السبت، 10 ديسمبر 2016

فضائل العلم وآدابه (5) د/ أحمد عرفة



فضائل العلم وآدابه (5)
ومن الآداب التي ينبغي على طالب العلم أن يتحلى بها احترام الشيخ وتوقيره، وفي ذلك يقول الإمام علي رضي الله عنه: "من حقّ العالم عليك إذا أتيته أن تسلِّم عليه خاصَّة، وعلى القوم عامّة، وتجلس قُدَّامه، ولا تشِر بيديك، ولا تغمِز بعينَيك، ولا تقُل: قال فلان خلافَ قولك، ولا تأخذ بثوبِه، ولا تُلحَّ عليه في السؤال، فإنّه بمنزلة النخلة المُرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شيء".(جامع بيان العلم وفضله، 1/146 ط/دار الكتب العلمية).
 وقال أيضاً: "إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال، ولا تُعنِّته في الجواب، وألا تُلحَّ عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشينّ له سرًّا، ولا تغتابنّ عنده أحدًا، ولا تطلبنّ عثرته، وإن زلّ قبلت معذرته، وعليك أن توقّره وتعظّمه لله ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجةٌ سبقت القوم إلى خدمته"(جامع بيان العلم وفضله 1/129).
    "فليكن شيخك محل إجلال منك وإكرام وتقدير وتلطف، فخذ بمجامع الآداب مع شيخك في جلوسك معه، والتحدث إليه، وحسن السؤال والاستماع، وحسن الأدب في تصفح الكتاب أمامه ومع الكتاب، وترك التطاول والمماراة أمامه، وعدم التقدم عليه بكلام أو مسير أو إكثار الكلام عنده، أو مداخلته في حديثه ودرسه بكلام منك، أو الإلحاح عليه في جواب، متجنباً الإكثار من السؤال، ولا سيما مع شهود الملأ، فإن هذا يوجب لك الغرور وله الملل، ولا تناديه باسمه مجرداً...".(حلية طالب العلم، صـ35).
            ولقد ضرب علماء السلف أروع الأمثلة في توقير العلماء، ومن ذلك ما روي عن عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ قَالَ: رَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَأَخَذَ ابْنَ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ ، فَقَالَ لَهُ: لا تَفْعَلْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ : هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا. فَقَالَ زَيْدٌ: أَرِنِي يَدَكَ. فَأَخْرَجَ يَدَهُ، فَقَبَّلَهَا زَيْدٌ وَقَالَ: هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"(جامع بيان العلم وفضله 1/128)، وكان الإمام الشافعي-رحمه الله-يقول: "كنت أصفح الورقة بين يدي مالك صفحاً رفيقاً هيبة له، لئلا يسمع وقعها".
ومنها: أن يحافظ على وقته: فالوقت هو الحياة، وهو أغلى وأعز ما يملك كما قال الحسن البصري –رحمه الله-: " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة إذا مضى يوم ذهب بعضك"، ولما سُل الشعبي –رحمه الله- من أين لك هذا العلم كله؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وبكور كبكور الغراب، وصبر كصبر الحمار"، ونفي الاعتماد، يعني علو همته واعتماده على نفسه، والسير في البلاد: الحركة والسفر لجمع الفوائد من الشيوخ، وصبر كصبر الحمار: يريد شدة التحمل للمتاعب، والحمار أصبر الحيوانات، قالت العرب (أصبرُ من حمار)، وبكور كبكور الغراب: سرعة استغلال الزمان والتبكير فيه من أوله.
 ولقد ضرب علماء السلف أروع الأمثلة في المحافظة على الوقت، ومن ذلك الإمام النووي رحمه الله فقد ذكر أنه كان لا يضيع وقتاً في ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه يشتغل في تكرار محفوظة أو مطالعة، وأنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست سنين قبل اشتغاله بالتصنيف ومجاهدة النفس، وقال ابن الجوزي –رحمه الله:"ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل".(صيد الخاطر، صـ34).
ومنها: التواضع والحذر من الكبر: وفي ذلك يقول أمير المؤمنين  عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلّموا العلم، وتعلّموا له السكينةَ والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمون، وليتواضع لكم من تعلِّمون، ولا تكونوا جبابرة العلماء، ولا يقوم علمكم مع جهلكم)، وقال الإمام الشافعي-رحمه الله-: "لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح، ولكن من طلبه بذلّ النفس وضيق العَيش وخدمة العلماء أفلح"(المجموع 1/65).
ومنها: التحلي بمكارم الأخلاق واجتناب الأخلاق السيئة: فقد قالوا: علم بلا أدب كنار بلا حطب، وأدب بلا علم كجسد بلا روح، وكان الليث بن سعد يقول: " أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم"، وعن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: قال لي أبي: "يا بني، ائت الفقهاء والعلماء، وتعلّم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهديهم، فإنّ ذاك أحبّ إليّ لك من كثير من الحديث"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، صـ1/80 ط/ مكتبة المعارف، الرياض).
وقال ابن جماعة-رحمه الله- في (تذكرة السامع والمتكلم، صـ24): "فالحذر الحذر من هذه الصفات الخبيثة والأخلاق الرذيلة؛ فإنها باب كل شر، بل هي الشر كله، وقد بلي بعض أصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بكثير من هذه الصفات إلا من عصم الله تعالى، ولا سيما الحسد والعجب والرياء واحتقار الناس، وأدوية هذه البلية مستوفاة في كتب الرقائق، فمن أراد تطهير نفسه منها فعليه بتلك الكتب". والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


                                                                               د/ أحمد عرفة
                                                                        باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
                                                                     عضو الجمعية الفقهية السعودية
Ahmedarafa11@yahoo.coM             
نشر هذا المقال بجريدة صوت الأزهر في العدد الصادر بتاريخ 25/11/2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق