الثلاثاء، 14 يوليو 2015

حكم الختان في شريعة الإسلام د/ أحمد عرفة

وصلني سؤال يقول:
ما حكم الختان في شريعة الإسلام؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
أولاً: الختان مشروع:
الختان مشروع وهو من شعائر الإسلام وسنن الفطرة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد عٌرف الختان منذ عهد خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح  عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين ، اختتن بالقدوم)، وفي ذلك يقول الإمام الحافظ ابن عساكر رحمه الله: (( إن الله سبحانه كرم بني آدم على سائر الحيوان، واختار لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خير الأديان، وأمرهم بإتباع ملة أبيهم إبراهيم عليه السلام، فكان من أمره ما جاء به من الاختتان مخالفة لمن عاصره من القلفان (غير المختونين)، وتمييزاً عما عدا الصلبان، فما تفضل الله به على هذه الأمة من الامتنان وفقهم له عن الأخذ به في الطهور والاختتان)).( تبيين الامتنان بالأمر بالاختتان صـ28).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:(( الختان من الخصال التي ابتلى الله سبحانه بها إبراهيم خليله فأتمهن وأكملهن، فجعله إمامًا للناس، فقد ورد في الصحيحين أنه أول من اختتن وهو ابن ثمانين سنة واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتى في المسيح فإنه اختتن والنصارى تقر بذلك ولا تجحده )). ( تحفة المودود بأحكام المولودصـ158).
ثانياً: أدلة مشروعية الختان من السنة النبوية:
دلت السنة النبوية المطهرة على مشروعية الختان في حق الرجال والنساء في أحاديث كثيرة منها:
1-ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( خمس من الفطرة، الاختتان، الاستحداد، قص الشارب، تقليم الأظافر، نتف الإبط )).
قال الإمام البغوي رحمه الله: وهذه الخصال كلها سنة إلا الختان فقد اختلف أهل العلم به في وجوه فقال كثيرٌ منهم: أنه واجب، وكان ابن عباس يشدد في ذلك، فيقول الأقلف لا تجوز شهادته ولا تؤكل ذبيحته ولا تقبل صلاته، وقال الحسن في الختان: هو للرجال سنة وللنساء طهرة، وسئل زيد أسلم عن خفض الجارية إلى متى يؤخر؟ قال: إلى ثماني سنين.(شرح السنة:جـ6صـ122).
2-بوب الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الغسل (باب إذا التقى الختانان)- ثم أخرج حديث أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –(( إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)).
 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله:(باب إذا التقى الختانان)، المراد بهذه التثنية ختان الرجل والمرأة، والختن قطع جلدة كمرته وخفاض المرأة والخفض قطع جلدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين الذكر جلدة رقيقة.(فتح الباري:جـ1صـ395).
3- عن الضحاك بن قيس قال: كانت بالمدينة امرأة تخفض النساء ، يقال لها أم عطية ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخفضي ، ولا تنهكي ، فإنه أنضر للوجه ، وأحظى عند الزوج "(أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (236).
4- أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل"
5- عن عائشة رضي الله عنها، قالت : " إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا "(رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم (108).
6- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قعد بين الشعب الأربع ، ثم ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل "(رواه أحمد في مسنده وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (736).
في هذه الأحاديث السابقة وغيرها دلالة واضحة على أنه مشروع ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فما أحوجنا إلى استيعاب وفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن الحاج المالكي في المدخل : والسنة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه ، واختلف في حقهن هل يخفضن مطلقاً أو يفرق بين أهل المشرق وأهل المغرب ، فأهل المشرق يؤمرن به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرن به لعدمها عندهن .(عون المعبود:جـ9صـ2557).
ثالثاً: حكم الختان في المذاهب الفقهية:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية ما نصه:
اتفق الفقهاء على أن إزالة القلفة من الأقلف (غير المختون) من سنن الفطرة ، لتضافر الأحاديث على ذلك ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط .
 وذهب الشافعية وأحمد بن حنبل إلى أن الختان فرض، وهو قول ابن عباس وعلي بن أبي طالب والشعبي وربيعة الرأي والأوزاعي ويحيى بن سعيد وغيرهم ، وعلى هذا فإن الأقلف تارك فرض ، ومنهم من ذهب إلى أنه سنة كأبي حنيفة والمالكية ، وهو قول الحسن البصري.(الموسوعة الفقهية الكويتية:جـ6صـ88 وما بعدها).
بالتأمل في أقوال الفقهاء نجد أن منهم من قال: بأن الختان فرض في حق الرجال والنساء، ومنهم من قال: بأن الختان واجب في حق الرجال وسنة في حق النساء، ومنهم من قال: بأنه سنة في حق الرجال والنساء، ولم يقل أحد من الفقهاء بأن الختان ليس من الإسلام أو أن الختان حرام كما نرى ونسمع ونشاهد هذه الأيام سواء كان ذلك في حق الرجال أو النساء فانتبه أخي المسلم بارك الله فيك.
رابعاً: من فتاوى علماء الأمة في الختان:
سُئل شيخ الإسلام بن تيمية في هل تختن المرأة أم لا؟
فأجاب رحمه الله، نعم: تختن وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخافضة وهي الخاتنة ((اشمي ولا تنهكي، فإنه أبهى للوجه، وأحظى لها عند الزوج )) يعني لا تبالغي في القطع، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المختلفة في القفلة ، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت قلفاء كانت شديدة الشهوة، ولهذا يقال في المشاتمة: يا ابن القلفاء، فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر، ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر ونساء الإفرنج ما لا يوجد في نساء المسلمين.(مجموع الفتاوى جـ22صـ114).
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: - أن حكم الختان يعم الذكور والإناث- فقال: وقوله:(إذا التقى الختانان وجب الغسل)، قال أحمد: وفي هذا أن النساء كن يختتن، وسئل عن الرجل تدخل عليه امرأته فلم يجدها مختونة، أيجب عليها الختان؟ قال : الختان سنة، ولا خلاف في ذلك روايتان أحدهما يجب على الرجال والنساء معاً، والحكمة من الختان تعم الذكور والإناث، وإن كان في الذكر أبين. (تحفة الودود بأحكام المولودصـ192).
وذكر فضيلة الشيخ/ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله شيخ الأزهر السابق في رسالته عن الختان ما نصه: (( وخلاصة أقوال الفقهاء أنهم اتفقوا على أن الختان في حق الرجال والخفاض في حق الإناث مشروع والتوجيه النبوي بالختان لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة، فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول لضبط الاشتهاء مع الإبقاء على لذات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله، وبذلك يتحقق الاعتدال فلم يعدم مصدر الاستمتاع والاستجابة ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الاستهتار وعدم القدرة على التحكم في نفسها عند الإثارة، ثم نقل رحمه الله عن فقه الأحناف (( أنه لو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه )).
كانت هذه كلمات مختصرة حول مشروعية الختان في حق الرجال والنساء وبيان أدلة ذلك وأقوال الفقهاء في حكمه وفتاوى بعض العلماء في حكمه ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه اللهم آمين.

د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية

عضو الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق