الاثنين، 8 فبراير 2016

أمسك عليك لسانك



أمسك عليك لسانك
      وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه لما سأله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، فاللسان صغير حجمه، عظيم طاعته وجرمه، فبكلمة باللسان يرضى عنك الرحمن سبحانه، وبكلمة يسخط عليك، وبكلمة تدخل الجنة، وبكلمة تدخل النار، وبكلمة تصلح بين اثنين، وبكلمة تفرق بين الأفراد والمجتمعات، وبكلمة تكثر الحسنات، وبكلمة تكثر السيئات، فما أحوجنا إلى المحافظة على اللسان بإطلاقه في الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وسائر أعمال الخير، وأن نكف ألسنتنا عن الشر من الغيبة والنميمة والكذب والوقوع في أعراض الناس والكلام فيما لا يعني وإشاعة الفوضى في البلاد والعباد.
     ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أي المسلمين أفضل؟ قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه(رواه مسلم)، وبيّن أن الكلمة الطيبة سبب في رضوان الله تعالى عن العبد، وذلك فيما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ، لا يلقي لها بالا ، يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يلقي لها بالا ، يهوي بها في جهنم"، وسبب في دخول الجنة، وذلك فيما أخرجه الترمذي بسند حسن عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام".
     ولما جاءه سفيان بن عبد الله رضي الله عنه وقال: يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: "قل: ربي الله، ثم استقم" قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: "هذا"(رواه الترمذي)، وضمان الجنة بحفظ اللسان فعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) (رواه البخاري)، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)(رواه الترمذي)، وفي الأثر أكثر خطايا ابن آدم في لسانه.
     ولننظر إلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم والتي يبين فيها أن أكثر حصائد النار من اللسان، وذلك فيما أخرجه الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ، ويباعدني من النار، قال: " لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت " ثم قال: " ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ النار الماء، وصلاة الرجل من جوف الليل ، ثم قرأ تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ جزاء بما كانوا يعملون" ثم قال: " ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه ؟ الجهاد" ثم قال:" ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " قلت: بلى، فأخذ بلسانه، فقال: " كف عليك هذا " قلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : " ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم في النار، إلا حصائد ألسنتهم ؟ " فيجب على كل مسلم أن يحذر هذه الحصائد، وأن يحفظ لسانه من الكذب والغش وقول الزور والغيبة والنميمة وكل قول يغضب الله تعالى.
    ولننظر إلى سلفنا الصالح رضي الله عنهم كيف كان حالهم مع اللسان، وكيف كانوا يدركون خطره، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: والذي لا إله غيره، ما على  ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، وكان يخاطب لسانه قائلاً: يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم، ودخل عمر رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه وهو يجذب لسانه، فقال عمر: مه، غفر الله لك، فقال له أبو بكر: إن هذا أوردني بشر الموارد، فإذا كان هذا هو حال صديق الأمة الأكبر المبشر بالجنة صاحب النبي ورفيقه في الغار خير رجال هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ويقول عن لسانه أنه أورده المهالك، فكيف حالنا نحن في هذه الأيام التي كثر فيها السباب والشتائم والقذف والغيبة والنميمة والكذب وشهادة الزور وترويج الإشاعات الكاذبة ونشر الفوضى في البلاد والعباد ما أحوجنا إلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم التي يقول فيها:(من صمت نجا)(رواه الترمذي).
     قال شميط بن عجلان: يا ابن آدم إنك ما سكتت فأنت سالم فإذا تكلمت فخذ حذرك، إما لك أو عليك، وقال محمد بن عجلان: إنما الكلام أربعة: أن تذكر الله، وتقرأ القرآن، وتسئل عن علم فتخبر به، أو تكلم فيما يعنيك من أمر دنياك، وقيل: المرء مخبوء تحت لسانه فإذا تكلم ظهرت لك حقيقته، وقال وهب بن منبه: أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت، وقال الحسن : تكلم قوم عند معاوية رحمه الله والأحنف بن قيس ساكت فقال له مالك: يا أبا بحر لا تتكلم فقال له: أخشى الله إن كذبت وأخشاك إن صدقت. والله من وراء القصد.


د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق