الخميس، 7 أكتوبر 2021

ومضات حول جبر الخواطر د: أحمد عرفة

 

ومضات حول جبر الخواطر

د: أحمد عرفة

إنِّ جبر الخواطر عبادة من العبادات الجليلة، وقربة من القربات التي يتقرب بها العبد المسلم لخالقه ومولاه جل وعلا، وعندما نتأمل في هذه العبادة نجدها سهلة ميسرة على من يسر الله تعالى عليه، فربما بكلمة تجبر خاطرًا، بدعوة تجبر خاطرًا، بالسؤال عن المرضى والأيتام والأرامل والمساكين تجبر خاطرًا، بالسعي في قضاء مصالح الناس تجبر خاطرًا، وغير ذلك الكثير والكثير من صور جبر الخواطر التي سنمر عليها سريعًا في هذه الومضات البسيطة.

وعن مكانة وفضل هذه العبادة يقول الإمام سفيان الثوري –رحمه الله-: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم"، وقد قالوا:  «من سَارَ بينَ النَّاسِ جابرًا للخَواطرِ أدركَه لطف اللهُ في جَوفِ المَخاطرِ».

وأما عن معنى جبر الخواطر فقد جاء في معجم المعاني الجامع: "انجبر خاطرُه: طاب، وجبَر بخاطرَه، وأجاب طلبَه، عزّاه وواساه في مصيبةٍ حلَّت به، أزال انكساره وأرضاه، وجبَر خاطرَه:  أجاب طلبَه/ عزّاه وواساه في مصيبةٍ حلَّت به، أزال انكساره وأرضاه، ومِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَجْبُرَ خَوَاطِرَ النَّاسِ: أَنْ يُسَلِّيَهُمْ وَيُعَزِّيَهُمْ وَيُرْضِيَهُمْ".

 ولننظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجبر خاطر أصحابه في هذا المشهد المهيب الذي نحتاج أن نتوقف معه طويلاً في إعادته وتأمله، وأخذ العبر والدروس منه، والعمل بها في واقعنا الذي نعيشه، وقد جاء ذلك واضحًا جليًا فيما أخرجه الإمام الترمذي في سننه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «لَقِيني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا مُهْتَمّ، فقال: ما لي أراك منكسرا ؟ قلتُ: اسْتُشْهِدَ أبي يومَ أُحُد، وترك عيالًا ودَيْنًا، فقال: ألا أُبَشِّرُكَ بما لقي الله به أباك ؟ قلتُ: بلى، قال: ما كلَّم الله أحدا قطُّ إلا من وراء حجاب، وإنه أحْيىَ أباك، فكلَّمه كِفاحًا، فقال: يا عبدي، تمنَّ عليَّ أُعْطِكَ، قال: يا ربِّ، تحييني فأُقتل ثانية، قال سبحانه: قد سبق مني أنَّهم إليها لا يرجعون، فنزلت {ولاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ الله أمْوَاتا بَلْ أحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} [آل عمران : الآية 169]». فانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجبر خاطره بهذه الكلمات الطيبة، التي بها ذهب عنه ما وجده من هم وغم، فما أحوجنا إلى نتعلم من نبينا صلى الله عليه وسلم جابر الخواطر هذه العبادة العظيمة في حياتنا اليومية.

وعندما نتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نجد أن هناك العديد من صور جبر الخواطر، ومن ذلك أن الأهل والأقارب والأرحام هم أحق الناس بجبر الخواطر، بل هم في الدرجة الأولى من هذه العبادة الجليلة، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي» (أخرجه الترمذي وابن ماجه). قوله: « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ» أي: لعياله، وذوي رحمه، وقيل: لأزواجه، وأقاربه، وذلك لدلالته على حسن الخلق (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) فأنا خيركم مطلقًا، وكان أحسن الناس عشرة لهم، وكان على خلق عظيم"(تحفة الأحوذي 10/269).

كذلك أيضًا جبر خاطر الأقارب والأرحام، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ: الرَّحِمُ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ: بَلَى، يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ، قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)» (أخرجه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرّه أن يَبْسُط الله له في رزقه، وأن يَنْسَأ له في أَثَره ، فلْيَصِلْ رحمه» (أخرجه البخاري).

ومن صور جبر الخواطر: جبر خاطر المريض بالسؤال عنه، وتفقد أحواله، والدعاء له، فهذا أدب عظيم من آداب الإسلام، وفيه جبر لخاطر المريض، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "«حقُّ المسلمِ على المسلم خمس: ردُّ السلام ، وعِيادةُ المريض، واتِّباعُ الجنازة، وإِجابةُ الدَّعْوَةِ، وتشميتُ العاطس». (أخرجه البخاري ومسلم)، وفي الحديث القدسي كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: "«إنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول يومَ القيامة : يا ابنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني، قال: يارب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال: أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلانا مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ؟ يا ابنَ آدمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فلم تُطعمني، قال: يا رب ، كيف أطعِمُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال: أمَا علمتَ أنه استطعمكَ عبدي فلان فلم تُطْعِمْهُ، أمَا علمتَ أنَّكَ لو أطعمته لوجدتَ ذلك عندي ؟ يا ابنَ آدم، استَسقيْتُكَ فلم تَسْقني، قال: يا رب، وكيف أسقِيكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال: اسْتَسقَاك عبدي فلان، فلم تَسْقِه، أما إنَّك لو سَقَيْتَهُ وجدتَ ذلك عندي» (أخرجه مسلم).

ومن جبر الخواطر: جبر خاطر الأيتام والأرامل والمساكين، وذلك بالعطف عليهم، والإحسان لهم، وتفقد أحوالهم، والسعي في قضاء حاجاتهم، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ». وَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيهَا.(أخرجه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: « السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». قَالَ الْقَعْنَبِىُّ وَأَحْسِبُهُ قَالَ:«كَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ» (أخرجه البخاري ومسلم).

ومن جبر الخواطر: جبر خاطر أهل الأحزان في أحزانهم، والوقوف بجانبهم في أوقات الشدائد والمصائب بالتعزية، والمواساة لأهل الميت، والتخفيف عنهم، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ""حق الجار إن مرض عدته، وإن مات شيعته، وإن استقرضك أقرضته، وإن أعوز سترته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته..."(أخرجه الطبراني)، وعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ. أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ..."(أخرجه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ» (أخرجه الترمذي).

ومن جبر الخواطر: السعي في قضاء حوائج الناس، والتيسير عليهم، والرفق بهم، وفي هذا العمل من الخير العظيم، والثواب الجزيل ما فيه، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «واللهُ في عَونِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَونِ أَخيهِ» (أخرجه مسلم والترمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ، سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(أخرجه البخاري)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة حتى أقضيها له أحب إلي من أعتكف في المسجد شهراً".

ومن جبر الخواطر: الكلمة الطيبة، وهذه الكلمة أخبرنا المولى تبارك وتعالى أنها خير من الصدقة التي يتبعها أذى، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: "قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ" (سورة البقرة: 263)، وقال صلى الله عليه وسلم:« الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَة» (أخرجه أحمد)، وكذلك أيضًا من جبر الخواطر الابتسامة في وجه أخيك، فهي أيضًا من الصدقات، ومن جبر الخواطر، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تَبَسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة» (أخرجه الترمذي).

ومن جبر الخواطر: إنظار المعسر الذي لا يستطيع سداد دينه، أو وضعه عنه، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العمل من الأعمال الصالحة التي تظل صاحبها في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله فقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرا، أَو وَضَع له، أَظَلَّهُ الله يومَ القيامة تحت ظِلِّ عَرشه، يومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلّه» (أَخرجه الترمذي)، وقال: ((من أنظرَ معسراً، فله بكلِّ يوم صدقة قبل أنْ يَحُلَّ الدَّيْنُ، فإذا حلَّ الدين، فأنظره بعد ذلك، فله بكلِّ يوم مثله صدقة)) (أخرجه أحمد وابن ماجه)، وقال صلى الله عليه وسلم: «كَانَ رَجُلٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا أَعْسَرَ الْمُعْسِرُ قَالَ لِفَتَاهُ تَجَاوَزْ عَنْهُ، فَلَعَلَّ اللَّهَ يَتَجَاوَزُ عَنَّا فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ» (أخرجه البخاري ومسلم).

ومن جبر الخواطر: إطعام الطعام، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أسباب دخول الجنة، حيث قال: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَأَفْشُوا السَّلاَمَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ» (أخرجه الحاكم والبيهقي)، وقال صلى الله عليه وسلم: « أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا ثَوْبًا عَلَى عُرْىٍ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خَضِرِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِمًا عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ سَقَى مُسْلِمًا عَلَى ظَمَإٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ» (أخرجه أبو داود والترمذي).

ومن جبر الخواطر: السعي في نفع الناس، فأحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الناس إلى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إلى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ على مُسْلِمٍ، أو تَكَشِفُ عنه كُرْبَةً، أو تَقْضِي عنه دَيْنًا، أو تَطْرُدُ عنه جُوعًا؛ وَلأَنْ أَمْشِيَ مع أَخِ في حَاجَةٍ أَحَبُّ إلي من أَنْ أَعْتَكِفَ في هذا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يوم الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حَاجَةٍ حتى يَتَهَيَّأَ له أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يوم تَزُولُ الأَقْدَامِ"(أخرجه الطبراني).

كانت هذه ومضات سريعة حول عبادة جبر الخواطر، والتي هي من العبادات المهجورة التي ما أحوجنا إليها في هذا الزمان، نحتاج إلى جبر خاطر الوالدين، وجبر خاطر الأرحام، وجبر خاطر الأيتام والأرامل والمساكين، وجبر خاطر الناس بالسعي في قضاء مصالحهم وتقديم الخير والنفع لهم، وأن هذه العبادة تتحقق بالعمل اليسير ولو بالكلمة الطيبة، والبسمة الحانية كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمور من قبيل الصدقة، وأن أجرها وثوابها عند الله تعالى عظيم، فاجبروا الخواطر تجبروا.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق