الأربعاء، 23 ديسمبر 2020

رسالة عاجلة إلى المعلمين

 

رسالة عاجلة إلى المعلمين:

أحسنوا إلى طلابكم، فإن طالب اليوم قد يكون أستاذ الغد، فإذا أحسنت إليه اليوم  بالرعاية والنصح والتوجيه وجدت ذلك في ميزان حسناتك في يوم العرض على الله تعالى، وكان هذا الغرس الذي غرسته في طلابك خير صدقة جارية لك بعد موتك.

فلا يكن همك ما يدفعه الطالب لك من مقابل مادي، أو ما تتقاضاه أنت مقابل هذا التدريس، فهذا في ميزان الدنيا لا يساوي شيئا مما عند الله تعالى، فاستعن بالله واخلص النية واجتهد في الإحسان إلى طلابك، وخذ بأيديهم إلى طريق الجادة، فالعلم أساس التقدم والازدهار على مستوى الأفراد والدول.

فالعلم يرفع بيوتا لا عماد لها، والجهل يهدم بيوت العز والكرم

وفق الله الجميع

وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال اللهم آمين.

أمانة التدريس

 

أمانة التدريس

الأمانة خلق من الأخلاق الإسلامية التي دعانا إليها ديننا الإسلامي الحنيف، وخلق من أخلاق الأنبياء والمرسلين، والأمانة كما قال الإمام القرطبي رحمه الله تعم جميع وظائف الدين، فمن لا أمانة له لا دين له.

ومن هذه الأمانات أمانة التدريس، والتي تقتضي أن يقوم المدرس بأداء هذه المهمة كما ينبغي، فإن الله عز وجل سيسأله يوم القيامة عن طلابه وتلاميذه فهم أمانة في عنقه، ولذلك يجب عليه أن يجتهد مع طلابه قدر المستطاع،  وأن يحسن إليهم فإن تلميذ اليوم قد يكون هو معلم الغد، فإذا أحسن إليه اليوم، كان غدا معلما نافعا لنفسه وطلابه، ويخلص المعلم نيته في التعليم والتوجيه والنصح والإرشاد، فإن التلميذ النجيب هو خير صدقة جارية له بعد موته.

فالتلميذ أمانة في يده أستاذه

فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه اللهم آمين.

صيانة الشريعة الإسلامية للعرض والشرف د/ أحمد عرفة

 

صيانة الشريعة الإسلامية للعرض والشرف

كان هذا هو موضوع خطبة الجمعة اليوم، وهو الموضوعات المهمة التي يجب التركيز عليها في هذه الأيام، وذلك لإهمال معظم الناس لهذه التدابير الوقائية التي وضعها الإسلام للحفاظ على الأعراض وصيانتها، والتشديد على هذه الأمور في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وعصر الثورة المعلوماتية التي أصبحت بابا لارتكاب الكثير من الجرائم، ومنها: جرائم العرض والشرف.

ومن هذه التدابير الوقائية التي وضعتها الشريعة الإسلامية للحفاظ على الأعراض وصيانتها:

١_ تحريم الزنا، وليس الزنا وحده بل كل ما يقرب إليه، وذلك من النظرة المحرمة، والكلام الفاحش، واللمس، وغيرها.

٢_ الأمر بغض الصبر عن المحرمات، وهذا عام في حق الرجال والنساء، فكما أمر الإسلام الرجل بغض البصر، كذلك أمر المرأة بغض البصر، وذلك حفاظا على الجميع من الوقوع في الفاحشة.

٣_ نهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، فلا يخلون رجل بإمرأة، وإن كان يقوم على تعليمها القرآن الكريم، والعلم الشرعي، لأن ثالثهما الشيطان كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

٤_النهي عن سوء الظن، فإن الظن أكذب الحديث كما قال صلى الله عليه وسلم، وفي هذا حفظ للمجتمع بأسره.

٥_النهي عن تتبع العورات، فإن من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، فضحه ولو في جوف بيته كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

٦_ النهي عن التبرج والسفور، وفرض الحجاب الشرعي على المرأة المسلمة، وذلك صيانة لها بلباس العفة، وكذلك صيانة للمجتمع.

هذا وغيره كثير من الوسائل والتدابير الوقائية التي وضعتها الشريعة الإسلامية صيانة للأعراض والحفاظ عليها.

فما أحوجنا هذه الأيام لنشر الفضيلة، وذلك من خلال تعاليم الإسلام السمحة، والتي من خلالها يسعد الفرد والمجتمع.

وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين.

كتبه

أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر.

الحفاظ على المال في الشريعة الإسلامية، ومواجهة الفساد د/ أحمد عرفة

 

الحفاظ على المال في الشريعة الإسلامية، ومواجهة الفساد

كان هذا هو موضوع خطبة الجمعة اليوم، وهو الموضوعات المهمة التي يجب التركيز عليها؛ وذلك لما للمال من أهمية عظمى في الحياة، فهو عصب الحياة كما يقولون بل قِوام الحياة، به تتحقق مصالح العباد ومعايش الناس في الدنيا، وهو أيضاً سبب من أسباب الخير والبركة، وتحصيل الحسنات من خلال الصدقة، وبذل الخير، وفعل المعروف، وكذلك فيه حق واجب وهو الزكاة، والنفقة على الأهل والعيال، وغير ذلك من الأمور الأخرى التي بينتها هذه الشريعة الإسلامية الغراء.

والمال نعمة من نعم الله تعالى على عباده، وهو من زينة الحياة الدنيا، وقد جاء ذلك في مواضع كثيرة منها قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ (سورة آل عمران: 14)، وقوله تعالى : ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ سورة الكهف: 46).

كما أن المال قد يكون فتنة لصاحبه، وباب من أبواب الشر إذا اسُتعمل فيما يُغضب الله تعالى، وفيما حرم الله تبارك وتعالى، وفي ذلك يقول المولى سبحانه: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (سورة الأنفال: 28).

وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن المال الصالح هو خير للرجل الصالح الذي يستعمله في طاعة الله تعالى، ويبذله في الخير ونفع الغير، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" (أخرجه ابن حبان في صحيحه).

ومن عِظم أهمية المال في الإسلام أن الإنسان سوف يُسأل عنه بين يدي الله تعالى في يوم القيامة من أين اكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وقد جاء ذلك في الحديث الذي أخرجه الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ".

ومن تعظيم الشريعة الإسلامية لحرمة المال أنها حرمت المال والاعتداء عليه، وجعلته كحرمة النفس، وحرمة العرض، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ" (أخرجه مسلم)، وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال: " إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا" (أخرجه البخاري ومسلم).

وقد تجلت مظاهر عناية الشريعة الإسلامية بالمال والحفاظ عليه في العديد من الصور، والتي منها:

أولاً: تحريم أكل أموال الناس بالباطل، وفي ذلك يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}(سورة النساء:29)، وقال سبحانه:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(سورة البقرة:188).

 ومن صور أكل أموال الناس بالباطل:

1-الربا، وهو الزيادة المشروطة على رأس المال، وهو كبيرة من الكبائر، وهو حرام بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}( سورة البقرة:275)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ*فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}(سورة البقرة:279،278).

2-الرشوة، وهي من صور أكل أموال الناس بالباطل، وهي كبيرة من الكبائر، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الراشي والمرتشي والرائش، واللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لَعَنَ اللهُ الرَّاشِيَ، وَالْمُرْتَشِيَ، وَالرَّائِشَ، وَهُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا).

3-الغش في البيع والشراء: فالغش من صور أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، والغش يكون في البيع والشراء، وغيرهما.

 وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: (مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟). قال أصابته السماء يا رسول الله. قال: (أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي).

4-ومن صور أكل أموال الناس بالباطل: الاعتداء على المال العام، فإن حرمة المال العام أشد من حرمة المال الخاص؛ لأن المال العام تتعلق به حقوق كثيرة، بخلاف المال الخاص، ومن ذلك الاعتداء على الأموال الموقوفة، والمعاهد، والجامعات، وغيرها من المرافق العامة للدولة كالكهرباء والمياه وغيرهما، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لنا خطورة هذا الأمر بقوله فيما أخرجه مسلم في صحيحه "مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا (إبرة) فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا (خيانة وسرقة) يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، والمقصود هنا الاعتداء على المال وإن كان صغيراً ولو إبرة، فإن هذا من الغلول وهو السرقة والخيانة.

5-احتكار السلع والأغذية والأدوية وغيرها مما يضر بالناس حبسه ومنعه، والاحتكار هو: حبس السلع وغيرها مما يتضرر الناس بحبسه لبيعه في زمن الغلاء، والاحتكار من الأمور المنهي عنها في الشريعة الإسلامية، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحتكر، وبيّن أنه خاطئ فقال: (لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ)(رواه مسلم).

ثانياً: من عناية الشريعة الإسلامية بالمال والحفاظ عليه تحريم الإسراف والتبذير، والأمر بالتوسط والاعتدال والاقتصاد في المأكل والمشرب والملبس، قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(سورة الأعراف:31)، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا*إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}(سورة الإسراء:27،26)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كُلُوا، وَتَصَدَّقُوا، وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ، وَلَا مَخِيلَةٍ)(رواه النسائي).

ثالثاً: ومن الحفاظ على المال في الشريعة الإسلامية الأمر بكتابة الديون، والإشهاد عليها، وتوثيقها؛ وذلك لحماية أموال الناس، ولا سيما في هذه الأيام التي كثر فيها خراب الذمم، وضياع الأمانات والحقوق بين الناس، وجعلت الشريعة الإسلامية بعض العقود الخاصة بالتوثيق والتي منها الرهن، والكفالة، والضمان، وفي ذلك يقول الحق سبحانه: " قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (سورة البقرة:282).

رابعاً: ومن عناية الشريعة الإسلامية بالمال والحفاظ عليه الحجر على السفيه المبذر لمال، ومنعه من التصرفات المالية قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا}[ سورة النساء:5).

خامساً: ومن صور الحفاظ على المال في الشريعة الإسلامية تحريم السرقة، وبيان العقوبة عليها، وجعلها حداً من الحدود الشرعية التي أوجبها شريعة الإسلام حفاظاً على أموال الناس من السرقة والضياع قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}( سورة المائدة:38).

سادساً: ومن عناية الشريعة بالمال والحفاظ عليه تحريم الغصب، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة " فقال له رجل : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال:"وإن قضيباً من أراك".

سابعاً: ومن الحفاظ على المال في الشريعة الإسلامية أنه لا يحل مال المسلم إلا بطيب نفسه، وهذا أصل عظيم من أصول التعاملات المالية في شريعتنا الغراء، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا ولا يحل لامرئ من مال أخيه شيء، إلا بطيب نفس منه" (أخرجه أحمد).

وأخرج البيهقي في السنن عن عمرو بن يثربي الضمري قال: شهدت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، فكان فيما خطب به قال: "ولا يحل لأحد من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه".

هذا وغيره الكثير والكثير مما بينته الشريعة الإسلامية الغراء في العناية بالمال والحفاظ عليه، وكذلك أيضاً التدابير اللازمة لمواجهة الفساد المالي، وهذا يدعونا إلى أن نحافظ على أموالنا وأموال غيرنا، وأن نجتهد بشتى الوسائل والطرق في المحافظ على المال العام، وأن نحذر من الاعتداء والاستيلاء عليه، فإن حرمته أشد من حرمة المال الخاص.

ومن خلال ما تقدم: فإن على الإنسان المسلم أن يسعى في اكتساب المال بالطرق والوسائل المشروعة التي بينتها لنا شريعتنا الإسلامية الغراء، ومن ذلك قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (سورة الملك: 15)، وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (سورة الجمعة: 9، 10).

وأخرج ابن ماجه في سننه عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب ، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم"، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن روح القدس نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، وإن أبطأ عليها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته " (أخرجه البزار)، والإجمال في الطلب هو: أكل الحلال، وترك الحرام.

كما أن من أسباب إجابة الدعاء أكل الحلال والبعد عن الحرام، ومن عقوبات أكل المال الحرام عدم استجابة الدعاء، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك".

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل

كتبه

أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر


التجديد الفقهي ضرورة عصرية د/ أحمد عرفة

 

التجديد الفقهي ضرورة عصرية

لقد أصبح التجديد الفقهي ضرورة عصرية، فمع تقدم العصر، وظهور الثورة المعلوماتية والتقدم التكنولوجي، كان من الواجب على الباحثين والفقهاء أن يسعوا للتجديد الفقهي من خلال بحوثهم ودراساتهم، وأن تكون المادة الفقهية بأسلوب علمي ميسر يناسب العصر الذي نعيشه.

لذلك بات التجديد في الكتابات الفقهية من ضروريات العصر إذ لا يعقل أن يؤلف أحدهم كتابا فقهيا ويذكر الأوزان والمقادير بالأسلوب الفقهي القديم الذي نص عليه الفقهاء في كتبهم، كالصاع مثلا في الزكاة، والدينار من الذهب، والدراهم من الفضة في مقادير الديات، بل يجب عليه أن يبين ويوضح هذه الأمور بالأوزان المعاصرة من باب التيسير على الناس، وتسهيل العلم ووسائله للطلاب، ولأن هذا أيضا ضرورة عصرية.

ومن ذلك أيضا الإغراق في تعريف المصطلحات الفقهية من كتب المذاهب الفقهية دون أن يبين ويوضح التعريف المختار أو الراجح منها، وشرحه وبيانه.

كذلك أيضا أن يسعى الفقهاء إلى حسن الصياغة العلمية للمادة الفقهية بأسلوب سهل ميسر يتناسب مع العصر الذي نعيشه، بعيدا عن الاختلافات الفقهية والآراء الكثيرة والأدلة والاعتراضات والمناقشات الواردة على الأدلة، والتي محلها قاعات الدرس، والتأليف الفقهي المتخصص لفئة معينة من الدارسين للفقه المقارن، وأما عامة الناس وطلاب العلم بحاجة إلى الفقه المصفى الذي يناسبه ويناسب العصر الذي يعيش فيه، والذي إن قرأ فيه تبين له الحكم الفقهي بكل سهولة ويسر.

هذا وغيره خطوة على طريق التجديد الفقهي الذي أصبح ضرورة عصرية.

وفق الله الجميع

كتبه

أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر

الوقاية خير من العلاج د/ أحمد عرفة

 

الوقاية خير من العلاج

إن المتأمل في نعم الله تعالى على عباده يجد أنه سبحانه وتعالى قد أنعم علينا بنعم كثيرة لا تُعد ولا تحصى، نعم ظاهرة، ونعم باطنة، ومن أجلّ هذه النّعم نعمة الصحة، فالصحة كما يقولون: تاج على رؤؤس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، فالصحة كنز لا تعادله كنوز الدنيا كلها، ولا يعلم قدرها إلا من حُرم منها، وأقعده المرض، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ» (أخرجه البخاري).

أي صحة البدن، وفراغ الخاطر بحصول الأمن، ووصول كفاية الأمنية، والمعنى لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس، حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم، فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها، ولا ينفعهم الندم... وفي حاشية السيوطي -رحمه الله- قال العلماء: معناه أن الإنسان لا يتفرغ للطاعة إلا إذا كان مكفياً صحيح البدن، فقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، وقد يكون صحيحاً ولا يكون مستغنياً، فلا يكون متفرغا للعلم والعمل؛ لشغله بالكسب، فمن حصل له الأمران، وكسل عن الطاعة فهو المغبون أي: الخاسر في التجارة مأخوذ من الغبن في البيع.(تحفة الأحوذي 6/485).

قال الإمام ابن بطال-رحمه الله-: "قال بعض العلماء: إنما أراد (صلى الله عليه وسلم) بقوله: (الصحة والفراغ نعمتان)، تنبيه أمته على مقدار عظيم نعمة الله على عباده في الصحة والكفاية؛ لأن المرء لا يكون فارغًا حتى يكون مكيفًا مؤنة العيش في الدنيا، فمن أنعم الله عليه بهما فليحذر أن يغبنهما، ومما يستعان به على دفع الغبن أن يعلم العبد أن الله تعالى خلق الخلق من غير ضرورة إليهم، وبدأهم بالنعم الجليلة من غير استحقاق منهم لها، فمنّ عليهم بصحة الأجسام وسلامة العقول، وتضمن أرزاقهم وضاعف لهم الحسنات ولم يضاعف عليهم السيئات وأمرهم أن يعبدوه ويعتبروا بما ابتدأهم به من النعم الظاهرة والباطنة، ويشكروه عليها بأحرفٍ يسيرة، وجعل مدة طاعتهم في الدنيا منقضية بانقضاء أعمارهم، وجعل جزاءهم على ذلك خلودًا دائمًا في جنات لا انقضاء لها مع ما ذخر لمن أطاعه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فمن أنعم النظر في هذا كان حريًا ألا يذهب عنه وقت من صحته وفراغه إلا وينفقه في طاعة ربه، ويشكره على عظيم مواهبه والاعتراف بالتقصير عن بلوغ كنه تأدية ذلك، فمن لم يكن هكذا وغفل وسها عن التزام ما ذكرنا، ومرت أيامه عنه في سهو ولهو وعجز عن القيام بما لزمه لربه تعالى فقد غبن أيامه، وسوف يندم حيث لا ينفعه الندم" (شرح صحيح البخاري: 10/146-147).

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا باغتنام هذه النعمة في طاعة الله تعالى، وفيما يعود على الإنسان بالنفع في الدنيا والآخرة، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِرَجُلٍ: اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: حَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، وَفَرَاغَك قَبْلَ شَغْلِكَ، وَغِنَاك قَبْلَ فَقْرِكَ، وَشَبَابَك قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِك"(أخرجه النسائي والحاكم).

فقوله: "وصحتك قبل سقمك" دليل على أن الإنسان أن يغتنم صحته وقوته في طاعة الله تعالى قبل أن يأتي وقت السقم والمرض، والذي لا يستطيع معه أن يفعل كما يفعل الصحيح.

قال الإمام المناوي-رحمه الله-: "قوله(اغتنم خمساً قبل خمس): أي: افعل خمسة أشياء قبل حصول خمسة أشياء: (حياتك قبل موتك) يعني اغتنم ما تلقى نفعه بعد موتك فإن من مات انقطع عمله، وفاته أمله وحق ندمه وتوالى همه فاقترض منك لك (وصحتك قبل سقمك)أي اغتنم العمل، حال الصحة فقد يمنع مانع كمرض فتقدم المعاد بغير زاد (وفراغك قبل شغلك) أي اغتنم فراغك في هذه الدار قبل شغلك بأهوال القيامة التي أول منازلها القبر فاغتنم فرصة الإمكان لعلك تسلم من العذاب والهوان (وشبابك قبل هرمك) أي اغتنم الطاعة حال قدرتك قبل هجوم عجز الكبر عليك فتندم على ما فرطت في جنب الله.(فيض القدير: 2/21).

وهذه الصحة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان سوف يسأل عنها بين يدي الله تعالى في يوم القيامة فقال فيما أخرجه الترمذي في سننه عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:«لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ».

وفي حالة المرض شرع لنا الإسلام التداوي، وطلب الدواء الناجع للشفاء من الأمراض والأسقام، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلاَّ الْهِرَمَ.».(أخرجه أبو داود وابن ماجه)، وعَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ».(أخرجه أبو داود)، وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قَالَتِ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَتَدَاوَى قَالَ: « نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً، إِلاَّ دَاءً وَاحِدًا». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «الْهَرِم»(أخرجه الترمذي).

قال الإمام المناوي –رحمه الله-: " قوله (تداووا عباد الله): وصفهم بالعبودية إيذاناً بأن التداوي لا يخرجهم عن التوكل الذي هو من شرطها يعني تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي بل كونوا عباد الله متوكلين عليه (فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء) وهو سبحانه لو شاء لم يخلق دواء، وإذا خلقه لو شاء لم يأذن في استعماله لكنه أذن، ومن تداوى فعليه أن يعتقد حقاً، ويؤمن يقيناً بأن الدواء لا يحدث شفاء ولا يولده كما أن الداء لا يحدث سقما ولا يولده لكن الباري تعالى يخلق الموجودات واحداً عقب آخر على ترتيب هو أعلم بحكمته (غير داء واحد الهرم) أي الكبر جعل داء تشبيهاً به؛ لأن الموت يعقبه كالداء.(فيض القدير: 3/312).

وهذا من باب الأخذ بالأسباب المشروعة التي أرشدنا إليها ديننا الإسلامي الحنيف، فالتداوي من الأمراض والأوبئة، وطلب الدواء والعلاج الناجع لهذه الأمراض من الأخذ بالأسباب، لا أن يترك الإنسان التداوي، ويرفض العلاج، وكذلك الالتزام بالتدابير الوقائية لا ينافي التوكل على الله سبحانه وتعالى، فالتوكل الحقيقي هو اعتماد القلب على الله تعالى مع الأخذ بالأسباب، فهذا أيضاً أمر من الأمور المهمة التي يجب التأكيد عليها قبل الكلام عن التدابير الوقائية، فهذه التدابير هي من الأسباب المشروعة للحفاظ على الصحة، وهي من التوكل على الله تعالى.

ومع أمر الإسلام بالتداوي في حالة نزول الداء إلا أنه وقبل كل ذلك اتخذ الوسائل والتدابير اللازمة للوقاية من الأمراض، وهذا من باب الوقاية خير من العلاج، وهذا ما يُعرف الطب الوقائي في الإسلام، ومن هذه الوسائل والتدابير الوقائية:

1-التحذير من الإسراف في الطعام والشراب، فإن الإسراف في تناول الأطعمة والأشربة ربما أدى إلى نزول الداء بالجسد، وقد قالوا: إن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وفي هذا يقول الحق سبحانه: "وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (سورة الأعراف: الآية:31).

وعن يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ، قَالَ:الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثُ طَعَامٍ، وَثُلُثُ شَرَابٍ، وَثُلُثٌ لِنَفْسِهِ" (أخرجه أحمد).

قال الإمام الصنعاني-رحمه الله-: "والحديث دليل على ذم التوسع في المأكول والشبع، والامتلاء، والإخبار عنه بأنه شر؛ لما فيه من المفاسد الدينية والبدنية، فإن فضول الطعام مجلبة للسقام، ومثبطة عن القيام بالأحكام، وهذا الإرشاد إلى جعل الأكل ثلث ما يدخل المعدة من أفضل ما أرشد إليه سيد الأنام صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يخف على المعدة، ويستمد من البدن الغذاء، وتنتفع به القوى، ولا يتولد عنه شيء من الأدواء، وقد ورد من الكلام النبوي شيء كثير في ذم الشبع..."(سبل السلام: 4/179).

2-النهي عن نزول البلد إذا تفشي فيه الوباء أو الخروج منه، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْدًا عَنِ النَّبِيذِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ:« إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا». فَقُلْتُ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ يُحَدِّثُ بِهِ سَعْدًا وَلاَ يُنْكِرُهُ قَالَ: نَعَمْ. (أخرجه البخاري).

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالُوا: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-:« إِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رِجْزٌ وَبَقِيَّةُ عَذَابٍ عُذِّبَ بِهِ قَوْمٌ، فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ فِيهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَلَسْتُمْ بِهَا فَلاَ تَدْخُلُوهَا»(أخرجه مسلم).

قال الطبري في حديث سعد: فيه الدلالة على أن على المرء توقي المكاره قبل وقوعها وتجنب الأشياء المخوفه قبل هجومها، وأن عليه الصبر وترك الجزع بعد نزولها، وذلك أنه عليه السلام نهى من لم يكن في أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها، ونهى من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارًا منه، فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق من الأمور سبيله في ذلك سبيل الطاعون"(شرح صحيح البخاري: لابن بطال 9/423).

وقوله: (وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرار منه) دليل أنه يجوز الخروج من بلدة الطاعون على غير سبيل الفرار منه إذا اعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وكذلك حكم الداخل في بلدة الطاعون إذا أيقن أن دخوله لا يجلب إليه قدرًا لم يكن قدره الله عليه، فمباح له الدخول إليه.(شرح صحيح البخاري: لابن بطال 9/426).

وقال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: "وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها الطاعون عدة حكم: إحداها: تجنب الأسباب المؤذية، والبعد منها، والثانية: الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد، والثالثة: أن لا يستنشقوا الهواء الذي عفن وفسد فيصيبهم المرض، والرابعة: أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم، وهذا الذي ذكره ابن القيم هو ما يسمى العدوى في زماننا، والخامسة: حماية النفوس عن الطيرة والعدوى؛ فإنها تتأثر بهما، فإن الطيرة على من تطير بها، وبالجملة ففي النهي عن الدخول إلى أرضه الأمر بالحذر والحمية، والنهي عن التعرض لأسباب التلف، وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل والتسليم والتفويض، فالأول: تأديب وتعليم، والثاني: تفويض وتسليم.(زاد المعاد: 4-44-45).

3-النهي عن دخول المريض على الصحيح؛ وهو ما يُعرف بالحجر الصحي أو العزل المنزلي، وذلك تجنباً لانتشار العدوى فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:«لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ». نهي منه الممرض أن يورد ماشيته المرضى على ماشية أخيه الصحيحة لئلا يتوهم المصح إن مرضت ماشيته الصحيحة أن مرضها حدث من أجل ورود المرضى عليها فيكون داخلاً بتوهمه ذلك في تصحيح ما قد أبطله النبي عليه السلام من أمر العدوى. والممرض: ذو الماشية المريضة، والمصح: ذو الماشية الصحيحة. (شرح صحيح البخاري: لابن بطال 9/450).

وهذا الحديث لا يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة"، وفي ذلك يقول الإمام النووي-رحمه الله-: "قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين، وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع أن حديث "لا عدوى" المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه وتعتقده أن المرض والعاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى، وأما حديث "لا يورد ممرض على مصح" فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقدره، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقدر الله تعالى وفعله، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقدره، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب" (شرح النووي على مسلم: 14/213-214).

وبناء على هذا الحديث وغيره من الأحاديث الأخرى التي تبين لنا أنه يجب على الإنسان المصاب بالعدوى أو بهذا الوباء الخطير (فيروس كورونا) أن يعزل نفسه في مكان مخصص لهذا بعيداً عن الناس الأصحاء؛ وذلك من أجل الحفاظ عليهم، وعدم تفشي المرض لعدد كبير من الناس، وكذلك عليه أن يُعلم أهله وجيرانه والمخالطين له بهذا كي يأخذوا بالأسباب الوقائية والحيطة والحذر حفاظاً على أنفسهم وغيرهم.

4-الصبر عند نزول الوباء وتفشي الطاعون، وأن الصابر في هذا الوقت له مثل أجر شهيد، وقد ورد في ذلك عدة أحاديث منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا سَأَلت النَّبِيّ عليه السلام عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاء، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ".

قال الإمام ابن بطال-رحمه الله-: "هذا الحديث مثل قوله : (الطاعون شهادة)، (والمطعون شهيد) أنه الصابر عليه المحتسب أجره على الله، العالم أنه لم يصيبه إلا ما كتب الله عليه، ولذلك تمنى معاذ بن جبل أن يموت فيه لعله إن مات فيه فهو شهيد، وأما من جزع من الطاعون وكرهه وفر منه فليس بداخل في معنى الحديث"(شرح صحيح البخاري: 9/427).

ومن خلال هذا الحديث وغيره يتبين لنا أن الابتلاء بهذا المرض والصبر عليه له مثل أجر شهيد كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأن على الإنسان إذا ابتلي بشيء من هذا أن يصبر ويحتسب الأجر من الله تعالى، فالابتلاء إما رفعة في الدرجات، وإما تكفير للسيئات، وكذلك علينا جميعاً أن نعلم أن المرض ليس عيباً أو عاراً كما يتصور بعض الناس، لكنه ابتلاء واختبار وامتحان من الله تعالى وتبارك، فعلينا أن نصبر ونحتسب، وكذلك علينا أن نُحسن للمريض الذي ابتلي بهذا الوباء، وذلك من خلال الدعاء له بالشفاء، وإرسال الرسائل الطيبة التي ترفع وتحسن من حالته النفسية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمريض بقوله: "لا بأس طهور إن شاء الله" (أخرجه البخاري)، "وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات"(صحيح ابن حبان)، وهكذا.

5-النظافة: فالإسلام دين النظافة، والله عز وجل جميل يحب الجمال، نظيف يحب النظافة، وقد جعلت الشريعة الإسلامية الطهارة شرطاً من شروط صحة الصلاة، وتشمل طهارة الثوب، والمكان، والبدن، وكذلك الوضوء، والأغسال الواجبة كالغسل من الجنابة، وغسل الميت، والأغسال المسنونة، كغسل الجمعة، والعيدين، وغير ذلك، ومن ذلك أيضاً:

أ- الأمر بغسل اليدين ثلاثاً عند الاستيقاظ من النوم، وذلك وقاية له من أن تكون اليد علقت بشيء أثناء النوم، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِى أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ»(أخرجه مسلم).

ب- النهي عن التخلي في طريق الناس أو ظلهم: فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:« اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ» (أخرجه أبو داود وابن ماجه).

جـ-النهي عن البول في الماء الراكد: فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه"(أخرجه مسلم).

د-سنن الفطرة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الْفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ».

هـ- العناية بنظافة الفم والأسنان، وذلك من خلال استعمال السواك الذي هو سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: "السِّواكُ مَطْهَرةٌ للفم، مَرْضاةٌ للربّ"(أخرجه البخاري)، وقوله: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ "(أخرجه مسلم)، فاستعمال السواك أو غيره مما يؤدي إلى نظافة الفم وإزالة الرائحة الكريهة من العناية بالنظافة، والحفاظ على الصحة العامة.

و-ومن ذلك أيضاً الحث على نظافة البيوت والطرقات، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِن الله طَيِّبٌ يحِبُّ الطِّيب، نظِيفٌ يحب النظافة، كريمٌ يحب الكرم، جوادٌ يحب الجُودَ، فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُم، ولا تَشَبَّهُوا باليهود»(أخرجه الترمذي).

قال الإمام المناوي-رحمه الله-: " قوله(إنّ الله تعالى طيب): بالتثقيل أي منزه عن النفائص مقدس عن الآفات والعيوب...(يحب الطيب) أي الحلال الذي يعلم أصله وجريانه على الوجه الشرعي (نظيف يحب النظافة) الظاهرة والباطنة من خلوص العقيدة، ونفي الشرك، ومجانبة الهوى، والأمراض القلبية ( فنظفوا) ندباً ( أفنيتكم) جمع فناء وهو الفضاء أمام الدار (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف (باليهود) في قذارتهم وقذارة أفنيتهم ولهذا كان للمصطفى وأصحابه مزيد حرص على نظافة الملبس والأفنية، وكان يتعاهد نفسه، ولا تفارقه المرآة والسواك.(التيسير بشرح أحاديث الجامع الصغير: 1/513).

6-الأخذ بالتعليمات والتوجيهات التي تصدرها الجهات المختصة في هذا الشأن، وهذا أيضاً من التدابير الوقائية، ومن ذلك الالتزام بارتداء الكمامة خاصة في أماكن التجمعات، والمحافظة على مسافة بينك وبين الآخرين، وعدم مخالطة المصاب بالعدوى، والمحافظة على غسل اليدين بالماء والصابون أو المطهرات المخصصة لذلك، وأي مريض تظهر عليه أي أعراض يعزل نفسه، ولا يخالط الآخرين، هذا وغيره من القرارات حفاظاً على نفسك وعلى الآخرين، وهذا مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية وهو الحفاظ على النفس، وكما يجب عليك أن تحافظ على نفسك، فإنه يجب عليك أيضاً أن تحافظ على الآخرين.

7-التضرع إلى الله تعالى والإكثار من الدعاء، فالدعاء سلاح المؤمن، ونور السماوات والأرض، والله عز وجل يغضب إن ترك العبد سؤاله، قال تعالى: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (سورة البقرة: 186)، وقال تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (سورة غافر: 60)، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-: أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ لَمْ يَسْألِ اللهَ يَغضَبْ عليه».أخرجه الترمذي.

 فعلينا أن نتضرع إلى الله تعالى برفع هذا الوباء، وكشف هذه الغمة عن الأمة، فاللهم ارفع الغمة عن الأمة يارب العالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، ونسألك يارب أن ترزقنا العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة يارب العالمين. اللهم آمين.

والحمد لله رب العالمين

كتبه

أحمد عرفة

عضو هيئة التدريس بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (8) د/ أحمد عرفة

 

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (8)

سبق القول: بأن من الأمور المهمة في ابتكار الأفكار البحثية الاطلاع على الرسائل العلمية التي نوقشت حديثاً في مجال التخصص، أو التي ستناقش قريباً، وحضورها والاستفادة منها، ومن هذه الدراسات التي نوقشت مؤخراً في الشريعة والدراسات الإسلامية:

1-الأحكام الفقهية المتعلقة بنوازل فُرق النكاح في الفقه الإسلامي، للباحث/ أحمد زغلول محمد زغلول، كلية الشريعة والقانون بتفهنا الأشراف- دقهلية، 14/12/2020م.

2-صكوك الاستثمار ودورها كأداة تمويلية لتنشيط سوق الأوراق المالية (دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي)، للباحث/ سعيد أحمد علي الأقرع، كلية الشريعة والقانون بدمنهور، 20/12/2020م.

3-أحكام شهادات أمان في ضوء الفقه الإسلامي دراسة فقهية تطبيقية معاصرة، للباحث/ علي عبد الفتاح بسيوني خضير، كلية الشريعة والقانون بالقاهرة، 22/12/2020م.

ومن الرسائل التي ستناقش قريباً:

1-أحكام الهرمونات الزراعية والآثار المترتبة على استخدامها (دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي)، للباحث/ مسعود عبود عبد المنعم عرابي، كلية الشريعة والقانون بدمنهور 27/12/2020م.

2-العَوُدُ وأثره في الجرائم التي تُهدد أمن وسلامة المجتمع (دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي)، للباحث/ خميس محمد رجب محمد عامر، كلية الشريعة والقانون بدمنهور، 3/1/2021م.

3-الأحكام الفقهية المتعلقة بالنقود الافتراضية (دراسة فقهية مقارنة) للباحثة/ إشراق عبد الحليم أحمد عبد المجيد، كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية، 9/1/2021م.

فهذه نماذج من الرسائل التي نُوقشت مؤخراً، والتي ستناقش قريباً إن شاء الله، والتي يجدر بالباحثين الاطلاع عليها والاستفادة منها، وقد يساعده هذا على ابتكار بعض الأفكار البحثية التي تصلح كأفكار بحثية جديدة، وكما يقولون: يبدأ من حيث انتهى الآخر، وفق الله الجميع.

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (7) د/ أحمد عرفة

 

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (7)

البحث العلمي يقتضي التنقيب والتفتيش في بطون المصادر والمراجع عن المسائل المراد بحثها، لا أن يتحول دور الباحث إلى آلة لأن يسأل هذا أو ذاك عن مراجع لبحثه، وهذا وللأسف الشديد أصبح دأب معظم الباحثين، وهو الكسل في البحث عن المصادر والمراجع، وربما يبحث ويبحث لكن يقف في منتصف الطريق، وفي هذه الحالة لا بأس باستشارة أهل الخبرة والمتخصصين في مجاله، لكن من غير المعقول والمقبول أن يكون شغله الشاغل أن يبحث له غيره عن مراجع لبحثه، فالباحث هو أعلم الناس بموضوع بحثه، وبما يفيده فيه أو لا يفيده، وهكذا

وليعلم الباحث أن البحث عن المصادر والمراجع له عدة طرق منها:

١.المصادر والمراجع المطبوعة، وهذا يكون من خلال زيارة المكتبات المتخصصة لشراء بعض المراجع، والاطلاع على البعض الآخر من خلال المكتبات المركزية للجامعات، والمكتبات الخاصة.

٢.المصادر والمراجع الإلكترونية، وهذا يكون من خلال البحث في مواقع الإنترنت عن طريق جوجل، أو غيره من أدلة البحث الأخرى، وهناك العديد من المواقع التي ينبغي على الباحث أن يبحث فيها، فربما وجد ضالته بها، ومنها على سبيل المثال: موقع المكتبة الوقفية، وموقع صيد الفوائد، وموقع مكتبة مشكاة الإسلامية، وموقع جامع الكتب المصورة، وملتقى أهل التفسير، وملتقى أهل الحديث، ومصورات عبد الرحمن النجدي، وغير ذلك من المواقع الأخرى.

٣.سؤال أهل الخبرة ممن لهم عناية بجمع الكتب، لا سيما المتخصص في مجاله، وهذا ربما يفيدك باسم كتاب أو مرجع، وهكذا.

وفق الله الجميع.

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (6) د/ أحمد عرفة

 

 

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (6)

من الأمور المهمة في ابتكار الأفكار البحثية الاطلاع على الرسائل العلمية التي نوقشت حديثا في مجال تخصصك، فإن في هذا الاطلاع العديد من الفوائد التي ربما يغفل عنها كثير من الباحثين، ولا سيما إذا طالع فقط مقدمة الرسالة وخاتمتها، فإن المقدمة عرض للموضوع باختصار، وما تناوله الباحث في رسالته بعرض شيق مفصل ومختصر يوفر عليه الكثير من الجهد، ويفتح له الأبواب والآفاق في مجال التخصص، وكذلك الخاتمة، وما يذكره فيها الباحث من النتائج التي توصل إليها من خلال بحثه، والتوصيات التي ربما يوصي بها الباحثين في مجال تخصصه، وهذا التوصيات من الأهمية بمكان، لأنه ربما من خلال الاطلاع عليها يخرج الباحث بفكرة أو بمجموعة أفكار قد تصلح لرسالة علمية.

ومما يفيد أيضا عند مطالعة الرسائل العلمية أنه ربما يخفق الباحث في أحد فصول أو مباحث الرسالة، وهذا الإخفاق في مسألة معينة أو مبحث أو فصل ربما يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة، ويكون خيطا لرسالة علمية جديدة.

هذا وغيره الكثير يظهر من خلال الاطلاع على الرسائل العلمية التي ربما يخرج الباحث من خلاله بفكرة أو مجموعة أفكار تصلح لأن تكون رسالة علمية في مجال تخصصه.

وفق الله الجميع

والحمد لله رب العالمين.

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (5) د/ أحمد عرفة

 

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (5)

المؤتمرات العلمية والندوات والمحاضرات المتخصصة في مجال تخصصك باب عظيم النفع والفائدة لاستخراج الأفكار البحثية التي تصلح لرسائل الماجستير والدكتوراه.

فعلى على الباحث وطالب الدراسات العليا أن يحرص على حضور المؤتمرات العلمية في مجال تخصصه، أو على الأقل إن لم يحضر بنفسه أن يطالع البحوث وأوراق العمل الصادرة عن هذه المؤتمرات جيدا، فقد يخرج من خلال هذه المطالعة بالعديد من الأفكار الجيدة التي يستفيد منها.

وكذلك ربما في ندوة أو محاضرة يلقيها أستاذ متخصص في مجاله تذكر بعض الأفكار الجيدة التي ربما تكون نواة لرسالة علمية.

فاحرص على هذا وعض عليه بالنواجذ، واستعن بالله ولا تعجز

والله الموفق.

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (4) د/ أحمد عرفة

 

 

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (4)

من الوسائل والطرق المهمة في اختيار الفكرة البحثية الاطلاع على دورات وقرارات المجامع الفقهية والنظر فيها بدقة، كمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي بالهند، وغيرها من الهيئات العلمية ولجان الفتوى.

كذلك أيضا مما يفيد في هذا الصدد القرارات الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة المالية بالبحرين أيوفي في الموضوعات الحديثة.

ومن خلال هذه القراءة والاطلاع على ما سبق بالتأكيد سيحصل الباحث على مجموعة من الأفكار التي ربما تصلح لبحث علمي في مرحلة الماجستير أو الدكتوراه.

وفق الله الجميع.

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (3) د/ أحمد عرفة

 

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (3)

من الأمور المهمة للباحثين في بدايات الدراسات العليا دراسة ما يتعلق بكيفية كتابة البحث العلمي ومناهجه، وكيف يخرج الباحث ببحث علمي رصين وفق القواعد والضوابط العلمية، ومن الكتب المهمة في مناهج البحث العلمي بصفة عامة، والبحث في الدراسات الإسلامية بصفة خاصة:

منهج البحث في الفقه الإسلامي خصائصه ونقائصه د: عبد الوهاب أبو سليمان.

كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات الإسلامية د: عبد الوهاب أبو سليمان.

البحث الفقهي طبيعته، خصائصه، أصوله، مصادره د: إسماعيل سالم عبدالعال.

منهج البحث في التراث الفقهي د: الناجي لمين

أبجديات البحث في العلوم الشرعية د: فريد الأنصاري.

كيف تكتب بحثا أو رسالة د: أحمد شلبي

لمحات في المكتبة والبحث والمصادر د: محمد عجاج الخطيب.

أضواء على البحث والمصادر د: عبد الرحمن عميرة.

وغير ذلك من الكتب والدراسات التي لها عناية بالبحث العلمي ومصادره، ينبغي على الباحث مطالعتها جيدا، والاستفادة منها قبل الدخول في بحثه، كي يخرج البحث بصورة أقرب إلى الكمال وفق المنهجية العلمية السليمة.

وفق الله الجميع.

 

 

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (2) د/ أحمد عرفة

 

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (2)

من الأشياء التي تعين على توليد الأفكار البحثية البحث في المجلات العلمية المحكمة في مجال تخصصك، فهذه المجلات ميدان خصب به العديد من الأفكار والكتابات التي تصلح أن تكون بحثاً علمياً أكاديميا متخصصاً، وذلك بالنظر وإعادة النظر في هذه البحوث، واستخراج جوانب الضعف فيها أو النقص والعمل على استكمالها، لا سيما في النوازل والمستجدات المعاصرة.

ومن المجلات التي نرشحها هذا الصدد للمتخصصين في الشريعة والدراسات الإسلامية

مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت

مجلة الجمعية الفقهية السعودية

مجلات كليات الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية في مصر والعالم الإسلامي.

مجلة البحوث الفقهية المعاصرة

وغيرها كثير من المجلات العلمية المحكمة

وفق الله الجميع.

 

 

إلى شباب الباحثين وطلاب الدراسات العليا (1) د/ أحمد عرفة

إلى شباب الباحثين

وطلاب الدراسات العليا (1)

الأفكار البحثية لا تولد بين عشية وضحاها، لكن هذه الأفكار لا تكون إلا من خلال القراءة الفاحصة، والاطلاع الواسع في مجال التخصص، وكذلك أيضا جرد الدراسات والبحوث الحديثة في مجال التخصص، وبناء عليه ربما تهتدي لفكرة بحثية تصلح كرسالة ماجستير أو دكتوراه.

وفق الله الجميع.

 

الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

كتاب قرأناه لك: أدب الفتوى لابن الصلاح المتوفى 643هـ

 

كتاب قرأناه لك

أدب الفتوى

وشروط المفتي وصفة المستفتي وأحكامه وكيفية الفتوى والاستفتاء

هذا الكتاب من تأليف عثمان بن عبد الرحمن، أبو عمرو، تقي الدين المعروف بابن الصلاح (المتوفى: 643هـ)، وهو من الكتب المهمة التي عُنيت بأدب الفتوى، وبيان شروط المفتي، وصفة المستفتي، والأحكام المتعلقة بالفتوى، وغير ذلك مما يتعلق بالمفتي والمستفتي والاستفتاء.

وقد طُبع هذا الكتاب طبعات كثيرة، منها طبعة مكتبة الخانجي، بالقاهرة، الطبعة الثانية: 1430هـ- 2009م، بتحقيق وتعليق: الأستاذ الدكتور/ رفعت فوزي عبد المطلب، ويقع في 176 صفحة من القطع المتوسط.

يقول المحقق في مقدمته على الكتاب: "فموضوع هذا الكتاب "ضوابط الفتوى" نحن في حاجة إليه اليوم أكثر من أي وقت مضى، وذلك بعد أن تجرأ على الفتوى الكثيرون، دون أن يتأهلوا لها، مما أدى إلى كثير من الأخطاء والخطايا في فتاواهم التي تصدر عنهم، والتي يعارضون بها الفتاوى الصحيحة التي صدرت عن علماء مؤهلين لها.

وسيجد القارئ في هذا الكتاب؛ سواء في الأصل أو في التعليق؛ أن بعض العلماء قد نص على أن المفتي لا يفتي في مسائل الكلام، ولا في مسائل التفسير، وليترك ذلك لأهل الكلام وأهل التفسير. كما سيجد أيضاً مؤهلات المفتي التي لا تنطبق إلا على إنسان خالط الفقه وأصوله ومستلزمات فهم مسائلهما وأدلة الأحكام من الكتاب والسنة؛ خالط ذلك لحمه ودمه وأصبح "فَقِيه النفس" كما يقولون".

أما عن سبب تأليف هذا الكتاب فيقول المؤلف في مقدمته: "هذا ولما عظم شأن الفتوى في الدين وتسنم المفتون منه سنام السناء، وكانوا قرات الأعين، لا تلم بهم على كثرتهم أعين الأسواء، فنعق بهم في أعصارنا ناعق الفناء، وتفانت بتفانيهم أندية ذاك العلاء، على أن الأرض لا تخلوا من قائم بالحجة إلى أوان الانتهاء، رأيت أن أستخير الله تبارك "وتعالى"، وأستعينه، وأستهديه، وأستوقفه، وأتبرأ من الحول والقوة إلا به في تأليف كتاب في الفتوى لائق بالوقت، أفصح فيه إن شاء الله العظيم عن شروط المفتي، وأوصافه، وأحكامه، وعن صفة المستفتي وأحكامه، وعن كيفية الفتوى والاستفتاء وآدابهما جامعًا فيه شمل نفائس التقطتها من خبايا الزوايا، وخفايا الزوايا، ومهمات تقر بها أعين أعيان الفقهاء، ويرفع من قدرها من كثرت مطالعاته من الفهماء، ويبادر إلى تحصيلها كل من ارتفع عن "حضيض" الضعفاء، مقدمًا في أوله بيان شرف مرتبة الفتوى، وخطرها، والتنبيه على آفاتها وعظيم غررها، ليعلم المقصر عن شأوها، المتجاسر عليها أنه على النار يجرأ ويجسر، وليعرف متعاطيها المضيع شروطها أنه لنفسه يضيع ويخسر، وليتقاصر عنها القاصرون الذين إذا انتزوا (نزا: أي وثب) على منصب تدريس، أو اختلسوا ذروا من تقديم وترئيس، وجانبوا جانب المحترس، ووثبوا على الفتيا وثبة المفترس".

وأما عن محتوى الكتاب فقد اشتمل على مقدمة في بيان شرف الفتوى وخطرها وغررها، ثم انتقل بعد ذلك إلى بيان شروط المفتي وصفاته وأحكامه وآدابه، وبيّن أن من شروط المفتي: أن يكون مسلمًا، ثقة، مأمونًا، متنزهًا من أسباب الفسق ومسقطات المروءة، ويكون فقيه النفس, سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط, مستيقظًا.

 ثم تناول بعد ذلك أقسام المفتي، حيث تكلم عن المفتي المستقل وشروطه، والمجتهد وشروطه، ومسائل تجزيء الاجتهاد والأقوال فيها، والمفتي الذي ليس بمستقل "أحوال المفتي المنتسب"، وحكم فتوى المنتسبين إلى المذاهب، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذا الشأن.

ثم انتقل بعد ذلك إلى أحكام المفتين وفيه مسائل: لا يشترط فيه الحرية والذكورة، ولا تؤثر فيه القرابة والعداوة، وجر المنفعة، ولا بأس أن يكون المفتي أعمى أو أخرس مفهوم الإشارة أو كاتبًا، ولا تصح فتيا الفاسق وإن كان مجتهداً مستقلاً، وفتيا القاضي في الأحكام، وإذا استفتى المفتي وليس في الناحية غيره تعين عليه الجواب، إذا سأل العامي عن مسألة لم تقع لم تجب مجاوبته، وإذا أفتى بشيء ثم رجع عنه "نقض الاجتهاد"، وإذا عمل المستفتي بفتيا المفتي في إتلاف ثم بان خطأه، لا يجوز للمفتي أن يتساهل في الفتوى أو تتبع الحيل، وليس له أن يفتي في كل حالة تغير خلقه، وتشغل قلبه، والأولى بالمتصدي للفتوى أن يتبرع بذلك، ولا يجوز له أن يفتي في الأيمان والأقارير ونحو ذلك، ولا يجوز له أن يعتمد إلا على كتاب وثق بصحته، إذا أفتى في حادثة ثم وقعت مرة أخرى، وإذا وجد عن الشافعي قولا يخالف الحديث فماذا يصنع؟، وهل للمفتي المنتسب إلى مذهب الشافعي مثلا أن يفتي بمذهب آخر، وليس للمنتسب إلى مذهب الشافعي في المسألة ذات القولين أو الوجهين أن يتخير فيعمل أو يفتي بأيهما شاء، وإذا وجد من ليس أهلا للترجيح والتخريج بالدليل اختلافًا بين أئمة المذهب في الأصح من القولين أو الوجهين يفزع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم، وكل مسألة فيها قولان: قديم وجديد، وإذا اقتصر في جوابه على حكاية الخلاف بأن قال: فيها قولان أو وجهان.

وبعد أن انتهى من بيان أحكام المفتين تناول بعد ذلك كيفية الفتوى وآدابها، وذكر فيه مسائل: الأولى: يجب على المفتي حيث يجب عليه الجواب أن يبينه بيانًا مزيحًا للإشكال، الثانية: إذا كانت المسألة فيها تفصيل لم يطلق الجواب فإنه خطأ، الثالثة: إذا كان المستفتي بعيد الفهم فينبغي للمفتي أن يكون رفيقًا به صبورًا عليه، الرابعة: ليتأمل رقعة الاستفتاء تأملا شافيًا كلمة بعد كلمة، الخامسة: يستحب له أن يقرأ ما في الرقعة على من بحضرته ممن هو أهل لذلك، ويشاورهم في الجواب، السادسة: ينبغي أن يكتب الجواب بخط واضح وسط ليس بالدقيق الخافي ولا بالغليظ الجافي وإذا كتب أعاد نظره فيه، السابعة: إذا كان هو المبتدئ بالإفتاء فالعادة جارية بأن يكتب فتواه في الناحية اليسرى من الورقة، الثامنة: روي عن مكحول ومالك رضي الله عنهما: "أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا: لا حول ولا قوة إلا بالله" "الدعاء قبل أو بعد الفتوى"، التاسعة: على المفتي أن يختصر جوابه فيكتفي فيه بأنه يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل، العاشرة: إذا سئل عن مسألة ميراث فالعادة غير جارية بأن يشترط في جوابه في الورثة عدم الرق والكفر "، الحادية عشرة: ليس للمفتي أن يبني ما يكتبه في جوابه على ما يعلمه من صورة الواقعة للمستفتي، الثانية عشرة: لا ينبغي إذا ضاق موضع الفتوى عنها أن يكتب الجواب في رقعة أخرى خوفًا من الحيلة عليه، الثالثة عشرة: إذا رأى المفتي رقعة الاستفتاء قد سبق بالجواب فيها من ليس أهلًا للفتوى، وإذا خاف فتنة من الضرب على فتيا العادم للأهلية، الرابعة عشرة: إذا ظهر له أن الجواب على خلاف المستفتي وأنه لا يرضى بكذبه في ورقته فليقتصر على مشافهته بالجواب، الخامسة عشرة: إذا وجد في رقعة الاستفتاء فتيا غيره وهي خطأ قطعًا، السادسة عشرة: إذا لم يفهم المفتي السؤال أصلًا ولم يحضر صاحب الواقعة، السابعة عشرة: ليس بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه الحجة، الثامنة عشرة: يجب على المفتي عند اجتماع الرقاع بحضرته أن يقدم الأسبق فالأسبق، التاسعة عشرة: ليحذر في فتواه أن يميل في فتياه مع المستفتي أو خصمه، العشرون: ليس له إذا استفتي في شيء من المسائل الكلامية أن يفتي بالتفصيل.

ثم انتقل إلى القول في صفة المستفتي وأحكامه وآدابه: الأولى: هل يجب عليه البحث والاجتهاد عن أعيان المفتين؟، الثانية: في جواز تقليد الميت وجهان، الثالثة: هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء؟، الرابعة: إذا اختلف عليه فتوى مفتيين فللأصحاب فيه أوجه أحدها: أنه يأخذ بأغلظها، الثاني: يأخذ بأخفهما، الثالث: يجتهد في الأوثق، فيأخذ بفتوى الأعلم الأورع، الرابع: يسأل مفتيا آخر فيعمل بفتوى من يوافقه، الخامس: يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء، الخامسة: إذا سمع المستفتي جواب المفتي لم يلزمه العمل به إلا بالتزامه، السادسة: إذا استفتي فأفتى، ثم حدثت له تلك الحادثة مرة أخرى، فهل يلزمه تجديد السؤال؟ فيه وجهان، السابعة: له أن يستفتي بنفسه وله أن ينفذ ثقة يقبل خبره ليستفتي له، الثامنة: ينبغي للمستفتي أن يحفظ الأدب مع المفتي، التاسعة: ينبغي أن يكون رقعة الاستفتاء واسعة ليتمكن المفتي من استيفاء الجواب، العاشرة: لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالحجة فيما أفتاه ولا يقول له: لِمَ؟ وكيف؟

ومن خلال ما تقدم من عرض مفصل لهذا الكتاب القيم، الذي يُعدّ بحق دراسة شاملة عن أدب الفتوى والمفتي والمستفتي، يتبين لنا مدى أهميته لكل مشتغل بالفتوى، وذلك كي يكون على دراية بهذه المسائل والآداب والشروط والأحكام المتعلقة بها، وينبغي أن تعمل كليات الشريعة والدراسات الإسلامية على تدريسه كمادة مستقلة في هذه الأقسام، وكذلك لمن يعملون في حقل الفتوى.

تحرير

د/ أحمد عرفة

Ahmedarafa11@yahoo.com