الثلاثاء، 17 أبريل 2018

فضل العبادة في وقت الغفلة د/ أحمد عرفة


فضل العبادة في وقت الغفلة
إن الناظر والمتأمل في الحكمة من خلق الخلق وإيجادهم في هذه الحياة يجد أن المولى تبارك وتعالى قد خلقنا لحكمة عظيمة ألا وهي تحقيق التوحيد والعبادة له سبحانه وتعالى، وقد بيّن ذلك في محكم كتابه فقال: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ"(سورة الذاريات: 56-58).
والعبادة كما عرفها العلماء هي اسم جامع لكل ما يحبه الله عز وجل ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. فالصلاة عبادة، والصيام عبادة، والخوف والرجاء عبادة، والدعاء عبادة، والذكر عبادة إلى غير ذلك من العبادات الظاهرة والباطنة.
وللعبادة في وقت الغفلة فضل عظيم، وقد حثنا المصطفى صلى الله عليه وسلم على اغتنام هذا الوقت بالعبادة والخير وسائر الأعمال الصالحة، وبيّن ذلك فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العبادة في الهرج كهجرة إلي".
وقوله: (العبادة في الهرج) أي وقت الفتن واختلاط الأمور (كهجرة إلي) في كثرة الثواب أو يقال المهاجر في الأول كان قليلاً لعدم تمكن أكثر الناس من ذلك فهكذا العابد في الهرج قليل. قال ابن العربي-رحمه الله-: وجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة.(فيض القدير 4/490).
"وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون حالهم شبيهاً بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه، ويعبد ربه، ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به متبعاً لأوامره، مجتنباً لنواهيه". ( لطائف المعارف صـ 184).
والعبادة في وقت الغفلة تكون شاقة على النفس من أجل ذلك فضلت على غيرها من الأوقات، وفي هذا يقول الإمام ابن رجب –رحمه الله:""فالعبادة في وقت غفلة الناس أشق على النفس، وأعظم الأعمال وأفضلها أشقها على النفس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بمن حولها فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها " (لطائف المعارف صـ 183).
فعلينا أن نغتنم أوقات الغفلة في العبادة والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة التي نسعد بها في الدنيا وفي الآخرة، وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق