الاثنين، 6 أبريل 2020

من عقوبات المعاصي انتشار الأمراض والأوبئة



من عقوبات المعاصي انتشار الأمراض والأوبئة
د/ أحمد عرفة
Ahmedarafa11@yahoo.com
عندما ننظر إلى حال الناس في الأيام الماضية، وتعاملهم مع الأمراض والأوبئة التي اجتاحت العالم بأسره، وخاصة فيروس (كورونا)، نجد أنهم انقسموا في تكييف هذا الأمر إلى عدة اتجاهات، فمنهم من قال: بأن هذا حرب بيولوجية من بعض الدول، ومنهم من لم يصدق الأمر ولم يعتبر به، ومنهم من قال: بأنها حرب سياسية إلى غير ذلك من الأقوال والكلام الكثير الذي سمعناه وشاهدناه عبر الإذاعات المرئية والمسموعة والمقروءة، ولكننا عندما ننظر إلى الأمر من الناحية الشرعية نجد أن انتشار هذه الأمراض والفيروسات وغيرها، إنما هي عقوبات من الله -عز وجل- يرسلها على من يشاء بسبب الغفلة وكثرة الذنوب والمعاصي وانتشارها بالليل والنهار، وقد جاء ذلك واضحاً جليًّا في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فقد قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"(الروم: 41)، والمعنى: لقد عم البلاء في أرجاء البر والبحر، وظهر الخلل والانحراف، فَقَلَّ النفع والمطر، وكثرة القحط والجدب أو التصحر، بسبب شؤم المعاصي وكثرة الذنوب، من الكفر والظلم وانتهاك المحرّمات، بعد انتشار الأمن وعموم الخير والرخاء؛ وذلك ليذيقهم الله جزاء بعض أعمالهم، وسوء أفعالهم من المعاصي والآثام واحتجاب الخير وظهور الشر، وفي ذلك منفعة للناس؛ لأنه ربما يرجعون عن غَيِّهِم ومعاصيهم، كما جاء في آية أخرى "وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"(الأعراف: 7/ 168). (التفسير الوسيط، للزحيلي 3/2005).
والمتأمل والمتدبر لآيات القرآن الكريم يجد أن الله -جل وعلا- أرسل الأمراض والأوبئة والعقوبات الكثيرة على أقوام بسبب تكذيب الأنبياء، ومحاربتهم، وعدم الإيمان بالرسالات التي جاءوا بها من عند الله تعالى، ومن ذلك قوم نبي الله موسى عليه السلام: "وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ" (الأعراف: 132-133)
كذلك عندما كَذَّبَ قارون وفرعون وهامان (موسى) عليه السلام كان العقاب من الله عز وجل، وقد صور القرآن الكريم هذا الموقف تصويراً بليغاً في قول الحق جل وعلا: "وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".(العنكبوت: 39-40). "يخبر تعالى عن هؤلاء الأمم المُكَذِّبة للرسل كيف أبادهم وتنوع في عذابهم, وأخذهم بالانتقام منهم, فـ(عاد) قوم هود عليه السلام كانوا يسكنون الأحقاف, وهي قريبة من حضرموت بلاد اليمن, و(ثمود) قوم صالح كانوا يسكنون الحجر قريباً من وادي القرى, وكانت العرب تعرف مساكنهما جيداً, وتمر عليها كثيراً, و(قارون) صاحب الأموال الجزيلة، ومفاتيح الكنوز الثقيلة, و(فرعون) ملك مصر في زمان موسى، ووزيره (هامان) القبطيان الكافران بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} أي كانت عقوبته بما يناسبه"(تفسير ابن كثير 3/500).
كما أن من عقوبات المعاصي: زوال النعم، وتبدلها بالخوف والجوع وسائر أنواع الابتلاءات، وفي ذلك يقول تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ"(النحل: 112)، وقال تعالى: "وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا" (الطلاق: 8-10).
هذا وقد بيّن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن انتشار المعاصي سبب في نزول الأمراض والأوبئة وانتشارها، وقد جاء ذلك واضحاً فيما أخرجه ابن ماجه في سننه بسند حسن قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَؤنَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ".
ففي هذا الحديث يُبَيِّنُ النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف أن انتشار المعاصي وظهورها من الزنا والربا والرشوة والظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك من الذنوب والمعاصي والكبائر التي انتشرت بين الناس في زماننا، سبب في انتشار الأمراض والأوبئة والطاعون والأوجاع التي لم تكن فيما مضى من أسلافنا...إلى آخر الحديث الذي فيه العديد من العقوبات الأخرى، والتي سببها –أيضاً- الذنوب والمعاصي والبعد عن منهج الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
فما أحوجنا في هذه الأيام إلى أن نعود إلى الله -عز وجل- عودة صادقة، ونتوب توبة نصوحا؛ لعل الله تعالى يرفع عنا هذا الغلاء والوباء وسائر هذه الأمراض والأوبئة، فلا نجاة مما نحن فيه هذه الأيام إلا بالرجوع إلى الله -عز وجل- والتضرع والدعاء والإقبال على القرآن الكريم، والصدقة، وفعل الخير، وسائر الطاعات والقربات، التي من خلالها سيرفع الله -عز وجل- عنا هذا البلاء، كما قال علي رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع بلاء إلا بتوبة". والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق