الخميس، 27 أبريل 2017

أخلاقيات العمل في الإسلام للدكتور/ أحمد عرفة



أخلاقيات العمل في الإسلام
دعا الإسلام للعمل المثمر وحث عليه، وبارك الجهد المبذول، وحذر من البطالة والتسول، ومنع الاستجداء ممن كان قادراً على العمل، وقد مدح الله عز وجل العامل بقوله: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))(النحل 76).
                ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العمل ورغب فيه وبيّن أن العمل خير من البطالة والسؤال، وذلك فيما أخرجه أبو داود في سننه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجلاً من الأنصار درهمين، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فائتنى به، فأتاه به فشد فيه رسول الله عوداً بيده، ثم قال له اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً فقال رسول الله: هذا خير لك من أن تجيئ المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسالة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع).
                والعمل نعمة عظيمة تستحق الشكر، قال تعالى: ((لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ))(يس 35) ، ونجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - يفضِّل العمل والكسب على الجهاد؛ حيث يقول: "لَأَنْ أموت بين شعبتي رَحلِي أَضرِب في الأرض أبتغي من فضل الله أَحَبُّ إليَّ من أنْ أُقتَل مُجاهِدًا في سبيل الله؛ لأنَّ الله تعالى قدَّم الذين يضرِبون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين"، يعني في قوله تعالى:( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(المزمل 20).
وأباح الإسلام للعمال أن يطالبوا بحقهم وزيادة أجورهم وأن يذكروا أصحاب العمل بواجباتهم، ما داموا يقومون بأداء واجباتهم في العمل من حيث الإتقان والجودة والإخلاص كما قال صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ومن إتقان العمل أن يشعر العامل بالمسئولية تجاه العمل المكلف به، وأن يبذل الوسع والطاقة في سبيل تحقيق الإنتاج؛ لأنه بذلك ينمي الاقتصاد، ويعود عليه بالنفع وعلى الأمة وعلى المجتمع كله.
وللعمل أخلاقيات وسلوكيات وآداب دعا إليها الإسلام، ومنها: الرقابة الذاتية على نفسه وعمله ، ينبع ذلك من إيمانه ومن مخافته من الله، واستشعاره تقوى الله ورهبته وأن الله مطلع عليه مراقب له ، يعلم سره ونجواه وخفايا نفسه، يحاسبه على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وأن يحرص على الكسب الحلال في جميع الأعمال التي يقوم بها؛ ولذلك لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور(رواه أحمد)، وقد نهى الإسلام عن أكل الحرام ، والعمل الحرام والكسب الحرام ، فحرم الربا والقمار والسرقة والغش والاحتكار والاستغلال والخداع فى البيع.
ومنها: ألا يُجهد الإنسان نفسه في العمل أو دابته أو آلته، ومن ذلك ما أسسه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إن لربك عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً) فلا يرهق نفسه بزيادة العمل، ولا بزيادة الحمل كما لا يرهق الحيوان أو الآلة.
وألا يعمل في محرم وما فيه معصية لله تعالى كبيع الخمور والمسكرات والتجارة في المحرمات من الربا وسائر المعاملات المنهي عنها؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والطاعة لا تكون إلا في المعروف، وهو ما أحله الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن صفات العامل أن يكون قوياً أميناً؛ لأن العامل إما أن يكون أجيراً عند الدولة، أو عند عامة الناس، وهذا المعنى هو ما صوره القرآن الكريم حكاية عن نبي الله موسى عليه السلام مع نبي الله شعيب عليه السلام حينما اختاره عاملاً ، فيقول القرآن حكاية عن هذا ((قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ))(القصص 26)، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبى ذر قال: (قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
وأن تكون لدى العامل الخبرة الكافية فيما يقوم به من أعمال  فلا يكفى أن يكون العامل أميناً قوياً خلوقاً تقياً إذ لابد أن يكون عارفاً بعمله، مدركاً له، وقد كان عمر يستعمل قوماً ويدع أفضل منهم لبصرهم في العمل، وعدم الخبرة يؤدى إلى فساد العمل وضياعه، ويؤدى إلى ضعف الإنتاج أو سوء الإدارة أو إتلاف الآلات ويستتبع ذلك هدر الأموال وإضاعتها.
ومن أخلاقيات العمل الأمانة، والأمانة من الأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام فينبغي للعامل أن يتحلى بها؛ لأنها من الدين، ومن ثقلها عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبيين أن يحملنها وحملها الإنسان، ومن الأمانة أن يحرص على وقت العمل واستثماره فيما يعود عليه بالنفع، وأن يبتعد عن الغش بكافة صوره وأشكاله، وألا يستغل موقعه لمصلحة شخصية له أو لأحد أقاربه.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com


الأحد، 23 أبريل 2017

خطبة جمعة بعنوان: دروس من الاسراء والمعراج للدكتور/ أحمد عرفة 21/ 4/ 2017م

خطبة جمعة بعنوان: دروس من الاسراء والمعراج للدكتور/ أحمد عرفة 21/ 4/ 2017م 

https://www.youtube.com/watch?v=8y3mA9yC-h4 

خطبة جمعة بعنوان: أمانة الصانع والتاجر للدكتور/ أحمد عرفة

خطبة جمعة بعنوان: أمانة الصانع والتاجر للدكتور/ أحمد عرفة https://www.youtube.com/watch?v=GrOT82JO25U

خطبة جمعة بعنوان : "أمسك عليك لسانك" للدكتور/ أحمد عرفة

 خطبة جمعة بعنوان : "أمسك عليك لسانك" للدكتور/ أحمد عرفة
https://www.youtube.com/watch?v=um1ytt_cx_E

كتب الحديث للمبتدئين مع الدكتور/ أحمد عرفة

كتب الحديث للمبتدئين مع الدكتور/ أحمد عرفة 

https://www.youtube.com/watch?v=wKfzunjQ8d0&t=20s 

سؤال عن كتب التفسير للمبتدئين مع الدكتور/ أحمد عرفة

سؤال عن كتب التفسير للمبتدئين مع الدكتور/ أحمد عرفة 

https://www.youtube.com/watch?v=nB9kXygd1pU&t=8s 

الدكتور/ عزالدين متولي يحاور الدكتور/ أحمد عرفة في موضوع بيع العينة

الدكتور/ عزالدين متولي يحاور الدكتور/ أحمد عرفة في موضوع بيع العينة 

https://www.youtube.com/watch?v=9an8crgtLgw 

السبت، 22 أبريل 2017

كتاب قرأناه لك. عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين. للإمام ابن القيم . إعداد. د/ أحمد عرفة



عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين
هذا الكتاب من تأليف الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي، الدمشقي، الملقب بشمس الدين، المكنى بأبي عبد الله، الشهير بابن قيم الجوزية المتوفى سنة 751هـ، وقد تميز –رحمه الله- بمؤلفاته القيمة في الفقه وأصوله، والزهد والرقائق، وغيرها من التصانيف النافعة في شتى فروع المعرفة المختلفة، ومنها هذا الكتاب الذي نحن بصدد التعريف به وهو " عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين"، وقد طُبع طبعات كثيرة منها طبعة دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع، بتحقيق: سليم بن عيد الهلالي.
يقول في مقدمته: "إن الله سبحانه جعل الصبر جواداً لا يكبو، وصارماً لا ينبو، وجنداً لا يهزم، وحصناً حصيناً لا يهدم ولا يثلم، فهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد، ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب، وأخبره أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين فقال تعالى: " وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة وفازوا بها بنعمه الباطنة والظاهرة، وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين فقال تعالى: " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ".
ثم يقول: وقد جعلته ستة وعشرين بابا وخاتمة. الباب الأول: في معنى الصبر لغة واشتقاق هذه اللفظة وتصريفها، وبيّن أن الصبر هو حبس النفس عن تنفيذ مرادها أو إكراهها على الطاعة أو ثباتها عند الابتلاء،  والباب الثاني: في حقيقة الصبر وكلام الناس فيه، والباب الثالث: في بيان أسماء الصبر، والباب الرابع: في الفرق بين الصبر والتصبر والاصطبار والمصابرة، والباب الخامس: في أقسام الصبر باعتبار محله، والباب السادس: في أقسامه بحسب اختلاف قوته وضعفه ومقاومته لجيش الهوى وعجزه عنه، والباب السابع في بيان أقسامه باعتبار متعلقه، والباب الثامن: في انقسامه باعتبار تعلق الأحكام الخمسة به، والباب التاسع: في بيان تفاوت درجات الصبر، والباب العاشر: في انقسام الصبر إلى محمود ومذموم.
وفي أنواع الصبر وأشكاله يقول: " أنواع الصبر وأشكاله: إن كان صبراً عن شهوة الفرج المحرمة سمي الصبر عفّة، وإن كان الصبر عن شهوة البطن سمي صوماً وشرفاً، وإن كان الصبر عن إظهار ما لا يحسن إظهاره من الكلام سمي: كتمان سر وإمساك لسان، وإن كان صبراً عن فضول العيش سمي زهداً وقناعة، وإن كان صبراً عن إجابة داعي الغضب سمي حلماً، وإن كان صبراً عن داعي العجلة سمي وقاراً وثباتاً وضده الطيش والغفلة، وإن كان صبراً عن إجابة داعي الفرار والهرب سمي شجاعة، وإن كان صبراً عن إجابة داعي الانتقام سمي عفواً وصفحاً، وإن كان صبراً عن إجابة داعي العجز والكسل سمي: كيساّ. فله عند كل فعل وترك اسم يخصه بحسب متعلّقه، والاسم الجامع لذلك كله هو(الصّبر)، وهذا يدلّك على ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر.
وفي الباب الحادي عشر: بيّن الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام، والباب الثاني عشر: في الأسباب التي تعين على الصبر، والباب الثالث عشر: في بيان أن الإنسان لا يستغنى عن الصبر في حال من الأحوال، والباب الرابع عشر: في بيان أشق الصبر على النفوس، وفي ذلك يقول: "الصبر وإن كان شاقاً كريهاً على النفوس فتحصيله ممكن وهو يتركب من مفردين: العلم والعمل، فلا بد من جزء علمي، وجزء عملي فمنهما يركب هذا الدواء الذي هو أنفع الأدوية، وجميع الأدوية التي تداوى بها القلوب والأبدان، فأما الجزء العلمي فهو: إدراك ما في المأمور من الخير والنفع واللذة والكمال، وإدراك ما في المحظور من الشر والضر والنقص، فإذا أدرك هذين العلمين كما ينبغي، وأضاف إليهما العزيمة الصادقة والهمة العالية، والنخوة والمروءة الإنسانية، وضم هذا الجزء إلى هذا الجزء؛ فمتى فعل ذلك حصل له الصبر، وهانت عليه مشاقُّه، وحلَت له مرارته وانقلب ألمه لذة".
وفي الباب الخامس عشر: ذكر ما ورد في الصبر من نصوص الكتاب العزيز، والباب السادس عشر:  في ذكر ما ورد فيه من نصوص السنة، والباب السابع عشر: في ذكر الآثار الواردة عن الصحابة في فضيلة الصبر، والباب الثامن عشر: في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب وشق الثياب ودعوى الجاهلية ونحوها، والباب التاسع عشر: في الصبر نصف الإيمان، وأن الإيمان نصفان صبر ونصف شكر، والباب العشرون: في بيان تنازع الناس في الأفضل من الصبر والشكر.
 والباب الحادي والعشرون: في الحكم بين الفريقين والفصل بين الطائفتين، والباب الثاني والعشرون في اختلاف الناس في الغنى الشاكر والفقير الصابر أيهما أفضل وما هو الصواب في ذلك، والباب الثالث والعشرون: في ذكر ما احتجت به الفقراء من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار، والباب الرابع والعشرون: في ذكر ما احتجت به الأغنياء من الكتاب والسنة والآثار والاعتبار، والباب الخامس والعشرون: في بيان الأمور المضادة للصبر والمنافية له والقادحة فيه، والباب السادس والعشرون:  في بيان دخول الصبر في صفات الرب جل جلاله وتسميته بالصبور والشكور، وفي ذلك يقول: "ولو لم يكن للصبر والشكر من الفضيلة إلا ذلك لكفي به في الصحيحين من حديث الأعمش عن سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسي عن النبي قال: ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله عز وجل يدعون له ولداً وهو يعافيهم ويرزقهم".

د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

كتاب قرأناه لك . حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي للدكتور/ يوسف قاسم . إعداد/ د/ أحمد عرفة



حقوق الأسرة في الفقه الإسلامي
هذا الكتاب من تأليف الأستاذ الدكتور/ يوسف قاسم، وقد حاز على جائزة الدولة لعام 1403هـ-1983م، وطبعته دار النهضة العربية بالقاهرة في عام 1403هـ- 1984م، ويقع في 444 صفحة.
في المقدمة يقول المؤلف: " وبعد: فإن دراسة حقوق الأسرة لها أهميتها التي لا تخفى على أحد؛ إذ هي ترتبط بحياة الإنسان في سائر أحواله، وفي كل مرحلة من مراحل حياته، وذلك يعني أن كل إنسان في هذا الوجود لا بد أن تثبت له بعض هذه الحقوق، التي تقابلها حتماً واجبات؛ يتعين عليه أداؤها. فهو لا يخلو من أن يكون ولداً أو والداً أو زوجاً.
وقد عنيت الشريعة الإسلامية ببيان هذه الحقوق بياناً مفصلاً. كما اهتمت بنتظيمها تنظيماً دقيقاً يساير كل مرحلة يمر بها الإنسان في حياته؛ لكي يكون جديراً بخلافة الله في أرضه، تحقيقاً للحكمة الإلهية من وجوده في هذه الدنيا وبقائه فيها إلى أجل محدود، ولقد سبق في علم الله تعالى أن الإنسان لن يستقيم أمره؛ إلا بوجود أنيس له يجمع به شمله، وتستقر معه حياته؛ فخلق له من نفسه الزوج الذي يحقق تلك الحكمة الإلهية الدالة على كمال الخالق جلت حكمته، وعلى نقص المخلوق وعجزه واحتياجه".
وقد جاء في تمهيد وثلاثة أقسام: حيث تناول في التمهيد حقوق الأسرة أمام القضاء، ومدى تقيد القضاء بالمذاهب الفقهية، والقضاء في مصر. ثم انتقل بعد ذلك للحديث عن حقوق الأسرة ومراحل تقنينها، وقانون حقوق العائلة، وقوانين الأسرة في مصر مبيناً أنه على الرغم من أن مصر ولاية إسلامية، إلا أنها رفضت الالتزام بمجلة الأحكام العدلية بحجة أن لها استقلالاً تشريعياً وهي حجة داحضة. ثم تحدث عن مرسوم قانون رقم 25 لسنة 1920م، ومرسوم قانون 25 لسنة 1929م، وقوانين أخرى مرتبطة بالموضوع كقانون رقم 88 لسنة 1931م الخاص بنتظيم المحاكم الشرعية متضمناً بعض المواد المتعلقة بحقوق الأسرة، وقد أخذت أحكامها من الفقه الإسلامي على العموم دون التقيد بالمذهب الحنفي.
وفي سنة 1936م شكلت لجنة علمية من رجال الشريعة الإسلامية الذين يمثلون المذاهب الأربعة لصياغة قانون شامل لما يسمى بالأحوال الشخصية. وكان من ثمراتها قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943م، وقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946م، وقانون الأوقاف رقم 46 لسنة 1948م.

وقد تناول في القسم الأول من هذه الدراسة عقد الزواج والحقوق الناشئة عنه، وقسّمه بابين: الباب الأول: في عقد الزواج، وقسّمه فصلين: في الفصل الأول: تناول حكم الزواج وحكمته ومقدماته، وما يتعلق بالخِطبة وأحكامها،  وفي الفصل الثاني: تناول أركان عقد الزواج وشروطه، وأما الباب الثاني: فقد تناول فيه الحقوق الناشئة عن عقد الزواج، وهذه الحقوق أنواع ثلاثة: حقوق للزوج، وحقوق للزوجة، وحقوق مشتركة بينهما، وتناول كل نوع منهما في فصل مستقل.
وفي القسم الثاني تناول طرق إنهاء عقد الزواج وما يترتب عليه من آثار. مبيناً أنه ينتهي بالوفاة، فإذا ما توفي أحد الزوجين انتهى بينهما في هذه الحياة الدنيا، كما ينتهي أيضاً بالطلاق والتطليق، حيث يتفرق كل من الزوجين إلى حال سبيله، وينتهي أيضاً بالفسخ. وقد جاء هذا القسم في بابين: الباب الأول: في الطلاق والتطليق، وقسّمه فصلين، في الفصل الأول: تناول أحكام الطلاق، من معنى الطلاق وحكمته، وحكمه، وشروطه، وصيغه وأقسامه، وفي الفصل الثاني: تناول أحكام التطليق. ذكر فيه أن التطليق للضرر البالغ أربعة أنواع: فقد يكون الضرر الشديد لعيب مستحكم في الزوج اكتشف في بدء الحياة الزوجية، وقد يكون الضرر الشديد راجعاً إلى سوء عشرته وإيذائه البالغ لها، وقد يكون الضرر بسبب غيبته الطويلة عنها بحيث تخشى الفتنة على نفسها، وأخيراً قد ينالها ضرر غير محتمل لعدم إنفاقه عليها، وتكلم عن هذه الأنواع بالتفصيل من خلال أحكام الفقه الإسلامي والقانون، وأما الباب الثاني: فقد تناول فيه الحالات المشابهة والأحكام المكملة، وجاء في فصلين: الفصل الأول: في الظهار والإيلاء والخلع، والفصل الثاني: في الرجعة والعدة والمتاع.
وفي القسم الثالث: تناول حقوق الأولاد والأقارب، وجاء في بابين. في الباب الأول: بيّن فيه حقوق الأولاد من ثبوت النسب والرضاع والحضانة، ثم الإشراف والتوجيه، وهو ما يسمى بالولاية، وفي الباب الثاني تناول نفقة الأولاد والأقارب، وبيان الأسس التي تقوم عليها أحكام النفقة، وآراء العلماء في سبب وجوب النفقة.
فالكتاب موسوعة علمية فقهية قانونية مقارنة في حقوق الأسرة لا غنى عنه للباحثين والمتخصصين في الفقه الإسلامي والقانون.



د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

الجمعة، 21 أبريل 2017

هديَّةُ الله لنبيِّه في رحلة الإسراء والمعراج د/ أحمد عرفة



هديَّةُ الله لنبيِّه في رحلة الإسراء والمعراج
في رحلة الإسراء والمعراج بالهادي البشير صلى الله عليه وسلم كانت المنح والهدايا من المولى سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومِنْ أعظم هذه الهدايا في هذه الرحلة المباركة: فريضة الصلاة، وقد كانت الصلاة معروفة قبل ليلة الإسراء، وكانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، وقد ثبت ذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: «فُرِضَت الصلاة ركعتين، ثم هاجر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ، ففُرِضت أربعا، وتُركت صلاة السفر على الفريضة الأولى»، وأما الصلوات الخمس المعروفة اليوم فقد فُرضت ليلة الإسراء (خمسين صلاة) ثم خُفِّفَتْ حتى جُعِلَتْ (خمسًا) في اليوم والليلة، وذلك كما جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فَرَضَ اللهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلاَةً، فَرَجَعْتُ بِذَلِكَ حَتَّى مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ اللهُ لَكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ: فَرَضَ خَمْسِينَ صَلاَةً، قَالَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعَنِي فَوَضَعَ شَطْرَهَا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ: وَضَعَ شَطْرَهَا؛ فَقَالَ: رَاجِعْ رَبَّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ، فَرَاجَعْتُ فَوَضَعَ شَطْرَهَا، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ: هِيَ خَمْسٌ وَهِيَ خَمْسُونَ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقَالَ رَاجِعْ رَبَّكَ، فَقُلْتُ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ".
وقد صلى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بالأنبياءِ عليهم السلام في هذه الرحلة، وقد جاء بيانُ ذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: «لَقَد رَأيتُني في الحِجْرِ ، وَقُرَيشٌ تَسألُني عن مَسْرَايَ؟ فَسألَتْني عن أشياءَ من بَيتِ المقدس لم أُثبِتْهَا، فكُرِبْت كُرْبَة ما كُرِب مثلها قطُّ، قال: فَرَفَعهُ الله لي، أنْظرُ إليه، ما يَسألُوني عن شيءٍ إِلا أَنْبَأتُهم بِهِ، ولقد رَأيتُني في جماعةٍ من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضَرْبٌ جَعْدٌ كأنَّه من رجال شَنُوءةَ، وإذا عيسى بنُ مريمَ قائم يُصلِّي، أقرب الناسِ به شَبها عُروَةُ بنُ مسعودٍ الثقفيُّ، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يُصلِّي، أَشْبهُ النَّاسِ به: صَاحِبُكم- يعني نَفسَهُ- فَحَانَتِ الصلاةُ فَأَمَمتُهُم، فَلمَّا فَرَغْتُ من الصلاةِ قال قائلٌ: يا مُحَمَّدُ هذا مالكٌ خَازِنُ النَّارِ، فَسَلِّمْ عليه، فَالتَفَتُّ إليه، فَبَدَأني بالسلام».
والمُتأملُ في فرائض الإسلام يجدُ أنَّ فريضةَ الصلاةِ هي الفَريْضَةُ الوحيدةُ التي فَرَضَهَا اللهُ تعالى في ليلة الإسراء والمعراج من فوق سَبْعِ سماوات، مما يدلُّ على أنَّ لها مكانَةً عَظيمَةً وخاصةً عند المولى سبحانه وتعالى، فهي الركنُ الثاني من أركانِ الإسلامِ بعد الشهادتين، وذلك كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ "(رواه البخاري).
 وهي أَوَّلُ ما يُحَاسَبُ عليه العَبْدُ يومَ القيامَةِ، فَإِنْ صَلُحَتْ؛ صَلحَ سائرُ عمله، وإنْ فَسَدَتْ؛ فَسَدَ سَائرُ عمله، وذلك لما أخرجه الترمذي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ".
كما أنَّ آخر ما يُفقدُ من الدين: (الصلاة)، فإنْ ضَاعَتْ؛ ضَاعَ الدِّينُ كُلُّهُ، وذلك لما أخرجه أحمدُ في مسنده بسندٍ صحيحٍ، عن أبي أمامةَ رضي اللهُ عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لَيَنْتَقِضَنَّ عُرَى الإِسْلامِ عُرْوَةٌ عُرْوَةٌ فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ الناس بِالَّتِي تَلِيهَا فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاةُ" ومن أجل ذلك كانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، وكان إذا حزبه أمر أو أحزنه شيء فزع إلى الصلاة، وكان يقول: "أرحنا بالصلاة يا بلال"(رواه أبو داود). أي أذن بالصلاة نسترح بأدائها من شغل القلب بها. وقيل: كان اشتغاله بالصلاة راحة له؛ فإنه كان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً، وكان يستريح بالصلاة لما فيها من مناجاة الله تعالى؛ ولهذا قال: "وقرة عيني في الصلاة" وما أقرب الراحة من قرة العين.(شرح الطيبي على مشكاة المصابيح 10/ 3291).
ولِعِظَمِ أَهَمِّيَتِهَا وَمَكَانَتِهَا نَجِدُ أنَّها كانتْ آخرَ وَصَايَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، قال : كان آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغرغر بها في صدره، وما كان يفيض بها لسانه: " الصلاة الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم"، وهي الفارق بين المسلم وغيره، وذلك لما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".
وللصلاة فضائل كثيرة منها مغفرة الخطايا والذنوب وتكثير الحسنات والرفعة في الدرجات، وقد بيّن صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديث كثيرة منها ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ ذلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ قالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا قَالَ: فَذلِكَ مِثْلُ الصَّلَواتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا"، وقال صلى الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارات لما بينهن"(رواه مسلم).
فينبغي علينا أنْ نُحَافِظَ على هذه الصَّلاةِ، وأنْ نُقَدِّرَهَا حَقَّ قَدْرِهَا، كما أمرنا رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا وَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم؛ حتى نَسْعَدَ في الدنيا والآخرةِ، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: "إن حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم من الصلاة" فأين نحن من الإسلام؟ وأين نحن من الصلاة؟ وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

د/ أحمد عرفة
  باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

الخميس، 13 أبريل 2017

حماية غير المسلمين واجب ديني ووطني د/ أحمد عرفة


حماية غير المسلمين واجب ديني ووطني

إن ما نشاهده بين الحين والآخر من تفجيرات وأعمال إجرامية من الاعتداء على غير المسلمين المقيمين داخل الدولة الإسلامية والاعتداء على كنائسهم هذا أمر لا يقره الإسلام بل عده جريمة من الجرائم التي يعاقب عليها كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أول ما يقضى فيه بين الناس بالدماء، وبيّن صلى الله عليه وسلم "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً"(رواه البخاري).

وغير المسلمين ينقسمون باعتبار ما لهم من احترام وصيانة لأنفسهم وأموالهم وما ليس لهم إلى حربيين وذميين ومستأمنين.

فالحربيون: هم غير المسلمين من النصارى واليهود والمشركين الذي يقيمون في دار الحرب وينتمون إليها، ولا يوجد بينهم وبين المسلمين عقد ذمة ولا أمان، يعادون المسلمين معاداة ظاهرة، فلا يستحقون الاحترام والصيانة لأنفسهم وأموالهم.

والذميون: هم غير المسلمين من أهل الكتاب ونحوهم الذين يقيمون إقامة دائمة في دار الإسلام، ويتمتعون بالحماية الكافية لأنفسهم وأموالهم في مقابل أدائهم لضريبة محددة تسمى الجزية، والتزامهم بأحكام الإسلام المتعلقة بالأمن والنظام في دار الإسلام كالمعاملات والعقوبات.

والمستأمنون: هم الحربيون الذين دخلوا دار الإسلام بعقد أمان مؤقت لا يزيد عن سنة، بغرض الزيارة أو التجارة أو المرور، فلهم ما للذميين من حماية وصيانة لأنفسهم وأموالهم، في مقابل التزامهم بأحكام الإسلام المتعلقة بالأمن والنظام في دار الإسلام.

وقد كفلت الشريعة الإسلامية لغير المسلمين المقيمين بالدولة الإسلامية سائر الحقوق والواجبات، ومن أعظم هذه الحقوق هي حمايتهم من العدوان الخارجي والعدوان الداخلي، وفي ذلك يقول الإمام القرافي المالكي في كتابه "الفروق" قول الإمام الظاهري ابن حزم في كتابه "مراتب الإجماع": "إن من كان في الذمة، وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه، وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع  (اسم يجمع للخيل والسلاح) والسلاح، ونموت دون ذلك، صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسولهr، فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة"، والمتأمل في كلامه –رحمه الله- يدرك جيداً أن هذا الحق العظيم لغير المسلمين في حمايتهم من أي عدوان خارجي عليهم داخل الدولة الإسلامية، وفي حالة الاعتداء يجب على المسلمين حمايتهم، والتصدي لهذا العدوان بكل قوة.

وذكر الإمام الرحيباني من فقهاء الحنابلة في كتابه " مطالب أولى النهي" أنه: "يجب على الإمام حفظ أهل الذمة ومنع مَن يؤذيهم، وفك أسرهم، ودفع مَن قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب، بل كانوا بدارنا، ولو كانوا منفردين ببلد"، وعلل ذلك بأنهم: "جرت عليهم أحكام الإسلام وتأبد عقدهم، فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين".

ومن المواقف التطبيقية لهذا المبدأ الإسلامي، موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، حينما تغلب التتار على الشام، وذهب الشيخ ليكلم "قطلوشاه" في إطلاق الأسرى، فسمح القائد التتري للشيخ بإطلاق أسرى المسلمين، وأبى أن يسمح له بإطلاق أهل الذمة، فما كان من شيخ الإسلام إلا أن قال: لا نرضى إلا بافتكاك جميع الأسارى من اليهود والنصارى، فهم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الذمة، ولا من أهل الملة، فلما رأى إصراره وتشدده أطلقهم له"، ومنها أيضاً ما كتبه خالد بن الوليد t في خلافة أبي بكر الصديق t في السنة الثانية عشرة للهجرة لبعض أهالي المدن المجاورة للحيرة في العراق، وكانوا من النصارى, إذ جاء فيه: «... فلك الذمَّة والمنعة؛ فإن منعناكم فلنا الجزية؛ وإلا فلا حتَّى نمنعكم».

وأما عن حمايتهم من العدوان الداخلي، فهو أمر يوجبه الإسلام ويشدد في وجوبه، ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان، فالله تعالى لا يحب الظالمين ولا يهديهم، بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا، أو يؤخر لهم العقاب مضاعفاً في الآخرة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة" (أخرجه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم (3052).

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأهل مصر خيراً، حيث قال r : «إنكم ستفتحون مصر فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها؛ فإن لهم ذِمة ورحِماً» (رواه مسلم). قال الإمام النووي رحمه الله: "وأما الذمة فهي الحرمة والحق , وهي هنا بمعنى الذمام ، وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم".

 وقد تنبَّه الخلفــــاء المسلمون لهذه التوجيهات وأكَّدوا عليها في توصياتهم لولاتهم حرصًا على تطبيق شرع الله تعالى, فيما يخص أهل الذمَّة بديار الإسلام, فاشتدَّت عنايتهم بدفع الظلم عن أهل الذمَّة، وكفّ الأذى عنهم، والتحقيق في كل شكوى تأتي من قِبَلِهم. حيث كان الخليفـــة عمر بن الخطاب t يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال أهـــــل الذمَّة، خشــــية أن يكــــون أحدٌ من المسلمين قـــــد أفضى إليهم بأذى، فيقولون له: «ما نعلم إلا وفاءً», أي بمقتضى العهد والعقد الذي بينهم وبين المسلمين، وهذا يقتضي أن كلاً من الطرفين وفَّى بما عليـــه.

وأصيب عُمر t بضربة رجل من أهل الذمَّة أبي لؤلؤة المجوسي فلم يمنعه ذلك أن يوصي الخليفةَ من بعده, وهو على فراش الموت, فيقول: «وأوصيه بذمَّة الله وذمَّة رسول الله e أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم, ولا يكلَّفوا إلا طاقتهم».

مما سبق يتبين لنا أن الإسلام قد كلف لغير المسلمين المقيمين بالدولة الإسلامية حق الحماية من العدوان الخارجي والعدوان الداخلي، وأن على المسلمين أن يقوموا بهذا الواجب الذي أمر به الإسلام، وبينه نبينا عليه الصلاة والسلام كما ينبغي من أجل حماية الوطن وحماية النفس البشرية والدماء المعصومة من أن تسفك بغير حق. والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.



د/ أحمد عرفة

باحث دكتوراه بجامعة الأزهر

عضو الجمعية الفقهية السعودية

Ahmedarafa11@yahoo.com




داعش وأفكارها في ميزان الشريعة الإسلامية د/ أحمد عرفة



داعش وأفكارها في ميزان الشريعة الإسلامية
إن ما تقوم به داعش وغيرها من الفرق والجماعات المنحرفة عن الفهم الصحيح للإسلام من أفكار التطرف والإرهاب التي تفسد في الأرض وتهلك الحرث والنسل، ليست من الإسلام في شىء، وأن المسلمين هم أول ضحاياها، وأن الإسلام برئ من هذه الأفكار المنحرفة التي أسأت فهمه على الوجه الصحيح، وهذه الأفكار تعتبر امتداداً لـفكر"الخوارج"، الذين هم أول فرقة مرقت من الدين بسبب تكفيرها المسلمين بالذنوب، وللأسف الشديد نجد كثير من شبابنا ساروا خلف هذه الأفكار وفهموا النصوص الشرعية فهماً خاطئاً، مخالفاً لفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ، فشوهوا صورة الإسلام بصفائه ونقائه وإنسانيته، وانحرفوا بأفكارهم عن سماحته ووسطيته، يفعلون ذلك باسم الدين، وينشُرونَه على مرأى ومسمعٍ من العالمين، وكل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظنُّ أن ما يصدُرُ عن هؤلاء هو الإسلام، والإسلامُ منهم براء.
وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأفكار المنحرفة في أحاديث كثيرة منها: ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من ضئضئ هذا قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون، أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ". قال الخطابي رحمه الله: (الضئضئي) الأصل يريد أنه يخرج من نسله الذين هو أصلهم أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قوله، وقوله صلى الله عليه وسلم:" لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد":أي قتلاً عاماً مستأصلاً، وقال صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج قوم يقرءون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية"(رواه أحمد)، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم كيفية معاملة أصحاب هذه الأفكار المنحرفة، وذلك فيما أخرجه أبو داود في سننه بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :« سيكونُ في أُمَّتي اختلافٌ وفُرْقَةٌ ، قومٌ يُحْسِنونَ القِيلَ ، ويُسِيئونَ الفِعْلَ ، يقْرؤونَ القرآنَ لا يُجاوِزُ تراقِيَهم ، يَمْرُقونَ مِنَ الدِّينِ مُروقَ السَّهمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، لَا يَرْجِعونَ حتى يَرْتَدَّ علَى فُوقِهِ ، هم شِرَارُ الخلْقِ والخلِيقَةِ ، طُوبَى لِمَنْ قتَلَهم وقتَلوهُ ، يُدْعَوْنَ إلى كتابِ اللهِ وليسوا منه فِي شيءٍ ، مَنْ قاتَلَهم كان أَوْلَى باللهِ منهم ».
 فهذه الصفات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث وغيرها ينطبق الكثير منها على ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وغيره من الأفكار المنحرفة. 
وما تقوم به هذه الجماعات المنحرفة من القتل والعمليات الإجرامية لا يقره الإسلام، والإسلام بريء منه فقد حرم ربنا جل وعلا قتل النفس إلا بالحق وبيّن عقوبة من يفعل ذلك بقوله سبحانه:( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)(سورة النساء:93)، وقال صلى الله عليه وسلم: " لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ، ما لم يصب دماً حراماً"(رواه البخاري)، ولا يقتصر الأمر على هذا بل حرمت الشريعة الإسلامية أيضاً التعرض لغير المسلم الذمي أو المعاهد والمستأمن بشتى أنواع الاعتداءات ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما" (رواه البخاري).
وفي النهاية يجب على علماء الأمة أن يبينوا للناس خطر هذه الأفكار على الإسلام والمسلمين، وأن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، ولا يعترف بهذه الأفكار الضالة والاتجاهات المنحرفة عن الفهم الصحيح للإسلام، وعليهم توضيح صورة الإسلام الوسطي للعالم كما قال ربنا جل وعلا:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)(سورة البقرة:143)، وترجم البخاري في صحيحه، أحب الدين إلى اللَّه الحنيفية السمحة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قيل لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:أي الأديان أحب إلى اللَّه ؟ قال : الحنيفية السمحة.
 فما أحوج المسلمين الآن لنشر قيم التسامح التي دعا الإسلام، والتسلح بالعلم الشرعي والفهم الصحيح للتصدي لهذه الأفكار المنحرفة وتوضيح صورة الإسلام الوسطي للعالم كما قام بها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة.
والله ولي التوفيق.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
عضو الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي
Ahmedarafa11@yahoo.com

التحذير من فتنة التكفير د/ أحمد عرفة


التحذير من فتنة التكفير

إن ما نشاهده كل يوم من قتل وتفجير وإفساد في الأرض من بعض الجماعات المنحرفة والفرق الضالة التي تدعي تطبيق الإسلام زوراً وبهتاناً من أهم أسبابه هو التكفير من هذه الفئة الضالة لأهل المعاصي وأصحاب الكبائر واستحلال الدماء، والمتأمل في شرعنا الحنيف يجد أن الإسلام هو دين الوسطية والاعتدال، وقد حرم الإسلام الاعتداء على المسلم بشتى أنواع الاعتداءات، ومنها تحريم التكفير والنهي عنه، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي الله عليه وسلم : " أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه "، وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا قال الرجل لأخيه يا كافر ، فقد باء به أحدهما "، وبيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن لعن المسلم والحكم عليه بالكفر كقتله، وذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال ، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك ، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة ، ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله ".

ففي هذه الأحاديث وغيرها نهي من النبي صلى الله عليه وسلم وزجر للمسلم على أن يُكفر أو يقول لأخيه المسلم يا كافر، ويخشي عليه أن يؤدي به هذا الفعل إلى الكفر كما قيل: المعاصي بريد الكفر، فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة.

وقد نص العلماء على أن الكفر حكم شرعي لما يترتب عليه من أحكام، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: "الكفر حكم شرعي كالرق والحرية، إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار"، ونص العلماء على أن التكفير، حكم شرعي أيضاً، وعليه لا يكون الحكم على فكرة أو حادثة أو شخص بالكفر إلا من أهل العلم الموثوقين والمعتبرين، الذين يفهمون الشرع حق فهمه وتلقوا علمهم من أهله، وهؤلاء يعرفون بالاستفاضة، ويحرم التكفير العيني على كل من لم يبلغ هذه المرتبة، وهذا هو الذي عليه علماء الأمة من أهل السنة والجماعة سلفاً وخلفاً، ومع هذا فقد زل هنا أناس فذهب البعض منهم إلى القول بتكفير مرتكبي المعاصي كفراً يخرجهم من الملة، دون التفريق بين نوعي الكفر، ودون الرجوع إلى النصوص الأخرى التي تبين عدم كفرهم، وغير ذلك.

وعندما ننظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هل نجد أنه كفَّر أحداً ممن ادعى الإسلام؟!! لا. المنافقون مثلاً قال الله سبحانه وتعالى: { وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ }[التوبة:101] فهو سبحانه يعلمهم، ومع ذلك لم يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعاملهم معاملة المسلمين.

وفتنة التكفير هي الفتنة العظيمة التي مزقت جسد الأمة الإسلامية وهي أول البدع والفتن ظهوراً في الإسلام، فهي المنبع لكثير من الانحرافات العقائدية و السلوكية والخلقية و النفسية التي عانت منها الأمة المسلمة على مدى أربعة عشر قرنآ، وما زالت الأمة تعاني منها إلى الآن وهم (الخوارج) هذه الفئة التي خرجت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فظاهرة التكفير هي أصل الخوارج ومن تبعهم من الفرق الضالة والجماعات المعاصرة المنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة.

والخوارج يكفرون أصحاب الكبائر، ويستحلون دماءَهم، وأموالهم، ويخلدونهم في النار، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب – وإن كانت متواترة – ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه – لارتداده عندهم – ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي، ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقّاً واجباً، وقد بيّن النبي صلّى الله عليه وسلّم صفاتهم وأوضحها للناس، ومن ذلك أن رجلاً منهم قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم – وهو يقسم غنيمةً بالجعرانه -: يا محمد اعدل. قال: "ويلك ومن يعدلُ إذا لم أكن أعدل، لقد خبتَ وخسرتَ إن لم أكن أعدل“ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق؛ فقال صلّى الله عليه وسلّم: ”معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي. إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية" (رواه البخاري ومسلم)، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "يخرج فيكم قومٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"(رواه البخاري ومسلم)، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "سيخرج في آخر الزمان قومٌ أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة"(رواه البخاري ومسلم).

وخلاصة الأمر: أن التسرع في التكفير له خطره العظيم؛ لقوله عز وجل:{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [ الأعراف : 33 ]، ولما في التكفير وهذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصّة والعامة، وتفجير المساكن والمركبات، وتخريب المنشآت، فهذه الأعمال وأمثالها محرَّمة شرعًا بإجماع المسلمين؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم، وغُدوِّهم ورواحهم، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها، وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم وأعراضهم وأبدانهم، وحرَّم انتهاكها، وشدّد في ذلك، وكان من آخر ما بلَّغ به النبيُّ صلى الله وعليه وسلم أمَّته فقال في خطبة حجة الوداع:(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا). ثم قال صلى الله وعليه وسلم :(ألا هل بلَّغت ؟ ، اللهم فاشهد).(رواه مسلم).

هدانا الله وإياكم للحق وإلى الطريق المستقيم وغفر لنا ولكم ووفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه اللهم آمين .

والحمد لله رب العالمين

د/ أحمد عرفة

باحث دكتوراه بجامعة الأزهر

عضو الجمعية الفقهية السعودية

عضو الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي

Ahmedarafa11@yahoo.com


السبت، 8 أبريل 2017

حلقة عن زكاة العقار للدكتور/ أحمد عرفة

زكاة العقارات للدكتور/ أحمد عرفة على الفيس بوك 7/ 4/ 2017م 

https://www.youtube.com/watch?v=w06VFJRSeGw 

فضائل شهر رجب للدكتور/ أحمد عرفة


فضائل شهر رجب

اقتضت حكمة الله تعالى تفضيل بعض الناس على بعض، وبعض الأيام على بعض، وبعض الشهور على بعض، ومنها شهر رجب، ومن فضائله أنه من الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة: 36) فأخبر سبحانه أنه منذ خلق السماوات والأرض وخلق الليل والنهار يدوران في الفلك وخلق ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم وجعل الشمس والقمر يسبحان في الفلك و ينشأ منهما ظلمة الليل وبياض النهار فمن حينئذ جعل السنة اثني عشر شهراً بحسب الهلال فالسنة في الشرع مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله أهل الكتاب و جعل الله تعالى من هذه الأشهر أربعة أشهر حرما، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال في خطبته: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"(لطائف المعارف، ص163).

فهذه أعظم فضيلة لهذا الشهر، أنه من الأشهر التي حُرم فيها القتال، وكفى بها فضيلة كما أخبر ربنا جل وعلا، وبيّن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، وأما ما اعتاده كثير من الناس من الصيام في رجب وكثرة الصيام وقيام الليل، وغير ذلك من الأعمال التي ربما هي في أصلها مشروعة، ولكن تخصيص هذا الشهر بها ربما يدخل ذلك في البدع؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح على تخصيص أيام رجب بالصيام أو ببعض الصلوات كصلاة الرغائب أو تخصيص بعض الليالي بالقيام، وذلك لأنه لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة، وإنما الوارد في تخصيصه بالصيام وغيره هي أحاديث كثيرة موضوعة وضعيفة ومنكرة لا يحتج بها في القيام بهذه العبادات وتخصيص هذا الشهر بها، وفي ذلك يقول الإمام ابن رجب –رحمه الله-: " فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه" (لطائف المعارف، صـ171)

وقد ألف الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- رسالة قيمة اسماها "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب"، ومما جاء في مقدمتها: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، - معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه - حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر بذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة. وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره. وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". فكيف بمن عمل به، ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع.

ثم قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة. ونحن نسوق الضعيفة ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة. ثم بيّن هذه الأحاديث الموضوعة والضعيفة وأقوال العلماء فيها في هذه الرسالة القيمة فليرجع إليها القارئ الكريم لما فيها من الدرر والفوائد التي ربما لا توجد في غيرها.

وقد ورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه، ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه. وروى نحو ذلك، عن أبى بكرة.

وفي توجيه هذا الأثر يقول الإمام ابن حجر –رحمه الله-: "فهذا النهى منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية. أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتما، أو يخص منه أياما معينه يواظب على صومها، أو ليال معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة. فهذا من فعله من السلامة مما استثنى، فلا بأس به. فإن خص ذلك، أو جعله حتما فهذا محظور. وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام"(رواه مسلم)، وإن صامه معتقدا أن صيامه، أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره، فقي هذا نظر. ويقوم جانب المنع ما في الصحيح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صوم يوم يفضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء. وهذا الشهر يعنى رمضان.

د/ أحمد عرفة

باحث دكتوراه بجامعة الأزهر

عضو الجمعية الفقهية السعودية

Ahmedarafa11@yahoo.com

ارجع فصل فإنك لم تصل للدكتور/ أحمد عرفة



ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ
بينما رجل يصلي إذ رآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ"، فرجع الرجلُ فَعَادَ صلاتَهُ مرةً أخرى، ولمَّا انتهى قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فَعَلَ ذلك مرتين أو ثلاثاً، فَلَمَّا كان في الثانية أو الثالثة قال له: يا رسولَ الله قد أَجْهَدْتُ نفسي فَعَلِّمْنِي؟ .
وقد اسْتَدَلَّ بهذا الحديثِ جَمَاعَةٌ مِن الفُقَهاءِ، فقالوا: الطُّمَأْنينَةُ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ فَرْضٌ، لا تُجْزِئُ صلاة مَنْ لَمْ يَرْفَع رَأْسَهُ، وَيَعْتَدِلُ في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ ثُمَّ يُقِيْمُ صُلْبَهُ، وقالوا: ألا ترى أنَّ الرسولَ قال له: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، ثم علَّمَه الصلاةَ وأَمَرَهُ بالطُّمَأنينة في الركوع والسجود.
والمُتَأمِّلُ في صَلاةِ كثيرٍ من الناسِ اليومَ يَجِدُ أنَّ حَالَهُمْ كَحَالِ هذا الرَّجُلِ الذي رَدَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ من مرةٍ بقوله: (ارجع فصل فإنك لم تصل)، فكيفَ لو رَآكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم  اليومَ يا مَنْ تَسْرِقُ في صلاتِكَ، ولا تُتِمُّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا، يا مَنْ صَارتْ الصَّلاةُ عِنْدَكَ اليومَ عبارةً عن حَرَكَاتٍ وتَمَارينَ رِيَاضيَّةٍ، فَأَصبحتْ لا تُؤْتِي ثِمَارَهَا المَرْجُوَّةَ مِنها التي مِنْ أَجْلِهَا شُرِعَتْ، في كَوْنِها تَنْهَى عن الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ والبَغْي، وَكَوْنِهَا النُّورَ الذي أَخْبَرَ عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الصلاةُ نُورٌ) فالْكَثيرُ مِنَّا قد افْتَقَدَ هذا النُّورَ، لأنَّه أصْبَحَ يُصلِّي وكَأَنَّهُ لا يُصَلِّي.  
وعن حَال النَّاسِ ومراتبهم في الصلاة يقولُ الإمامُ ابنُ القيّم -رحمه الله-: "والناسُ في الصلاة على مَرَاتِبَ خَمْسَةٍ: إحداها: مَرتبةُ الظالمِ لنفسه المُفْرط، وهو الذي انتقصَ من وُضُوئِهَا ومَواقيتِهَا وَحُدُودِهَا وَأَرْكَانِهَا. الثاني: مَنْ يُحافِظُ على مَواقيتِهَا وحُدودِهَا وأَرْكَانِهَا الظَّاهرةِ ووُضُوئِها لكنْ قد ضَيَّعَ مُجاهدةَ نفسه بالوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار. الثالثُ: مَنْ حَافظَ على حدودِهَا وأركانِهَا وجَاهَدَ نَفْسَهُ في دَفْعِ الوَسَاوِسِ والأَفْكَارِ، فهو مَشْغُولٌ في مُجَاهَدَةِ عَدُوِّهِ لئلا يَسْرِقَ مِن صلاتِهِ فهو في صلاةً وجِهَادٍ. الرابعُ: مَن إذا قَامَ إلى الصلاة أَكْمَلَ حُقُوقَهَا وأَرْكَانَهَا وحُدُودَهَا، واسْتَغْرَقَ قلبه مراعاة حُدودِهَا لئلا يَضيعَ منها شيءٌ بل همُّه كُلُّهُ مصروفٌ إلى إقامتِهَا كما ينبغي. الخامسُ: مَنْ إذا قام إلى الصلاة قامَ إليها كذلك ولكنْ مع هذا قد أَخَذَ قَلْبَهُ وَوَضَعَهُ بينَ يَدَي رَبِّهِ -سبحانه وتعالى- ناظرًا بقلبه إليه مراقبًا له ممتلئًا من محبته وتعظيمه كأنَّه يَراه ويُشَاهِدُهُ فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض.
فالقسمُ الأولُ: مُعَاقَبٌ، والثاني: مُحَاسَبٌ، والثالث: مُكَفَّرٌ عنه. والرابع: مُثَابٌ. والخامس: مُقَرَّبٌ من ربه؛ لأنَّ له نصبيًا مِمَّنْ جُعِلَتْ قُرَّةُ عَينِهِ في الصلاةِ، فاسْتَرَاحَ بها كما كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «أّرِحْنَا يا بِلالُ بالصَّلاةِ»، ويقول: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلَّاةِ»، ومن قرَّت عينه بالله قرَّت به كل عين، ومَنْ لَمْ تُقَرُّ عينُهُ بالله تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ على الدنيا حَسراتٍ. وإنما يقوى العبدُ على حضوره في الصلاة واشتغاله فيها بربه إذا قَهَرَ شَهوتَهُ وهَوَاه، وإلا فَقلبٌ قد قَهَرتْهُ الشَّهوةُ وأَسَرَه الهَوَى وَوَجَدَ الشَّيْطانُ فيه مقعدًا تمكن فيه كيف يخلص من الوساوس والأفكار"(الوابل الصيب من الكلم الطيب، صـ38 ط/ دار الكتاب العربي، بيروت).
وقد بيّن لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ أَسْوَأَ النَّاسِ سَرِقَةً الذي يَسْرِقُ من صلاته، وذلك فيما أخرجه الدارمي في سننه عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أسوأُ الناسِ سَرِقَةً الذي يَسْرقُ صلاتِهِ " قالوا: يا رسول الله ، وكيف يسرقُ صَلاتَه ؟ قال: " لا يُتِّمُ رُكُوعَهَا ولا سُجُودَها"، وأيضًا: " نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن نَقْرَةِ الغُرابِ، وافْتِرَاشِ السَّبْعِ، وأنْ يُوَطِّنَ الرجُلُ المكانَ في المسجد كما يُوطِّنُ البَعيرَ"(أخرجه أبو داود)، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفاتِ في الصلاة، ولما سُئل عن ذلك؟ قال:"هو اختلاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشيطانُ من صلاة العبد"(أخرجه البخاري)، والالتفاتُ المَنْهِيُّ عنه في الصلاة قسمان: أحدهما: التفاتُ القلبِ عن الله عز و جل إلى غير الله تعالى،  والثاني: التفاتُ البصرِ وكلاهُمَا منهيٌّ عنه، ولا يَزالُ اللهُ مقبلاً على عبده ما دام العبدُ مُقبلاً على صلاته فإذا التفتْ بقلبه أو بصره أَعْرَضَ الله تعالى عنه. (الوابل الصيب، صـ34).
من أجل ذلك أَمَرَنَا صلى الله عليه وسلم بالسُّكُونِ في الصلاةِ في أحاديثَ كثيرةٍ، منها ما أخرجه مسلمٌ في صحيحه عن جابر بن سمرة، قال: خَرَجَ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس ؟ اسكنوا في الصلاة " قال: ثم خرج علينا فرآنا حلقاً فقال: " مالي أراكم عزين" (أي متفرقين) قال: ثم خرج علينا فقال: " ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ " فقلنا يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال:" يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف".
وليعلمَ المُصليُّ الذي رُبَّمَا يُصلي ولكنَّهُ لا يتمُّ الصلاةَ بركوعِهَا وسُجُودِهَا، ولا يدري هل اطمئن في صلاتِه أم لا؟ أَنَّه إذا ماتَ على حاله هذه فهو على خطرٍ عظيمٍ حَذَّرَ منه النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما رأى الرَّجُلَ يُصلي ويَنْقُرُ في صلاتِهِ ولا يُتِمُّهَا، قال: لو ماتَ لمات على خير ملةِ محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن أبي عبد الله الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً لا يتم ركوعه ينقر في سجوده وهو يصلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده، مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتان لا يغنيان عنه شيئا".

وهذا يدعونا إلى أنْ نتأَمَّلَ في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة حيثُ كانت الصلاةُ قُرَّةَ عينهِ، وكان إذا أَحْزَنَهُ أمرُهُ أو أَحْزَنَهُ شيءٌ فزعَ إلى الصلاة، وكان يقولُ: "أرحنا بها يا بلال"، فالصلاةُ سرٌ بين العبدِ وربِّهِ، وقَسَّمَهَا اللهُ –تعالى- بينَهُ وبينَ عَبْدِهِ نِصْفَينِ كما أَخْبَرَ بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وذلك لِمَا لَهَا مِن منزلةٍ رفيعةٍ ومكانةٍ عظيمةٍ في دِيْنِنَا الإسلاميِّ الحنيفِ. من أجل ذلك كانت أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ عليهِ العَبْدُ يومَ القيامة فإنْ صَلَحَتْ صَلَحَ سائرُ عمله، وإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سائرُ عمله، وكانت آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم.
فما أحوجنا اليوم إلى أنْ نُعيدَ النَّظَرَ في صلاتنا بِتَعَلُّمِ فقه الصلاة وأحكامها من طهارة ووضوء، وكيفية الصلاة بأركانها وسننها كما كان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا بذلك فقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" حتى تَكونَ الصلاةُ قرةَ أعيننا ونحققَ بها السعادة والطمأنينةَ والراحةَ في الدنيا، وفي الآخرة بالفوز برحمة الله تعالى وعفوه وغفرانه. واللهُ من وراء القصدِ وهو حَسْبُنا ونعم الوكيلُ.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية


نشر هذا المقال بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 28/3/ 2017م