الخميس، 21 سبتمبر 2017

إتيان البهيمة في ميزان الفقه الإسلامي



إتيان البهيمة في ميزان الفقه الإسلامي
منذ أيام طالعتنا وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وكثير من مواقع التواصل الاجتماعي بما أفتى به بعض المعاصرين وللأسف الشديد من المتخصصين في الفقه الإسلامي بأنه يجوز إتيان البهيمة زاعماً أن هذا الأمر ورد في كتب الفقه.
في البداية أقول: لابد من التأكيد على أمر مهم كثير ما يحدث الخلط في كثير من الفتاوى بسببه والتلبيس على العوام ألا وهو أن هذا قول بعض الأئمة أو أن هذا الموضوع ذكره الفقهاء أو هذا رأي فلان من الفقهاء، ولا يدري المفتى أو يتكلم في المسائل الفقهية أن هناك أقوال ضعيفة كثيرة كتب الفقه بل وآراء شاذة مخالفة لما عليه جماهير أهل العلم، وربما مخالفة للأحاديث النبوية الصحيحة، ولا يصح بحال أن تلقى هذه الآراء الشاذة والأقوال الضعيفة على العامة أو الفتاوى بهذه الصورة التي نراها اليوم، وإنما محل هذه الأمور هو قاعات الدرس والمؤلفات الفقهية لعرضها ومناقشتها وبيان صحيحها من ضعيفها والشاذ من المتعمد.
وأما عن حكم إتيان البهائم في الفقه الإسلامي فنقول:
 إتيان البهيمة فاحشة من الفواحش التي نهت عنها الشريعة الإسلامية، وهو فعل قبيح لا تقره الفطر السليمة، وجناية من الجنايات القبيحة التي توجب حداً أو تعزيزاً على خلاف بين الفقهاء في ذلك.
ومن الأدلة على تحريم هذا الفعل قول الله عز وجل: "وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ" إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ‏"فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ‏" (المؤمنون 5-7). فقد دلت الآية الكريمة على أن الله سبحانه لم يبح الاستمتاع وقضاء الشهوة إلا بالزوجة والأمة، وأن من ابتغى غير ذلك فقد اعتدى وارتكب إثماً عظيماً، ووضع هذه الشهوة في غير ما أحل الله له.
وقول الله تعالى:" وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ"(الأنعام: 151)، ولا شك أن هذا الفعل من الفواحش التي تأباه الفطر السليمة، ولا يميل إليه إلا ذو طبع خبيث.
وما أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من وقع على بهيمة".
وقد اتفق الفقهاء على تحريم إتيان البهيمة، ومن ذلك ما ذكره الإمام الماوردي في الحاوي الكبير (13/224): "وأما الفصل الثالث في إتيان البهائم، فهو من الفواحش المحرمة".
الشوكاني في نيل الأوطار (7/142): "وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة".
وذكرها الإمام ابن حجر الهيتمي ضمن الكبائر في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر(2/873) حيث قال: " الكبيرة التاسعة والخمسون والستون والحادية والستون بعد الثلاثمائة اللواط وإتيان البهيمة والمرأة الأجنبية في دبرها".


عقوبة من أتى البهيمة:
اختلف الفقهاء في عقوبة من أتى البهيمة فمنهم من قال يقتل، وهذا قول للشافعي وأحمد وأبي سلمة بن عبد الرحمن، واستدلوا على ذلك بما أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال «من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة». وفي إسناده ضعف.
ومنهم من قال: يعزر، وهذا ما ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، واستدلوا على ذلك بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" من أتى بهيمة فلا حد عليه".
ومنهم من ذهب إلى وجوب حدّ الزنا عليه فيجلد إن كان بكراً ويرجم إن كان ثيباً، وبه قال جابر بن زيد والحسن بن علي والحسن البصري والشافعي وأحمد في قول لهما.(الموسوعة الفقهية الكويتية 44/32).
وفي ذلك يقول الإمام ابن قدامة –رحمه الله- في المغني (10/158):"اختلفت الرواية عن أحمد في الذي يأتي البهيمة فروي عنه أنه يعزّر ولا حدّ عليه روي ذلك عن ابن عباس وعطاء والشعبي و النخعي والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وهو قول للشافعي والرواية الثانية حكمه حكم اللائط سواء. وقال الحسن: حدّه حدّ الزاني، وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن يقتل هو والبهيمة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. رواه أحمد وغيره".
والراجح هو أن من أتى البهيمة على الحاكم أن يعزره بما يراه رادعاً له عن هذا الفعل القبيح سواء كان هذا التعزيز بالضرب أو الحبس ونحو ذلك.
هل تقتل البهيمة بهذا الفعل؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أن أتى بهيمة يقتل، وتقتل البهيمة أيضاً، والعلة في ذلك ذكرها الإمام ابن قدامة –رحمه الله- في المغني (10/159) بقوله: "واختلف في علة قتلها فقيل إنما قتلت لئلا يعير فاعلها ويذكر برؤيتها، وقد روى ابن بطة بإسناده عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة. قالوا يا رسول الله ما بال البهيمة ؟ قال: لا يقال هذه وهذه. و قيل: لئلا تلد خلقا مشوها وقيل: لئلا تؤكل وإليه أشار ابن عباس في تعليله".
والصواب أنه يجب قتل البهيمة بهذا الفعل، وهذا ما ذهب إليه الحنابلة وأحد قولي الشافعي سواء كانت مملوكة له أو لغيره مأكولة أو غير مأكولة، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة"، ولم يفرق بين كونها مأكولة أو غير مأكولة ولا بين ملكه وملك غيره. فإن قيل: الحديث ضعيف ولم يعملوا به في قتل الفاعل الجاني ففي حق حيوان لا جناية منه أولى قلنا: إنما يعمل به في قتل الفاعل على إحدى الروايتين لوجهين:
أحدهما: أنه حد والحدود تدرأ بالشبهات، وهذا اتلاف مال فلا تؤثر الشبهة فيه، والثاني: أنه إتلاف آدمي وهو أعظم المخلوقات حرمة فلم يجز التهجم على إتلافه إلا بدليل في غاية القوة ولا يلزم مثل هذا في إتلاف مال ولا حيوان سواه إذا ثبت هذا فإن الحيوان إن كان للفاعل ذهب هدراً، وإن كان لغيره فعلى الفاعل غرامته لأنه سبب إتلافه فيضمنه كما لو نصب له شبكة فتلف بها". (المغني 10/159).
وقال الإمام الماوردي في الحاوي الكبير (13/225): " فإن قيل: فما المعنى في قتلها وليس على البهائم حدود ؟ قيل: ليست تقتل حدا، وفي معنى قتلها أمران: أحدهما: للستر على من أتاها، أن لا ترى فيقذفه الناس بإتيانها، والثاني: أن لا تأتي بخلق مشوه ، فقد قيل: إن بعض الرعاة أتى بهيمة ، فأتت بخلق مشوه. فعلى هذا: تقتل ذبحاً لا رجماً".
هل يؤكل لحم هذه البهيمة بعد قتلها؟
ذكر الإمام النووي –رحمه الله- في (المجموع 20/30): " أكلها وجهان: أحدهما: أنه يحرم؛ لأن ما أمر بقتله لم يؤكل كالسبع، والثاني: أنه يحل أكلها؛ لأنه حيوان مأكول ذبحه من هو من أهل الذكاة وإن كانت البهيمة لغيره وجب عليه ضمانها إن كانت مما لا تؤكل وضمان ما نقص بالذبح إذا قلنا إنها تؤكل لأنه هو السبب في إتلافها وذبحها".
وقال الإمام الشوكاني –رحمه الله- في (نيل الأوطار 7/142): "وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح علي عليه السلام والشافعي في قول له، وذهبت القاسمية والشافعي في قول له وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيها فقط . قال في البحر: إنها تذبح البهيمة ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتي بولد مشوه، كما روى أن راعياً أتى بهيمة فأتت بولد مشوه انتهى، وأما حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله" فهو عموم مخصص لحديث الباب.
مما سبق يتبين لنا:
1-أن إتيان البهيمة فاحشة من الفواحش، ثبت النهي عنها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
2-أن من أتى البهيمة على الحاكم أن يعزره بما يراه رادعاً له عن هذا الفعل القبيح.
3-أن البهيمة التي فُعل بها هذا الأمر تُقتل.
4-أجاز بعض الفقهاء أكل لحم المفعول بها، وكره البعض، وحرمه آخرون.
5-أن من فعل هذا الفعل يجب عليه التوبة النصوح والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى والندم على فعله. والله أعلم.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق