السبت، 18 يوليو 2015

المنهج النبوي في الدعوة إلى الله

الحكمة. والموعظة الحسنة
بقلم: نهلة متولى
المصدر: الأهرام المسائى
16-7-2015
More Sharing ServicesShare| Share on facebookShare on favoritesShare on googleShare on twitter
المنهج النبوي فى الدعوة إلى الله لابد وأن يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة والمصداقية والواقعية والإحسان لمن أساءوا إلينا ولن يتحقق للدعوة أهدافها إلا إذا التزم دعاة العصر بنهج نبيهم وآمنوا وطبقوا ما يدعون الناس إليه وكان لديهم من التقوى والورع ما يجعلهم قدوة الناس ومثالهم الذي يحتذى به واختلطوا بالناس وتفاعلوا مع مشكلاتهم وبصروا الناس بالمنهج الحق لحل ما يواجههم فى حياتهم وفق منهج الله تعالى وشرعه.
وحول المنهاج النبوى فى الدعوة يقول الدكتور عبدالفتاح محمود إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الأزهر إنه لم يكن المنهج الذي اتبعه النبي صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله تعالى منهجا بشريا بل كان منهجا إلهيا أرشده إليه ربه، فقد أمره أن تكون دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة فقال سبحانه: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وأمره ربه أن يكون رفيقا بمن يدعوهم قال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر) وأمره أن يجادلهم بالحسنى فقال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) وقال له عند مخاطبة أهل الكتاب: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) كما أمر نبيه أن يحسن إلى من يدعوهم إلى الإسلام وإن أساءوا إليه فقال تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة) وقال سبحانه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ولذا فقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الهدي فى دعوته.
فعندما قسم الرسول صلي الله عليه وسلم غنائم هوازن جذبه أعرابي من جذبه جبذة أثر طرف الثوب بها فى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أعطني يا محمد مما أعطاك الله فلم يزد عن أنه تبسم له وأمر أن يعطى من المال المغنوم تلك كانت شيمته صلى الله عليه وسلم فى دعوته إلى الله تعالى حتى فتحت بدعوته قلوب غلف وأشربت دعوته أفئدة هي كالحجارة أو أشد قسوة فصاروا من أتباع هذا الدين يدافعون وينافحون عنه ولن يصلح هذا الدين إلا بما صلح به أوله مؤكدا أن هذا هو المنهج النبوي الذي إذا ترسمناه فى الدعوة إلى الله تعالى كان الفلاح كله فى هذا السبيل ولم نجد فى حياتنا ما يشذ من خلق أو تصرف أو سلوك أو شطط فكري أو انحراف فى التوجه أو الفهم.
بينما يقول أحمد عرفة باحث دكتوراه بجامعة الأزهر إّنَّ الدعوة إلى الله تعالى هي سبيل الأنبياء والمرسلين ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين من العلماء الناصحين والدعاة الصادقين قال عزّ وجل مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وقال تعالى: (رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل وأنزل الكتب للدعوة إليه سبحانه تذكيراً للغافل وتعليماً للجاهل ورداً للشارد عن منهج الله عز وجل ودعوةً له للرجوع إليه سبحانه كما قال تعالى: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ.)، وقال تعالى: (وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ.)، وقال تعالى: (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى).
ويضيف ماأحوج الأمة الإسلامية الآن فى هذه الأيام التي كثرت فيها الفتن إلى المنهج النبوي فى الدعوة إلى الله ليكون الداعي على بصيرة بما يدعو، فالدعوة إلى الله تعالى من أشرف الأعمال وأجلها قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (سورة فصلت: الآية: 33).
ويؤكد أن المتأمل فى منهج النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه قد اتخذ عدة أساليب منها: أولاً: مراعاة حال المدعوين: فمن منهج النبي صلى الله عليه وسلم مراعاته صلى الله عليه وسلم لحال المدعوين فالدعوة إلى الله كالدواء لابد من وضعه فى محله ولا يمكن وضعه فى المحل المناسب إلا بعد معرفة حال المريض وما يناسبه من الدواء فما يصلح لمريض قد لا يصلح لآخر.
ويطالب عرفة الدعاة إلى الله تعالى اليوم بالرحمة والرفق تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم سيد الدعاة فى دعوته، ومن الأمثلة على ذلك ما رواه الإمام مسلم فى صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم؟ تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني "أي انتهرني" ولا ضربني ولا شتمني قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن "فما أحوج الدعاة اليوم إلى تعلم هذا الرفق واللين والرحمة فى الدعوة إلى الله كما كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم فى دعوته.
ويقول الشيخ إبراهيم محمود عبدالراضى إمام وخطيب بوزارة الأوقاف إن الدعوة بمعناها العام هي حث الغير على الخير فحض الناس على الخير دعوة سواء كان هذا الخير فى فعل أمر فيفعلوه أو فى ترك أمر فيجتنبوه وفى كل خير ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله له (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) فهو الداعي إلى الله بإذن من الله ولذلك لم تكن دعوته كأي دعوة بل كانت دعوته على بصيرة (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة).
ويؤكد أن البصيرة فى الدعوة هي المنهج فى الدعوة وبصيرته صلى الله عليه جعلت منهجه يتسم بالحكمة والمصداقية والواقعية والتيسير أما الحكمة فهي لا تعني اللين ولا تعني الشدة بل هي اللين فى موضعه والشدة فى موضعها وهي خير دلنا الله على خيريته بقوله (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) ولم يؤت رسول الله الحكمة فحسب بل وعلم الحكمة أمته (هوالذي بعث فى الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) وقال فى لينه فى موضع اللين (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) وشدته فى موضع الشدة (وما كان رسول الله يغضب إلا حينما تنتهك محارم الله).
ويشير إلى أنه إن أردنا مثالاً على حكمته صلى الله عليه وسلم فلا أدل على ذلك من استقباله للشاب الذي أراد الرخصة فى الزني فأراد بعضهم نهره إلا أنه قربه إليه وقال: ادن، يعني اقترب وفى قوله هذا من الود ما فيه قال له، أترضاه لأمك؟ قال الشاب لا، قال كذلك الناس لايرضونه لأمهاتهم أترضاه لأختك؟ قال لا قال كذلك الناس لايرضونه لأخواتهم، أترضاه لعمتك لخالتك. فحرك النبي صلى الله عليه وسلم فيه فطرته وغيرته ونخوته ثم دعا له بحفظ القلب وتحصين الفرج، حكمة ما بعدها حكمة فى التعامل مع الشاب.

ويضيف إن المصداقية هي أن يفعل الداعية ما يقول (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون) ورسول الله هو الصادق الأمين غفر الله له ومع ذلك يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ويقول (أفلا أكون عبدا شكورا؟!) يقول (إني لأتقاكم لله وأشدكم له خشية) وهكذا ينبغي على كل داعية أن يوافق قوله فعله وكيف لا تتسم دعوته بالمصداقية وهو ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، أما الواقعية فلا يليق أن يكون الداعية فى معزل عن الواقع حتى لا يجنح بالدعوة إلى غير المراد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق