الأحد، 2 يونيو 2019

زكاة الفطر في ميزان الفقه الإسلامي د. أحمد عرفة



زكاة الفطر في ميزان الفقه الإسلامي
د. أحمد عرفة
الزكاة فريضة من فرائض الإسلام وركن من أركانه وشعيرة من شعائره، وهي فريضة بنص القرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع الأمة، وهي اسم لمال مخصوص يؤخذ من طائفة مخصوصة (وهم الأغنياء ومن وجبت في أموالهم الزكاة)، ويصرف إلى طائفة مخصوصة (وهم المصارف الثمانية الذين تدفع لهم الزكاة) بشروط مخصوصة، والزكاة إما متعلقة بمال الشخص أو ببدنه، وعليه فالزكاة قسمان: زكاة أموال، وزكاة أبدان، وفي هذا المقال أتناول الأحكام الفقهية المتعلقة بزكاة الفطر، وذلك كما يأتي:
أولاً: تعريف زكاة الفطر: هي الزكاة الواجبة بالفطر من رمضان، وهي من الزكوات المتعلقة بالبدن حيث يخرجها الشخص عن نفسه ومن تلزمه نفقتهم.
ثانياً: حكمها: زكاة الفطر واجبة على كل مسلم يملك قوت يومه وليلته في يوم العيد، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، وذلك لما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل حر، أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين".
ثالثاً: حكمة مشروعيتها: شُرعت للرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم في يوم يسر المسلمون بقدوم العيد عليهم، وتطهير من وجبت عليه بعد شهر الصوم من اللغو والرفث. (نيل المآرب 1 / 255)، وذلك لما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات"(رواه أبو داود).
رابعاً: على من تجب: تجب على كل مسلم يملك قوت نفسه ومن تلزمه نفقته يوم العيد وليلته فاضلاً عن حوائجه الأصلية، ويلزمه إخراجها عن زوجته وأولاده الصغار الذين لا مال لهم ولا يلزمه إخراجها عن أولاده الذين لا تجب نفقتهم عليه. كما أنه إذا ولد مولود قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان فإنه يجب إخراج زكاة الفطر عنه، ولا تجب على الجنين.
خامساً: المقدار الواجب إخراجه فيها: وأما عن المقدار الواجب إخراجه في زكاة الفطر فهو صاع من طعام من غالب البلد قوت البلد، والصاع ما يعادل 25، 2 كيلو جرام، أو قيمته من الأموال النقدية، وأما عن كيفية الإخراج هل تخرج طعاماً أم نقداً؟ فنقول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية إلى أنها تخرج طعاماً ولا يجزئ إخراجها نقداً، وذلك لعموم الأدلة الواردة في المسألة، وذهب الإمام أبو حنيفة والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهم إلى جواز إخراجها نقداً للحاجة والمصلحة الراجحة، فقد سُأل عَمَّنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ أَنْفَعَ لِلْفَقِيرِ: هَلْ هُوَ جَائِزٌ؟ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَحْمَد - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ مَنَعَ الْقِيمَةَ فِي مَوَاضِعَ وَجَوَّزَهَا فِي مَوَاضِعَ فَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَقَرَّ النَّصَّ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَالْأَظْهَرُ فِي هَذَا: أَنَّ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلِهَذَا قَدَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبْرَانَ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الْقِيمَةِ وَلِأَنَّهُ مَتَى جَوَّزَ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَعْدِلُ الْمَالِكُ إلَى أَنْوَاعٍ رَدِيئَةٍ وَقَدْ يَقَعُ فِي التَّقْوِيمِ ضَرَرٌ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَهَذَا مُعْتَبَرٌ فِي قَدْرِ الْمَالِ وَجِنْسِهِ وَأَمَّا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْعَدْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ..." (مجموع الفتاوى 25/ 79).
وعليه فيجوز إخراج زكاة الفطر صاعاً من طعام من غالب قوت البلد صاعاً، ويجوز إخراج قيمته نقداً للحاجة والمصلحة الراجحة.
سادساً: مصرف زكاة الفطر: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن مصرف زكاة الفطر هو مصرف زكاة المال وهم الأصناف الثمانية، لأنها زكاة كسائر الزكوات، ويجوز أيضاً جمع عدة صدقات فطر، ودفعها إلى فقير واحد، إلا أن الفقراء والمساكين هم أولى الأصناف بها لأن المقصود إغناؤهم بها في ذلك اليوم خاصة، وهذا ما ذهب إليه فقهاء المالكية، وغيرهم، وذلك لحديث ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: "فرَضَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم زكاةَ الفِطرِ؛ طُهرةً للصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ والرَّفَثِ، وطُعمةً للمساكينِ...".
ولا يجوز دفع زكاة الفطر وغيرها من الزكوات إلى الآباء والأمهات وإن علوا، ولا إلى الأبناء وإن نزلوا، ولا الزوجات، ويجوز صرفها هي وسائر الزكوات إلى الأقارب إذا كانوا من المستحقين للزكاة.
سابعاً: مكان إخراجها: والأصل أن يخرجها الشخص في المكان الذي يقيم فيه، وفي ذلك يقول الإمام ابن قدامة-رحمه الله-:"فأما زكاة الفطر فإنه يخرجها في البلد الذي وجبت عليه فيه، سواء كان ماله فيه أو لم يكن" (المغني4/134)، ويجوز نقلها إلى بلد آخر إلى من هو أقرب أو أحوج. كما يجوز نقلها عند عدم وجود محتاجين في البلد الذي وجبت فيه الزكاة.
ثامناً: وقت إخراجها: تجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وعليه فالأصل أن تخرج قبل صلاة العيد، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (رواه أبو داود)، ويجوز قبل العيد بيوم أو يومين، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد ويجب قضاؤها، كما يجوز عند الحاجة إخراجها من أول شهر رمضان، ويجوز التوكيل في إخراج زكاة الفطر.
ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أن زكاة الفطر اشتملت على العديد من المقاصد الشرعية منها تطهير الصوم مما يكون قد شابه من لغو أو رفث ونحو ذلك مما يتنافى مع آداب الصوم، كما أن فيها مواساة للفقراء والمساكين وإغناؤهم عن ذل السؤال في يوم العيد الذي هو يوم الفرح والسرور، كما أنها كهيئة السنن الرواتب بالنسبة للصلاة فهي تجبر الصوم كما تجبر الرواتب الصلوات المفروضة، وفي ذلك يقول الإمام وكيعُ بن الجرَّاح –رحمه الله-: زكاة الفطر لشهر رمضان كسَجدة السهو للصلاة؛ تَجبُر نقصان الصوم، كما يجبر السجود نقصان الصلاة.
كانت هذه هي الأحكام الفقهية المتعلقة بزكاة الفطر بطريقة علمية مختصرة بحيث يسهل على القارئ معرفة أحكامها بطريقة سهلة وميسرة، وفقنا الله وإياكم وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال اللهم آمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق