الخميس، 13 فبراير 2014

صلة الأحارم تزيد الأعمار وتبارك الأرزاق



صلة الأحارم تزيد الأعمار وتبارك الأرزاق
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ 0
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ وَكُلُّ ضَلالَةٍ فِي النَّارِ ، وإِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ .
أولاً: فضل صلة الرحم في القرآن الكريم:
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
( سورة النساء : الآية: 1).
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:( وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) يقول: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام وصلوها.
وعن الضحاك قال : واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها.(تفسير ابن كثير : جـ1صـ554).
وقال تعالى:(أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ).( سورة الرعد:الآيات: 19 -24).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله:(يقول تعالى مخبراً عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار, وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة:( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ) وليسوا كالمنافقين الذين إِذا عاهد أحدهم غدر, وإذا خاصم فجر, وإذا حدث كذب, وإذا ائتمن خان.  
( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ) من صلة الأرحام والإحسان إليهم, وإلى الفقراء والمحاويج, وبذل المعروف, (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي فيما يأتون وما يذرون من الأعمال, ويراقبون الله في ذلك, ويخافون سوء الحساب في الدار الآخرة, فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم, وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية.
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي عن المحارم والمآثم, ففطموا أنفسهم عنها لله عز وجل ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه(تفسير ابن كثير : جـ2صـ620 وما بعدها).
وقال الإمام القرطبي رحمه الله:قوله تعالى:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) ظاهر في صلة الأرحام وهو قول قتادة وأكثر المفسرين وهو مع ذلك يتناول جميع الطاعات.(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) قيل : في قطع الرحم وقيل : في جميع المعاصي.
(وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ)سوء الحساب الاستقصاء فيه والمناقشة ومن نوقش الحساب عذب (تفسير القرطبي : جـ9صـ310).

قال سعيد بن جبير في قوله تعالى:(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ) يعني من الإيمان بالنبيين وبالكتب كلها ويخشون ربهم يعني يخافون من قطع ما أمر الله به أن يوصل أي كالرحم ويخافون سوء الحساب يعني شدة العذاب. (تفسير القرطبي : جـ9صـ310).
وقال سبحانه:(فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(سورة الروم : الآية: 39).
ثانياً: فضل صلة الرحم فى السنة النبوية المطهرة:
وأما عن فضل صلة الرحم في السنة المطهرة فإن فضلها عظيم وثوابها كبير كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة من سنته الشريفة ومن ذلك الآتي:
1-صلة الرحم تزيد في العمر وتبارك في الرزق:
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره)(رواه البخاري ومسلم).
قال الطبري رحمه الله : فإن قيل كيف ينسأ له فى أجله ، وقد قال تعالى : ( فإذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون ، وقال النبى صلى الله عليه وسلم: (إن ابن آدم يكتب فى بطن أمه أثره وأجله ورزقه) ؟
فالجواب : أنه إن فعل ذلك به جزاء له على ما كان له من العمل الذى يرضاه ، فإنه غير زائد فى علم الله تعالى شيئًا لم يكن له عالما قبل تكوينه ، ولا ناقص منه شيئًا ، بل لم يزل عالمًا بما العبد فاعل وبالزيادة التى هو زائد فى عمره بصلة رحمه ، والنقص الذى هو بقطعه رحمة من عمره ناقص قبل خلقه لايعزب عنه شىء من ذلك.
وقال الخطابي رحمه الله: قوله:(ينسأ له فى أثره) معناه يؤخر فى أجله ويسمى الأجل أثرًا لأنه تابع للحياة وسابقها. (شرح صحيح البخاري: لابن بطال جـ9صـ204).
 وعن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن في الأعمار) (أخرجه البيهقي فى شعب الإيمان وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم (3767).
وعن عمرو بن سهل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل)( أخرجه الطبراني فى المعجم الأوسط وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم (3768).
ومما قاله العلماء في معنى زيادة العمر وبسط الرزق الواردين في هذه الأحاديث ما يلي:
1- أن المقصود بالزيادة أن يبارك الله تعالى في عمر الإنسان الواصل ويهبه قوة في الجسم ورجاحة في العقل، ومضاء في العزيمة فتكون حياته حافلة بجلائل الأعمال.
2- أن الزيادة على حقيقتها فالذي يصل رحمه يزيد الله له في عمره ويوسع له في رزقه.
قال الإمام النووي رحمه الله:
وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (سورة الأعراف :رقم الآية :34).
وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها:
أن هذه الزيادة بالبركة في عمره، وبالتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك0

والثاني: أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى:(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)( سورة الرعد: الآية: 39).
فبالنسبة إلى علم الله تعالى وما سبق له قدرة لا زيادة بل هي مستحيلة، وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث(شرح صحيح مسلم للنووي : جـ19صـ88).
2- صلة الرحم دليل على الإيمان بالله واليوم الآخر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) (رواه البخاري).
3- من وصل رحمه وصله الله عز وجل:
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته- أو قال: "بتته" أي قطعته)( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (1907).
4- أفضل الصدقة الصدقة على الأرحام:
عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل الصدقة صدقة على ذي الرحم الكاشح)( أخرجه الحاكم فى المستدرك وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم (1110)0
ومعنى الحديث: أن أفضل الصدقة على ذي الرحم الذي اضمر العداوة في كشحه؛ لأنها تكون صلة وصدقة لذي رحم مقاطع.
قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله : قيل في تأويل الكاشح ها هنا القريب وقيل المبغض المعادي فإنه طوى كشحه على بغضه وعداوته وهو الصحيح والله أعلم(التمهيد : جـ1صـ 207).
قال الإمام المناوي رحمه الله:قوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصدقة الصدقة على ذي الرحم الكاشح) فالصدقة عليه أفضل منها على ذي رحم غير كاشح لما فيه من قهر النفس للإذعان لمعاديها(التيسير بشرح الجامع الصغير  :جـ1صـ370).
5- مضاعفة ثواب الصدقة على ذوي الأرحام:
عن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان = صدقة وصلة) (أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (892)وصحيح الجامع حديث رقم (3858)0
عن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صدقة ذي الرحم على ذي الرحم صدقة وصلة)( أخرجه الطبراني فى الأوسط وحسنه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم (3763)0
قال الإمام المناوي رحمه الله : وفائدة التصريح بأن العمل قد يجمع ثواب عملين لتحصيل مقصودهما به، فلعامله سائر ما ورد في ثوابهما بفضل الله ومنته.(فيض القدير :جـ4صـ253).
6- صلة الرحم سبب من أسباب دخول الجنة:
عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام)( أخرجه الترمذي فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن الترمذي حديث رقم (2485).
وقال صلى الله عليه وسلم: (أطب الكلام، وأفش السلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام)(أخرجه أبو نعيم فى الحلية وصححه الألباني فى صحيح الجامع حديث رقم (1019)0
7- صل رحمك وإن قطعك:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال؟ فقال: (يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعف عمن ظلمك) (أخرجه أحمد فى مسنده وصححه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (2536)0
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)(رواه البخاري).
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله إن لي قرابة، أصل ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل- الرماد الحار- ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك) (رواه مسلم).
ثالثاً: ما هي الرحم التي تجب صلتها وتحرم قطيعتها؟:
اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب صلتها وتحرم قطيعتها على قولين:
الأول: قالوا بأن الرحم التي تجب صلتها خاصة بكل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى حرمت مناكحتها وعلى هذا القول لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال في الأرحام.
الثاني: قالوا بأن الرحم تطلق على الأقارب الذين يجمعك وإياهم نسب واحد سواء كان ذا محرم أم بينك وبينه توارث أم لا وهذا هو الصواب الذي رجحه النووي والقرطبي وابن حجر وغيرهم ويستدل بصحة هذا القول بحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم ستفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً)(رواه مسلم).
فالرحم التي توصل ثلاثة أنواع:
1- رحم عامة: وهم من تربطك بهم علاقة الإسلام وهؤلاء كما يقول الإمام القرطبي: يجب مواصلتهم بملازمة الإيمان والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة لهم وترك مضارتهم.
2- رحم خاصة: وهي رحم القرابة من طرفي الرجل أبيه وأمه وتجب لهم من الحقوق ما للعامة وزيادة كالنفقة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن أحوالهم وتعاهدهم في أوقات ضروراتهم.

3- رحم القريب غير المسلم: فأجاز الإسلام صلتهم بالبر والإحسان إليهم وليس ذلك بمحرم ولا منهي عنه لأن مجرد فعل المعروف معهم وصلتهم لا يستلزم المودة والتحابب المنهي عنه والدليل على ذلك قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).( سورة الممتحنة : الآية: 8).
قال العلماء: وحقيقة الصلة العطف والرحمة، فصلة الله سبحانه وتعالى عبارة عن لطفه بهم ورحمته إياهم وعطفه بإحسانه ونعمه أو صلتهم بأهل ملكوته الأعلى وشرح صدورهم لمعرفته وطاعته.
وقال القاضي عياض رحمه الله: ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة في الجملة وقطيعتها معصية كبيرة.
وقال الإمام النووى رحمه الله: واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل: هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكراً أو أنثى حرمت مناكحتها، وقيل: هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي في ذلك المحرم وغيره وهو الصواب(شرح صحيح مسلم، جـ16 صـ87).
وقال أيضاً رحمه الله: صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيادة والسلام وغير ذلك0
رابعاً: التحذير من قطيعة الرحم:
قال تعالى:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23].
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى، قال: فذاك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23].
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ذنب أجدر أي أحق- أن يجعل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم) (أخرجه أبو داود فى سننه وصححه الألباني فى صحيح سنن أبى داود حديث رقم (4902).
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة قاطع) قال سفيان: يعني قاطع رحم.(رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس وليلة جمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم) (أخرجه أحمد فى مسنده وحسنه الألباني فى صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم (2538).
وروي عن محمد الباقر أن أباه زين العابدين رضي الله عنهما قال: لا تصاحب قاطع الرحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع:
1- قال تعالى:( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [البقرة: 27].
2- قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25].
3-قال تعالى:(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22، 23].
آية سورة القتال واللعن فيها صريح ، والرعد واللعن فيها بطريق العموم لأن ما أمر الله به أن يوصل يشمل الأرحام وغيرها، والبقرة واللعن فيها بطريق الاستلزام إذ هو من لوازم الخسران.
وقد نقل الإمام القرطبي في تفسيره اتفاق الأمة على وجوب صلة الرحم وحرمة قطعها.(الزواجر عن اقتراف الكبائر: جـ2 صـ138).
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين ، وارحم موتانا وموتى المسلمين ، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين وأذل الشرك والمشركين ، اللهم انصر عبادك المجاهدين فى كل مكان ،ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ، ربنا آتنا فى الدنيا وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار0

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

كتبه
أبو معاذ أحمد بن عرفة
محاضر بوزارة الأوقاف 
ومعيد بقسم الفقه المقارن جامعة الأزهر
وعضو الجمعية الفقهية السعودية
00201119133367
Ahmedarafa11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق