الجمعة، 2 مارس 2018

من أخطاء المصلين (3) الإسراع في الصلاة وعدم الطمأنينة. د/ أحمد عرفة



من أخطاء المصلين (3)
الإسراع في الصلاة وعدم الطمأنينة
من الأخطاء التي يقع فيها كثير من المصلين الإسراع في الصلاة وعدم الطمأنينة فيها، ولا يعلم هؤلاء أن الطمأنينة  ركن من أركان الصلاة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رد الرجل المسيء صلاته ثلاث مرات قائلاً له "ارجع فصل فإنك لم تصل"، ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال له: ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا "(رواه البخاري)، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نقر الصلاة، والسرقة منها، وبين أن ما يفعله كثير من المصلين اليوم من الإسراع في الصلاة وعدم الطمأنينة إنما هو سرقة في الصلاة، وذلك فيما أخرجه ابن حبان في صحيحه، والبيهقي في السنن  عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته "، قال: وكيف يسرق صلاته ؟ قال: " لا يتم ركوعها، ولا سجودها "
وأخرج أبو داود في سننه بسند حسن عن عبد الرحمن بن شبل، قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير".
قال الإمام المناوي –رحمه الله-: قوله: (نهى عن نقرة الغراب) أي تخفيف السجود وعدم المكث فيه بقدر وضع الغراب منقاره للأكل (وافتراش السبع) بأن يبسط ذراعيه في سجوده ولا يرفعهما عن الأرض (وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير) أي يألف محلا منه يلازم الصلاة فيه لا يصلي في غيره كالبعير لا يلوي عن عطنه إلا لمبرك قد اتخذه مناخاً لا يبرك إلا فيه. (تنبيه) قال ابن القيم –رحمه الله-: نهى المصطفى صلى الله عليه وسلم في الصلاة عن التشبه بالحيوانات فنهى عن بروك كبروك البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي وقت السلام كأذناب الخيل فهدي المصلي مخالف لهدي الحيوانات.(فيض القدير 6/439 وما بعدها).
وأخرج البيهقي في السنن بسند حسن عن أبي عبد الله الأشعري قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل فقام يصلي فجعل لا يركع وينقر في سجوده ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، فقال: " أترون هذا لو مات مات على غير ملة محمد ؟ ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، إنما مثل الذي يصلي ولا يركع، وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا تمرة أو تمرتين، فماذا تغنيان عنه فأسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار، وأتموا الركوع والسجود ".
وأخرج الترمذي في سننه عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ فِيهَا الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاق: مَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، لِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ".
وأما عن حد الطمأنينة في الصلاة فقال الإمام النووي –رحمه الله- في المجموع (1/250):
" وتجب الطمأنينة في الركوع بلا خلاف لحديث المسيء صلاته، وأقلها أن يمكث في هيئة الركوع حتى تستقر أعضاؤه وتنفصل حركة هويه عن ارتفاعه من الركوع".
وجاء في الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي –رحمه الله- (2/861-862):"وأقلها: أن تستقرَّ الأعضاء في الركوع مثلاً، بحيث ينفصل الرفعُ عن الهوي، كما قال الشافعية، وذلك بقدر الذِّكر الواجب لذاكره، وأما الناسي: فبقدر أدنى سكون، كما قال بعضُ الحنابلة، والصحيح من المذهب: أنها السكونُ وإن قل.أو هي: تسكين الجوارح قدر تسبيحة في الركوع والسجود، والرفع منهما، كما قال الحنفية. أو هي: استقرار الأعضاء زمنًا ما في جميعِ أركان الصلاة، كما قال المالكية".

ومما سبق يتبين لنا أن الطمأنينة في الصلاة ركن من أركانها كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة، وأن الصلاة تبطل بتركها، وذلك لحديث المسيء صلاته لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة، والأمر بالإعادة دليل على فساد الصلاة لكون الطمأنينة ركن من أركانها، وقد أفسده بهذا الإسراع وعدم إعطاء هذا الركن حقه. قال الإمام ابن حجر –رحمه الله- في الفتح (2/242): "لا ينقضي عجبي ممن يتعمد ترك قراءة الفاتحة منهم، وترك الطمأنينة فيصلي صلاة يريد أن يتقرب بها إلى الله تعالى، وهو يتعمد ارتكاب الإثم فيها مبالغة في تحقيق مخالفته لمذهب غيره" والله أعلم.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق