الأحد، 15 ديسمبر 2013

ضوابط الفتيا في النوازل المعاصرة

ضوابط الفتيا في النوازل المعاصرة
اسم الباحث   الدكتور / مسفر بن علي القحطاني
المصدر   الباحث
التحكيم  محكم
المقدمة  إن للنظر والاجتهاد في أحكام النوازل المقام الأسمى في الإسلام لما له من موصول الوشائج بأصوله وفروعه الحظ الأوفى والقدح المعلى ،وهو الميدان الفسيح الذي يستوعب ما جدّ من شؤون الحياة والأحياء ، وتعرف من خلاله أحكام الشرع في الوقائع والمستجدات الدينية والدنيوية .
ولا يخفى على أهل العلم والإصلاح ما وقع خلال الأسابيع الماضية من عدوان غاشم على العراق استهدف أرضه ومقدراته وانتهك حقوق شعبه وحرماته ، فكانت نازلة عظيمة أصيبت بها الأمة العربية و الإسلامية في فؤادها وتأثر لها العالم أجمع ، ولعلها بداية السيل الغربي العرم على بلادنا ومقدساتنا وثقافاتنا الإسلامية .
عندها علت صيحات الغيورين محذّرةً من هذه الفتنة ومرشدةً للمخرج الشرعي منها ، فخرج على إثرها عدد من الفتاوى الشرعية للجان وهيئات علمية وكذا لأفراد من أهل العلم ؛ بيّنت أحكام بعض النوازل التي وقعت في الحرب ؛ كحكم جهاد الغزاة من الأمريكان والبريطانيين ، والتعاون مع البعثيين في ذلك ، وحكم مناصرتهم ومظاهرتهم على المسلمين في هذه الأزمة ، وهل يجوز لجيوش المسلمين المشاركة في هذه الحرب بتقديم العون والدعم مهما كان لأولئك المعتدين إلى غيرها من المسائل الواقعة والمتوقعة الحدوث خلال الأيام القادمة .
وقد أدى خروج بعض هذه الفتاوى في الساحة الإسلامية إلى شيءٍ من التباين والاختلاف في أحكامها ، والتنافر والتباعد بين أعلامها ، إضافة للحيرة والاضطراب التي اعترت كثير من المسلمين من جراء هذا الاختلاف ، في حين أننا في أمس الحاجة في هذه الأزمات للتقارب والائتلاف و التعاون وجمع الكلمة على الحق . ومن أجل هذا المقصد العظيم أحببت أن أشارك إخواني الباحثين وطلبة العلم الناصحين بتوضيح أهم ضوابط النظر والاجتهاد في مثل هذه النوازل ، وذكر الملامح الهامة لاجتهادٍ أمثل يستند على نصوص الشرع ويتوافق مع مقاصده الكلية وقواعده العامة.
ومن أجل ذلك قسمت هذا البحث إلى ثلاثة مطالب :
المطلب الأول :مناهج الفتيا في النوازل المعاصرة .
المطلب الثاني:الضوابط التي ينبغي أن يراعيها المجتهد قبل الحكم في النازلة .
المطلب الثالث: الضوابط التي ينبغي أن يراعيها المجتهد أثناء بحث النازلة .
هذا والله أسأل أن يجد القارئ في هذا التأصيل لفقه النوازل ما ينتفع به طلبة العلم والباحثين ويرأب الصدع الذي حدث بين بعضهم من جرّاء أحداث الأزمة الراهنة ، ولا أزعم أخواني القراء الإحاطة والإستقصاء وإنما هي محاولة متواضعة أفتح فيها المجال لأهل العلم والفضل لإشباع هذا الجانب المهم من التأصيل ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، كما أود التنبيه أني قد استعنت في بحثي هذا بدراستي الموسعة حول هذا الموضوع في رسالتي للدكتوراه والتي كانت بعنوان :(منهج استنباط الأحكام الفقهية للنوازل المعاصرة ، دراسة تأصيلية تطبيقية) والتي سوف تنزل المكتبات قريباً إن شاء الله.
 
الخاتمة  هذه بعض الضوابط التي جرت الإشارة إليها بإيجاز ليتسنى للمجتهد والمفتي مراعاتها وتوخيها قدر استطاعته .
وهناك الكثير من الآداب والضوابط ذكرها العلماء في معرض حديثهم عن الاجتهاد وأدب المفتي أعرضت عن بعضها لعدم الحاجة إليها في عصرنا الحاضر كما أغفلت بعضها الآخر رجاء عدم الإطالة والتشعب .
ولعلي أكتفي بجملةٍ من الضوابط المجملة ذكرها الإمام الخطيب البغدادي يحسن إيرادها في خاتمة هذا المبحث وهي كما قال ـ رحمه الله ـ :
(( ينبغي ـ أي للناظر المجتهد أو للمفتي ـ أن يكون : قوي الاستنباط ، جيد الملاحظة، رصين الفكر ، صاحب أناة وتؤدة ، وأخا استثبات وترك عجلة ، بصيراً بما فيه المصلحة مستوقفاً بالمشاورة ، حافظاً لدينه مشفقاً على أهل ملته ، مواظباً على مروءته ، حريصاً على استطابة مأكله ، فإن ذلك أول أسباب التوفيق ، متورعاً عن الشبهات ، صادفاً عن فاسد التأويلات ، صليباً في الحق ، دائم الاشتغال بمعادن الفتوى ، وطرق الاجتهاد ، ولا يكون ممن غلبت عليه الغفلة ، واعتوره دوام السهر، ولا موصوفاً بقلة الضبط منعوتاً بنقص الفهم معروفاً بالاختلال ، يجيب بما لا يسنح له ، ويفتي بما يخفى عليه .. ))
وأخيراً : ينبغي للناظر التزام حِمى ( لا أدري ) عند عدم العلم فإن هذا لا يضع من قدره ولا يحط من شأنه ، وذلك أن الإحاطة متعذرة ولابد من أشياء تكون مجهولة وهو محل ( لا أدري ) ومن طمع في الإحاطة فهو جاهل ، ومن تقدم لما ليس له به علم فهو كذاب .
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما :(( إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله ))
وجاء عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قوله : (( العلم ثلاثة : كتاب ناطق ، سنة
ماضية ، ولا أدري )) ( ).
والنصوص في ذلك كثيرة وآثار العلماء الربانيين شاهدة على اعتبار هذا الأصل والالتجاء إليه عند عدم القدرة والعلم .
وختاماً أسأل الله عزوجل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والتوفيق أن يقينا شر مصارع الجهل والهوى ، فما أصبت فمن الله وحده وماأخطأت فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله تعالى من كل ذنب وخطيئة ، والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
 
http://www.islamfeqh.com/Nawazel/NawazelItem.aspx?NawazelItemID=1923

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق