الخميس، 12 ديسمبر 2013

الأمانة فى الإسلام



الأمانــة
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ.
فإن الله عز وجل ما وجد خيراً يقربنا منه إلا ودلنا عليه ، وما وجد شراً يبعدنا عنه إلا وحذرنا منه ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك دعوة القرآن والسنة إلى التحلى بالأخلاق الفاضلة ، ومن هذه الأخلاق خلق الأمانة ، فتعالوا نتعرف على هذا الخلق فى هذه المقالة المتواضعة فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: الأمانة في القرآن الكريم :
قال تعالى:( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)(سورة الأحزاب: الآية:72).
قال ابن عباس رضى الله عنهما: الأمانة الفرائض عرضها الله على السماوات والأرض والجبال إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم. وقال آخرون: الأمانة الطاعة.
وقال أبي بن كعب: من الأمانة أن المرأة أؤتمنت على فرجها.
وقال قتادة: الأمانة الدين والفرائض والحدود.
 وقال بعضهم: الغسل من الجنابة.
وقال مالك عن زيد بن أسلم: الأمانة ثلاثة الصلاة والصوم والاغتسال من الجنابة.
وقال الربيع بن أنس: هي الأمانات فيما بينك وبين الناس.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله: الأمانة تعم جميع وظائف الدين ونسب هذا القول لجمهور المفسرين(الجامع لأحكام القرآن : جـ14 صـ252).
وأمرنا الله تبارك وتعالى بأداء الأمانات إلى أهلها فقال جل وعلا فى كتابه العزيز: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (سورة النساء:الآية:58).
قال الإمام القرطبي رحمه الله:قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)  هذه الآية من أمهات الأحكام تضمنت جميع الدين والشرع0
ثم قال رحمه الله: والأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس فهي تتناول الولاة فيما إليهم من الأمانات في قسمة الأموال ورد الظلامات والعدل في الحكومات، وهذا اختيار الطبري، وتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك ، كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه ؛ والصلاة والزكاة وسائر العبادات أمانة الله تعالى (الجامع لأحكام القرآن :جـ5صـ255).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله، عز وجل، على عباده، من الصلوات والزكوات، والكفارات والنذور والصيام، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله عز وجل، بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة (تفسير ابن كثير:جـ3صـ338).
وبين ربنا سبحانه وتعالى أن الأمانة والمحافظة عليها وأدائها من صفات المؤمنين المفلحين فقال عز وجل عند ذكر صفات المومنين: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (سورة المؤمنون:الآية:8).
وحذرنا المولى تبارك وتعالى فى كتابه العزيز من خيانة الأمانة فقال جل وعلا:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)(سورة الأنفال:الآية:27).
عن ابن عباس رضى الله عنهما: { وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ } الأمانة الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد -يعني الفريضة يقول: لا تخونوا: لا تنقضوها (تفسير ابن كثير : جـ4صـ41 ).
ثانياً : الأمانة فى السنة النبوية:إن المتأمل فى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أنه صلوات الله عليه وسلامه حث أمته على التحلي بهذا الخُلق العظيم ألا وهو خُلق الأمانة فى أحاديث كثيرة منها:
أنه صلى الله عليه وسلم أمرنا بأداء الأمانة إلى أصحابها ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدِ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك (أخرجه أبو داود فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود حديث رقم 3535).
وبين المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الأمانة والمحافظة عليها وأدائها دليل على الإيمان وأن ضياع الأمانة دليل على خلل فى الإيمان ومن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له". (أخرجه أحمد فى مسنده وصححه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 7179).
قال الإمام المناوي رحمه الله:(لا إيمان لمن لا أمانة له) فإن المؤمن من أمنه الخلق على أنفسهم وأموالهم فمن خان وجار فليس بمؤمن أراد نفي الكمال لا الحقيقة،(ولا دين لمن لا عهد له) هذا وأمثاله وعيد لا يراد به الوقوع بل الزجر والردع ونفى الكمال والفضيلة قال الحكيم والعهد هو تذكرة الله للعبد يوم أخذ الميثاق فنسيه الأعداء وحفظه الموحدون لكن تعتريهم غفلة فأوفرهم حظا من الحفظ أوفرهم حظا من الذكر (التيسير بشرح الجامع الصغير: جـ2صـ942).
وبين لنا النبى صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة علامة من علامات النفاق فقال صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)رواه البخارى ومسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله:والصحيح المختار أن معناه إن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين فى هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا المعنى موجود فى صاحب هذه الخصال ويكون نفاقه فى حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق فى الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر ولم يرد النبى صلى الله عليه و سلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين فى الدرك الأسفل من النار(شرح النووي على مسلم : جـ2 صـ47).
وعن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»(رواه البخارى ومسلم).
وبين صلوات الله عليه وسلامه أن ضياع الأمانة من علامات الساعة فعن شداد بن أوس صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما تفقدون من دينكم الأمانة"رواه مسلم.
قال الإمام ابن العربي رحمه الله  :وصفة رفع الأمانة وفقدها أن ينام الإنسان فتقبض من قلبه ، والمعنى فيه أن المرء في النوم متوفي ثم مرجوع إليه روحه فإذا قبضت على صفة من الأمانة ردت إليه بدونها ، وتحقيقه أن الأعمال لا يزال يضعفها نسيانها حتى إذا تناهى الضعف ذهبت بالنوم عن النفس فإذا ردت عليه ردت دونها فلا يبقى لها أثر وما عنده من الإيمان وأصل الاعتقاد الضعيف فى ظاهر القلب ثم ينام فلا ترجع إليه إلا بعد نزع باقي الأمانة بقوة فلا يبقى شئ (فيض القدير:جـ3صـ114).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله يا رسول الله متى الساعة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: "إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"(رواه البخارى).
وقال صلى الله عليه وسلم: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الروبيضة قيل: وما الروبيضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة"(أخرجه ابن ماجة فى سننه وصححه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجة حديث رقم 4108).
وبين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن حفظ الأمانة وأدائها سبب من أسباب دخول الجنة فعن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثنم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا اؤتمنتم واحفظوا وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم " (أخرجه الحاكم فى المستدرك وحسنه الألبانى فى صحيح الجامع حديث رقم 1018).
وأوصي النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه بحفظ الأمانة فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، أخبره قال : أخبرني أبو سفيان ، أن هرقل قال له : سألتك ماذا يأمركم ؟ فزعمت : " أنه أمركم بالصلاة ، والصدق ، والعفاف ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة " ، قال : وهذه صفة نبي(رواه البخارى).
ثالثاً : الأمانة من صفات الأنبياء و أتباعهم:
بين لنا المولى تبارك وتعالى فى كتابه العزيز أن الأمانة صفة من صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم وورد ذلك فى آيات كثيرة من القرآن الكريم منها:
قال نبي الله نوح- عليه السلام-: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [الشعراء: 107].
وقال نبي الله هود - عليه السلام -: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [الشعراء:125].
وقال نبي الله صالح - عليه السلام -: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [الشعراء:143].
وقال نبي الله لوط - عليه السلام -: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [الشعراء:162].
وقال نبي الله شعيب - عليه السلام -: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) [الشعراء:178].
ولقد كان المشركون يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه الصادق الأمين ، وكان هو صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه: "أما والله إني الأمين في السماء وأمين في الأرض"
( أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (7337).
رابعاً: من آثار السلف الصالح فى الأمانة:
عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: القتل في سبيل الله كفارة كل ذنب إلا الأمانة ، وإن الأمانة الصلاة والزكاة  والغسل من الجنابة والكيل والميزان والحديث وأعظم من ذلك الودائع .
وعن أنس بن مالك قال: إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة .
وعن خالد الربعي قال: كان يقال : " إن من أجدر الأعمال أن لا تؤخر عقوبته أو يعجل عقوبته الأمانة تخان والرحم تقطع والإحسان يكفر " .
وعن مجاهد قال : المكر والخديعة والخيانة في النار وليس من أخلاق المؤمن المكر ولا الخيانة (مكارم الأخلاق : لابن أبى الدنيا صـ2).
خامساً : مجالات الأمانة وأنواعها:
للأمانة مجالات وأنواع متعددة وليست كما يظن كثير من الناس عند سماع هذه الكلمة أن المراد بها الأموال والودائع ولكن الأمانة تشمل الدين كله ، ومن مجالات الأمانة وأنواعها الآتى:
1- أمانة التكليف:من أعظم الأمانات التى أمر الله عز وجل بحفظها والعناية بها والمحافظة عليها وأدائها كما أمر سبحانه وتعالى أمانة التكاليف الشرعية التى كلفنا بها فى هذه الحياة الدنيا ، وبين الله عز وجل لنا فى كتابه العزيز هذه التكاليف الشرعية وأنه لم يخلقنا عبثاً ولم يتركنا سدى ، وإنما خلقنا لحكمة عظيمة ومهمة جليلة وهى تحقيق توحيده وعبوديته سبحانه وتعالى ، وتتجلى أمانة التكليف في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)( سورة الذاريات : الآية: 56).
قال علي رضي الله عنه : أي وما خلقت الجن ولإنس إلا لآمرهم بالعبادة.
وقال عكرمة رضى الله عنه: إلا ليعبدون ويطيعون فأثيب العابد وأعاقب الجاحد(الجامع لأحكام القرآن:جـ17صـ55).
2- أمانة الأموال والودائع:وهي من أخطر الآفات والآثام التي تركها كثير من المسلمين وأشد الأمانة الودائع من الأموال والأولاد وغير ذلك؛ يقول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ، وقال r: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله"(رواه البخارى).
قال الإمام المناوى رحمه الله :(من أخذ أموال الناس) بوجه من وجوه التعامل أو للحفظ أو بقرض أو غير ذلك لكنه(يريد أداءها أدى الله عنه) خبر لفظاً ومعنى أي يسر الله ذلك بإعانته وتوسيع رزقه ويصح كونها إنشائية معنى بأن يخرج مخرج الدعاء(ومن أخذها يريد إتلافها ) على أصحابها بصدقة أو غيرها (أتلفه الله) أي أتلف الله أمواله في الدنيا بكثرة المحن والمغارم والمصائب ومحق البركة وفي الآخرة بالعذاب(التيسير بشرح الجامع الصغيرجـ2صـ756).
3- أمانة حفظ الأسرار:ومن الأمانات التى أمر الشارع بحفظها وحذر من إفشائها أمانة كتم الأسرار ولا سيما بين الرجل وزوجته وقد جاء فى سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم
فعن أبي سعيد الخدرى- رضى الله عنه - قال: قال صلى الله عليه وسلم : "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها"(رواه مسلم).
قال الإمام النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجرى بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجرى من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروءة ، وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها أو تدعى عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فلا كراهة في ذكره كما قال صلى الله عليه و سلم: إنى لأفعله أنا وهذه ، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة أعرستم الليلة ، وقال لجابر: الكيس الكيس والله أعلم(شرح النووى على صحيح مسلم:جـ10صـ9).
إِذَا الْمَرْءُ أَفْشَى سِرَّهُ بِلِسَانِهِ             وَلامَ عَلَيْهِ غَيْرَه فَهُوَ أَحْمَقُ
إِذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ       فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرِّ أَضْيَقُ
4- الأمانة تجاه الرعية:ومن الأمانات التى أمر الشارع بحفظها والعناية بها الأمانة تجاه الرعية أياً كانت هذه الرعية خاصة أو عامة كبيرة أو صغيرة عظيمة أو حقيرة وقد جاء الأمر بذلك فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ومن ذلك : قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (سورة التحريم: الآية:6).
وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله r: " كلكم راع ، وكلكم مسئول عن رعيته ، الإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته".
قال الإمام المناوي رحمه الله :قوله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع ": أي حافظ ملتزم بصلاح ما قام عليه وهو ما تحت نظره من الرعاية وهي الحفظ يعني كلكم مستلزم بحفظ ما يطالب به من العدل إن كان واليا ومن عدم الخيانة إن كان مولياً عليه ،(وكل) راع (مسؤول عن رعيته) في الآخرة فكل من كان تحت نظره شئ فهو مطلوب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقات ذلك فإن وفي ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من رعيته بحقه في الآخرة(فيض القديرجـ5صـ49).
وعن معقل بن يسار- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة"(رواه مسلم).
قال الإمام المناوي رحمه الله :(ما من عبد يسترعيه الله رعية) أي يفوض إليه رعاية رعية وهي بمعنى المرعية بأن ينصبه إلي القيام بمصالحهم ويعطيه زمام أمورهم والراعي الحافظ المؤتمن على ما يليه من الرعاية وهي الحفظ ، (يموت) خبر ما (يوم يموت) الظرف مقدم على عامله ،(وهو غاش) أي خائن (لرعيته) المراد يوم يموت وقت إزهاق روحه وما قبله من حالة لا تقبل فيها التوبة لأن النائب من خيانته تقصيره لا يستحق هذا الوعيد،(إلا حرم الله عليه الجنة) أي إن استحل أو المراد يمنعه من دخوله مع السابقين الأولين وأفاد التحذير من غش الرعية لمن قلد شيئا من أمرهم فإذا لم ينصح فيما قلد أو أهمل فلم يقم بإقامة الحدود واستخلاص الحقوق وحماية البيضة ومجاهدة العدو وحفظ الشريعة ورد المبتدعة والخوارج فهو داخل في هذا الوعيد الشديد المفيد لكون ذلك من أكبر الكبائر المبعدة عن الجنة ، وأفاد بقوله يوم يموت أن التوبة قبل حالة الموت مفيدة(فيض القدير : جـ5صـ623).
5- الأمانة في البيع والشراء:أخرج البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام رضى الله عنه  أن النبى صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما.
الشعب أمانة في يد الزعماء والدين أمانة في يد العلماء والعدل أمانة في يد القضاة والحق أمانة في يد المحامين، والصدق أمانة في يد الشهود والمرضى أمانة في يد الأطباء والمصالح أمانة في يد المستخدمين والتلميذ أمانة في الأستاذ والولد أمانة في يد أبيه والوطن أمانة في عنق الجميع (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)(سورة البقرة: الآية:283).
خامساً: التحذير من خيانة الأمانة:حذرنا الله عز وجل من خيانة الأمانة فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)(سورة الأنفال:الآية:27).
لا تخونوا الله والرسول في الأمانة العامة أمانة التكاليف ولا تخونوا أماناتكم الخاصة من الودائع ، وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الخيانة؛ فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة"( أخرجه أبو داود فى سننه وحسنه الألبانى فى صحيح سنن أبى داود حديث رقم 1547).
قال الإمام المناوى رحمه الله :(اللهم إني أعوذ بك من الجوع) أي من ألمه وشدة مصابرته (فإنه بئس الضجيع) أي النائم معي في فراش واحد قلما كان يلازم صاحبه في المضجع سمي ضجيعا (وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة) ومن ثم قيل أفحش الزمانة عدم الأمانة(فيض القدير : جـ2 صـ189).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
                                                                                       كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف  
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق