلي العقيدة هي ربطها بالأحكام, وبيان أثرها فيها. أما الصورة المقترحة بالنسبة للأخلاق والآداب الشرعية والمقاصد فإدخالها ضمن الفقه بشكل كلي وجزئي حسب الأحوال, أما بالنسبة إلي السياسة الشرعية, فتدخل ضمن الفقه وفقاً للتقسيمات الحديثة في القانون العام والاقتصاد.
العنصر الرابع: أن نوضح الأحكام الشرعية الضابطة لكل علم من العلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية المعاصرة, سعياً إلي ربط هذه العلوم بمظلة الفقه.
وأما عن الملمح الثاني للتجديد الفقهي: فهو ما يتعلق بمصادر المادة الفقهية، فهناك مجموعتان من المصادر ينبغي الرجوع إليهما المجموعة الأولي تراثية حيث توجد مجموعات من المؤلفات التي تحمل عناوين متعددة مثل النوازل والفتاوى والأقضية, نادراً ما يرجع إليها الباحثون, وترجع أهمية هذه المؤلفات إلي اتصالها بالواقع أكثر مما تتصل به الكتابات الفقهية التقليدية.
والمجموعة الثانية: حديثة تتمثل في: 1- الكتب الفقهية المعاصرة سواء كانت لكبار الكتاب المعاصرين أو للأجيال الجديدة من طلاب الماجستير والدكتوراه الذين اختاروا موضوعات فقهية لبحوثهم , ومع الأسف فإن كثيراً من هذه البحوث لم يتم نشرها, وهذه البحوث محفوظة في مكتبات الجامعات, وينبغي الرجوع إليها; لأنها تسد ثغرات كبيرة في هذا المجال, ولمكانتها كمصادر في جسم المادة الفقهية.
2 - نأتي بعد ذلك إلي البحوث العلمية التي قدمت إلي مؤتمرات ندوات علمية أو نشرت في مجلات علمية محكمة, وينبغي الاستفادة منها في مشروعات التجديد الفقهي.
3 - يضاف إلي ما سبق من مصادر للمادة الفقهية المجامع الفقهية التي تعرضت في الآونة الأخيرة للكثير من المسائل المستحدثة, تصلح لأن تكون مصدراً من مصادر المادة الفقهية, ويعدها البعض صورة من صور الاجتهاد الجماعي. وللحديث بقية إن شاء الله مع استكمال هذه الملامح المنشودة للتجديد الفقهي. والله المستعان.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
 Ahmedarafa11@yahoo.com
نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 8/ 8/ 2017م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق