الخميس، 27 أبريل 2017

أخلاقيات العمل في الإسلام للدكتور/ أحمد عرفة



أخلاقيات العمل في الإسلام
دعا الإسلام للعمل المثمر وحث عليه، وبارك الجهد المبذول، وحذر من البطالة والتسول، ومنع الاستجداء ممن كان قادراً على العمل، وقد مدح الله عز وجل العامل بقوله: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))(النحل 76).
                ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العمل ورغب فيه وبيّن أن العمل خير من البطالة والسؤال، وذلك فيما أخرجه أبو داود في سننه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى رجلاً من الأنصار درهمين، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فائتنى به، فأتاه به فشد فيه رسول الله عوداً بيده، ثم قال له اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً فقال رسول الله: هذا خير لك من أن تجيئ المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسالة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع).
                والعمل نعمة عظيمة تستحق الشكر، قال تعالى: ((لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ))(يس 35) ، ونجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - يفضِّل العمل والكسب على الجهاد؛ حيث يقول: "لَأَنْ أموت بين شعبتي رَحلِي أَضرِب في الأرض أبتغي من فضل الله أَحَبُّ إليَّ من أنْ أُقتَل مُجاهِدًا في سبيل الله؛ لأنَّ الله تعالى قدَّم الذين يضرِبون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين"، يعني في قوله تعالى:( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(المزمل 20).
وأباح الإسلام للعمال أن يطالبوا بحقهم وزيادة أجورهم وأن يذكروا أصحاب العمل بواجباتهم، ما داموا يقومون بأداء واجباتهم في العمل من حيث الإتقان والجودة والإخلاص كما قال صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ومن إتقان العمل أن يشعر العامل بالمسئولية تجاه العمل المكلف به، وأن يبذل الوسع والطاقة في سبيل تحقيق الإنتاج؛ لأنه بذلك ينمي الاقتصاد، ويعود عليه بالنفع وعلى الأمة وعلى المجتمع كله.
وللعمل أخلاقيات وسلوكيات وآداب دعا إليها الإسلام، ومنها: الرقابة الذاتية على نفسه وعمله ، ينبع ذلك من إيمانه ومن مخافته من الله، واستشعاره تقوى الله ورهبته وأن الله مطلع عليه مراقب له ، يعلم سره ونجواه وخفايا نفسه، يحاسبه على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وأن يحرص على الكسب الحلال في جميع الأعمال التي يقوم بها؛ ولذلك لما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور(رواه أحمد)، وقد نهى الإسلام عن أكل الحرام ، والعمل الحرام والكسب الحرام ، فحرم الربا والقمار والسرقة والغش والاحتكار والاستغلال والخداع فى البيع.
ومنها: ألا يُجهد الإنسان نفسه في العمل أو دابته أو آلته، ومن ذلك ما أسسه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إن لربك عليك حقاً، ولبدنك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً) فلا يرهق نفسه بزيادة العمل، ولا بزيادة الحمل كما لا يرهق الحيوان أو الآلة.
وألا يعمل في محرم وما فيه معصية لله تعالى كبيع الخمور والمسكرات والتجارة في المحرمات من الربا وسائر المعاملات المنهي عنها؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والطاعة لا تكون إلا في المعروف، وهو ما أحله الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن صفات العامل أن يكون قوياً أميناً؛ لأن العامل إما أن يكون أجيراً عند الدولة، أو عند عامة الناس، وهذا المعنى هو ما صوره القرآن الكريم حكاية عن نبي الله موسى عليه السلام مع نبي الله شعيب عليه السلام حينما اختاره عاملاً ، فيقول القرآن حكاية عن هذا ((قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ))(القصص 26)، وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبى ذر قال: (قلت: يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها).
وأن تكون لدى العامل الخبرة الكافية فيما يقوم به من أعمال  فلا يكفى أن يكون العامل أميناً قوياً خلوقاً تقياً إذ لابد أن يكون عارفاً بعمله، مدركاً له، وقد كان عمر يستعمل قوماً ويدع أفضل منهم لبصرهم في العمل، وعدم الخبرة يؤدى إلى فساد العمل وضياعه، ويؤدى إلى ضعف الإنتاج أو سوء الإدارة أو إتلاف الآلات ويستتبع ذلك هدر الأموال وإضاعتها.
ومن أخلاقيات العمل الأمانة، والأمانة من الأخلاق الفاضلة التي دعا إليها الإسلام فينبغي للعامل أن يتحلى بها؛ لأنها من الدين، ومن ثقلها عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبيين أن يحملنها وحملها الإنسان، ومن الأمانة أن يحرص على وقت العمل واستثماره فيما يعود عليه بالنفع، وأن يبتعد عن الغش بكافة صوره وأشكاله، وألا يستغل موقعه لمصلحة شخصية له أو لأحد أقاربه.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق