الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

جريمة الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منها (1)



جريمة الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منها(1)
الناظر والمتأمل في حال الفتاوى الشاذة التي تصدر كل يوم في المجلات والصحف وشبكات التواصل الاجتماعي بهذه الصورة الفجة المنكرة يدرك حجم المصيبة والبلاء الذي صار إليه حال الكثير من المنتسبين إلى العلم من أجل الشهرة والصيحة الإعلامية، ولا يعلم هؤلاء أن الأمر أمانة ومسئولية غداً بين يدي الله قبل أن يكون في الدنيا، ومن هذه الفتاوى التي صدرت ما يتعلق بإباحة الشذوذ الجنسي من اللواط والسحاق وإتيان البهائم وجماع الميتة وغيرها، وفي هذا المقال أُبين حكم الشذوذ الجنسي وموقف الشريعة منه فأقول:
يقصد بالشذوذ الجنسي اللواط والسحاق، أما اللواط: فهو إتيان الذكر في الدبر، وهو عمل قوم نبي الله لوط عليه السلام، والسحاق: هو فعل النساء بعضهن ببعض.
والفرق بين اللواط والسحاق أن اللواط فيه إيلاج للذكر في الدبر، أما السحاق فلا إيلاج فيه، وكل منهما محرم، وقد دلت النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية على ذلك في أدلة كثيرة منها:
1-قوله تعالى: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ))(الأعراف: 80-81).
والمعنى: أي عدلتم عن النساء وما خلق لكم ربكم منهن إلى الرجال وهذا إسراف منكم وجهل لأنه وضع الشيء في غير محله، ولهذا قال لهم في الآية الأخرى "قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ" فأرشدهم إلى نسائهم فاعتذروا إليه بأنهم لا يشتهونهن، "قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ" أي لقد علمت أنه لا أرب لنا في النساء ولا إرادة، وإنك لتعلم مرادنا من أضيافك، وذكر المفسرون أن الرجال كانوا قد استغنى بعضهم ببعض وكذلك نساؤهم كن قد استغنين بعضهن ببعض أيضاً.(تفسير ابن كثير 2/281).
2-قوله تعالى: ((أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ))(الشعراء: 165-166).
وفي بيان الوجوه الموجبة لقبح هذا الفعل يقول الإمام الفخر الرازي في تفسيره (14/137-139): " اعلم أن قبح هذا العمل كالأمر المقرر في الطباع، فلا حاجة فيه إلى تعديد الوجوه على التفصيل ثم نقول موجبات القبح فيه كثيرة:
أولها: أن أكثر الناس يحترزون عن حصول الولد، لأن حصوله يحمل الإنسان على طلب المال وإتعاب النفس في الكسب، إلا أنه تعالى جعل الوقاع سبباً لحصول اللذة العظيمة ، حتى أن الإنسان بطلب تلك اللذة يقدم على الوقاع، وحينئذ يحصل الولد شاء أم أبى، وبهذا الطريق يبقى النسل ولا ينقطع النوع ، فوضع اللذة في الوقاع ، كشبه الإنسان الذي وضع الفخ لبعض الحيوانات ، فإنه لا بد وأن يضع في ذلك الفخ شيئاً يشتهيه ذلك الحيوان حتى يصير سبباً لوقوعه في ذلك الفخ ، فوضع اللذة في الوقاع يشبه وضع الشيء الذي يشتهيه الحيوان في الفخ، والمقصود منه إبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع . 
 والوجه الثاني: وهو أن الذكورة مظنة الفعل، والأنوثة مظنة الانفعال، فإذا صار الذكر منفعلاً، والأنثى فاعلاً، كان ذلك على خلاف مقتضى الطبيعة، وعلى عكس الحكمة الإلهية. 
والوجه الثالث: الاشتغال بمحض الشهوة تشبه بالبهيمة، وإذا كان الاشتغال بالشهوة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة ، فليكن قضاء الشهوة من المرأة يفيد فائدة أخرى سوى قضاء الشهوة، وهو حصول الولد وإبقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف الأنواع . فأما قضاء الشهوة من الذكر فإنه لا يفيد إلا مجرد قضاء الشهوة، فكان ذلك تشبهاً بالبهائم ، وخروجاً عن الغريزة الإنسانية ، فكان في غاية القبح . 
 والوجه الرابع: هب أن الفاعل يلتذ بذلك العمل، إلا أنه يبقى في إيجاب العار العظيم، والعيب الكامل بالمفعول على وجه لا يزول ذلك العيب عنه أبداً لدهر، والعاقل لا يرضى لأجل لذة خسيسة منقضية في الحال ، إيجاب العيب الدائم الباقي بالغير. 
 والوجه الخامس: أنه عمل يوجب استحكام العداوة بين الفاعل والمفعول، وربما يؤدي ذلك إلى إقدام المفعول على قتل الفاعل لأجل أنه ينفر طبعه عند رؤيته ، أو على إيجاب إنكائه بكل طريق يقدر عليه . أما حصول هذا العمل بين الرجل والمرأة، فإنه يوجب استحكام الألفة والمودة وحصول المصالح الكبيرة ، كما قال تعالى: "خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً"( الروم : 21) . 
 والوجه السادس: أنه تعالى أودع في الرحم قوة شديدة الجذب للمني فإذا واقع الرجل المرأة قوي الجذب ، فلم يبق شيء من المني في المجاري إلا وينفصل. أما إذا واقع الرجل فلم يحصل في ذلك العضو المعين من المفعول قوة جاذبة للمني، وحينئذ لا يكمل الجذب، فيبقى شيء من أجزأ المني في تلك المجاري، ولا ينفصل، ويعفن ويفسد ويتولد منه الأورام الشديدة والأسقام العظيمة وهذه فائدة لا يمكن معرفتها إلا بالقوانين الطبية ، فهذه هي الوجوه الموجبة لقبح هذا العمل..."
3- ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "...لعن الله من عمل عمل قوم لوط "، قالها ثلاثاً في عمل قوم لوط".
قال ابن القيم -رحمه الله -: " ولم يبتل الله سبحانه بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أُمّةً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالاً لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت بها، وتفر الملائكة من أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوها، خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها".(الداء والدواء، ص294).
4-ما أخرجه الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما  عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به".
5-ما أخرجه الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح  عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط".
قال الإمام الشوكاني –رحمه الله-: " وما أحق مرتكب هذه الجريمة، ومقارفي هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين. فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين، أن يصلى من العقوبة بما يكون من الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم، وقد خسف الله تعالى بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم ".(نيل الأوطار، 7/167).
وقال الإمام ابن حزم –رحمه الله-: "فعل قوم لوط من الكبائر الفواحش المحرمة: كلحم الخنزير, والميتة, والدم, والخمر, والزنى، وسائر المعاصي, من أحله أو أحل شيئا مما ذكرنا فهو كافر, مشرك حلال الدم والمال. وإنما اختلف الناس في الواجب عليه : فقالت طائفة : يحرق بالنار الأعلى والأسفل وقالت طائفة: يحمل الأعلى والأسفل إلى أعلى جبل بقرية - فيصب منه, ويتبع بالحجارة. وقالت طائفة: يرجم الأعلى والأسفل - سواء أحصنا أو لم يحصنا. وقالت طائفة: يقتلان جميعاً. وقالت طائفة: أما الأسفل فيرجم - أحصن أم لم يحصن - وأما الأعلى فإن أحصن رجم , وإن لم يحصن جلد جلد الزنى. وقالت طائفة: الأعلى والأسفل كلاهما سواء - أيهما أحصن رجم , وأيهما لم يحصن جلد مائة, كالزنى. وقالت طائفة : لا حد عليهما ولا قتل, لكن يعزران".(المحلى، لابن حزم 11/380).
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي –رحمه الله- في (الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/790): " وأجمعت الأمة على أن من فعل بمملوكه فعل قوم لوط من اللوطية المجرمين الفاسقين الملعونين فعليه لعنة الله، ثم عليه لعنة الله، ثم عليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين، وقد فشا ذلك في التجار والمترفين فاتخذوا حسان المماليك سوداً وبيضاً لذلك فعليهم أشد اللعنة الدائمة الظاهرة وأعظم الخزي والبوار والعذاب في الدنيا والآخرة ما داموا على هذه القبائح الشنيعة البشيعة الفظيعة الموجبة للفقر وهلاك الأموال وانمحاق البركات والخيانة في المعاملات والأمانات.
ولذلك تجد أكثرهم قد افتقر من سوء ما جناه وقبيح معاملته لمن أنعم عليه وأعطاه ولم يرجع إلى بارئه وخالقه وموجده ورازقه بل بارزه بهذه المبارزة المبنية على خلع جلباب الحياء والمروءة والتخلي عن سائر صفات أهل الشهامة والفتوة والتحلي بصفات البهائم بل بأقبح وأفظع صفة وخلة إذ لا نجد حيواناً ذكراً ينكح مثله فناهيك برذيلة تعففت عنها الحمير فكيف يليق فعلها بمن هو في صورة رئيس أو كبير كلا بل هو أسفل من قذره وأشأم من خبره وأنتن من الجيف وأحق بالشرر والمسرف وأخو الخزي والمهانة وخائن عهد الله وما له عنده من الأمانة فبعدا له وسحقاً وهلاكاً في جهنم وحرقاً".
 وللحديث بقية إن شاء الله.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق