السبت، 8 أبريل 2017

فضائل شهر رجب للدكتور/ أحمد عرفة


فضائل شهر رجب

اقتضت حكمة الله تعالى تفضيل بعض الناس على بعض، وبعض الأيام على بعض، وبعض الشهور على بعض، ومنها شهر رجب، ومن فضائله أنه من الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة: 36) فأخبر سبحانه أنه منذ خلق السماوات والأرض وخلق الليل والنهار يدوران في الفلك وخلق ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم وجعل الشمس والقمر يسبحان في الفلك و ينشأ منهما ظلمة الليل وبياض النهار فمن حينئذ جعل السنة اثني عشر شهراً بحسب الهلال فالسنة في الشرع مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله أهل الكتاب و جعل الله تعالى من هذه الأشهر أربعة أشهر حرما، وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال في خطبته: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان"(لطائف المعارف، ص163).

فهذه أعظم فضيلة لهذا الشهر، أنه من الأشهر التي حُرم فيها القتال، وكفى بها فضيلة كما أخبر ربنا جل وعلا، وبيّن ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، وأما ما اعتاده كثير من الناس من الصيام في رجب وكثرة الصيام وقيام الليل، وغير ذلك من الأعمال التي ربما هي في أصلها مشروعة، ولكن تخصيص هذا الشهر بها ربما يدخل ذلك في البدع؛ لأنه ليس هناك دليل صحيح على تخصيص أيام رجب بالصيام أو ببعض الصلوات كصلاة الرغائب أو تخصيص بعض الليالي بالقيام، وذلك لأنه لم يثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة، وإنما الوارد في تخصيصه بالصيام وغيره هي أحاديث كثيرة موضوعة وضعيفة ومنكرة لا يحتج بها في القيام بهذه العبادات وتخصيص هذا الشهر بها، وفي ذلك يقول الإمام ابن رجب –رحمه الله-: " فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء، وأما الصيام فلم يصح في فضل صوم رجب بخصوصه شيء عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أصحابه" (لطائف المعارف، صـ171)

وقد ألف الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني –رحمه الله- رسالة قيمة اسماها "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب"، ومما جاء في مقدمتها: "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، - معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه - حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره، ولكن اشتهر أن أهل العلم يتسامحون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعف، ما لم تكن موضوعة. وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا، وأن لا يشهر بذلك، لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة. وقد صرح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره. وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين". فكيف بمن عمل به، ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام، أو في الفضائل، إذ الكل شرع.

ثم قال الحافظ ابن حجر –رحمه الله-: "وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه صريحة، فهي على قسمين: ضعيفة، وموضوعة. ونحن نسوق الضعيفة ونشير إلى الموضوعة إشارة مفهمة. ثم بيّن هذه الأحاديث الموضوعة والضعيفة وأقوال العلماء فيها في هذه الرسالة القيمة فليرجع إليها القارئ الكريم لما فيها من الدرر والفوائد التي ربما لا توجد في غيرها.

وقد ورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوها عن الطعام حتى يضعوها فيه، ويقول: إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه. وروى نحو ذلك، عن أبى بكرة.

وفي توجيه هذا الأثر يقول الإمام ابن حجر –رحمه الله-: "فهذا النهى منصرف إلى من يصومه معظما لأمر الجاهلية. أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة، من غير أن يجعله حتما، أو يخص منه أياما معينه يواظب على صومها، أو ليال معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة. فهذا من فعله من السلامة مما استثنى، فلا بأس به. فإن خص ذلك، أو جعله حتما فهذا محظور. وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام"(رواه مسلم)، وإن صامه معتقدا أن صيامه، أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره، فقي هذا نظر. ويقوم جانب المنع ما في الصحيح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحرى صوم يوم يفضله على غيره إلا هذا اليوم: يوم عاشوراء. وهذا الشهر يعنى رمضان.

د/ أحمد عرفة

باحث دكتوراه بجامعة الأزهر

عضو الجمعية الفقهية السعودية

Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق