الجمعة، 30 سبتمبر 2016

كتاب قرأناه لك مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي للأستاذ الدكتور/ محمود محمد الطناحي -رحمه الله- إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي
للأستاذ الدكتور/ محمود محمد الطناحي -رحمه الله-
هذا الكتاب من الكتب القيمة والفريدة في بابها تحدث فيه مؤلفه عن تاريخ نشر التراث العربي والمراحل التي مر بها وأشهر المطابع والمؤلفين في كل مرحلة، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة- الطبعة الأولى سنة 1405ه- 1984م، يقع في 408 صفحة.
يقول المؤلف في المقدمة عن سبب تأليفه للكتاب وأهميته:" هذا موضوعان يتصلان بتحقيق النصوص ونشرها، وكنت على أفرد كلاً منهما ببحث جامع محيط-إذ كان مجال القول فيهما واسعاً، والحاجة إلى إشباع الحديث عنهما ماسة- لولا رغبة كريمة من بعض إخواني، لأن أعمل وأخرج ما بيدي منهما الآن، وقد استجبت لتحقيق تلك الرغبة، والموضوعان اللذان يعالجهما الكتاب هذا البحث المتواضع، هما: مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، وقضية التصحيف والتحريف، وقد يبدو الجمع بينهما قلقاً متباعداً، ولكني أردت بهما تلبية حاجة لطلبة الدراسات العليا العربية".
ثم ذكر المؤلف فائدة تاريخ نشر التراث العربي فقال: "ويفيدنا تاريخ نشر التراث العربي فائدتين: الأولى: معرفة تاريخ العلماء والرجال الذين مهدوا الطريق لنا، وسلكوا دروباً مضنية، واحتملوا عناءً باهظاً، وأظهروا على مداخل هذا التراث ومساربه، حين قاموا على نشره وإذاعته،والثانية: معرفة فروق ما بين الطبعات، فإن كثيراً من كتب التراث قد طبع أكثر من طبعة، وتتفاوت هذه الطبعات كمالاً ونقصاً، وصحة وسقماً".
وبيّن في المقدمة أن التراث الإنساني ليس ملكاً لأحد، والتقاء الحضارات وتبادل الثقافات معروف مشهور، والتأثير والتأثر بين الشعوب حتم لازم، ثم تحدث بعد ذلك عن تاريخ الطباعة العربية مبيناً أنه كان إنجازاً حضارياً كبيراً ظهور المطبعة في القرن الخامس عشر الميلادي على يد جوتنبرج الألماني (1397-1468م).
ثم تحدث بعد ذلك عن مراحل نشر التراث العربي، وأجملها في أربعة مراحل، وذكر مميزات وعيوب كل مرحلة وذلك كالآتي:
المرحلة الأولى: مرحلة مطبعة بولاق والمطابع الأهلية: وتتميز بنشر الكتب دون مقدمة أو دراسة أو ترجمة للمؤلف، أو ذكر مخطوطات الكتاب، ودون فهرسة، واتَّسمت بالدقة المتناهية. يقول المؤلف عن هذه المرحلة:"لقد كان إنشاء هذه المطبعة في مصر صيحة مدوية، أيقظت الغافلين، ومركز ضوء باهر هدى الحائرين، وقد تدافعت مطبوعاتها من الكتاب العربي الإسلامي، كأنها السيل، واستمرت في عملها أكثر من تسعين سنة، لم تركد في أثنائها إلا بضع سنوات، في الفترة التي انقضت بين عهد محمد علي وإسماعيل، ولا تزال هذه المطبعة العتيدة باقية إلى يومنا هذا"، وذكر من المطابع الأهلية المطبعة القبطية، ومطبعة جمعية المعارف، والمطبعة الخيرية بالجمالية، والمطبعة العثمانية، والمطبعة الأزهرية المصرية، والمطبعة الشرفية، والمطبعة الرحمانية، ومطبعة كردستان.
والمرحلة الثانية: مرحلة الناشرين النابهين: أمين الخانجي، ومحب الدين الخطيب، ومحمد منير الدمشقي، وحسام الدين القدسي، وعُنيت هذه المرحلة إلى حدٍّ ما بجمع النسخ المخطوطة للكتاب المراد نشرُه، وذكر ترجمة المؤلف، وبعض الفهارس. يقول عن هذه المرحلة:"ومن عجائب الاتفاق أنهم كلهم من أهل الشام، اجتذبهم مصر إليها، واعتدت لهم متكأ، فنشروا علماً، وأذاعوا تراثاً، ثم كان لهم من وراء ذلك أثر بارز، في جمع المخطوطات وتيسيرها للعلماء".
والمرحلة الثالثة: مرحلة دار الكتب المصرية: وفيها أخذ النشر يتَّجه نحو الكمال، من حيثُ جمعُ النسخ المخطوطة للكتاب من مكتبات العالم، وإضاءة النصوص ببعض التعليقات والشروح، وصنع الفهارس التحليلية الكاشفة لكنوز الكتاب، والتقديم للكتاب، وبيان مكانته في المكتبة العربية. يقول عن هذه المرحلة:"وكان صاحب الفضل في مد الجسور - بين مصر وأوربا فيما يتصل بنشر التراث- أحمد زكي باشا، الذي اتصل بعلماء الاستشراق، ومثّل مصر في مؤتمراتهم، وكان من كبار الكُتّاب، والخطباء في مصر".
المرحلة الرابعة: مرحلة الأفذاذ من الرجال: وهي مرحلة الأعلام أحمد محمد شاكر، ومحمود محمد شاكر، وعبد السلام هارون، والسيد أحمد صقر، وتتَّسم بشدة الإتقان. يقول عن هذه المرحلة: "وقد دخل هؤلاء الرجال ميدان التحقيق والنشر، مزودين بزاد قوي، من علم الأوائل وتجاربهم، ومستفيدين من جميع المراحل السابقة في نشر التراث، ومدفوعين بروح عربية إسلامية عارمة، استهدفت فيما استهدفت إذاعة النصوص الدالة على عظمة التراث، الكاشفة عن نواحي الجلال والكمال فيه".
ثم تحدث بعد ذلك عن نشاط الهيئات العلمية في مصر، ومنها إنشاء جامعة القاهرة، ودار المعارف، ومعهد المخطوطات العربية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ومجمع اللغة العربية، والهيئة المصرية العامة للكتاب، والمجلس الأعلى للفنون والآداب.
وانتقل بعدها للحديث عن نشر التراث العربي خارج مصر، وذكر أشهر المطابع المشهورة فيها، ثم الكلام عن المستشرقين وجهودهم في نشر التراث العربي.
ثم قال في النهاية:"إن غياب النصوص آفة علمية خطيرة، تقود إلى دراسات مبتسرة وشائهة، ودع عنك ما يقال، من أن كتب التراث تتشابه فيما تعالجه من علوم وفنون، فهذا كلام من لم يعرف الكتب، ويسلك دروبها ويقف على طرائقها".
ثم انتقل بعد ذلك لقضية من قضايا تحقيق النصوص، وهي قضية التصحيف والتحريف حيث قال:" إن قضية التصحيف والتحريف من أخطر قضايا تحقيق النصوص، لأنها تتصل بسلامة النص، وتأديته على الوجه الذي تركه عليه مؤلفه، وهي الغاية التي ليس وراءها غاية، من تحقيق النصوص وإذاعتها، وقد يُتسامح في بعض جوانب التحقيق الأخرى، مع أهميتها، كتوثيق النقول، وتخريج الشواهد، وصنع الفهارس الفنية، ولكن أن يُترك اللفظ مصحفاً أو مزالاً عن جهته، فهذا مما لا يُتسامح فيه، ولا يُعفى عنه، ويعظم الخطب حين يُبنى على اللفظ المصحف رأي في العقيدة أو الأدب أو اللغة".

د/أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 12/4/2016م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق