الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

فضائل يوم عاشوراء



فضائل يوم عاشوراء
يوم عاشوراء هو أحد أيام شهر المحرم، وهو أحد الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى وذكرها في كتابه فقال: ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )(التوبة:36)، وأخرج البخاري ومسلم عن أَبي بَكْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ:(إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ)، ويستحب الإكثار من الصيام في شهر الله المحرم، وذلك لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)، ويوم عاشوراء كانت تعظمه اليهود والنصارى، وذلك كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة رأى اليهود يصومون يوم عاشوراء فقال: ما هذا؟ فسألهم فقالوا: إنه يوم نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، فقال صلى الله عليه وسلم نحن أحق بموسى منكم فصامه، وأمر بصيامه)، وروى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال الإمام النووي رحمه الله: والحاصل من مجموع الأحاديث: أن يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش، وغيرهم، واليهود ، يصومونه ، وجاء الإسلام بصيامه متأكداً، ثم بقيَ صومه أخف من ذلك التأكد.( شرح النووي على مسلم 8 / 9، 10).
 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، ويحثنا عليه، وذلك لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عَبْد اللّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ: إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، إِنْ شَاءَ اللّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ». قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّىٰ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللّهِ، ويتأكد صيام يوم عاشوراء ؛ وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان).
 وبيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم ما في صيام هذا اليوم من الفضل العظيم والثواب الجزيل، وذلك لما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله)، وبيّن أن صيامه سنة وليس واجباً كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن عاشوراء يوم من أيام الله ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه)، وأخرج البخاري في صحيحه عن عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها قالت: «كان عاشوراءُ يوماً تَصومهُ قريش في الجاهلية، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصومه. فلما قدِمَ المدينةَ صَامَهُ وأمرَ بصيامه، فلما نزلَ رمضانُ كان مَن شاءَ صامه، ومن شاء لا يَصومُه»، ويستحب حث الصبيان على صيامه ؛ كما في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن الربيِّع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار (مَن أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم) قالت: فكنا نصومه بعد ونصوِّمه صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار، ويستحب صيام يوم قبل اليوم العاشر أو بعده ؛ وذلك لما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً). قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله:" وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان، فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح ، فهذا من ذلك، فوافقهم أولا وقال: (نحن أحق بموسى منكم) ، ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم ".(فتح الباري 4/770).
ومراتب صيام عاشوراء ثلاثة كما قال الإمام ابن القيم  رحمه الله:(مراتب صومه ثلاث، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم).(زاد المعاد 2/75).
فإن قلت: ما الحكمة من صيام التاسع مع العاشر؟ فالجواب: قال الإمام النووي رحمه الله: ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً: أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، والثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده، ذكرهما الخطابي وآخرون، والثالث: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلطٍ، فيكون التّاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.(المجموع 6/433).
فينبغي علينا جميعاً أن نحرص على اغتنام هذا اليوم بالأعمال الصالحة من الصيام والمحافظة على الصلاة وقراءة القرآن وذكر الله عز وجل وسائر أعمال الخير والبر، وعلى الإنسان المسلم أن يحذر من الاغترار بعمله، وألا يتكل على صيام هذا اليوم مع مقارفته للكبائر إذ الواجب التوبة من جميع الذنوب قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وكاغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول بعضهم: يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الأجر ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما إذا اجتنبت الكبائر فرمضان والجمعة إلى الجمعة لا يقويا على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها فيقوي مجموع الأمرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها هذا محال ".(الجواب الكافي صـ13).                     
                                                                       د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

فضائل شهر الله المحرم ويوم عاشوراء



فضائل شهر الله المحرم ويوم عاشوراء
من حكمة الله تعالى أنه سبحانه فضل بعض الأزمان على بعض، وبعض الأماكن على بعض، وبعض الشهور على بعض، ومن هذه الشهور التي لها فضلها ومكانتها شهر الله المحرم، فهو من الأشهر الحرم التي قال الله فيها: "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ" (التوبة: 36).  
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضله ومكانته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان، صيام شهر الله المحرم"(رواه مسلم)، وهذا الحديث صريح في أن أفضل ما تطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم، وقد يحتمل أن يراد: أنه أفضل شهر تطوع بصيامه كاملاً بعد رمضان، فأما بعض التطوع ببعض شهر فقد يكون أفضل من بعض أيامه كصيام يوم عرفه، أو عشر ذي الحجة، أو ستة أيام من شوال، ونحو ذلك".(لطائف المعارف، صـ40).
وقال أبو عثمان النهدي –رحمه الله-: "كانوا يعظمون ثلاث عشرات، العشر الأخير من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم"(لطائف المعارف، صـ42).
وفيه يوم عاشوراء، وهو يوم له فضيلة عظيمة، وحرمة قديمة، وصومه لفضله كان معروفاً بين الأنبياء عليهم السلام، وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، من فضائله:
1-أنه يوم نجى الله فيه موسى –عليه السلام- من فرعون: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: "ما هذا ؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجَى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه"(رواه البخاري).
2-أن النبي صلى الله عليه سلم كان يتحرى صيامه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيت النبي يتحرى صوم يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء"(رواه البخاري).
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم في صيامه أربع حالات:
الحالة الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزلت فريضة شهر رمضان كان رمضان هو الذي يصومه، فترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء أفطره".  
الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به صامه، وأمر الناس بصيامه، وأكد الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه أطفالهم.
الحالة الثالثة: أنه لما فُرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه.
الحالة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفرداً بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه.(لطائف المعارف، صـ64-70).  
3-أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصومون فيه صبيانهم تعويداً لهم على فضله، فعن الربيع بنت معوذ قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: "من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه، ومن أصبح صائماً فليصم" قالت: فكنا نصومه بعد ونصوم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".(رواه البخاري).
4-أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في صيامه، وبيّن أنه يُكفر السنة الماضية، وذلك لما سُئل عن صيام يوم عاشوراء قال: " أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"(رواه مسلم).
5-أن في صيامه مخالفة لليهود والنصارى" فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله:" فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم"(رواه مسلم).
6-يستحب صيام يوم قبله أو يوم بعده، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً"(رواه أحمد)، وقال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد (2/76): "فمراتب صومه ثلاثة، أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم".
كانت هذه بعض فضائل شهر الله المحرم ويوم عاشوراء، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. اللهم آمين.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

جريمة الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منها (2)



جريمة الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منها (2)
عقوبة الشذوذ الجنسي:
اتفق الفقهاء على أن اللواط محرم لأنه من أغلظ الفواحش.
وأما عن عقوبة فاعل اللواط فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن عقوبة اللائط هي عقوبة الزاني، فيرجم المحصن ويجلد غيره ويغرب لأنه زنا بدليل قوله تعالى: ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)) (الإسراء: 32)، وقال تعالى: ((أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ)) (الأعراف: 80).
وذهب أبو حنيفة: إلى أنه لا يجب الحد لوطء امرأة أجنبية في غير قبلها ولا باللواطة بل يعزر، وقال أبو يوسف ومحمد: اللواط كالزنا فيحد جلداً إن لم يكن أحصن ورجماً إن أحصن، ومن تكرر اللواط منه يقتل على المفتى به عند الحنفية، ومن فعل اللواط في عبده أو أمته أو منكوحته لا يجب عليه الحد باتفاق الحنفية وإنما يعزر لارتكابه المحظور.
وذهب المالكية: إلى أن من فعل فعل قوم لوط رجم الفاعل والمفعول به ، سواء كانا محصنين أو غير محصنين، وإنما يشترط التكليف فيهما، ولا يشترط الإسلام ولا الحرية . وأما إتيان الرجل حليلته من زوجة أو أمة فلا حد بل يؤدب.
والمذهب عند الشافعية: أنه يجب باللواط حد الزنا، وفي قول يقتل الفاعل محصنا كان أو غيره لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به. وقيل: إن واجبه التعزير فقط كإتيان البهيمة . وشمل ذلك دبر عبده وهو المذهب هذا حكم الفاعل.
وأما المفعول به:
 فإن كان صغيراً أو مجنوناً أو مكرها فلا حد عليه، وإن كان مكلفاً مختاراً جلد وغرب محصناً كان أو غيره سواء أكان رجلاً أم امرأة لأن المحل لا يتصور فيه الإحصان، وقيل ترجم المرأة المحصنة، وقيل: إن واجبه التعزير إن تكرر منه الفعل، فإن لم يتكرر فلا تعزير كما ذكره البغوي والروياني ، والزوجة والأمة في التعزير مثله سواء.
وذهب الحنابلة إلى أن حد اللواط الفاعل والمفعول به كزان، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق، ولأنه فرج مقصود بالاستمتاع فوجب فيه الحد كفرج المرأة، ولا فرق بين أن يكون اللواط في مملوكه أو أجنبي لأن الذكر ليس محلا للوطء، فلا يؤثر ملكه له، أو في دبر أجنبية لأنه فرج أصلي كالقبل ، فإن وطئ زوجته في دبرها أو وطئ مملوكته في دبرها فهو محرم ولا حد فيه لأنها محل للوطء في الجملة بل يعزر لارتكاب معصية.(الموسوعة الفقهية الكويتية 35-340-341).
الراجح: هو قتل الفاعل والمفعول به في هذه الجريمة، وفي تأييد هذا الترجيح يقول الإمام الشوكاني –رحمه الله-: " إن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقاً مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها المرتكب جريمة قوم لوط، ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول، لأنه يصير فاسد الاعتبار، كما تقرر في الأصول (لأنه لا قياس مع النص). (نيل الأوطار، 7/167).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: "والصحيحُ الذي اتفقت عليه الصحابةُ أن يُقتَل الاثنان؛ الأعلى والأسفل- أي الفاعل والمفعول به- سواء كانا محصنين أو غير محصنين؛ ففي الحديثِ عن ابن عباس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "من وجَدْتُموه يعمَلُ عمَلَ قومِ لوط، فاقتُلوا الفاعل والمفعول به"، ولم تختلف الصحابة في قتله ولكن تنوعوا فيه فروى الصديق رضي الله عنه أنه أمر بتحريقه وعن غيره قتله وعن بعضهم: أنه يلقى عليه جدار حتى يموت تحت الهدم، وقيل: يحبسان في أنتن موضع حتى يموتا، وعن بعضهم أنه يرفع على أعلى جدار في القرية ويرمى منه ويتبع بالحجارة كما فعل الله بقوم لوط وهذه رواية عن ابن عباس والرواية الأخرى قال: يرجم وعلى هذا أكثر السلف قالوا: لأن الله رجم قوم لوط وشرع رجم الزاني تشبيها برجم قوم لوط فيرجم الاثنان سواء كانا حرين أو مملوكين أو كان أحدهما مملوك الآخر إذا كانا بالغين فإن كان أحدهما غير بالغ عوقب بما دون القتل ولا يرجم إلا البالغ".(مجموع الفتاوى 28/334).
والسحاق: (وهو فعل النساء بعضهن ببعض) حرام أيضاً، ويعزر فاعل المساحقة ولو كان ذلك بين رجل وامرأة، أو بين رجلين، وروى البيهقي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «إذا أتى الرجل ُالرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان» ، وعن واثلة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «سحاق النساء بينهن زنا». وفي الجملة: إن العين بريد الزنا، قال النبي صلّى الله عليه وسلم : «العينان تزنيان واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه»  مما يدل على أن غض البصر واجب شرعاً. قال تعالى: ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)) [النور:30/24]، ((وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)) [النور:31/24] فمن حرمت مباشرته في الفرج بحكم الزنا أو اللواط، حرمت مباشرته فيما دون الفرج بشهوة، لقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ)) [المؤمنون:5/23-6].(الفقه الإسلامي وأدلته، للزحيلي 7/291-292).
والسحاق محرم، وعده الإمام ابن حجر-رحمه الله- كبيرة من الكبائر، إلا أنه ليس فيه حد على فاعله كالزنا، وإنما حدّه التعزيز؛ لأنه معصية، وفي ذلك يقول الإمام ابن قدامة-رحمه الله-:"‏‏ وإن تدالكت امرأتان‏,‏ فهما زانيتان ملعونتان‏;‏ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏"إذا أتت المرأة المرأة‏,‏ فهما زانيتان"،‏ ولا حد عليهما لأنه لا يتضمن إيلاجا‏ً,‏ فأشبه المباشرة دون الفرج‏,‏ وعليهما حد فيه‏,‏ فأشبه مباشرة الرجل المرأة من غير جماع‏.‏(المغني 10/157).
فالواجب علينا جميعاً أن نحذر من هذه الكبائر والموبقات وأن ننصح الناس ونرشدهم إلى ما فيهم صلاحهم، وأن ننهاهم عن ما فيهم هلاكهم، وذلك من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وما أجمل هذه الكلمات التي قالها الإمام ابن القيم –رحمه الله- في إعلام الموقعين (2/177): " "وأي دينٍ، وأي خيرٍ، فيمن يرى محارمَ الله تُنتهك، وحدودَه تضاع، ودينَه يُترك، وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق، وهل بليَّة الدين إلا من هؤلاء؛ الذين إن سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم، فلا مبالاة بما جرى على الدين، وخيارهم المتحزِّن المتلمِّظ، لو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله، بذل وتبذَّل، وجدَّ واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة حسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقتِ الله لهم، قد بُلوا في هذه الدنيا بأعظم بلية تكون، وهم لا يشعرون، وهو موت القلب؛ فإن القلبَ كلما كانت حياتُه أتم، كان غضبُه لله ورسوله أقوى، وانتصارُه للدين أكمل".
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
 د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

جريمة الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منها (1)



جريمة الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منها(1)
الناظر والمتأمل في حال الفتاوى الشاذة التي تصدر كل يوم في المجلات والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي بهذه الصورة الفجة المنكرة يدرك حجم المصيبة والبلاء الذي صار إليه حال الكثير من المنتسبين إلى العلم من أجل الشهرة والصيحة الإعلامية، ولا يعلم هؤلاء أن الأمر أمانة ومسئولية غداً بين يدي الله قبل أن يكون في الدنيا، ومن هذه الفتاوى التي صدرت ما يتعلق بإباحة الشذوذ الجنسي من اللواط والسحاق وإتيان البهائم وجماع الميتة وغيرها، وفي هذا المقال أُبين حكم الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منه فأقول:
يقصد بالشذوذ الجنسي اللواط والسحاق، أما اللواط: فهو إتيان الذكر في الدبر، وهو عمل قوم نبي الله لوط عليه السلام، والسحاق: هو فعل النساء بعضهن ببعض.
والفرق بين اللواط والسحاق أن اللواط فيه إيلاج للذكر في الدبر، أما السحاق فلا إيلاج فيه، وكل منهما محرم، وقد دلت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية على ذلك في أدلة كثيرة منها:
1-قوله تعالى: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ))(الأعراف: 80-81).
والمعنى: أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله، ولهذا قال لهم في الآية الأخرى "قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، "قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ" أي لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ولا إرادة، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك، وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضاً.(تفسير ابن كثير 2/281).
2-قوله تعالى: ((أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ))(الشعراء: 165-166).
وفي بيان الوجوه الموجبة لقبح هذا الفعل يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره (14/137-139): " اعلم أن قبح هذا العمل كالأمر المقرر في الطباع، فلا حاجة فيه إلى تعديد الوجوه على التفصيل ثم نقول موجبات القبح فيه كثيرة:
أولها: أن أكثر الناس يحترزون عن حصول الولد، لأن حصوله يحمل الإنسان على طلب المال وإتعاب النفس في الكسب، إلا أنه تعالى جعل الوقاع سبباً لحصول اللذة العظيمة ، حتى أن الإنسان بطلب تلك اللذة يقدم على الوقاع، وحينئذ يحصل الولد شاء أم أبى، وبهذا الطريق يبقى النسل ولا ينقطع النوع ، فوضع اللذة في الوقاع ، كشبه الإنسان الذي وضع الفخ لبعض الحيوانات ، فإنه لا بد وأن يضع في ذلك الفخ شيئاً يشتهيه ذلك الحيوان حتى يصير سبباً لوقوعه في ذلك الفخ ، فوضع اللذة في الوقاع يشبه وضع الشيء الذي يشتهيه الحيوان في الفخ، والمقصود منه إبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع . 
 والوجه الثاني: وهو أن الذكورة مظنة الفعل، والأنوثة مظنة الانفعال، فإذا صار الذكر منفعلاً، والأنثى فاعلاً، كان ذلك على خلاف مقتضى الطبيعة، وعلى عكس الحكمة الإلهية. 
والوجه الثالث: الاشتغال بمحض الشهوة تشبه بالبهيمة، وإذا كان الاشتغال بالشهوة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة ، فليكن قضاء الشهوة من المرأة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة، وهو حصول الولد وإبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع . فأما قضاء الشهوة من الذكر فإنه لا يفيد إلا مجرد قضاء الشهوة، فكان ذلك تشبهاً بالبهائم ، وخروجاً عن الغريزة الإنسانية ، فكان في غاية القبح . 
 والوجه الرابع: هب أن الفاعل يلتذ بذلك العمل، إلا أنه يبقى في إيجاب العار العظيم، والعيب الكامل بالمفعول على وجه لا يزول ذلك العيب عنه أبداً لدهر، والعاقل لا يرضى لأجل لذة خسيسة منقضية في الحال ، إيجاب العيب الدائم الباقي بالغير. 
 والوجه الخامس: أنه عمل يوجب استحكام العداوة بين الفاعل والمفعول، وربما يؤدي ذلك إلى إقدام المفعول على قتل الفاعل لأجل أنه ينفر طبعه عند رؤيته ، أو على إيجاب إنكائه بكل طريق يقدر عليه . أما حصول هذا العمل بين الرجل والمرأة، فإنه يوجب استحكام الألفة والمودة وحصول المصالح الكبيرة ، كما قال تعالى: "خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"( الروم : 21) . 
 والوجه السادس: أنه تعالى أودع في الرحم قوة شديدة الجذب للمني فإذا واقع الرجل المرأة قوي الجذب ، فلم يبق شيء من المني في المجاري إلا وينفصل. أما إذا واقع الرجل فلم يحصل في ذلك العضو المعين من المفعول قوة جاذبة للمني، وحينئذ لا يكمل الجذب، فيبقى شيء من أجزأ المني في تلك المجاري، ولا ينفصل، ويعفن ويفسد ويتولد منه الأورام الشديدة والأسقام العظيمة وهذه فائدة لا يمكن معرفتها إلا بالقوانين الطبية ، فهذه هي الوجوه الموجبة لقبح هذا العمل..."
3- ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "...لعن الله من عمل عمل قوم لوط "، قالها ثلاثاً في عمل قوم لوط".
قال ابن القيم -رحمه الله -: " ولم يبتل الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أُمّةً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالاً لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت بها، وتفر الملائكة من أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوها، خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها".(الداء والدواء، ص294).
4-ما أخرجه الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما  عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
5-ما أخرجه الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح  عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط".
قال الإمام الشوكاني –رحمه الله-: " وما أحق مرتكب هذه الجريمة، ومقارفي هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين. فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين، أن يصلى من العقوبة بما يكون من الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم ".(نيل الأوطار، 7/167).
وقال الإمام ابن حزم –رحمه الله-: "فعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة: كلحم الخنزير, والميتة, والدم, والخمر, والزنى، وسائر المعاصي, من أحله أو أحل شيئا مما ذكرنا فهو كافر, مشرك حلال الدم والمال. وإنما اختلف الناس في الواجب عليه : فقالت طائفة : يحرق بالنار الأعلى والأسفل وقالت طائفة: يحمل الأعلى والأسفل إلى أعلى جبل بقرية - فيصب منه, ويتبع بالحجارة. وقالت طائفة: يرجم الأعلى والأسفل - سواء أحصنا أو لم يحصنا. وقالت طائفة: يقتلان جميعاً. وقالت طائفة: أما الأسفل فيرجم - أحصن أم لم يحصن - وأما الأعلى فإن أحصن رجم , وإن لم يحصن جلد جلد الزنى. وقالت طائفة: الأعلى والأسفل كلاهما سواء - أيهما أحصن رجم , وأيهما لم يحصن جلد مائة, كالزنى. وقالت طائفة : لا حد عليهما ولا قتل, لكن يعزران".(المحلى، لابن حزم 11/380).
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي –رحمه الله- في (الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/790): " وأجمعت الأمة على أن من فعل بمملوكه فعل قوم لوط من اللوطية المجرمين الفاسقين الملعونين فعليه لعنة الله، ثم عليه لعنة الله، ثم عليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين، وقد فشا ذلك في التجار والمترفين فاتخذوا حسان المماليك سوداً وبيضاً لذلك فعليهم أشد اللعنة الدائمة الظاهرة وأعظم الخزي والبوار والعذاب في الدنيا والآخرة ما داموا على هذه القبائح الشنيعة البشيعة الفظيعة الموجبة للفقر وهلاك الأموال وانمحاق البركات والخيانة في المعاملات والأمانات.
ولذلك تجد أكثرهم قد افتقر من سوء ما جناه وقبيح معاملته لمن أنعم عليه وأعطاه ولم يرجع إلى بارئه وخالقه وموجده ورازقه بل بارزه بهذه المبارزة المبنية على خلع جلباب الحياء والمروءة والتخلي عن سائر صفات أهل الشهامة والفتوة والتحلي بصفات البهائم بل بأقبح وأفظع صفة وخلة إذ لا نجد حيواناً ذكراً ينكح مثله فناهيك برذيلة تعففت عنها الحمير فكيف يليق فعلها بمن هو في صورة رئيس أو كبير كلا بل هو أسفل من قذره وأشأم من خبره وأنتن من الجيف وأحق بالشرر والمسرف وأخو الخزي والمهانة وخائن عهد الله وما له عنده من الأمانة فبعدا له وسحقاً وهلاكاً في جهنم وحرقاً".
 وللحديث بقية إن شاء الله.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com



الخميس، 21 سبتمبر 2017

إتيان البهيمة في ميزان الفقه الإسلامي



إتيان البهيمة في ميزان الفقه الإسلامي
منذ أيام طالعتنا وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وكثير من مواقع التواصل الاجتماعي بما أفتى به بعض المعاصرين وللأسف الشديد من المتخصصين في الفقه الإسلامي بأنه يجوز إتيان البهيمة زاعماً أن هذا الأمر ورد في كتب الفقه.
في البداية أقول: لابد من التأكيد على أمر مهم كثير ما يحدث الخلط في كثير من الفتاوى بسببه والتلبيس على العوام ألا وهو أن هذا قول بعض الأئمة أو أن هذا الموضوع ذكره الفقهاء أو هذا رأي فلان من الفقهاء، ولا يدري المفتى أو يتكلم في المسائل الفقهية أن هناك أقوال ضعيفة كثيرة كتب الفقه بل وآراء شاذة مخالفة لما عليه جماهير أهل العلم، وربما مخالفة للأحاديث النبوية الصحيحة، ولا يصح بحال أن تلقى هذه الآراء الشاذة والأقوال الضعيفة على العامة أو الفتاوى بهذه الصورة التي نراها اليوم، وإنما محل هذه الأمور هو قاعات الدرس والمؤلفات الفقهية لعرضها ومناقشتها وبيان صحيحها من ضعيفها والشاذ من المتعمد.
وأما عن حكم إتيان البهائم في الفقه الإسلامي فنقول:
 إتيان البهيمة فاحشة من الفواحش التي نهت عنها الشريعة الإسلامية، وهو فعل قبيح لا تقره الفطر السليمة، وجناية من الجنايات القبيحة التي توجب حداً أو تعزيزاً على خلاف بين الفقهاء في ذلك.
ومن الأدلة على تحريم هذا الفعل قول الله عز وجل: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ" إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏"فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ‏" (المؤمنون 5-7). فقد دلت الآية الكريمة على أن الله سبحانه لم يبح الاستمتاع وقضاء الشهوة إلا بالزوجة والأمة، وأن من ابتغى غير ذلك فقد اعتدى وارتكب إثماً عظيماً، ووضع هذه الشهوة في غير ما أحل الله له.
وقول الله تعالى:" وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"(الأنعام: 151)، ولا شك أن هذا الفعل من الفواحش التي تأباه الفطر السليمة، ولا يميل إليه إلا ذو طبع خبيث.
وما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من وقع على بهيمة".
وقد اتفق الفقهاء على تحريم إتيان البهيمة، ومن ذلك ما ذكره الإمام الماوردي في الحاوي الكبير (13/224): "وأما الفصل الثالث في إتيان البهائم، فهو من الفواحش المحرمة".
الشوكاني في نيل الأوطار (7/142): "وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة".
وذكرها الإمام ابن حجر الهيتمي ضمن الكبائر في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر(2/873) حيث قال: " الكبيرة التاسعة والخمسون والستون والحادية والستون بعد الثلاثمائة اللواط وإتيان البهيمة والمرأة الأجنبية في دبرها".


عقوبة من أتى البهيمة:
اختلف الفقهاء في عقوبة من أتى البهيمة فمنهم من قال يقتل، وهذا قول للشافعي وأحمد وأبي سلمة بن عبد الرحمن، واستدلوا على ذلك بما أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة». وفي إسناده ضعف.
ومنهم من قال: يعزر، وهذا ما ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" من أتى بهيمة فلا حد عليه".
ومنهم من ذهب إلى وجوب حدّ الزنا عليه فيجلد إن كان بكراً ويرجم إن كان ثيباً، وبه قال جابر بن زيد والحسن بن علي والحسن البصري والشافعي وأحمد في قول لهما.(الموسوعة الفقهية الكويتية 44/32).
وفي ذلك يقول الإمام ابن قدامة –رحمه الله- في المغني (10/158):"اختلفت الرواية عن أحمد في الذي يأتي البهيمة فروي عنه أنه يعزّر ولا حدّ عليه روي ذلك عن ابن عباس وعطاء والشعبي و النخعي والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وهو قول للشافعي والرواية الثانية حكمه حكم اللائط سواء. وقال الحسن: حدّه حدّ الزاني، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن يقتل هو والبهيمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. رواه أحمد وغيره".
والراجح هو أن من أتى البهيمة على الحاكم أن يعزره بما يراه رادعاً له عن هذا الفعل القبيح سواء كان هذا التعزيز بالضرب أو الحبس ونحو ذلك.
هل تقتل البهيمة بهذا الفعل؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أن أتى بهيمة يقتل، وتقتل البهيمة أيضاً، والعلة في ذلك ذكرها الإمام ابن قدامة –رحمه الله- في المغني (10/159) بقوله: "واختلف في علة قتلها فقيل إنما قتلت لئلا يعير فاعلها ويذكر برؤيتها، وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. قالوا يا رسول الله ما بال البهيمة ؟ قال: لا يقال هذه وهذه. و قيل: لئلا تلد خلقا مشوها وقيل: لئلا تؤكل وإليه أشار ابن عباس في تعليله".
والصواب أنه يجب قتل البهيمة بهذا الفعل، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة وأحد قولي الشافعي سواء كانت مملوكة له أو لغيره مأكولة أو غير مأكولة، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"، ولم يفرق بين كونها مأكولة أو غير مأكولة ولا بين ملكه وملك غيره. فإن قيل: الحديث ضعيف ولم يعملوا به في قتل الفاعل الجاني ففي حق حيوان لا جناية منه أولى قلنا: إنما يعمل به في قتل الفاعل على إحدى الروايتين لوجهين:
أحدهما: أنه حد والحدود تدرأ بالشبهات، وهذا اتلاف مال فلا تؤثر الشبهة فيه، والثاني: أنه إتلاف آدمي وهو أعظم المخلوقات حرمة فلم يجز التهجم على إتلافه إلا بدليل في غاية القوة ولا يلزم مثل هذا في إتلاف مال ولا حيوان سواه إذا ثبت هذا فإن الحيوان إن كان للفاعل ذهب هدراً، وإن كان لغيره فعلى الفاعل غرامته لأنه سبب إتلافه فيضمنه كما لو نصب له شبكة فتلف بها". (المغني 10/159).
وقال الإمام الماوردي في الحاوي الكبير (13/225): " فإن قيل: فما المعنى في قتلها وليس على البهائم حدود ؟ قيل: ليست تقتل حدا، وفي معنى قتلها أمران: أحدهما: للستر على من أتاها، أن لا ترى فيقذفه الناس بإتيانها، والثاني: أن لا تأتي بخلق مشوه ، فقد قيل: إن بعض الرعاة أتى بهيمة ، فأتت بخلق مشوه. فعلى هذا: تقتل ذبحاً لا رجماً".
هل يؤكل لحم هذه البهيمة بعد قتلها؟
ذكر الإمام النووي –رحمه الله- في (المجموع 20/30): " أكلها وجهان: أحدهما: أنه يحرم؛ لأن ما أمر بقتله لم يؤكل كالسبع، والثاني: أنه يحل أكلها؛ لأنه حيوان مأكول ذبحه من هو من أهل الذكاة وإن كانت البهيمة لغيره وجب عليه ضمانها إن كانت مما لا تؤكل وضمان ما نقص بالذبح إذا قلنا إنها تؤكل لأنه هو السبب في إتلافها وذبحها".
وقال الإمام الشوكاني –رحمه الله- في (نيل الأوطار 7/142): "وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح علي عليه السلام والشافعي في قول له، وذهبت القاسمية والشافعي في قول له وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيها فقط . قال في البحر: إنها تذبح البهيمة ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتي بولد مشوه، كما روى أن راعياً أتى بهيمة فأتت بولد مشوه انتهى، وأما حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله" فهو عموم مخصص لحديث الباب.
مما سبق يتبين لنا:
1-أن إتيان البهيمة فاحشة من الفواحش، ثبت النهي عنها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
2-أن من أتى البهيمة على الحاكم أن يعزره بما يراه رادعاً له عن هذا الفعل القبيح.
3-أن البهيمة التي فُعل بها هذا الأمر تُقتل.
4-أجاز بعض الفقهاء أكل لحم المفعول بها، وكره البعض، وحرمه آخرون.
5-أن من فعل هذا الفعل يجب عليه التوبة النصوح والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى والندم على فعله. والله أعلم.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

إتيان المرأة في دبرها في ميزان الفقه الإسلامي



إتيان المرأة في دبرها في ميزان الفقه الإسلامي
يقول الله جل وعلا: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(سورة البقرة:223)، وأخرج الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت! قال: "وما أهلكك ؟ " قال: حولت رحلي الليلة، قال: فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، قال: فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية:{ نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة"، وأخرج أبو داود في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأته في دبرها "، وأخرج ابن ماجة في سننه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد".
قال الإمام القرطبي رحمه الله: هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحاً، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم. و"حرث" تشبيه، لأنهن مزدرع الذرية، فلفظ "الحرث" يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع، وقوله تعالى:{أنى شئتم} معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة.(تفسير القرطبي:3/93).
وبناء على ما سبق: فإنّ إتيان الزوجة في دبرها ( في موضع خروج الغائط) كبيرة من الكبائر سواء في وقت الحيض أو غيره، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل هذا، وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله الحكم في حرمة إتيان المرأة في دبرها فقال ما نصه:(وأما الدبر: فلم يبح قط على لسان نبي من الأنبياء، وإذا كان الله حرم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض، فما الظن بالحُشّ الذي هو محل الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل والذريعة القريبة جداً من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان، وأيضاً: فللمرأة حق على الزوج في الوطء، ووطؤها في دبرها يفوّت حقها، ولا يقضي وطرها، ولا يُحصّل مقصودها، وأيضا: فإن الدبر لم يتهيأ لهذا العمل، ولم يخلق له، وإنما الذي هيئ له الفرج، فالعادلون عنه إلى الدبر خارجون عن حكمة الله وشرعه جميعاً، وأيضاً: فإن ذلك مضر بالرجل، ولهذا ينهى عنه عُقلاء الأطباء، لأن للفرج خاصية في اجتذاب الماء المحتقن وراحة الرجل منه، والوطء في الدبر لا يعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المحتقن لمخالفته للأمر الطبيعي، وأيضاً: يضر من وجه آخر، وهو إحواجه إلى حركات متعبة جداً لمخالفته للطبيعة، وأيضاً: فإنه محل القذر والنجو، فيستقبله الرجل بوجهه، ويلابسه، وأيضاً: فإنه يضر بالمرأة جداً، لأنه وارد غريب بعيد عن الطباع ، منافر لها غاية المنافرة، وأيضاً: فإنه يُفسد حال الفاعل والمفعول فساداً لا يكاد يُرجى بعده صلاح، إلا أن يشاء الله بالتوبة، وأيضاً: فإنه من أكبر أسباب زوال النعم، وحلول النقم، فإنه يوجب اللعنة والمقت من الله، وإعراضه عن فاعله، وعدم نظره إليه، فأي خير يرجوه بعد هذا، وأي شر يأمنه، وكيف تكون حياة عبد قد حلت عليه لعنة الله ومقته، وأعرض عنه بوجهه، ولم ينظر إليه، وأيضاً: فإنه يذهب بالحياء جملة، والحياء هو حياة القلوب، فإذا فقدها القلب، استحسن القبيح، واستقبح الحسن، وحينئذ فقد استحكم فساده، وأيضاً: فإنه يحيل الطباع عما ركبها الله، ويخرج الإنسان عن طبعه إلى طبع لم يركّب الله عليه شيئاً من الحيوان، بل هو طبع منكوس، وإذا نُكس الطبع انتكس القلب، والعمل، والهدى، فيستطيب حينئذ الخبيث من الأعمال والهيئات، وأيضاً : فإنه يورث من الوقاحة والجرأة ما لا يورثه سواه .(زاد المعاد 4/262).
مما سبق يتبين لنا حرمة إتيان المرأة في دبرها، وأنه كبيرة من الكبائر، ولما فيه من لعن النبي صلى الله عليه وسلم لفاعله فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من أضرار جسيمة كما بيّن الإمام ابن القيم رحمه الله، ولمخالفته للفطرة السليمة التي جاء بها الإسلام فالإسلام دين الفطرة. والله أعلم.
                                                                      د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com