الجمعة، 30 سبتمبر 2016

كتاب قرأناه لك قيمة الزمن عند العلماء للشيخ العلامة/ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله . إعداد/ د/ أحمد عرفة



كتاب قرأناه لك
قيمة الزمن عند العلماء
للشيخ العلامة/ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله
كتاب قيمة الزمن عند العلماء للشيخ العلامة/ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، يُعد هذا الكتاب من أنفس الكتب المعاصرة التي عُنيت بالحديث عن أهمية الوقت ومنزلته مع ذكر نماذج من سير العلماء القدامى والمعاصرين في محافظتهم على الوقت وإدراك قيمته، طُبع هذا الكتاب طبعات كثيرة منها طبعة دار السلام للنشر والتوزيع بالقاهرة – الطبعة الأولى سنة 1431هـ،2010م.
يقول المؤلف رحمه الله في مقدمة كتابه:(وكتابي (قيمة الزمن عند العلماء) –على ما فيه من قصور- حصيلة نحو عشرين سنة، من مطالعاتي ومراجعاتي في كتب العلم: التفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، والرجال، والتراجم، والبلدان، واللغة، والنحو، والأدب، والأخلاق، وسواها، في جمع مادته، وانتخابها، وضبطها، وعزوها إلى مصادرها ومراجعها، والمقابلة بينها، وتمحيصها، وسبكها، وتحقيقها، وإخراجها بأبهى حُلَّة).
 ويُبيّن المؤلف في المقدمة قيمة الوقت وأنه أغلى ما يملك الإنسان فيقول:(يجب على المسلم أن ينتبه إلى الوقت في حياته، وإلى تنفيذ كل عمل من أعماله في توقيته المناسب، فالوقت من حيث هو معيار زمني: من أغلى ما وهب الله تعالى للإنسان، وهو في حياة العالم وطالب العلم رأس المال والربح جميعاً، فلا يسوغ للعاقل أن يُضيعه سُدى، ويعيش فيه هملاً سبهللاً، ومن أجل هذا دونت هذه الصفحات حافزاً لنفسي ولأبناء جنسي، رجاء الانتفاع بما فيها من أخبار آبائنا وسلفنا الماضين).
 افتتح الكتاب ببيان قيمة الزمن ثم تحدث عن النعم وبيّن أنها أصول وفروع، وأن من أجلٍّ أصولها وأغلاها نعمة الزمن، ثم بيان قيمة الوقت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وبيّن أن جميع المصالح تنشأ من الوقت فمن أضاعه لم يستدركه أبداً، ونقل قول الإمام الشافعي رحمه الله: صحبت الصوفية، فلم أستفد منهم سوى حرفين، أحدهما قولهم: الوقت سيف، فإن لم تقطعه قطعك، وذكر الكلمة الأخرى: نفسك اشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل، ثم تحدث عن حرص السلف على كسب الوقت وملئه بالخير قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي، ومن ذلك علو همتهم في طلب العلم والسهر في تحصيله حتى أن منهم من مات ابنه فوكل من قام بتجهيزه ودفنه ليحضر الدرس كالقاضي أبو يوسف، ومنهم من كانت أخته تُلقمه العشاء ليكتب الحديث ثلاثين سنة وهو الحافظ المحدث عُبيد بن يعيش، والإمام ثعلب النحوي يقرأ كتاباً وهو في الطريق وهو ابن تسعين سنة فيتردى في حفرة فتكون وفاته، ومن ذلك الإمام أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي كان لا يُضيع ساعة من عمره وكان يقول: إني لا يحل لي أن أُضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة، ومن أجل معرفته بقيمة الوقت واستثمارها كان حصيلة ذلك كتابه (الفنون) في ثماني مئة مجلدة وهو أحد كتبه يقول عنه الإمام الذهبي رحمه الله: لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب، حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة. قال ابن رجب: وقال بعضهم: هو ثماني مئة مجلدة)، وذكر عن الإمام الحافظ المنذري رحمه الله أنه كتب بيده 90مجلدة و700 جزء من غير تصانيفه، وأن الإمام النووي رحمه الله في بداية طلبه للعلم لم يضع جنبه على الأرض نحو سنتين، وكان يحضر في اليوم اثني عشر درساً مع الضبط والتعليق، وما ذلك منه رحمه الله إلا لمعرفته بشرف ما يطلب وتقدير لقيمة الوقت وشرف الزمان.
 وذكر المؤلف أيضاً أن من علو همة السلف في حفظ الوقت كثرة مؤلفاتهم وانشغالهم بالتأليف الساعات الطويلة بل والسنوات، وذكر من هؤلاء المكثرين من التأليف الإمام ابن جرير الطبري شيخ المفسرين أعظم مؤلف في الإسلام في كثرة التأليف وحسن التصنيف، يقول عنه المؤلف: (أحرز الإمام ابن جرير الطبري قصب السبق في التصنيف، كثرة في إتقان، مع عموم النفع، وقد خلف في مصنفاته ما يقرب من ثلاث مئة ألف ورقة وخمسين ألف ورقة. وهذه أغنى التركات العلمية فيما بلغنا، فتبارك الله أحسن الخالقين)، ومن هؤلاء أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والإمام البيقهي يقول عنهم المؤلف: وألف تقي الدين ابن تيمية ثلاث مئة مؤلف، في فنون مختلفة، ضمن نحو خمس مئة مجلد. وتلميذه ابن قيم الجوزية نحو الخمسين مجلداً بين ضخم ولطيف. وألف الإمام البيهقي ألف جزء، كلها تآليف محررة نادرة المثال، كثيرة الفوائد، وأقام يصوم ثلاثين سنة.
ومما ذكره المؤلف في حرص السلف على قيمة الوقت أن منهم من قرأ كتاباً مرات كثيرة، يقول رحمه الله: (ومن نتائج محافظة العلماء السابقين على الأوقات، ومراعاتهم للحظات، أن تمكنوا من قراءة كتاب واحد مرات كثيرة تدهش الناظر في أخبارهم وسيرهم، ولا يتأتي النبوغ في العلم والرسوخ فيه إلا بإدامة النظر وتكرار المطالعة، لا بتلقي دروس محدودة في دقائق وساعات معدودة محددة) وذكر أن الإمام النووي رحمه الله طالع (الوسيط) للغزالي 400 مرة، وذكر عن الإمام العلامة شيخ المالكية أبو بكر الأبهري قوله:(قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمس مئة مرة، والأسدية سبعين مرة، والموطأ خمساً وأربعين مرة، ومختصر البرقي سبعين مرة). ثم يُعلق المؤلف على هذا الكلام فيقول:(وإذا وازنت حال متخرجي اليوم بحال العلماء المتقدمين رأيت العجب يقرأ أحدهم أحاديث مختارة من (سبل السلام) نحو الخمسين حديثاً مرة واحدة في السنة، ثم يُوصف بأنه قرأ الحديث، ويقرأ من النحو عدة أبواب مختارة فيوصف بأنه درس النحو، وهكذا في الفقه والتفسير وغيرها، فإنا لله.
ومما ذكره المؤلف حُسن توزيع كل عمل على ما يناسبه من الأوقات فيقول: (ومما يحسن لفت النظر إليه في شأن الزمن: أن العمل العلمي يُنزل منزلته من الوقت الملائم له، فمن الأعمال العلمية ما يصلح له كل وقت وذهن، لخفته ويُسر القيام به، مثل النسخ والمطالعة الخفيفة والقراءة العابرة ونحوها، مما لا يحتاج إلى ذهن صاف ويقظة تامة وتفكير دقيق عميق، ومن الأعمال العلمية ما لا يكتمل حصوله على وجهه الأتم، إلا في الأوقات التي تصفو فيها الأذهان، وتنشط فيها القرائح والأفهام، وتكثر فيها البركات والنفحات، كساعات الأسحار والفجر والصباح، وساعات هدأة الليل والفراغ التام والسكون الكامل للمكان).
ثم يختم المؤلف كتابه بوصية للإمام الغزالي ينبه فيها إلى تنظيم الأوقات حيث يقول رحمه الله:( ولا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة، فتشتغل في كل وقت بما اتفق كيف اتفق، بل ينبغي أن تحاسب نفسك، وترتب وظائفك في ليلك ونهارك، وتُعين لكل وقت شُغلاً لا يتعداه ولا تؤثر فيه سواه، فيه تظهر بركة الأوقات. فأما من ترك نفسه مهملاً سُدى، إهمال البهائم، لا يدري بم يستقبل كل وقت، فتنقضي أكثر أوقاته ضائعة).
وفي النهاية يقول أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله:
دقات قلب المرء قائلة له:                  إن الحياة دقائق وثوان
فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها              فالذكر للإنسان عُمرُ ثاني

د/ أحمد عرفة
باحث دكتوراه بجامعة الأزهر
عضو الجمعية الفقهية السعودية
نشر بجريدة عقيدتي في العدد الصادر بتاريخ 8/3/2016م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق