السبت، 10 ديسمبر 2016

فضائل العلم وآدابه (3) د/ أحمد عرفة



فضائل العلم وآدابه (3)
(والعمل بالعلم) من أعظم الآداب التي ينبغي على طالب العلم أن يتحلى بها فثمرة العلم هي العمل به، فقد قيل: من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، وفي الأثر عن الشافعي –رحمه الله- "ليس العلم ما حفِظ، العلم ما نفع"، وفي ذلك يقول الإمام الخطيب البغدادي –رحمه الله-" ثُمَّ إِنِّي مُوصِيكَ يَا طَالِبَ الْعِلْمِ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ فِي طَلَبِهِ ، وَإِجْهَادِ النَّفْسِ عَلَى الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ شَجَرَةٌ وَالْعَمَلَ ثَمَرَةٌ، وَلَيْسَ يُعَدُّ عَالِمًا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِعِلْمِهِ عَامِلًا، وَقِيلَ: الْعِلْمُ وَالِدٌ وَالْعَمَلُ مَوْلُودٌ، وَالْعِلْمُ مَعَ الْعَمَلِ، وَالرِّوَايَةُ مَعَ الدِّرَايَةِ فَلَا تَأْنَسْ بِالْعَمَلِ مَا دُمْتَ مُسْتَوْحِشًا مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا تَأْنَسْ بِالْعِلْمِ مَا كُنْتَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ وَلَكِنِ اجْمَعْ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُكَ مِنْهُمَا، وَمَا شَيْءٌ أَضْعَفُ مِنْ عَالِمٍ تَرَكَ النَّاسُ عِلْمَهُ لِفَسَادِ طَرِيقَتِهِ، وَجَاهِلٍ أَخَذَ النَّاسُ بِجَهْلِهِ لِنَظَرِهِمْ إِلَى عِبَادَتِهِ".(اقتضاء العلم العمل، صـ14ط/ المكتب الإسلامي).
 وكان علي رضي الله عنه يقول:" "يا حملة العلم، اعملوا فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيَهم، يخالف عملهم علمهم، ويخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حِلقاً يباهي بعضهم بعضاً، حتى إنّ الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدَعَه، أولئك لا يصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى"(جامع بيان العلم وفضله 2/7).
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد مسئول عن العمل بما يتعلمه، وذلك فيما أخرجه الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه)، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك علماً نافعاً)(أخرجه ابن حبان بسند حسن)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:( اللهم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا)(رواه مسلم).
وقد ذم ربنا جل وعلا من لا يعمل بعلمه في مواضع كثيرة من القرآن ومنها قوله تعالى:
 { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(البقرة:44)، "والغرض: أن الله تعالى ذمهم على هذا الصنيع، ونبههم على خطئهم في حق أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمهم على أمرهم بالبر مع تركهم له، بل على تركهم له، فإن الأمر بالمعروف معروف وهو واجب على العالم، ولكن الواجب والأولى بالعالم أن يفعله مع من يأمرهم به ولا يتخلف عنهم"(تفسير ابن كثير 1/110ط/ دار الفكر).
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التخلف عن العمل بالعلم وبيّن أن في ذلك العذاب الشديد في الآخرة، وذلك فيما أخرجه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الْحِمَارِ بِرَحَاهُ فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلَانُ أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا أَفْعَلُهُ وَأَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ"، وذكر الإمام ابن القيم –رحمه الله- أن من أسباب حرمان العلم عدم العمل به، حيث قال في(مفتاح دار السعادة 1/172ط/ دار الكتب العلمية):" السادس: عدم العمل به، فإن العمل به يوجب تذكره وتدبره ومراعاته والنظر فيه، فإذا أهمل العمل به نسيه. قال بعض السلف: كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به، وقال بعض السلف أيضاً: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه حل وإلا ارتحل، فالعمل به من أعظم أسباب حفظه وثباته، وترك العمل به أضاعة له، فما استدر العلم ولا استجلب بمثل العمل".
            والانتفاع بالعلم على قسمين: نفع لازم وهو أنه يعمل بعلمه في نفسه من تصحيح العقيدة، والقيام بالعبادات القلبية من الخشية والتوكل والإنابة والمحبة والرجاء، وعبادات الجوارح من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك، ثم عليه مع ذلك تصحيح معاملاته والكف عن المحرمات والمشتبهات.
ونفع متعدٍ أي يتعدى نفعه إلى غيره من الناس فيعمل بعلمه في الناس، وذلك بنشره في الناس، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحق، ووقف علمه وكتبه لله تعالى بعد موته، لينتفع الناس وطلاب العلم به، فيجرى عليه ثواب ذلك.
ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن العلم النافع والعمل الصالح هما مفتاح السعادة، وأساس النجاة للعبد في الدنيا والآخرة، ومن رزقه الله علماً نافعاً ووفقه لعمل الصالح؛ فقد حاز الخير، وحظي بسعادة الدارين، قال تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النحل:97).
والله من وراء القصد، وللحديث بقية إن شاء الله.

                                                                            د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.com

نشر هذا المقال بجريدة صوت الأزهر في العدد الصادر بتاريخ 21/10/2016م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق