الأحد، 12 يناير 2014

قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه

قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
1- فإن شأن رسول الله r عند الله لعظيم وإن قدره لكريم فلقد اختاره الله تعالى واصطفاه على جميع البشر وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين وشرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره وأعلى له قدره وزكاه في كل شيء.
زكاه في عقله فقال سبحانه: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (سورة النجم: ٢)0
وزكاه في صدقه فقال سبحانه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) (سورة النجم: ٣).
وزكاه في بصره فقال سبحانه: ( مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (سورة النجم: ١٧).
وزكاه في فؤاده فقال سبحانه: ( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) (سورة النجم: ١١).
وزكاه في صدره فقال سبحانه: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (سورة الشرح: ١).
والمراد بالصدر هنا: القلب ، وقال ابن عباس رضى الله عنهما: شرحه بنور الإسلام0
وقال سهل: بنور الرسالة،وقال الحسن: ملأه حكما وعلما، وقيل معناه: ألم يطهر قلبك حتى لا يقبل الوسواس ؟( الشفا بتعريف حقوق المصطفى: جـ1صـ18).
وزكاه في ذكره فقال سبحانه: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (سورة الشرح: ٤)0
قال القاضى عياض رحمه الله: هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه صلى الله عليه وسلم على عظيم نعمه لديه وشريف منزلته عنده وكرامته عليه بأن شرح قلبه للإيمان والهداية ووسعه لوعى العلم وحمل الحكمة ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه وبغضه لسيرها وما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم وتنويهه بعظيم مكانه وجليل رتبته ورفعة ذكره وقرانه مع اسمه اسمه0
وقال قتادة رحمه الله : رفع الله تعالى ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله(الشفا: جـ1صـ19).
وزكاه في طُهره فقال سبحانه: (وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ )(سورة الشرح: ٢)0
وزكاه في حلمه فقال سبحانه: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (سورة التوبة: 128).
وزكاه في علمه فقال سبحانه: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (سورة النجم: ٥)0
وزكاه في خلقه فقال سبحانه:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (سورة القلم: ٤) 0
2- أخبر الله عز وجل عن منزلته  في الملأ الأعلى عند رب العالمين وعند الملائكة المقربين فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) [الأحزاب:56] ثم أمر أهل الأرض من المؤمنين بالصلاة والسلام عليه ليجتمع له الثناء من أهل السماء وأهل الأرض فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة! قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين"(رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون"( رواه مسلم).
3- أخذ الله الميثاق على جميع النبيين والمرسلين إن بعث فيهم الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وينصروه قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )[آل عمران:81].
قال أبو الحسن القابسى رحمه الله :اختص لله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم بفضل لم يؤته غيره أبانه به وهو ما ذكره في هذه الآية0
قال المفسرون: أخذ الله الميثاق بالوحى فلم يبعث نبيا إلا ذكر له محمدا ونعته وأخذ عليه ميثاقه إن أدركه لا يؤمنن به وقيل أن يبينه لقومه ويأخذ ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم، وقوله ثم جاءكم: الخطاب لأهل الكتاب المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم0
 قال على بن أبى طالب رضى الله عنه: لم يبعث الله نبياً من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذن العهد بذلك على قومه(الشفا :جـ1صـ44).
4-ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل وقره في ندائه فناداه بأحب أسمائه وأسنى أوصافه حيث نادى على الأنبياء بأسمائهم الأعلام فقال جل وعلا: (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)[الأعراف:19] ،
وقال: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات:104،105] ، وقال: (يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا) [هود:48].
وقال: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم:12].
وما خاطب الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم إلا بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) أو بقوله:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ) ، وقوله :( يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) ، وقوله:( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ).
وجمع الله عز وجل فى الذكر بين خليله إبراهيم وخليله محمد صلى الله عليه وسلم فذكر خليله إبراهيم باسمه وخليله محمد بكنية النبوة فقال جل وعلا: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) [آل عمران:68].
ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أقسم بحياته صلى الله عليه وسلم فقال: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحجر:72].
أخرج ابن جرير عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ما خلق الله وما برأ وما ذرأ نفساً أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره قال تعالى: (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحجر:72]. (تفسير الطبرى - سورة الحجر- القول في تأويل قوله تعالى : قال هؤلاء بناتي إن كنتم -  وقوله : لعمرك - حديث:‏19337‏).
5-ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم إيثاره أمته على نفسه بدعوته: إذ جعل الله عز وجل لكل نبي دعوة مستجابة فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا واختبأ هو صلى الله عليه وسلم دعوته شفاعة لأمته:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً"(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله:(فى هذا الحديث بيان كمال شفقة النبى صلى الله عليه و سلم على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر فى مصالحهم المهمة فأخر النبى صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم ، وأما قوله صلى الله عليه و سلم: (فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا): ففيه دلالة لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد فى النار وإن كان مصراً على الكبائر). (شرح النووي على مسلم : جـ3 صـ75 ).
6-ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم أنه ساد صلى الله عليه وسلم الكل:كما في حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع بيدي لواء الحمد تحته آدم فمن دونه"(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله:( قال العلماء: وقوله صلى الله عليه و سلم:( أنا سيد ولد آدم) لم يقله فخراً بل صرح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور أنا سيد ولد أدم ولا فخر وإنما قاله لوجهين أحدهما: امتثال قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(سورة الضحى:11) والثاني: أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه ويوقروه صلى الله عليه و سلم بما تقتضي مرتبته كما أمرهم الله تعالى ، وهذا الحديث دليل لتفضيله صلى الله عليه و سلم على الخلق كلهم لأن مذهب أهل السنة أن الآدميين أفضل من الملائكة وهو صلى الله عليه و سلم أفضل الآدميين وغيرهم). (شرح النووي على مسلم:جـ15صـ37).
ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أن معجزة كل نبي تصرمت وانقضت ومعجزته صلى الله عليه وسلم وهي القرآن المبين باقية إلى يوم الدين؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة"(رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام ابن بطال رحمه الله:أى : (صدق بتلك الآيات لإعجازها لمن شهدها ، كقلب العصا حية ، وفلق البحر لموسى وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى ، وكان الذى أعطيت أنا وحيًا أوحاه الله إلىّ فكان آية باقية دعى إلى الإتيان بمثله أهل التعاطى له ، ومن نزل بلسانهم ، فعجزوا عنه ثم بقى آية ماثلة للعقول إلى من يأتى إلى يوم القيامة ، يرون إعجاز الناس عنه رأى العين ، والآيات التى أوتيها غيره من الأنبياء قبله رئى إعجازها فى زمانهم ، ثم لم تصحبهم إلا مدة حياتهم ، وانقطعت بوفاتهم ، وكان القرآن باقيًا بعد النبى صلى الله عليه وسلم يتحدى الناس إلى الإتيان بمثله ، ويعجزهم على مرور الأعصار فكان آية باقية لكل من أتى ، فلذلك رجا أن يكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة).(شرح صحيح البخارى: لابن بطال جـ10 صـ330 )0
7-ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم أنه أحلت له الغنائم: ففي الصحيحين عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"(رواه البخاري ومسلم).
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسا" تعديد للفضائل التي خص بها دون سائر الأنبياء عليهم السلام وظاهره: يقتضي أن كل واحدة من هذه الخمس لم تكن لأحد قبله ، ولا يعترض على هذا بأن نوحا عليه السلام - بعد خروجه من الفلك - كان مبعوثاً إلى أهل الأرض لأنه لم يبق إلا من كان مؤمناً معه وقد كان مرسلاً إليهم لأن هذا العموم في الرسالة لم يكن في أصل البعثة ، وإنما وقع لأجل الحادث الذي حدث وهو انحصار الناس في الموجودين لهلاك سائر الناس ، وأما نبينا صلى الله عليه وسلم: فعموم رسالته في أصل بعثته ، وأيضا فعموم الرسالة: يوجب قبولها عموما في الأصل والفروع ، وأما التوحيد وتمحيص العبادة لله عز وجل: فيجوز أن يكون عاما في حق بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شرعه ليس عاما, فإن من الأنبياء المتقدمين عليهم السلام من قاتل غير قومه على الشرك وعبادة غير الله تعالى فلو لم يكن التوحيد لازما لهم بشرعه أو شرع غيره: لم يقاتلوا ولم يقتلوا إلا على طريقة المعتزلة القائلين بالحسن والقبح العقليين ، ويجوز أن تكون الدعوة على التوحيد عامة لكن على ألسنة أنبياء متعددة فثبت التكليف به لسائر الخلق وإن لم تعم الدعوة به بالنسبة إلى نبي واحد).(إحكام الأحكام:جـ1صـ81).
8-ومن فضله صلى الله عليه وسلم وشرفه عند ربه عز وجل أنه تعالى تكفل بحفظ كتابه الذى أنزله عليه قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
وقال عن الكتب السابقة:(بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ) [المائدة:44] فجعل حفظه إليهم فضاع.
ومن شرفه صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي أعطاه الله عز وجل إياه وهو نهر في الجنة وحوض في الموقف:عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه مبتسماً قلنا ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: لقد أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم:(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ(1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ(2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ(3)) [الكوثر:1- 3] ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء فيختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقول: إنك لا تدري ما أحدث بعدك"(روه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله:( في هذا الحديث فوائد منها: أن البسملة في أوائل السور من القرآن ، وفيه جواز النوم في المسجد ، وجواز نوم الإنسان بحضرة أصحابه ، وأنه إذا رأى التابع من متبوعه تبسماً أو غيره مما يقتضى حدوث أمر يستحب له أن يسأل عن سببه ، وفيه إثبات الحوض والإيمان به واجب).(شرح النووي على مسلم:جـ4صـ113).
9-ومن شرفه وفضله صلى الله عليه وسلم أنه صاحب الوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وهي له صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة"(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله: (وفيه استحباب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من متابعة المؤذن واستحباب سؤال الوسيلة له ، وفيه أنه يستحب أن يقول السامع كل كلمة بعد فراغ المؤذن منها ولا ينتظر فراغه من كل الأذان ، وفيه أنه يستحب أن يقول بعد قوله وأنا أشهد أن محمدا رسول الله رضيت بالله رباً وبمحمد رسولاً وبالإسلام ديناً ، وفيه أنه يستحب لمن رغب غيره في خير أن يذكر له شيئا من دلائله لينشطه لقوله صلى الله عليه و سلم فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرا ومن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة، وفيه أن الأعمال يشترط لها القصد والإخلاص). (شرح النووي على مسلم:جـ4صـ88).
ومن فضله وشرفه صلى الله عليه وسلم عند ربه تبارك وتعالى وصفه بالشهادة والثناء عليه قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا)(سورة الأحزاب: 45-46)0
قوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً}:قال قتادة:على أمتك بالبلاغ ، وقيل: شاهدا عليهم بأعمالهم من طاعة أو معصية. وقيل : مبينا لهم ما أرسلناك به إليهم ، وقيل: شاهدا عليهم يوم القيامة. فهو شاهد أفعالهم اليوم ، والشهيد عليهم يوم القيامة ، {وَمُبَشِّراً} لمن أطاعه بالجنة،{وَنَذِيراً} من النار لمن عصى ، قاله قتادة وغيره(تفسير القرطبي: جـ16صـ266).
وقال القاضى عياض رحمه الله:جمع الله تعالى له في هذه الآية ضروبا من رتب لأثرة، وجملة أوصاف من المدحة، فجعله شاهدا على أمته لنفسه بإبلاغهم الرسالة، وهى من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ومبشرا لأهل طاعته، ونذيرا لأهل معصيته، وداعيا إلى توحيده وعبادته، وسراجاً منيراً يهتدى به للحق(الشفا:جـ1صـ24).
وعن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، أنت عبدى ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء: بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا)( أخرجه البخاري فى صحيحه).                
          
                         والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل                                                          

                                                                    كتبه                  
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف 
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق