الخميس، 9 مارس 2017

حكم أكل لحم الكلاب؟ د/ أحمد عرفة

مشاركتي اليوم في تحقيق لصحيفة الدستور رداً على فتوى الشيخ/ خالد الجندي التي أباح فيها أكل لحوم الكلاب.
حكم أكل لحوم الكلاب؟
انتشرت في الآونة الأخيرة فتاوى كثيرة لبعض المنتسبين إلى الفتوى بجواز أكل لحم الكلاب قائلين بأن هذا ليس برأيهم وإنما هو قول المالكية.
وإليكم الجواب والتفصيل في هذا الأمر والله الموفق:
اختلف الفقهاء في حكم نجاسة الكلب فذهب جمهور الفقهاء إلى أن الكلب نجس، وذهب المالكية إلى طهارة سؤره وبدنه، والراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من نجاسة الكلب. قال الإمام النووي رحمه الله: "مذهبنا أن الكلاب كلها نجسة المعلم وغيره الصغير والكبير، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات" رواه مسلم، وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" رواه مسلم. والدلالة من الحديث الأول ظاهرة؛ لأنه لو لم يكن نجساً لما أمر بإراقته؛ لأنه يكون حينئذ إتلاف مال، وقد نهينا عن إضاعة المال، والدلالة من الحديث الثاني ظاهرة أيضاً فإن الطهارة تكون من حدث أو نجس وقد تعذر الحمل هنا على طهارة الحدث فتعينت طهارة النجس. والله أعلم. (المجموع 2/523).
وأما عن حكم أكل لحوم الكلب فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وهو قول المالكية –صححه ابن عبد البر- إلى تحريم أكل لحم الكلب، وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع , وعن كل ذي مخلب من الطير"، وما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ذي ناب من السباع فأكله حرام"، والكلب سبع ذو ناب فيحرم أكله، وكذلك من الأدلة على تحريم أكل لحم الكلب حرمة بيعه، وذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي مسعود الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن ثمن الكلب، وحلوان الكاهن، ومهر البغي، وما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثمن الكلب خبيث"، وذلك نص في التحريم، لقوله تعالى: "وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ"(الأعراف:157).
وأما من يحتج بقول بعض المالكية في جواز أكل لحوم الكلاب فنقول له: إن المتعمد في مذهب المالكية هو القول بحرمة أكل لحوم الكلاب، وذهب بعضهم إلى القول بالكراهة. قال ابن حبيب المالكي –رحمه الله-: لم يختلف المدنيون في تحريم لحوم السباع العادية الأسد والنمر والذئب والكلب فأما غير العادية كالذئب والثعلب والضبع والهر الوحشي والأنسي فمكروهة دون تحريم قاله مالك وابن الماجشون ونحو هذا في كتاب ابن المواز اللخمي في حرمة كل ذي ناب كالكلب والذئب وكراهتهما قولان، وقال أبو عمر: إدخال مالك حديث أبي هريرة وأبي ثعلبة يدل أن مذهبه في النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع نهي تحريم وأصل النهي أن تنظر إلى ما ورد منه فما كان منه واردا على ما في ملكك فهي نهي أدب وإرشاد كالأكل من رأس الصحفة والاستنجاء باليمين والأكل بالشمال وما طرأ على غير ملكك فهو على التحريم كالشغار وعن قليل ما أسكر كثيره واستباحة الحيوان من هذا القسم، ولا حجة لمن تعلق بقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً}؛ لأن سورة الأنعام مكية، وقد نزل بعدها نهي أشياء محرمات وبإجماع أن النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع إنما كان من المدينة وانظر قول خليل سبع إن كان عنى به الأسد فعلى ما قال الباجي إنه ظاهر المدونة يكون مكروها ومقتضى ما لابن حبيب وابن المواز وغيرهما أنه حرام.[التاج والإكليل (3/ 235)].
وجاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير(2/117): "الَّذِي حَصَّلَهُ الحطاب فِي الْكَلْبِ قَوْلَانِ: الْحُرْمَةُ, وَالْكَرَاهَةُ, وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّحْرِيمَ، قَالَ الحطاب: وَلَمْ أَرَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ نَقَلَ إبَاحَةَ أَكْلِ الْكِلَابِ".
وجاء في التفريع في فقه الإمام مالك بن أنس (ص: 271) فصل: يما يحرم أكله من الحيوان: "ولا تؤكل الكلاب والخنزير محرم أكل لحمه وشحمه، ولا بأس بالانتفاع بشعره في الخرز وغيره ولا يؤكل شيء من سباع الوحش مثل الأسد، والذئب،والفهد، والنمر، والضبع ولا تؤكل الحُمر الأهلية، ولا البغال".
مما سبق يتبين لنا أن مذهب جمهور الفقهاء هو نجاسة الكلب، وعليه فلا يجوز أكل لحوم الكلاب، وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى حرمة أكل لحم الكلب، ومن احتج بقول المالكية على جواز أكل لحوم الكلاب نقول له إن فقهاء المالكية اختلفوا بين القول بالحرمة والكراهة، وما صححه الإمام ابن عبد البر وغيره من المالكية هو القول بحرمة أكل لحم الكلب، وذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، والكلب من السباع ذو ناب فيحرم أكله، وكذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمنه، وأن ثمنه خبيث، وأن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، وعليه فالراجح من أقوال أهل العلم هو نجاسة الكلب، وحرمة أكل لحمه. والله أعلم. 

حوار نشر بجريدة الدستور 
http://www.dostor.org/1323391 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق