الأحد، 19 يوليو 2015

وماذا بعد رمضان د/ أحمد عرفة

ماذا بعد رمضان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
فإن من أعظم الدروس المستفادة من شهر رمضان تهذيب الأخلاق التي هي أصل عظيم دعا إليه الإسلام ، وشُرعت من أجله العبادات ، ونجد ذلك واضحاً جلياً في فريضة الصيام حيث قال صلى الله عليه وسلم:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) (رواه البخاري ومسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم:(فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل وإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني امرؤ صائم) (رواه البخاري ومسلم)
فما أحوج المسلمين للتمسك بأخلاق الصيام والمحافظة عليها بعد رمضان، فالإسلام جاء لتهذيب الأخلاق وإصلاحها وقد قال صلى الله عليه وسلم:(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(رواه البيهقي).
ومن الدروس المستفادة أيضاً من شهر رمضان تحقيق تقوى الله عز وجل التي هي المقصد الأعلى والغاية العظمى من فريضة الصيام قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(البقرة:183)، والتقوى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين قال تعالى:( وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ)(النساء:132)، والتقوى هي أن يجعل الإنسان بينه وبين ما يُغضب الله تعالى وقاية ، فما أحوج المسلمين إلى درس التقوى بعد رمضان والمواظبة عليه في كل وقت وكل في لحظة من لحظات الحياة في السر والعلانية بين الإنسان وبين نفسه، وبين الإنسان وغيره، أي أن يستوي سره وعلانيته .
ومن الدروس المستفادة أيضاً من شهر رمضان المداومة على الطاعات، فلقد حرص كثير من المسلمين على اغتنام هذا الشهر بالصيام والقيام وقراءة القرآن وذكر الله ، والإكثار من الصدقات والإنفاق في سبيل الله ، وغير ذلك من الطاعات التي داوم عليها في رمضان، فما أحوج المسلمين إلى المداومة على هذه الطاعات بعد رمضان، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في المداومة على العمل وإن كان قليلاً فقد جاء في البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ » . قَالَ: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ، فلنحافظ على الصلوات في أوقاتها بعد رمضان، ونكثر من صيام التطوع كصيام ست من شوال، وصيام يومي الاثنين والخميس، والثلاثة أيام البيض، وليكن لنا ورد يومي من القرآن الكريم يومياً ، ولنحرص على الصدقة أيضاً والإنفاق في سبيل الله بما تيسر فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:(اتقوا النار ولو بشق تمرة) (رواه البخاري)، وليحرص أيضاً على قيام الليل ولو بركعتين فقيام الليل من أفضل الصلوات بعد صلاة الفريضة قال صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل، وأفضل الصيام بعد رمضان صيام شهر الله المحرم)(رواه مسلم).
ثم في النهاية ليحذر المسلم بعد رمضان من الانغماس في الشهوات والمعاصي ولا يكون حاله كحال هذه المرأة التي ضربها الله تعالى مثلاً لنا في القرآن قال تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(سورة النحل:92) يبيّن لنا ربنا جل وعلا في هذه الآية الكريمة حال هذه المرأة التي ظلت تغزل طوال الليل فلما أصبحت نقضت هذا الغزل الذي تعبت فيه بعد عناء ومشقة بأن هذا خيبة وسفاهة، فليحذر المسلم بعد رمضان أن يكون حاله كهذه المرأة أن ينقض الطاعات والقربات التي قام بها في رمضان من صلاة وصيام وقراءة للقرآن وصدقة وغير ذلك من أعمال البر التي كان محافظاً عليها في رمضان بالذنوب والمعاصي والعودة إلى الحال التي كان عليها قبل رمضان، ولقد سُئل بعض السلف أيهما أفضل شعبان أم رمضان فقال: كن ربانياً ولا تكن ربانياً ، ولمَّا سُئِل بشر الحافي- رحمه الله- عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!
فما أحوجنا إلى المداومة على الطاعات بعد رمضان ، فالمداومة على الطاعة من علامات القبول فمن علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها، فنسأل الله تعالى أن يتقبل منا وأن يوفقنا للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان اللهم آمين .
د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
عضو الجمعية المصرية للتمويل الإسلامي

Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق